ضريبة الدخل بين ما يراه أفراد المجتمع وما تخطط له الحكومة
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
من الصعوبة تحديد تاريخ فرض الضرائب على الأفراد في العصر الحديث، ولكن يمكن القول بأن المملكة المتحدة تعَد أول دولة في العالم فرضت ضريبة على الدخل الفردي والذي كان في عام (1842). في الجانب الآخر فإن فرنسا تأخرت عنها بما يصل إلى خمس وسبعين سنة بسبب إلغائها عدة مرات أو الفشل في المصادقة على فرض الضريبة على مواطنيها، إلا أنه في النهاية تمت المصادقة عليها من البرلمان في عام (1917) تقريبا.
بيد أن تحويل قانون الضريبة إلى مجلس عُمان يعطي دلالة بأن المشروع أخذ مساره التشريعي، وبالتالي، تتبقى مسألة المدة الزمنية التي يتم فيها التطبيق، كما أن ما توصل إليه مجلس الشورى والدولة من توصيات حيال مشروع القانون، يتضح بأن مجلس الدولة كان أكثر عمقا وتحليلا للقانون عنه من مجلس الشورى المنتخب من أفراد المجتمع، من حيث الطرح الاقتصادي والنظرة الشمولية للتأثيرات التي قد تنجم من تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد بصفة خاصة، وعلى الاقتصاد الوطني بصفة عامة، الأمر الذي أدى إلى قيام مجلس الدولة التصويت بتأجيل تطبيق مشروع القانون. مع العلم بأن كلا المجلسين سلطتهما التشريعية تتمثل في إبداء الملاحظات والتوصيات.
التخطيط الحكومي لفرض ضريبة الدخل على الأفراد هو محاولة لتنويع الإيرادات العامة وتقليل الاعتماد على النفط والغاز اللذين لا زالا يمثلان أكثر من نصف الإيرادات السنوية بالميزانية العامة للدولة، والنفط والغاز وإن كانا يدران دخلا سنويا فهما معرضان للنضوب بعد مدة من الزمن حيث يعتمد ذلك على كميات الاحتياطيات القابلة للاستخراج. أيضا تأثر أسعار النفط بالتداعيات السياسية خاصة صعوبة التكهن بالمستوى الذي من الممكن أن تصل إليه أسعار النفط بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنصب الرئاسة. كما أن كثيرا من المحللين يرون بأن ضريبة الدخل تعمل على إيجاد نوع من العدالة والإنصاف بين أفراد المجتمع لأنها تفرض على الدخول المرتفعة بينما لا يدفع أصحاب الدخول المتوسطة أو المنخفضة والتي يُقدر دخلها بما لا يزيد على ثلاثين ألف ريال سنويا للضريبة. أيضا فرض ضريبة الدخل يأتي متسقا مع مستهدفات «رؤية عمان 2040» إذ إن المخطط الزمني بأن تكون مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز (90%) بحلول عام (2040).
إلا أن تحديات فرض ضريبة الدخل على الأفراد ليس في مسألة أن التوقيت غير مناسب ولكن للتداعيات التي قد تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني والذي -بالكاد- بدأ يخرج -شيئا فشيئا- من مرحلة التعافي من الأزمات الاقتصادية السابقة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وأزمة -كوفيد 19- والديون العامة التي ما زالت ترهق فوائدها الميزانية العامة بشكل سنوي، كما أن إعادة هيكلة جهاز الضرائب عن طريق إيجاد مديرية عامة للامتثال الضريبي يوحي بأن مسألة التهرب الضريبي مسألة جوهرية عند فرض الضرائب على الدخول الفردية. حيث إن الأفراد بطبيعتهم السيكولوجية يحاولون البحث عن مخارج قانونية وغير قانونية لتجنب دفع الضريبة وهذا مشاهَد حتى في الدول التي لها خبرة طويلة في تطبيق الأنظمة الضريبية.
أيضا فإن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تتوافق في أغلب القوانين وخاصة الاقتصادية والمالية كما حدث في ضريبة القيمة المضافة وذلك اتساقا مع التوجهات المستقبلية في إقامة السوق الخليجية المشتركة وبالتالي، قيام دولة معينة بفرض ضريبة على الأفراد قد لا يخدم ذلك التوجه من الناحية الاقتصادية والاستثمارية، كما أن الاستثمار الخارجي ومسألة التنافس في جذب رؤوس الأموال الأجنبية تسير بخطى سريعة على المستوى الإقليمي كما هو مشاهد في دول المجلس. وبالتالي، قد تكون لفرض ضريبة الدخل على الأفراد تأثيرات سلبية في إضعاف الميزة التنافسية التي تتمتع بها سلطنة عمان من الاستقرار السياسي والموقع الجغرافي وبالتالي، فإن الشركات أو المستثمرين قد يوجهون استثماراتهم للدول التي لا تُفرض بها ضريبة الدخل على الأفراد. أيضا الانفتاح والتكامل الاقتصادي والمالي بين دول المجلس الذي يتيح حرية تنقل الأموال بين أسواق دول المجلس بصورة سريعة ودون قيود، قد يؤدي إلى تضرر بيئة الاستثمار المحلي بسبب هروب رأس المال النقدي كنتيجة مباشرة لفرض الضريبة.
عليه نرى بأن التوجه إلى أفراد المجتمع -وإن كانوا من ذوي الدخول المرتفعة- لتغطية برامج الحماية الاجتماعية قد لا يتوافق مع سياسات ترشيد الإنفاق والاستدامة المالية التي أعطت مؤشرات جيدة، وبالتالي، الاستمرار في هذا النهج قد يعوض الإيرادات المتوقعة من ضريبة الدخل على الأفراد. كما أن ضريبة الدخل ليست كضريبة القيمة المضافة التي تدفع -تلقائيا- وقت الحصول على السلعة أو الخدمة، ضريبة الدخل بحاجة إلى أدوات رقابية ولوائح تنظيمية ذات فاعلية، كما تحتاج إلى أنظمة إلكترونية ذات تكاليف مالية وبرامج توعوية لأفراد المجتمع لنشر مفاهيم الأهداف الوطنية من فرض الضريبة ومتابعة الامتثال للخاضعين لها.
الجانب الآخر وحسب ما نشر بوسائل الإعلام عقب جلسات مجلس عُمان من بيانات أولية عن الضريبة، فإن الإيرادات المتوقع تحصيلها تصل إلى (276) مليون ريال سنويا، والذي يعَد أقل بكثير عن ضريبة القيمة المضافة والتي تبلغ إيراداتها السنوية (400) مليون ريال تقريبا، وهذا لأن المخاطبين بدفع الضريبة يمثلون تقريبا (1%) من عدد السكان. هذا العدد من الخاضعين للضريبة يعطي انطباعا بأن غالبية السكان هم من فئة متوسطي أو محدودي الدخل، وبالتالي، التأثير الضريبي يتجه لذوي الدخول المرتفعة.
نختم بالقول إن تصريح معالي وزير المالية أثناء استعراض مؤشرات الميزانية العامة للدولة قد يكون مطمئنا، بأن الضريبة لن تطبق في عام (2025) ومسألة تطبيقها يكون في حال أن الظروف تسمح بذلك، يعكس عمق العلاقة بأن ما تخطط له الحكومة من ضرائب، وبين ما يراه أفراد المجتمع حيال الضريبة هو محل دراسة وعناية، كما أن من أهداف تطبيق مثل هذه الضرائب هو إيجاد نظام ضريبي متكامل يحاول سد الثغرات في مسألة التهرب الضريبي والتي أصبحت تأن منها كثير من الدول، لذا فليهنأ أصحاب الدخول المرتفعة فإن ضريبة الدخل لن تطول أموالهم -على أقل تقدير- هذا العام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أفراد المجتمع کما أن فی عام
إقرأ أيضاً:
65 % من مؤسسات المنطقة تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي
كشف تقرير حديث أصدرته ديلويت، شركة الخدمات المهنية العالمية الرائدة بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عن تخطيط 65 % من مؤسسات منطقة الشرق الأوسط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
وأبرز تقرير حالة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط في العام 2025 الفرص الهائلة التي أتاحها الذكاء الاصطناعي في المنطقة، وسلّط الضوء على تحديات تواجه المؤسسات التي تحاول الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من كامل إمكاناتها.
واستند هذا التقرير الذي صدر تحت عنوان "آفاق واعدة: كيفية الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط" إلى وجهات نظر وأفكار أكثر من 150 خبيراً من رواد الأعمال والتكنولوجيا في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وقطر.
كما اعتمد على مقابلات أُجرِيَت مع شخصيات بارزة في تلك المجالات، واستعرض طُرق وآليات تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي مشيراً إلى التحديات التي تؤثر في تقدم العمل، والاستراتيجيات التي تلجأ إليها المؤسسات لإدارة المخاطر وتحقيق الاستفادة القصوى من تلك التقنيات.
وقال معتصم الدجاني، الرئيس التنفيذي لشركة ديلويت الشرق الأوسط إن دول منطقة الخليج العربي تضخ استثمارات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي انطلاقاً من التزام حكوماتها باستراتيجياتها التطويرية الطموحة ، ومع زيادة تمويل البنى التحتية للذكاء الاصطناعي والتركيز المتنامي على تطوير المواهب المحلية، فإن المنطقة تسعى إلى ترسيخ مكانتها الريادية على مستوى العالم في ابتكارات الذكاء الاصطناعي ، ويسهم هذا التحول في تسريع الانتقال نحو الاقتصادات المعرفية، ما يحتم على المؤسسات إعادة التفكير جذرياً في عملياتها".
من جهته، قال البروفيسور سامي حدادين، نائب رئيس الأبحاث في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: "يسلط التقرير الضوء على التركيز المتزايد على إعداد خبراء ومتخصصين محليين في مجال الذكاء الاصطناعي يتمتّعون بمهارات متطوّرة ويعرفون إمكانات الذكاء الاصطناعي وسُبُل استخدامه والاستفادة منه، ويعرفون أيضاً أساليب معالجة المخاوف المرتبطة بالخصوصية والأخلاقيات، كما يبيّن التقرير تناقضًا بارزًا ما بين اندفاع المؤسسات في الشرق الأوسط لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وجاهزيتها من حيث المواهب والتخطيط الاستراتيجي والبنية التحتية".
أخبار ذات صلة
وأضاف: "تفتخر جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بصفتها أول جامعة في العالم مخصصة للذكاء الاصطناعي، بدورها الريادي في معالجة هذا التحدي البارز، فهي تقدّم برامج تدريبية وتعليمية، كبرنامجها التنفيذي، وبرنامج الماجستير في الذكاء الاصطناعي التطبيقي، وتنظم ورش عمل متخصصة، ما يساهم في تمكين المؤسسات والقادة فيها للإلمام بالتفاصيل الدقيقة لاعتماد الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك إدارة المخاطر وزيادة القيمة الناتجة عنه.
وأشار يوسف برقاوي، مسؤول الذكاء الاصطناعي والبيانات في ديلويت الشرق الأوسط إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في تعزيز الكفاءة والإنتاجية بطرق عدّة وأن يساعد أيضاً في استحداث منتجات ونماذج تجارية جديدة، وخدمات جديدة ومن المهم أن تعتمد المؤسسات مقاربة تحليلية وأن تعمل على وضع استراتيجيات واضحة لتقييم العرض والطلب واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل ضمان إمكانية استخدام هذه التقنيات على نطاق واسع بفعالية وتعزيز قدرتها على معالجة التحديات وإنتاج عائد جيد على الاستثمار.
وأعرب المشاركون في دراسة استقصائية عن استعدادهم الكبير لاعتماد حلول الذكاء الاصطناعي في جوانب عدة ، فعلى صعيد البنية التحتية التقنية بلغت النسبة 71 % والمواهب 68 % والاستراتيجيات 69 %.
وتوقع 91% من المشاركين في الدراسة الاستقصائية أن يعود الذكاء الاصطناعي التوليدي بمنافع أساسية أهمّها زيادة الإنتاجية التي ستساهم في إحداث تحولات كبرى في عملهم.
كما ورد في التقرير أنّ مؤسسة واحدة من كل ثلاث مؤسسات في منطقة الشرق الأوسط تنفق أكثر من 60 % من ميزانيتها المخصصة للذكاء الاصطناعي على الذكاء الاصطناعي التوليدي، في حين تشير البيانات إلى أنّ 72 % من المؤسسات العالمية تنفق أقل من 40 % من ميزانيتها على هذا المجال.