هل نفتح باب الأمل بعد سوريا أم نواربه؟!
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
تفتحت براعم الأمل مجددا في نفوس الشعوب التي تألمت وتضررت من جراء ما حسبته انتكاسة لـ"الربيع العربي"؛ فقد شهد الملايين ازدهار التوقعات في انجلاء طوفان المظالم، ثم فجأة لم تعد الأمور إلى سابق عهدها فحسب، بل زاد طغيان الظلم وجبروته، إذ إن المعاندين للشعوب استطاعوا السيطرة عليها بعدما تيقنوا من رحيلهم، فظنوا أنهم استطاعوا السيطرة على المقاليد إثر ذهاب رؤوس أنظمتهم.
وللأمانة فإنه ما من شعب عربي استعذب -أخيرا- أنفاس حلم الحرية منذ عام 2011م يطيق غلق "أبواب الأمل" بنجاح ثورته، بل إن المقهورين بالحبس والإصابة ووداع عزيز واحتسابه شهيدا؛ لا يطيقون مجرد "مواربة" باب التمني بازدهار ثوراتهم مجددا، لكن: كيف تستقيم الأماني المفرودة الأشرعة على آخرها، وسفنها مستعدةٌ للإبحار نحو بحار الحرية، مع الواقع المستمر في "الجري في المكان" ولا شيء يتغير؟!
أكثرت أغلب شعوب "الربيع العربي" للأسف الشديد من التمني وانتظار التغيير دون تقديم مجهود مناسب موازٍ طوال الأعوام الماضية، وللأسف -أيضا- فإن هذه الأمنيات "الجمّة" أجهدت أفئدة الملايين حتى باتت ترى كل بارقة أمل مقبل انكسارا مخبأ. فلا يخفى أن كل "نوبة إفاقة" كانت تتبعها آلام مؤقتة للملايين؛ فمع ازدهار سقف التفاؤل كانت تأتي سيول الآلام مع انكسار الأول، وقد كان أجدر بنا أن نراقب أنفسنا وحراكنا جيدا لندرك أن "الفعل الثوري" ليس مرهونا بنا فحسب؛ فحتى لو أدينا كل ما علينا فإنه ليجدر بنا أن نترقب "انفراجة دولية" تستوعبنا، كما حدث مع الحراك الثوري في سوريا.
ولعل في سياق ازدهار آمال دول الربيع ثم انكسارها مع كل مدّ ثوري -حقيقي أو مُبالغ فيه- ما يشي ببعض من "قصر النفس" الثوري، ففي المقابل "يتخيل" البعض حتى من مناصري الثورات "غياب الربيع العربي" -لا قدر الله- فلا يتفهم أن "انتفاضة الخبز" في مصر في 17 و18 كانون الثاني/ يناير 1977م لم تكن انتفاضة خبز بل طلبا للحرية؛ وقد فجرها غلاء أسعار السلع الرئيسية، وإن الرئيس الأسبق أنور السادات لم يئدها بداية من إذاعة مسرحية "مدرسة المشاغبين" للمرة الأولى في عصر يومها الثاني ومرورا بالتراجع عن زيادة الأسعار، ومحاولة البطش بمفجريها، ثم الارتماء أكثر بأحضان الأمريكيين ومن قبلهم الصهاينة في "كامب ديفيد"؛ فالحقيقة أن الثورة ظلت مشتعلة تحت الرماد حتى ازدهرت بعد نحو 32 سنة في 11 كانون الثاني/ يناير 2011م. فهذه انتفاضة ظلت مستكينة مع الأحداث والأيام حتى اشتعلت ثورة بعد ثلاثة عقود ونيف؛ فما بالنا بالثورة نفسها وقد ابتدأت؟ وهكذا الحال مع الثورة السورية فإن "انتفاضة حماة" ظلت نواة "متقدة حبيسة" تحت الركام منذ وأدها "الأسد الأب" في 1982م حتى نجحت ثورة في قرب نهاية 2024م، ومرور كل هذه السنوات لم ينهِ الثورة رغم عظيم المآسي والتضحيات التي لم تنكشف كاملة لليوم!
إننا بحاجة ماسة لبالغ الاعتقاد بأن ربيعنا منتصر ما دام مستمرا بأنفسنا ونسعى إليه، نؤمن به لكن دون إفراط وتعجل وانتظار كل "بارقة أمل" مع تناسي السياق الدولي؛ وهو الذي بدونه يصبح حالنا وحال بلادنا كما قال الشاعر القديم، مع الفارق الجمعي:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
لذا فإننا بحاجة لعظيم الإدراك بأن "عمر الظلم ساعة؛ وعمر الحق حتى قيام الساعة"؛ وإننا رغم عظيم الألم والمعاناة وطوفان المظالم والضيق فإنه كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب بكل يد حمراء مضرجة يدق
إننا لا نملك ولا نطيق -بعد- إلا الأمل في غد وإنه لناظره لقريب!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الربيع العربي الثورة الحرية سوريا سوريا حرية ثورة عرب الربيع مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة
متابعات /الأسرة
تتبدى معاناة أهالي غزة بصور قاسية ومؤلمة مع حلول شهر رمضان، حيث باتت تجاربهم تتحدث عن فقدان الأمل والفرحة، الحرب الإجرامية التي شنها العدو الإسرائيلي بدعم أمريكي حولت الشهر الكريم من فترة للعبادة والمودة إلى زمن للحزن والافتقاد.
استقبل سكان غزة رمضان هذا العام بمعاناة غير مسبوقة، حيث يشاهد العديد من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم. فعندما تتحدث عن العائلات، تجدها مقسمة بين خيام متواضعة، حيث تجرح الذاكرة صور الفقد؛ يذكر عبد الله جربوع كيف كان يجتمع مع عائلته حول مائدة الإفطار، وهو يتنقل بين أنقاض منزله المحطم.
رمضان هذا العام يشبه عام الحزن”، يقول إبراهيم الغندور، ويشعر بالفراق الذي نتج عن فقدان الأحبة. لا وجود للأجواء الرمضانية المعتادة، فقط صمت مؤلم يشهد على الأوضاع الراهنة. والحديث ينساب عن ليالٍ رمضانية لم تعد كما كانت، بل تحولت إلى ذكريات مؤلمة يحملها الناس في قلوبهم.
أما محمد النذر، صاحب متجر متنقل، فيعبر عن التغيرات الصادمة التي شهدها السوق في هذا الشهر. “تنقصنا المواد الغذائية والمال، بينما يعاني الكثيرون في ظل نفاد السلع الأساسية”، يستكمل حديثه بحسرة، مشيراً إلى مأساة العائلات التي لا تجد ما تسد به الرمق. تسيطر أجواء من الألم وعدم اليقين، ولا تجد في وجوه الناس سوى علامات القلق والحزن.
تحت السقف وبين الجدران المتصدعة
تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة، حيث صدى أصوات الغزاويين يتردد عبر وسائل الإعلام، ليعكس معاناتهم وآلامهم التي لا تنتهي. “للأسف الشديد لا يوجد لنا بيوت، لا يوجد معنا مال”، يقول أحدهم بكلمات تكسوها مرارة الفقد، مسترجعاً ذكريات رمضان الماضي: “كنا نجلس حول سفرة واحدة. رمضان اللي فات كان صعباً بشكل مش طبيعي، كان بشكل فظيع صعب”. إنه صراع مزدوج، ليس فقط مع نقص الطعام، بل مع غياب الأمل الذي يرافق كل حبة تمر أو شربة ماء عند الإفطار.
مع حلول اليوم الأول من رمضان، تشهد أسواق خان يونس حركة خجولة تكاد تفتقر للحياة. يتجول المتسوقون بوجوه شاحبة تحمل ثقل المعاناة؛ عيونهم تبحث عن بقايا الفرح. “الأجواء حزينة للغاية، والقلق يتجلى في كل تفصيله”، يقول أحد البائعين، مشيراً إلى انخفاض الإقبال على الشراء بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. أسعار الخضار والمواد الغذائية ارتفعت بشكل ملحوظ، فلا يجد الناس ما يسد رمقهم. “الشي غالي كثير، كل شيء فوق طاقة الناس”، تتردد هذه العبارة في الآذان ليصبح صدى الألم أكثر وضوحاً، إذ يُظهر الفقر كيف يحدّ من كينونة الإنسان.
وتظهر الأسواق بوضوح التغيرات الدراماتيكية عن الأعوام السابقة. لم تعد التحضيرات الرمضانية كما كانت، فقد تلاشت مظاهر الفرح: الفوانيس والأضواء والقائمة الطويلة للطبخات التقليدية. “أصبح كل شيء شحيحاً، وباتت الحياة كما لو كانت في حالة تأهب دائم”، يستكمل أحد التجار حديثه بحسرة، مشيراً إلى أن الحياة لم تعد تحتمل أعباء المناسبات.
وكذلك هو الدمار الواسع الذي فرضته آلة الحرب الصهيونية على كل مدن غزة، التي تحولت ليالي رمضان الأولى في ربوعها إلى مشاهد مأساوية، حيث تعيش العائلات النازحة واقعاً قاسياً تحت وطأة الأمطار الغزيرة. بينما كانت هذه الليالي من المفترض أن تتمتع بالسكينة والعبادة، وجدت الكثير من الأسر نفسها محاصرة في خيام تغمرها المياه، ما زاد من معاناتهم. هذه بعض من مشاهد الألم التي تبثها القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني.
وكذلك يشاهد العالم بأم أعينهم، كيف تتسرب الأمطار إلى داخل الخيام التي تأويهم، فتبللت ممتلكاتهم وأمتعتهم، لتجبرهم على مغادرتها بحثاً عن مأوى يحميهم من البرد القارس. الأطفال والنساء هم الأكثر تأثراً في هذه الظروف، حيث فقدوا حتى الأمل في العثور على مكان آمن. وفي الوقت ذاته، حاول آخرون العودة إلى ما تبقى من منازلهم المدمرة، لكنهم واجهوا تحديات جديدة مع تسرب المياه من السقف والجدران المتصدعة، دون أي وسائل تحميهم من البرد.
غمرت مياه الأمطار شوارع غزة، بينما كافحت ذلك فرق الطوارئ والإنقاذ المحلية بقدرات محدودة. نقص الآليات والمعدات الثقيلة حال دون استجابة فعالة لاحتياجات السكان، في ظل تنصل الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ التزاماته الإنسانية. كما أشار المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إلى أن الحمل الثقيل يقع على عاتق النازحين، الذين يعيشون في العراء دون أي مساعدة تذكر.
ففي وقت تتزايد فيه الأزمات الإنسانية بسبب المنع الإسرائيلي لدخول المستلزمات الأساسية، تكاثرت المعاناة في صفوف النازحين. الكل في غزة يؤكدون أن الأوقات الرمضانية التي كانت تمثل فرصة للسكينة تحولت إلى ساعات مليئة بالمعاناة، حيث أصبح من الصعب عليهم الالتزام بالتقاليد الرمضانية وسط الظروف القاسية.
في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، رغم جهود بلدية غزة وفريق العمل فيها، يظل الشعب الفلسطيني يعاني، حيث تحذر منظمات حقوقية وإنسانية من تفاقم الأزمة الصحية التي يمكن أن تؤدي إلى كوارث إضافية خلال هذا الشهر الكريم؛ إذ تفتقر العائلات إلى أبسط مقومات الحياة، في وقت يفترض أن يكون مخصصاً للتراحم والتواصل.
ومع تعاقب الأيام، يصبح التحدي في ألا يفقدوا القدرة على الصمود. تجسدت ذكرى النزوح في عقولهم ككابوس لا يُنسى، وقد أصبحت الذاكرة مثقلة بعبء الأحداث المؤلمة. “بينما نواجه الظروف الصعبة، لا بد لنا من إدخال المساعدات الإغاثية والهبات الإنسانية إلى القطاع”، يتساءل الناشطون بقلق، في وقت تزداد فيه الحاجة لدعم المجتمع.
مزيج من الأمل واليأس
وبذلك، يعيش سكان غزة رمضان في غياب للفرحة، مزقته أهوال الحرب وظلام الفقد. وجوههم المتعبة تحمل قصصاً لا تنتهي من الألم، بينما تمنحهم ذكريات الأيام الخوالي بارقة أمل تتوق للعودة إلى أوقات كانت فيها الأجواء مفعمة بالعبادة والمحبة. ولكن، في ظل الفقر وشتات العائلات ودمار المنازل، تزداد مشاعرهم حدة؛ فكل وجبة إفطار تذكرهم بالأحبة المفقودين، وكل خيمة تحت المطر تخبرهم بواقعهم القاسي.
هذه الأنفاس الثقيلة التي تصدر عن قلوبهم المثقلة بالحزن تعبر عن مزيج من الأمل واليأس؛ كيف يمكن لمجتمع أن يحتفل بشهر كريم بينما يمزقهم الألم والفقد؟ رمضان، مفترض أن يكون رمزاً للحرية والصفاء، بات بمثابة تذكير يومي بفقدان كل شيء. ومع تواصل تساقط الأمطار، يبقى الألم في تزايد، تاركاً في نفوسهم جروحاً لن تندمل، وكأن كل سحابة تحمل في طياتها حزناً عميقاً، يختزل معاناتهم وصبرهم الذي قد لا يحتمل طويلاً.
تتزايد مخاوفهم من محاولة مقاومة تأثيرات الحرب التي دمرت كل شيء؛ من المنازل إلى المساجد والأسواق. ومع ذلك، يبقى صمود الشعب الفلسطيني محور هذه القصة، فكل تجربة مأساوية تمر بهم تضيف لبنة جديدة في بناء إرادتهم، على الرغم من أن الحزن يلبس قلوبهم. في مثل هذا الشهر المبارك، يُصمّمون على الاستمرار، حتى لو كان الثمن باهظاً. ومع كل فجر، يبقون يتذكرون ما كانوا عليه قبل كل هذا الدمار، متطلعين إلى مستقبل قد يعود فيه لهذا الوطن بعض من الأمل والأمن.
لم تنتهِ القصة بعد، بل ومع الأيام ستبقى الجراح محفورة في الذاكرة، فكل ليلة تمر تعكس عمق الألم، وتحت شجرة الاحتلال المقيت، يظل الأمل يراودهم: لابد يوما سيعود الفرح إلى قلوبهم التي أبت الاستسلام لغياهب الحزن، رغم سكنه بين أضلعهم.