قدّم لنا الشاعر عبد الله حمد سعيد فـي عام 2005م إصداره الأول المعنون بـ(صهيل فرس حروريّ) الصادر عن دار الانتشار العربي، وكان إصداره هذا نقلة مهمة فـي الاشتغال على الجانب الشعري الذي أعطى لمحة عن رؤية الشاعر فـي تعامله مع المفردات الشعرية لحظة الكتابة.

ضمّ الإصدار اثني عشر نصا شعريا، كُتب بلغة شعرية تمزج بين الرمز والتكثيف الدلالي، وهو ما أعطى المجموعة جمالا منسجما مع المفردات والأفكار والصور التي تتشكّل منها النصوص.

إلا أن نص (صهيل فرس حروريّ) -وهو النص الذي تحمل المجموعة عنوانه- يُعدّ النص الرئيس فـي المجموعة، أقول ذلك لما يبدو من الاشتغال العميق والمكثف على فكرته، وتوظيف الأدوات الشعرية فـي عملية بنائه مستمدا من العودة إلى التاريخ فكرة الإسقاط على الواقع المعاش؛ إذ إنّ عملية النبش فـي التاريخ من أجل إنتاج نص إبداعي عمليةٌ قائمة على رؤية عميقة فـي الربط بين الأزمنة والحوادث والشخصيات، وهنا تكمن قيمة الأدب والإبداع فـي الكتابة الحديثة؛ إذ إنّ عملية الإنتاج النصي متولّدة من فكرة سابقة وحوادث تعمل على تشكيل النصوص، وهذا ما عليه تقنيات مثل التناص واستعمال الرمز والأقنعة والإسقاطات فـي النصوص الحديثة.

يقوم نص (صهيل فرس حروري) على فكرة استعادة التاريخ وشخصياته وحوادثه، ومحاولة إسقاط الأحداث على ما يُرى فـي الواقع، وتتشكّل هذه الاستعادة منذ عتبة النص القائم على وصف الفرس الحروري وهي فـي ظاهرها إشارة إلى الفرس حقيقة، وباطنها إلصاق سمات مثل العزة والكرامة والأصالة التي يتمتع بها الفرس بالإنسان فـي محاولة لتبادل الأدوار. وهنا تقوم العتبة على ثلاث مفردات: مفردة الصهيل الدالة على الصوت، ونقرأ فـيها الصوت الدال على النداء والحث على استعادة الكرامة بما تقوم على ذلك من دلالات القيادة. ومفردة الحروري وهي نسبة مكانية إلى موقعة شهيرة تذكيرا بها فـي هذا السياق، أما مفردة الفرس التي نسبت إليها المفردتان السابقتان والتي تحمل تعبير الثورة ودلالات العزة والكرامة اقترانا بـ(الخروج على) الظلم، وهذا التعبير فـيه مزج صوتي ومكاني للمفردات كما فـيه استعارة دلالية وإلصاقها بالشخصية.

يحاول الشاعر إذن تحديد الفكرة والانطلاق منها مشكلا هوية تاريخية للنص، ومستعيدا أحداث الثورات والخروج على نظام الحكم. ويمكن قراءة النص من التركيز على نقاط مختلفة فـي البناء الشعري منها:

أولا اللغة المتشكلة: تتفاعل اللغة مع تشكلات التاريخ مقدّمة نصا متلاحما فـي فكرته مع ظهور اللغة الدالة على عمق الحدث وتشكّله التاريخي؛ فنجد كثيرا من التناص مع الحوادث التاريخية ومع الأحداث أيضا؛ إذ ترسم اللغة صورة هادئة أول النص عن شخصية أبي بلال مرداس بن أدية التميمي مأخوذة من خروجه هو وأصحابه على المخالفـين، راسمة طريقا شائكة وعرة سلكها الثائر، فنجد اللغة تستعين بمفردات مثل: (التيه، والشوك، والمسافة، والفتنة) للتعبير عن الطريق التي سلكها الثائر:

تائه

دربك شوك والنساء خطايا

غافلا

عن دربك المزحوم بالوقت مغطى بالبشارات

مساؤك أعمى

ولك الغيم مسافات

ولك الفجر يمامة

حينما تفقد وجهي

ويغني الزمن اليابس فوق ذراعك أنثى

ولها العطر جسور

ولها الليل كؤوس

وخيام وقيامه

أدخل الفتنة... تدخل الشمس كقرش ذهبي

تفقد الزاد وتمضي

حاملا صورة وجهك لا شيء عندك

رافضا سيف ابن هند. (ص10)

كما نجد التناص حاضرا فـي غير موضع من النص، فنجده يتفاعل مع الأحداث كحادثة حروراء، وحضور شخصية أبي بلال مرداس نفسه، وسيف ابن هند فـي إشارة إلى قصة الملك عمرو بن هند مع عمرو بن كلثوم التغلبي، وهذه الحادثة هنا بالتحديد، مع ذكر سيف ابن هند فـيها دلالة على استرداد الحق ودفع الظلم بالقوة؛ لذلك جاءت الإشارة إلى هذه الحادثة فـي سياق الحديث التاريخي عن ثورة مرداس التميمي. كما نجد استحضارا لشخصيات مثل الملك القديس، والملك الأموي فـي إسقاطات تاريخية على حوادث تلك الفترة والصراع الدائر تاريخيا.

وكما بدأ النص بحديث هادئ عن شخصية مرداس التميمي نجد اللغة تركّز على تقاطعات الختام بالحديث عن الفرس الحروري، والفرس هنا يقابله الفارس وهما صورتان تمثلان تقاطعات الثورة؛ إذ إنّ الارتباط الكبير بين الفارس وفرسه يمثّل صورة حيّة وارتباطا وثيقا قائما على الحب. وهنا تتداخل الصورتان إذ يمكننا من نسبة الثورة إلى الفارس والفرس وهما يحملان سمة العزة والكرامة وردّ الظلم ليصبح الفرس الحروري فـي النص هو الثائر نفسه، والنسبة فـيه إلى الحروري هي نسبة قائمة على إلصاق العزة بالموصوف:

آه... أيتها الفرس المزمومة بالموت

حتى الموت

آه... أيتها الروح العرجاء

أين شفـير جهنم عن حدواتك

مطرود من هدأته هذا الليل

ملعون هذا الشارع

تعبر سيارات كالبقر المنقاد

لمجزرة معتادةْ

من يأكل هذا اللحم البشري

من؟؟

يجري من أشداقك دمهم

يعلق فـي أسنانك

لمن الفرس العابر وسط حروراء

يغتالك سهم مهترئ

يشويك كمأتم هندي

فـي هذي الأرض المحصورة تاهت أقدامك

فـي هذي الأرض المحصورة ضيعت رجالك

منهكة خيلك عطشى

غارقة فـي دمك الأزرق. (ص23)

إن نهاية الفرس «المزمومة بالموت حتى الموت» هي نهاية الثائر نفسه، وانتهاء ثورته وخروجه على الظلم، وتوقف الخيل عن الصهيل هي نهاية الصراع المتشكل بين الطرفـين. هنا تحتمي اللغة فـي تشكلات الصراع بالوصف الثري، مستعينة بالتاريخ نفسه، مركزة على انقطاع/ تيه الثائر للبحث عن بقعة ضوء فـي الأفق؛ لذا كان الوصف متنوعا بين الثائر وفرسه وبين مشاهد الأحداث.

ثانيا دلالات الثورة والخروج:

تشتغل اللغة على تعدد دلالات الثورة والخروج، ويتناول النص الطريق الشائكة للثائر وطول مسافاتها، كما تؤكد اللغة على استمرار الثورة فـي وجه الظلم. ويفتتح الشاعر النص بعبارة (خروج أبي بلال مرداس بن أدية التميمي) وفـيها إشارة وتأكيد على فعل الثورة والخروج، وبعد الافتتاحية التي يشير فـيها إلى شخصية الثائر/ مرداس التميمي ينطلق النص مؤكدا على الخروج فـي غير موضع منها، فنجده يؤكد على حق الخروج واصفا الشخصية بالبحث عن الحرية فـي حياة التشرد:

تضم ثيابك نحوك

كأن غبار الشوارع عدوى

وتخشى الضجيج

يثيرك هذا المساء

يغريك بالموت

شهوة القتل والفقد/ لونك لا يشبه الآخرين

يثيرك هذا الغبارُ

الغبار بحار من الموت/ عبوس كمن خسر اللعبة الممكنةْ

تضم ثيابك نحوك

ولا شيء يعدل حلم التشرد

بين المزالق

كأن المصابيح

-رغم التزاهد- تغزوك

تُعرّيك من كل شيء

وأنت لا تخشى سوى القضبان

وأنت كالخفاش تعشق المساء

تصيخ سمعك العطشان

لعل قادما يجيء

لا يجيء. (ص12)

كما يؤكد على تثبيت الثورة/ تاريخية حروراء وكأنها منبع للثوار، والمكان الذي انطلقت منه للدفاع عن المظلومين:

تلف حروراء تحت ثيابك

كأنك تخشى عليها من الضوء

تلف حروراء

كمن خبأ البرق فـي راحتيه سلاحا أخيرا

إذا نفق البارود

إذا انطفأ المصباح

إذا.. إذا..

(حروراء

نصف التواريخ

موت الروايات

حروراء

تعني البداية ـــ دم الذئب يغلي

ليعلن عن لحظة البعث

حروراء

كهف الشرارة...

غافة عمرت

لتمنح أطفال فتنة لص الخلافة

غابا من النار - سيفا

- قنابل لا تستريح

حروراء

ضمي أصابع كفـي

سأعلن بعث الرصاصة). (ص14)

ومن ثم التأكيد على بقاء الثورة وفكرتها رغم النهاية، وهنا يؤكد فـي المقطع الآتي على ذلك:

أنصت

إني أسمعها

خيل الثورة

أسمع وقع حوافرها

خرجوا

فركوا أعينهم بالكبريت وبالجمر

وجاؤوا

إني أسمع صوت الله/ الطوفان

لكأني بالملك الأموي

لكأني بالكون السائر

يخضع للثائر

مثل سبيه سأخرج

لم يبق شيء يفسر صمتي. (ص17)

تواصل اللغة بعد ذلك اندفاعها فـي الحديث عن صورة الثائر، ودلالات الخروج فـي هيئة اعتراف داخلي نابع من صوت خفـي يمثل الثائر. إن الشاعر فـي استعادته للجانب التاريخي فـي حياة التميمي وفـي ذاكرة المكان التاريخي يعمل على استخدام دلالات التعاطف الحزين مع الحدث التاريخي، ومحاولة ربطه بالواقع الذي يتقاطع فـي حدوده الجغرافـية الكبيرة مع الماضي؛ لذا فإنه يبني نصه بالميل إلى فكرة خلود الثورة واستمرارها كفكرة داخلية عميقة نابعة من وجدان الإنسان المظلوم كما يشير إليه النص.

إن نص (صهيل فرس حروري) فكرة مستعادة، شكّلتها مرجعيات التاريخ وعملت اللغة على بناء دلالاتها، مما جعل النص منصهرا فـي أساليب اللغة الشعرية تارة وفـي حوادث الماضي تشكيلا وبناء، الأمر الذي أضفى على النص حيوية شعرية متجددة عند القراءة، وكأن النص يطوف بنا أزمنة بعيدة لتثبيت فكرة مهمة ما نزال نقرؤها الآن بصريا على الأقل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بن هند

إقرأ أيضاً:

أبناء قبائل تهامة بحجة يعلنون النفير العام دعمًا لغزة ونصرة للأقصى

الثورة نت|

أعلنت قبائل عبس وحرض وحيران وميدي وكعيدنة وخيران المحرق واسلم في محافظة حجة اليوم، النكف والنفير العام دعماً لغزة ونصرة للأقصى.

وأكدت قبائل تهامة في النكف الذي تقدمه المحافظ هلال الصوفي ووكيل المحافظة عبدالكريم خموسي وشيخ مشايخ مربع تهامة نبيل الجرب ومدراء المديريات ومسؤولي التعبئة الجاهزية القتالية الكاملة لخوض معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” تحت قيادة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.

وباركت العمليات العسكرية المتصاعدة والنوعية التي تنفذها القوات المسلحة في عمق الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة.

وأكدت الاستعداد للمواجهة المباشرة مع العدو الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني وأنها لن تبق مكتوفة الايدي أمام ما يرتكبه الكيان الصهيوني المجرم من مجازر بحق الأشقاء المظلومين في غزة التي تخلى عنها العالم أجمع.

واعتبر أبناء تهامة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من مجازر وحشية وحرب إبادة يندي لها جبين الإنسانية طيلة أكثر من 450 يوما جرائم حرب مكتملة الأركان وخرقا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية ولا يمكن السكوت عنها.

كما أكدوا الوقوف صفا واحدا والجهوزية للالتحام بالقوات المسلحة وخوض غمار الموت وتقديم التضحيات الجسام في سبيل الله والانتصار لأرواح النساء والأطفال في غزة ودفاعا عن الدين والأرض والعرض.

وعبرت قبائل تهامة عن الفخر والاعتزاز بالانتماء ليمن الإيمان والحكمة والاحتفاء بجمعة رجب ” دخول اليمنيين الإسلام أفواجاً” وتدشين أنشطة الهوية الإيمانية لتأكيد السير على درب الأجداد انصار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في نصرة الدين الإسلامي والمستضعفين.

وجدد بيان صادر عن النكف والنفير الذي شارك فيه عدد من مدراء المكاتب التنفيذية والشخصيات الاجتماعية وأعضاء المجالس المحلية تفويض قبائل تهامة وتسليمهم المطلق لقائد الثورة ورمز الإسلام والمسلمين السيد المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي في اتخاذ كافة الخيارات المناسبة لإسناد المقاومة الباسلة والمجاهدين في غزة.

وأكد استمرار التحشيد والتعبئة والنفير دعما وإسنادا للشعب الفلسطيني المظلوم ونصرة للمستضعفين في غزة الذين يمرغون بإيمانهم وصمودهم وثباتهم انوف اعتى قوة عسكرية على وجه الأرض في التراب.

وأشاد البيان بالضربات النوعية للقوة الصاروخية والطيران المسير والبحرية في القوات المسلحة والملاحم البطولية التي يسطرها أبناء غزة في مواجهة العدو الصهيوني الأمريكي البريطاني.

وجدد ميثاق وعهد الأجداد الأنصار والفاتحين لرسوله محمد صلوات الله عليه وعلى آله، في مواصلة السير والثبات على الموقف الحق، والتوجه الإيماني الصادق، وحمل راية الإسلام.

ودعا أحرار العالم إلى استشعار المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية في الانتصار للمظلومين والمستضعفين في غزة والانضمام إلى محور المقاومة للتصدي للعدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني الإجرامي

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: فكرة العروبة تحتاج مراجعة فكرية وإطارًا جديدًا |فيديو
  • فعالية ثقافية في مديرية الثورة احياء لذكرى جمعة رجب
  • فقه الثورة في الإسلام
  • في ذكرى وفاة إيهاب نافع.. تزوج فنانة شهيرة وكان الطيار الخاص لعبد الناصر
  • السيسي يشيد بالوحدة الوطنية الراسخة بين المصريين على مر التاريخ
  • عبد المنعم سعيد: وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للتجنيد والاختراق
  • فعاليات للهيئة النسائية في حجة بعيد جمعة رجب
  • أبناء قبائل تهامة بحجة يعلنون النفير العام دعمًا لغزة ونصرة للأقصى
  • عبد الرحمن يوسف.. الشاعر الثائر بأمر الله