دولة الطوائف في سوريا.. ماذا يريد الغرب؟!
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
لا شيء تغير..
فالاستعمار الغربي المباشر، الذي قام بالسطو المسلح على بلادنا، رفع شعار الدفاع عن الأقليات، وقد وجد من بين الأقليات من يخطب على منبر الجامع الأزهر ويقول مقولته الخالدة: "إذا كان الاحتلال لبلادنا دفاعا عن الأقباط، فليمت الأقباط جميعا، وتبقى مصر حرة"! كان صاحب هذا الصوت هو الأنبا سرجيوس، خطيب ثورة 1919!
كانت محاولة لنزع الغطاء الأخلاقي لهذا الاستعمار المباشر في دفاعه عن الأقليات، بيد أن الاستعمار في ثوبه الجديد لم يتوقف عن هذه النغمة، وقد شاهدنا خطاب الابتزاز باسم الدفاع عن الأقليات يأخذ صياغات مختلفة، من أول الحديث عن ضرورة البدء الفوري في عملية سياسية شاملة في سوريا، إلى الأمر بإشراك كل الطوائف في الحكم، على النحو الذي ذكرته الوزيرة الألمانية الأكثر مراهقة، فكان وضوحها يليق بحالتها النفسية غير السوية!
دول الأقليات العسكرية والعرقية:
لم تطلب وزيرة الخارجية الألمانية، كما لم يطلب الغرب عموما وفي القلب منه البيت الأبيض، من النظام السوري السابق المجرم أن يبدأ بعملية سياسية شاملة، لرأب الصدع ولمّ الشمل، فقد كان النظام الدولي شاهدا على حكم البيت الواحد لسوريا لأكثر من نصف قرن، وشاهدا على استبداد منقطع النظير هناك، كما كان شاهد ملك على قصف الشعب بالبراميل المتفجرة، فلم تصدر منه سوى بيانات هزيلة، ذرا للرماد في العيون، لأن الحكم السوري السابق كان وفق قيم الاستعمار الجديد!
هذا النسق من الاستعمار يفتقد حتى لأخلاق المستعمر القديم، إنه يريد أن يحقق أهدافه دون أن يتحمل كلفة ذلك، ويتم تنفيذ السياسة الجديدة عبر أقليات عسكرية أو عرقية، لتقطع الطريق على حكم الشعوب، فالحاكم المنتخب هو أكثر ولاء لمصالح بلده، التي تتعارض مع أهداف الغرب، في الخراب واستمرار التبعية
وهذا النسق من الاستعمار يفتقد حتى لأخلاق المستعمر القديم، إنه يريد أن يحقق أهدافه دون أن يتحمل كلفة ذلك، ويتم تنفيذ السياسة الجديدة عبر أقليات عسكرية أو عرقية، لتقطع الطريق على حكم الشعوب، فالحاكم المنتخب هو أكثر ولاء لمصالح بلده، التي تتعارض مع أهداف الغرب، في الخراب واستمرار التبعية!
فلا دعوة غربية حقيقية لعملية سياسية شاملة في الدول المحكومة بالأقليات العرقية والعسكرية، إلا من أجل ممارسة الابتزاز لتقديم هذه الأنظمة المطلوب منها بدون تململ! فإذا نجحت الثورة في إسقاط نظام الأقلية الطائفية في سوريا، فُتحت شهية القوم وتذكروا قيمهم التي يتنكرون لنا ممثلة في الديمقراطية.
ودائما يتم تذكيرنا أن الدولة الغربية الحديثة هي آخر نتاج البشرية المتحضرة، وهي دولة تقوم على حق الناس في اختيار من يحكمهم، ولا بد من دول المنطقة أن تنتقل لهذه المرحلة وإلا صار الوضع القائم عنوانا للتخلف، وهو التخلف الذي يعمل الغرب راعيا رسميا له!
"حبكت الآن"، فلم يمر على سقوط نظام الأسد سوى سويعات، حتى انطلق الغرب يطلب بعملية سياسية شاملة، وسمعنا صدى الأصوات من أنظمة في المنطقة، هي أنظمة استئصالية بامتياز، لا تعرف السياسة أو الشمول، لكنها مع ذلك تحوز رضا الغرب الذي يبارك استبدادها!
فالمطلوب من الشرع على وجه السرعة، أن يقوم بعملية سياسية شاملة.. لماذا هو وحده؟.. ولماذا الآن وقبل التقاط الأنفاس، في حين أن الشرعية الثورية ليست بِدعا، والمراحل الانتقالية تعرفها الدول بعد ثوراتها، ولم نسمع تنديدا غربيا عندما سعى المجلس العسكري في مصر بعد الثورة لجعل المرحلة الانتقالية مرحلة مفتوحة بعد تحديدها بستة شهور!
الشرع رئيسا:
والسؤال الأهم؛ ماذا لو أخذت الإدارة السورية الجديدة بالنصيحة الغربية وذهبت للانتخابات الآن، وكان من نتيجتها فوز أحمد الشرع برئاسة البلاد فهل سترضيهم هذه النتيجة؟!
المؤكد أنهم لن يسلموا بإرادة الجماهير، وسيواصلون ضغوطهم وقد يدفعون الأقليات إلى الطلب بانتخابات مبكرة، لإنهاء الوضع الجديد!
كم من الوقت احتاجه الأمريكان لإجراء الانتخابات العراقية بعد أن وضعوا أيديهم على العراق؟.. وكم من الوقت احتاجوا لإجراء الانتخابات بعد إسقاط حكومة طالبان الأولى؟!
إنهم لم يذهبوا للانتخابات مباشرة بعد إسقاط صدام حسين، وبعد إسقاط حكم طالبان، بل انتظروا إلى حين هندسة الحياة السياسية لتكون نتيجة الانتخابات كما توقعوا.. فأي نموذج قدموا ليكون ملهما للحالة السورية؟!
إن الدعوة لعملية سياسية شاملة لا تُقصي أحدا هي حق يراد به باطل، عندما يكون المطلوب أن هذه العملية لا تقصي مثلا رجال الحكم البائد، وشبيحة بشار، الأداة التي ستستخدم مستقبلا من جانب الثورة المضادة في الخارج وفي الإقليم!
هناك فرق بين عملية سياسية يكون الحكم فيها للشعب، وبين عملية تقوم على الطوائف وبنظام المحاصصة، وهو ما تدعو له الوزيرة الألمانية نيابة عن الغرب! لنكون هنا أمام حالة غير مهمومة، فالغرب لم يقدم نموذجا للدولة المدنية الحديثة في العراق، فقد استلم هذا البلد دولة مستبدة، فلم يخطُ خطوة للأمام في سياق الدولة، ولكنه عاد به إلى الأزمنة السحيقة، فعظّم من القبيلة والمذهب
ألم يستثن الأمريكان في العراق حزب البعث، وقاموا بتهميش المكون السني، فلماذا لم تشمل عمليتهم السياسية هذا الحزب؟ وألم يستثن الأمريكان والحلفاء طالبان من العملية السياسية في أفغانستان بعد الاحتلال.. فلماذا يكون المطلوب من الشرع على غير القواعد التي أرساها الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان بعد إزاحة الحكمين؟!
إن الملهاة عندما تطالب الوزيرة الألمانية (سيئة الصيت) بإشراك كل الطوائف، وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال: هل المطلوب في سوريا دولة مدنية حديثة، الحكم فيها للشعب، ولإرادة الناس، أم دولة الطوائف والمحاصصة، وهي تنتمي للدولة في مرحلتها البدائية بحسب أهل الاختصاص لعلم الأنثروبولوجيا؟
هناك فرق بين عملية سياسية يكون الحكم فيها للشعب، وبين عملية تقوم على الطوائف وبنظام المحاصصة، وهو ما تدعو له الوزيرة الألمانية نيابة عن الغرب! لنكون هنا أمام حالة غير مهمومة، فالغرب لم يقدم نموذجا للدولة المدنية الحديثة في العراق، فقد استلم هذا البلد دولة مستبدة، فلم يخطُ خطوة للأمام في سياق الدولة، ولكنه عاد به إلى الأزمنة السحيقة، فعظّم من القبيلة والمذهب، وبريمر لم ينشغل في بغداد بالبحث عن السياسيين المعارضين ولكنه ذهب يُحيي العصبية، ويبحث عن زعماء القبائل ليقيموا دولته الحديثة على أنقاض حكم حزب البعث، الذي لم يكن -ويا للأسف- تعبيرا عن مذهب ديني، أو فصيل قبلي!
إن هذه الضغوط التي تمارس على الشرع وإخوانه، هي نظرة قوى الاستعمار للمستعمرات القديمة، من خلال محاولة فرض الوصاية على الشعب السوري، وفرض نظام حكم طائفي محكوم بالأقليات، ليكون النسخة الأكثر رداءة من حكم الأسد والده وقرينته!
ألا شاهت الوجوه.. ألا شاهت الوجوه!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربي سوريا الطائفية الديمقراطية المحاصصة سوريا الغرب محاصصة طائفية اقليات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیة سیاسیة شاملة الوزیرة الألمانیة فی العراق فی سوریا
إقرأ أيضاً:
جدل العربية في اسم سوريا.. ماذا تعرف عن أسماء الدولة السورية خلال مئة عام؟
شهدت سوريا تغييرات عديدة في اسمها الرسمي تبعا للتطورات السياسية التي مرت بها خلال المئة عام الأخير بدء من "الجمهورية السورية" إلى "الجمهورية العربية المتحدة” وصولا إلى "الجمهورية العربية السورية.
ويعكس كل تغيير جرى على اسم البلاد التي تحظى بأهمية جيوسياسية عالية بسبب موقعها الجغرافي، التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا منذ الاستقلال وحتى اليوم.
وشهدت الأوساط السورية مؤخرا جدلا بشأن اسم سوريا بعد سقوط النظام المخلوع وانتهاء حقبة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي استمرت لأكثر من 6 عقود.
وانطلق الجدل من حديث الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان والذي عقد في أنقرة قبل أيام، حيث ذكر الشرع "الجمهورية السورية" خلال قراءته كلمة مكتوبة بدلا عن الاسم المقر رسميا وهو "الجمهورية العربية السورية".
ويفتح باب الجدل المثار حول الإبقاء على "العربية" في اسم سوريا أو إلغائها تساؤلات حول المحطات التي جرى بها تغيير اسم الدولة السورية، وتاليا نستعرض أبرز المعلومات حول هذه المراحل:
المملكة السورية العربية (1920)
أعلن في 8 آذار /مارس عام 1920 عن قيام "المملكة السورية العربية" بقيادة الملك فيصل بن الحسين بعد إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية، التي شملت بلاد الشام الكبرى. وتبنت المملكة نظاما ملكيا دستوريا نص على الاسم الأول لسوريا بعد انهيار الدولة العثمانية.
سعت المملكة لتشكيل حكومة وطنية، كما عملت على بناء جيش وطني بقيادة يوسف العظمة، بهدف الدفاع عن الاستقلال. لكن سرعان ما واجهت المملكة تهديدات دولية، خاصة من فرنسا، التي أنهت المملكة بعد دخول قواتها إلى سوريا عقب معركة ميسلون في 27 تموز /يوليو عام 1920.
الجمهورية السورية (1946 - 1958)
بعد استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي في 17نيسان /أبريل 1946، اتخذت البلاد اسم "الجمهورية السورية"، وهو الاسم الذي ظهر في أول دستور لها بعد الاستقلال. كان ذلك جزءا من بناء هوية وطنية لسوريا كدولة مستقلة ذات سيادة، مع الحفاظ على طموحات الوحدة العربية التي كانت شائعة آنذاك.
لكن هذه الفترة لم تخلُ من الاضطرابات السياسية، إذ شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية بدءا من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، مرورا بحكم أديب الشيشكلي (1951-1954)، ثم العودة إلى الحكم المدني الذي قاده شكري القوتلي.
الجمهورية العربية المتحدة (1958 - 1961)
مع تصاعد التيارات القومية في العالم العربي، سعت سوريا إلى تحقيق حلم الوحدة العربية. وفي 1 شباط /فبراير عام 1958، تم الإعلان عن اندماج سوريا ومصر في دولة واحدة تحت قيادة الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، وأُطلق عليها اسم "الجمهورية العربية المتحدة".
وبموجب هذا الاتحاد، تم إلغاء اسم "الجمهورية السورية" واستبداله باسم الدولة الجديدة. كما تم حل الأحزاب السياسية، وفرض نظام حكم مركزي من القاهرة، ما أدى لاحقا إلى استياء العديد من السياسيين والعسكريين السوريين.
الجمهورية العربية السورية (1961 - حتى اليوم)
لم تدم الوحدة طويلا، إذ وقع انقلاب عسكري 28 أيلول /سبتمبر عام 1961 في دمشق، أدى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. وبعد الانفصال، أعلنت القيادة السياسية الجديدة تغيير اسم البلاد رسميا إلى "الجمهورية العربية السورية"، في إشارة إلى تمسكها بالهوية العربية رغم الانفصال عن مصر.
ومنذ ذلك الحين، استمر هذا الاسم دون تغيير، سواء خلال حكم حزب البعث الذي استلم السلطة في 1963، أو في ظل دساتير لاحقة مثل الدستور الذي أقر في عهد حافظ الأسد 1973 أو دستور 2012 الذي أقر في عهد المخلوع بشار الأسد.
بعد سقوط نظام الأسد
منذ تأسيس المملكة وحتى اليوم، عكس اسم سوريا التحولات السياسية الكبرى التي مرت بها البلاد. ورغم كل التغيرات التي شهدتها المنطقة، ظل اسم "الجمهورية العربية السورية" ثابتا منذ عام 1961.
ومع التطور التاريخي الذي شهدته سوريا بإنهاء حقبة البعث وإسقاط حكم عائلة الأسد الذي استمر لما يزيد عن نصف قرن، يعود الحديث عن اسم سوريا من جديد إلى الواجهة وسط فريقين يرى أولهما ضرورة إلغاء كلمة "العربية" للتعبير عن كافة مكونات المجتمع السوري في حين يرى الفريق الثاني ضرورة الإبقاء عليها أسوة في العديد من البلدان في المنطقة.