محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
لماكس بلانك العالِم الألماني في الفيزياء الشهير، ومؤسس نظرية الكم، وأحد أهم فيزيائي القرن العشرين، الحائز على نوبل في الفيزياء عام 1918م، كلمة يقول فيها: "الرشفة الأولى من زجاجة العلم الطبيعي ستحولك إلى مُلحد ولكن في قاع الزجاجة ستجد الإله ينتظرك". (يُراجع: الإلهيات والفيزياء ص267).
لكن القرآن المجيد له رأي آخر، إذ يرى بأنَّه لا فرق بين الرشفة الأولى والأخيرة، من ناحية كون الله دائماً حاضرٌ عتيدٌ لا يغيب البتة، وللرشفة الأولى القدرة ذاتها التي للرشفة الأخيرة من إثبات ذلك.
وما يهمنا هُنا هو أنَّ القرآن المجيد في دعواه هذه يُراهن على العلوم بأنواعها في إثبات دعواه تلك، إذ نراه في سورة فاطر يقول: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)".
ففي المقطع الأول والمقطع الأخير، وهما "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا "، "وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" أتت المراهنة على "علم الأحياء" بصفته علم يبرهن على وجوده تعالى، بينما في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ" أتت المراهنة على "علم الجيولوجيا" الذي يدرس الأرض بطبقاتها وصخورها والحوادث الزمنية على عصفت برياحها عليها، وعلم "الكوزموجينيا" الذي يدرس أصل الكون ومن أين نشأ تحديدا. والنتيجة التي يجزم القرآن المجيد على صحتها من خلال هذه العلوم هي: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ".
وكان القرآن المجيد في سورة فصلت قد لخص الأمر بشكل يسبب الذهول إذ قال: " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) " ومعنى هذا أن الآفاق الكونية وكذلك الأنفس البشرية حاوية على ما يسميها "بآيات" تشير إليه صراحة.
عبدالله الآملي – فيلسوف وفقيه معاصر– في تأمله لهذه الآيات يقول بأن ثمة ثلاثة مسالك عرضتها هذه الآيات لمسيرة الإنسان نحو اكتشاف وجوده تعالى.
المسلك الأول: وهو مسلك التأمل في الآفاق الكونية. ففي هذه الرحلة التأملية، الإنسان هو السالك، والطريق هو الآفاق، والغاية هي الله.
المسلك الثاني: وهو مسلك التأمل في النفس البشرية. ففي هذه الرحلة التأملية، الإنسان السالك هو نفسه الطريق، لقد دمجت الآيات المارة بين الطريق وبين سالكه، لأن النفس هي مصب التأمل وليست النفس إلا نفس الإنسان، فالسالك – الإنسان – أضحى الطريق، والغاية هي الله.
المسلك الثالث: وهو مسلك اكتشاف وجود الله عند وجود أي شيء يمكن إدراكه، ففي هذه الرحلة العجيبة أضحى الإنسان السالك، والطريق الذي يسلك فيه، والغاية التي يتوخاها أمر واحد! قال: " أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ؟" فالشهيد هُنا بمعنى المشهود الحاضر لدى كل شيء، فإذا كان الإنسان السالك شيء فالله حاضر عنده، وإذا كانت الآفاق والأنفس شيء فهو تعالى حاضر، لذا جاءت الآية المارة تطرح سؤالا استنكاريا جوابه النفي، فيكون المعنى: لقد أظهرنا لكم وجود الله بالتأمل في آيات الآفاق وفي آيات الأنفس، رغم أنه لا داعي لذلك أساسا، لأنه، أليس هو الحاضر لدى كل واقعية وجودية التي لا يمكنها أن تتحقق إلا به؟
إذن الرشفة سواء أكانت الأولى أم الأخيرة لا فرق، فهي لم ما كانت لتكون رشفة وأمرا موجودا إلا في ظل وجوده تعالى.
هذه الحقيقة تراهن على الفقر الذاتي وعجز قدرة أية موجود – مهما كان – وبسبب فقره الذاتي لا يمكنه إلا أن يستمد وجوده من غيره، وبالمقابل على الغنى الذاتي للإله وعدم حاجته لأن يستمد وجوده من غيره.
المهم هُنا أن الدين دائما ظل يرى أن العلوم بأنواعها مجالات لبلوغ شاطئ الإلهية والإيمان. حقا لقد كانت قصة "العلم يعارض الإيمان" مفبركة للغاية، حتى أن الذكاء الاصطناعي نفسه اليوم يرفض الاعتراف بها. لكنهم تمكنوا عند إطلاق الحملة الدعائية لها وترويجها من بث التأثير في العديد من الأذهان.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: القرآن المجید أ ل و ان ه ا
إقرأ أيضاً:
تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة مكة المكرمة
المناطق_واس
أصدرت وزارة الداخلية، اليوم، بيانًا بشأن تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة مكة المكرمة، فيما يلي نصه:
قال الله تعالى: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”, وقال تعالى: “ولا تبغِ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين”, وقال تعالى: “والله لا يحب الفساد”, وقال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
أقدم / عبدالرزاق عاشج المحيمد – سوري الجنسية – على تهريب أقراص الإمفيتامين المخدرة إلى المملكة، وبفضل من الله تمكنت الجهات الأمنية من القبض على الجاني المذكور وأسفر التحقيق معه عن توجيه الاتهام إليه بارتكاب الجريمة، وبإحالته إلى المحكمة المختصة؛ صدر بحقه حُكم يقضي بثبوت ما نسب إليه وقتله تعزيرًا، وأصبح الحُكم نهائيًا بعد استئنافه ثم تأييده من المحكمة العليا، وصدر أمر ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعًا.
وقد تم تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بالجاني / عبدالرزاق عاشج المحيمد – سوري الجنسية – يوم الخميس 7 / 8 / 1446 هـ، الموافق 6 / 2 / 2025 م بمنطقة مكة المكرمة.
أخبار قد تهمك نفيذ حُكم القتل في مواطِنين أقدما على ارتكاب أفعالٍ مجرمة تنطوي على خيانة وطنهما 5 فبراير 2025 - 9:59 صباحًا تنفيذ حُكم القتل قصاصًا بأحد الجناة في منطقة الرياض 4 فبراير 2025 - 2:37 مساءًووزارة الداخلية إذ تعلن ذلك لتؤكد للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على حماية أمن المواطن والمقيم من آفة المخدرات، وإيقاع أشد العقوبات المقررة نظامًا بحق مهربيها ومروجيها، لما تسببه من إزهاق للأرواح البريئة، وفساد جسيم في النشء والفرد والمجتمع، وانتهاك لحقوقهم، وهي تحذر في الوقت نفسه كل من يقدم على ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.
والله الهادي إلى سواء السبيل.