العراق وإيران: زيارة استراتيجية في وقت التغيرات الإقليمية الكبرى
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
6 يناير، 2025
بغداد/المسلة: في زيارة مفصلية إلى طهران، يلتقي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع القيادة الإيرانية في وقت حساس للغاية.
و تكتسب هذه الزيارة أهمية استثنائية لكونها تأتي في ظروف إقليمية ودولية غير مسبوقة، مع تراجع ملحوظ في النفوذ الإيراني في المنطقة على مدى العقدين الأخيرين.
و تعد زيارة السوداني الرابعة إلى إيران في أقل من عام مؤشراً على متانة العلاقة بين البلدين رغم التحديات الحالية.
ومن المتوقع أن تهيمن عدة قضايا على أجندة زيارة السوداني إلى طهران، أبرزها مسألة هيمنة الفصائل المسلحة في العراق. فبغداد تتعرض لضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة، لضبط السلاح غير المنضبط في يد الفصائل المسلحة والتي تدين بالولاء لطهران. وهناك توافق متزايد داخل الأوساط السياسية العراقية على ضرورة تقييد نفوذ هذه الفصائل، لكن تنفيذ هذا الأمر لا يمكن أن يتم دون دعم إيران، التي تمتلك سلطات واسعة على هذه الفصائل.
إضافة إلى ذلك، يتعين على السوداني مواجهة تحدي العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران. في ظل هذه العقوبات، يعتبر العراق محط أنظار واشنطن بسبب استمرار علاقة الدولار والنفط مع إيران. هذه القضية قد تشكل نقطة خلافية في العلاقات بين بغداد وطهران، خصوصاً وأن بعض القوى داخل العراق تستفيد من هذه الأنشطة.
العلاقة مع واشنطن: بين التوازن والتحدي
تعكس زيارة السوداني أيضاً محاولات بغداد للحفاظ على توازن حساس بين إيران والولايات المتحدة. في الوقت الذي تتعرض فيه بغداد لضغوط من واشنطن، فإن الحكومة العراقية تسعى إلى إيجاد مخرج يحفظ مصالحها مع الجارين، في حين أن إيران تواصل إصرارها على الحفاظ على نفوذها في العراق. ومع تنامي الضغوط الأمريكية، قد تضطر بغداد إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة في التعاون مع واشنطن، خاصة في ما يتعلق بتقييد حركة الفصائل وتطبيق العقوبات الاقتصادية.
و تسير العلاقات العراقية الإيرانية نحو مفترق طرق. في ظل التراجع النسبي لنفوذ إيران، يسعى العراق إلى رسم سياسات أكثر توازنًا تعكس مصالحه الوطنية. ومع هذا التوجه، يبرز السؤال: هل ستتمكن بغداد من الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع طهران دون الانزلاق في الفخاخ الإقليمية والدولية التي قد تضعف سيادتها الوطنية؟ بالتأكيد، ستظل الضغوط الأمريكية على العراق أحد العوامل المؤثرة في تحديد مسار هذه العلاقة.
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء انسحاب فصائل مسلحة من مواقعها تزامنا مع زيارة قآني للعراق؟
بالتزامن مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قآني إلى العراق ولقائه بعدد من قادة الفصائل المسلحة، بدأت العديد من هذه الجماعات الموالية لإيران، بالانسحاب من مدن عدة في شمال وغرب ووسط البلاد، كانت تتمركز فيها منذ استعادتها من تنظيم الدولة.
ومنذ اجتياح تنظيم الدولة للعراق وسيطرته على ثلث مساحته عام 2014، بدأت العديد من الفصائل المسلحة المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي الانتشار في المدن ذات الغالبية السنية، منها: الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وشمال بابل، ولاسيما مدينة جرف الصخر.
زيارة قآني
في ظل ضغوط الأمريكية على العراق لحلّ الفصائل المسلحة، أجرى الجنرال الإيراني إسماعيل قآني زيارة إلى بغداد، أوصل خلالها رسالة إلى الحكومة العراقية، بأن بلاده لا تريد أن تكون جزءا من الحرب ولا للعراق أيضا، وفقا للإعلام المحلي العراق.
وقالت وكالة "شفق نيوز" العراقية، الاثنين، أن "الجنرال قآني أكد إلى بغداد أن بلاده لا تتحفظ على أي قرار بشأن الفصائل المسلحة، فيما أبلغ الفصائل ذاتها بضرورة الالتزام بقرارات الحكومة العراقية".
وأكدت الوكالة المحلية أن "زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني إلى بغداد استغرقت ساعات قليلة، التقى فيها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وبحث معه تطورات المنطقة".
وأشارت إلى أن "قآني، أكد للسوداني أن طهران لا تريد أن تكون جزءا من الصراع والحرب، وكذلك لا تريد لبغداد ذلك، وأكد عدم تحفظ إيران على أي قرار يخص مستقبل الفصائل المسلحة في العراق".
والتقى قآني، أيضا بقادة الفصائل المسلحة و"جرى مناقشة تطورات الأوضاع الأمنية في المنطقة، وخاصة ما حصل في سوريا وتأثير ذلك على قوى محور المقاومة، ودعاهم إلى الوقوف حاليا خلف الحكومة العراقية والالتزام بما يصدر من قرارات عنها"، وفقا للوكالة المحلية.
وتأتي زيارة الجنرال الإيراني بالتزامن مع انسحاب فيصل "لواء الطفوف" من نقطتين أمنيتين استراتيجيتين في منطقة القائم قرب الحدود السورية، وتسليم مهامها إلى قيادة شرطة الأنبار غرب العراق.
وقبل ذلك، كشفت وسائل إعلام محلية انسحاب جزئي لكتائب حزب الله من مدينة جرف الصخر بمحافظة بابل، والتي تسيطر عليها منذ عام 2014، ولا يستطيع أحد دخولها منذ ذلك الحين بمن فيهم رئيس الحكومة العراقية.
وسيطرت الفصائل على جرف الصخر، منذ عام 2014 بعد تهجير أهلها بالكامل، وحوّلتها إلى منطقة لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، وكانت عرضة للاستهداف الجوي الأمريكي لأكثر من مرة كان آخره في 31 تموز/ يوليو الماضي.
ومن ضمن مطالب القوى السنية للحكومة العراقية الحالية، هو إخلاء جرف الصخر من الفصائل المسلحة، وإعادة أهلها البالغ عددهم نحو 250 ألف نسمة، والذين يقيم الكثير منهم حتى اليوم في مخيمات النزوح بمحافظة الأنبار.
"إخلاء المسؤولية"
تعليقا على ذلك، قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي، إن "زيارة قآني لها علاقة بالفصائل المسلحة، خصوصا أنه غائب عن المشهد منذ مدة طويلة، وأن تسريب خبر دخوله إلى العراق يعطي رسالتين، واحدة محلية والأخرى إقليمية".
وأوضحت الموسوي لـ"عربي21" أن "ما يتعلق بالجانب العراقي، هو السقوف الزمنية التي تعهد بها العراق لحلّ الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها إلى الدولة، ودمجهم في القوات الأمنية، وهنا ربما تطيع بعضها قآني، لكن جهات أخرى ممولة من روسيا قد لا تطيعه".
وأشارت الباحثة إلى أن "قآني من مدة طويلة لم يعد هو الرجل الأكثر سيطرة على الفصائل المسلحة، لكن الجانب الإيراني يحاول عبر هذه الشخصية إظهار حسن النوايا، لكنني أشك في مدى فاعليتها وتأثيرها على حسم القرار بخصوص حل هذه الجماعات".
وعزت الموسوي ذلك إلى أن "الفصائل العراقية تتمتع نوعا ما باستقلالية في عملها، وذلك من خلال الجانب المالي، كونها تمتلك مشاريع اقتصادية واستثمارية كبيرة، إضافة إلى أن جزءا منهم منخرط أساسا في العمل السياسي ويحمل السلاح".
ولفتت إلى أن "انخراطهم في العمل السياسي كان هدفه التغطية على السلاح، فهم لم يدخلوا العملية السياسية حتى يتخلوا عن سلاحهم، وإنما أرادوا بدخولهم منح الشرعية والتغطية القانونية له".
ورأت الموسوي أن إيران تحاول من خلال زيارة قآني إخلاء مسؤوليتها عن الفصائل المسلحة، لكن لا نعوّل كثيرا على أن تكون هناك خطوات حاسمة تنهي كل هذه الجماعات مهما كان دورها وتمويلها وانتمائها، لأنها تجد المكسب في سلاحها على المستوى السياسي أو الاقتصادي".
وأكدت الباحثة أن "المواقع التي انسحبت منها الفصائل هي مهددة منذ أكثر من عام، وأن إخلائها الغرض منه عدم تعرضها للاستهداف، إضافة إلى أنها تعطي رسائل إقناع للجانب الأمريكي وبقية الأطراف التي تتابع حركتها".
وبيّنت الموسوي أن "هذه الانسحابات هي إعادة تموضع في أماكن أخرى، وأن الحشد الشعبي التزم في إخلاء بعض المدن في محافظات صلاح الدين والأنبار، وهذا كان أحد بنود الاتفاق السياسي الموقع من الأطراف التي شكلت الحكومة الحالية".
وخلصت إلى أنه "تزامنا مع الضغوطات الإقليمية والدولية تجاه الفصائل اختارت هذه القطعات سواء من الحشد الشعبي أو الجماعات المسلحة الانسحاب من مواقعها، وأن تتموضع في مواقع أخرى حماية لها أولا، وتعزيزا للخطوات السياسية المتفق عليها مسبقا".
"الساتر الأخير"
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، عائد الهلالي لـ"عربي21" إن "زيارة قآني حظيت باهتمام إعلامي بالغ في ظل الخطورة التي تمر بها المنطقة، وأن هناك فصائل عراقية منضوية ضمن محور المقاومة، الذي تقوده إيران بشكل مركزي".
وأوضح الهلالي أن "التداعيات الأخيرة التي حصلت بالمنطقة سواء سقوط النظام السوري، واستهداف حزب الله اللبناني، أدى إلى التوصل لحالة من القناعة بأن عملية الانخراط في معركة مع الولايات المتحدة ربما تكلف الشيء الكثير، وأن المحافظة على القوة أمر مهم جدا".
وتابع: "لذلك، يجري الحديث حاليا عن الذهاب باتجاه مأسسة الفصائل المسلحة، وأن تتحول إلى قوة سياسية، وهذا الأمر تحدث به رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عندما خيّرها بين الانخراط في القوات الأمنية أو التحوّل إلى العمل السياسي، وأن يؤدوا دورا في هذا الجانب".
وبحسب الهلالي، فإن "انخراط في أي معركة حاليا يُعد ضربا من الجنون، لذلك استطاعت الحكومة الحفاظ على العراق، وعدم الدخول في الحرب، بالتالي فإن زيارة قآني لا تتخطى هذه الحدود، وربما قدّم النصح والإرشاد للفصائل في هذا الجانب".
ولفت إلى أن "العراق ساحة مكشوفة للاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، وأن سقوطه ربما يكون هو سقوط الساتر الأخير لإيران، وأن الأخيرة تريد الحفاظ عليه قدر المستطاع".
ورجح الهلالي أن "يكون هناك شيء من الربط بين ما حصل من انسحابات للفصائل المسلحة مع زيارة قآني إلى العراق، لأن هذه النقاط الأمنية جرى استهدافها سابقا لأكثر من مرة على يد الولايات المتحدة، وقتل فيها العديد من عناصر الفصائل".
وأردف: "عملية أن تكون هذه الفصائل في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي ربما تجر إلى معركة تكون لها تداعيات كبيرة، بالتالي الولايات المتحدة أيضا، لا تريد ذلك وتخسر العراق على اعتباره دولة محورية ويمكن الاستفادة منه في عملية التهدئة، وشريكا فعالا في تقريب وجهات النظر مع إيران".
وتوقع الخبير العراقي أن "حصول اتفاقات على ألا يكون هناك استهدافات مستقبلية لهذه الفصائل، وأن تعيد الأخيرة انتشارها، وتحلّ محلها قوات أمنية مدربة وتمتلك قدرات كبيرة جدا، سواء من الجيش أو الشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرهم".
وخلص إلى أن "هذه الفصائل المسلحة أدت دورها في السابق، وبالتالي عملية المحافظة عليها اليوم وعدم زجها في المعركة هو عين الصواب، والعلاج الأنجع في مواجهة الأحداث الحالية".
وقبل نحو أسبوع، كشف رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أكد لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اتصال هاتفي، ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على ذلك.