الشراء بأسعار منخفضة والبيع بمبالغ مضاعفة.. مَن يجمع «السلاح السوري» ويحاول تهريبه إلى الخارج؟
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
لم يكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، يغلق خط الهاتف المؤمَّن (بنظامه التكنولوچي المعقد لضمان سرية وأمان التواصل من محاولات التجسس والتشويش والاختراق) عقب اتصاله بقائد «الإدارة السورية الجديدة» أحمد الشرع، حول مستقبل العلاقات وملفات أخرى تهم البلدين، حتى تفاقمت أزمة الحدود اللبنانية-السورية، إثر اشتباكات عناصر من الجيش اللبناني في منطقة «معربون» التابعة لمنطقة، بعلبك، مع مجموعات مسلحة من الجانب السوري، تجدّدت على أثرها الاشتباكات في المنطقة الحدودية بعد استهداف المسلحين وحدةً عسكرية لبنانية، مما تسبب في وقوع إصابات عدة بين القوات اللبنانية.
الاشتباكات الحدودية التي تصاعدت في الفترة الأخيرة، تثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لما يحدث، ودور الأطراف المختلفة، لاسيما حزب الله اللبناني وفصائل سورية مسلحة، فضلًا عن الآثار التي ستترتب على هذه الاشتباكات، خاصة أن استمرار التصعيد يمكن أن يوسِّع نطاق المواجهة المسلحة، ما يمثل خطرًا كبيرًا في منطقةٍ تعاني من التوتر منذ سنوات. وبالنظر إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها سوريا ولبنان: أمنيًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، فإن تأثير هذه الاشتباكات قد يمتد إلى الوضع الإقليمي، خاصة مع تشابك الأزمات بين البلدين.
أنشطة مشبوهةتتعدد الأنشطة المثيرة للجدل على الحدود اللبنانية-السورية، التي تُعَد من أكثر المناطق تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث تشهد نشاطًا مسلحًا، لا يتوقف من جماعات متعددة، يتصدرها حزب الله اللبناني، وجماعات سورية، تشارك في عمليات تأمين أو تصفية حسابات مع فصائل أخرى، حيث لا يمكن إغفال دور الحزب في الاشتباكات الحدودية، لحماية وتأمين شبكة التهريب التي تُعَد من المصادر الرئيسية لإيرادات الحزب المالية. في المقابل، تدعم أطراف إقليمية ودولية بعضَ الميليشيات السورية في تنفيذ عمليات تهريب (تهريب الأسلحة، المخدرات، والمنتجات النفطية.. .)، مما يخلق بيئةً متوترةً على الحدود ويهدد الأمن القومي للبلدين.
سبب مباشرتشير المعلومات المتطابقة إلى أن أحدث تصعيد مرجعه محاولة عناصر سورية مسلحة فتح معبر، غير رسمي، في المنطقة الواقعة شرق لبنان، بالتزامن مع غلق وحدة عسكرية من الجيش اللبناني هذا المعبر. وردًّا على محاولات العناصر المسلحة من الجانب السوري استكمالَ عملها، بادرت عناصر الجيش اللبناني بإطلاق أعيرة نارية في الهواء على سبيل التحذير، بينما تعمَّد المسلحون إطلاق النار نحو القوات اللبنانية، مما تسبب في اتساع نطاق الاشتباكات بين الجانبين.
تقارير منسوبة للجيش اللبناني، تؤكد أن الاشتباكات حدثت بالقرب من منطقة، سرغايا، التابعة لمنطقة ريف دمشق، المتاخمة للحدود السورية اللبنانية، عندما حاول مهربون من الجانب السوري تهريب أسلحة وممنوعات أخرى، تضمنت سيارات محمَّلة بأسلحة مضادة للدروع وغيرها من المعدات العسكرية المرتبطة بتجار سلاح كبار في سوريا، وخاصة في إدلب، وهذه الأسلحة يتم جمعُها غالبًا من مواقع أمنية وعسكرية سورية وتُباع بأسعار مرتفعة في لبنان.
تشهد الأسواق السورية رواجًا كبيرًا في بيع وشراء الأسلحة بأسعار منخفضة جدًّا، مما يثير تساؤلات حول الوضع الأمني في الداخل السوري، وفي المقابل، تحاول القوات اللبنانية التصدي لعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع سوريا، لكن المنطقة لا تزال تشهد توترًا واستنفارًا عسكريًّا مستمرًّا، رغم أن قيادة الجيش اللبناني لم تتمكن من تحديد هوية المسلحين أو ما إذا كانوا ينتمون إلى «هيئة تحرير الشام» أم فصائل أخرى.
يعود ذلك إلى عدم تنظيم السلطة الجديدة في سوريا أمورَها حتى الآن، مما يعقّد التنسيق مع الجانب اللبناني. يُظهر الجيش اللبناني عزمًا على ضبط الحدود والتصدي لأي محاولة للإخلال بالأمن، خاصة أن الحدود بين البلدين تعج بالممرات غير الشرعية التي تشكل منذ سنوات طرقًا لتهريب البضائع والأسلحة والمخدرات. وفي هذا السياق، أفاد تقرير أممي حديث بأن المنطقة الحدودية شهدت أكثر من 50 حادثَ تهريب شهريًّا خلال الأشهر الستة الأخيرة، مما يؤكد خطورة الوضع.
ابتزاز حدوديفي خطوة وُصفت بالابتزاز، منعتِ «الإدارة السورية الجديدة» اللبنانيين من عبور نقطة المصنع الحدودية (في البقاع شرق البلاد) باتجاه سوريا ضمن إجراءات جديدة. الجانب السوري اتخذ هذه الإجراءات بعد منع دخول السوريين الذين لا يحملون إقامة لبنانية سارية المفعول، مما زاد التوتر عند معبر المصنع. تفرض الإدارة السورية الجديدة على اللبنانيين الراغبين في دخول سوريا حيازة إقامة أو حجز فندقي، مما أربك المسافرين الذين اعتادوا عبور الحدود باستخدام جواز السفر أو الهوية فقط.
لبنان، من جانبه، يفرض منذ سنوات شروطًا مشددة على دخول السوريين إلى أراضيه في محاولة للتصدي لأزمة النازحين السوريين، الذين يبلغ عددهم نحو مليون و250 ألف شخص. مع ذلك، تظل المعابر غير الشرعية بين البلدين في شرق لبنان وشماله نشطة، حيث تُستخدم للنزوح والتهريب. في حادثة وثّقتها منظمة حقوقية محلية، تحدث لاجئ سوري يُدعى «أبوخالد» عن رحلته عبر معبر غير شرعي، حيث واجه مخاطرَ كبيرة للوصول إلى لبنان بحثًا عن ملاذ آمن. يقول «أبوخالد»: «تركنا خلفنا كلَّ شيء، لكن الطريق محفوفة بالمخاطر والابتزاز من الميليشيات المسلحة».
أكدتِ السلطات اللبنانية في أكتوبر الماضي أن معبرَين بشرق البلاد مع سوريا خرجا عن الخدمة (معبر القاع والمصنع) جرَّاء الغارات الإسرائيلية. وأشارت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إلى أن هذه الضربات الجوية جعلت معبر جوسيه-القاع الحدودي غيرَ قادر على العمل، مما عرقل محاولات اللاجئين السوريين والنازحين اللبنانيين للفرار من لبنان.
أعلن الجيش الإسرائيلي، قبل نهاية أكتوبر الماضي، أنه قصف معبرًا حدوديًّا (جوسيه) في منطقة القاع، مدعيًا أن الغارات استهدفت بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله. كما قصفتِ المقاتلات الإسرائيلية معبر المصنع-جديدة يابوس في الرابع من الشهر ذاته، الذي عبره آلاف النازحين هربًا من القصف. تبرر إسرائيل غالبًا قصفَها للمناطق الحدودية بين سوريا ولبنان بسعيها لوقف تهريب الأسلحة لحزب الله، وهو تهريب يُعتقد أنه يتم عبر المعابر غير الشرعية.
الحلقة الضعيفةبلدة القاع اللبنانية، المحاذية للحدود السورية، كانت على مدى سنوات ساحةً لعمليات قصف مدفعي وقذائف هاون من قِبل الجيش اللبناني ضد تحصينات تنظيم داعش في سلسلة جبال لبنان الشرقية. في السنوات الأخيرة، داهمت قوات خاصة لبنانية المناطق التي تتمركز فيها عناصر داعش في جرود القاع ورأس بعلبك، خصوصًا في الشمال الشرقي من الحدود اللبنانية-السورية.
يبقى الجدل حول الأنشطة المشبوهة على الحدود بين سوريا ولبنان قائمًا، حيث تثير هذه الأنشطة قلقًا متزايدًا بسبب علاقتها بالتطورات الإقليمية، بما في ذلك: النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، الأزمة السورية، والعلاقات المتوترة بين الأطراف السياسية اللبنانية. بينما تتزايد المخاوف بشأن الأثر الاجتماعي والاقتصادي على المدنيين، يشير تقرير محلي إلى أن أكثر من 70% من سكان المناطق الحدودية يعانون من الفقر نتيجة توقف الأنشطة التجارية الشرعية واستمرار الصراعات. من جهتها، تحاول منظمات إغاثة دولية تقديم الدعم للسكان المتضررين، لكن القيود الأمنية تعرقل هذه الجهود.
يبدو المستقبل القريب للحدود اللبنانية-السورية غامضًا، لكن من الواضح أن التصعيد الأخير يضيف طبقةً جديدةً من التعقيد للأزمة الإقليمية المستمرة. بينما لا يُتوقع تطور الوضع إلى حرب شاملة بين البلدين، فإن التصعيد المستمر قد يؤدي إلى المزيد من الاشتباكات المحدودة التي قد تتطور بشكل مفاجئ. هذا يستدعي مساعيَ دبلوماسية حثيثة لتجنُّب مواجهة عسكرية قد تكون لها تبعات إقليمية ودولية واسعة. إضافة إلى ذلك، فإن معالجة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية على السكان يجب أن تكون ضمن أولويات الأطراف المعنية لتخفيف معاناة المدنيين وتقليل احتمالات تصاعد الأزمة.
اقرأ أيضاًإسرائيل.. والحكم الجديد في سوريا
"سوريا وغيوم المستقبل "الجولاني"!! ( ٤ )
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: سوريا لبنان الحدود اللبنانية السورية حزب الله اللبناني السلاح السوري اللبنانیة السوریة الجیش اللبنانی الجانب السوری بین البلدین السوریة ا معبر ا
إقرأ أيضاً: