تراوح مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة مكانها بسبب تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وذرائعه المتكررة، في ظل مخاوفه من الإدانة بجرائم فساد تؤثر على مستقبله السياسي، ورغم تقدم المفاوضات بفضل جهود مصر، وخبرتها في الوساطة، إلا أن طلب نتنياهو إعداد قوائم بالمحتجزين الأحياء عرقل التقدم، وفي المقابل، تقترح المقاومة الفلسطينية هدنة قصيرة لتجهيز القوائم، بينما طرحت إسرائيل قائمة بأسماء 34 محتجزًا للمبادلة، ومن ثم، لا تزال المفاوضات مستمرة وسط فجوات كبيرة، أبرزها عدد المحتجزين المطلق سراحهم وشروط انسحاب جيش الاحتلال، مع دور مصري محوري لتنسيق إدارة معبر رفح بما يضمن تدفق المساعدات لسكان القطاع.

تمكنت القاهرة، بفضل خبراتها الممتدة في التفاوض مع إسرائيل على مدار أكثر من أربعين عامًا، من تقديم مبادرات مبتكرة وحلول فعّالة للتعامل مع حالة الجمود التي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف إلى ترسيخها، ورغم إحراز المفاوضات تقدمًا ملحوظًا خلال الأسبوعين الماضيين، بادر نتنياهو بافتعال عقبة جديدة لإيقاف هذا التقدم، حيث طالب فصائل المقاومة بإعداد قوائم دقيقة للمحتجزين الأحياء قبل إتمام صفقة التبادل، فقد أعلنت المقاومة صعوبة الاستجابة لهذا الطلب في ظل ظروف الحرب القائمة، مشيرةً إلى أن الأسرى موزعون جغرافيًا بين مجموعات صغيرة تحت سيطرة فصائل مختلفة، ما يجعل إعداد هذه القوائم تحديًا كبيرًا في الوقت الحالي.

لتجنب مزيد من الذرائع التي قد يستخدمها نتنياهو لتبرير تعطيل مفاوضات وقف إطلاق النار وتحميل المقاومة المسئولية، تقدمت فصائل المقاومة بطلب لهدنة مؤقتة مدتها أسبوع، بهدف إتاحة الوقت اللازم لإعداد قوائم بالمحتجزين الأحياء، واستجابت الأطراف الوسيطة لاستئناف المفاوضات، ما دفع نتنياهو إلى إرسال وفد تفاوضي إسرائيلي، يضم قيادات من الموساد والأجهزة الأمنية، يوم الجمعة الماضي لكسر حالة الجمود، وأعلنت تل أبيب في اليوم ذاته أنها سلمت حركة حماس قائمة تضم أسماء 34 محتجزًا تطالب بالإفراج عنهم في المرحلة الأولى من الصفقة، فيما أشارت مصادر إسرائيلية إلى احتمال أن بعض المدرجين في القائمة قد يكونون متوفين، مؤكدين أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المحتجزين الأحياء.

ذكرت وسائل إعلام عبرية أن المفاوضات تشهد تقدمًا بطيئًا، مع توقعات بإمكانية سد الفجوات القائمة خلال الأيام المقبلة. وأشارت إلى أن أبرز العقبات التي يعمل الوسطاء على تذليلها تتعلق بعدد المختطفين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وأن التفويض الممنوح للوفد الإسرائيلي يبدو كافيًا للتوصل إلى اتفاق، غير أن المفاوضات المتكررة تفرض الحذر من التصريحات والمصطلحات المستخدمة، إذ قد يكون التفويض المعلن مجرد وسيلة لشراء الوقت والتأثير على الرأي العام، دون التوصل إلى حل ينهي الحرب فعليًا.

وقال منسق السياسات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، إن إسرائيل ألحقت أضرارًا كبيرة بالقدرات العسكرية للمقاومة، لكنه أكد أنها مازالت تشكل تهديدًا حقيقيًا، وزعم كيربي أن المقاومة أمامها فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق جديد يضمن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أنها كانت الطرف الذي بدأ الحرب، ولديها القدرة على إنهائها عبر التوقيع على هذا الاتفاق.

أعلنت حركة حماس أن المفاوضات التي استؤنفت في الدوحة يوم الجمعة الماضي تركز على تحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وعودة النازحين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. وأكدت الحركة جديتها في التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت، مشيرة إلى إدخال تعديلات جديدة على المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى، وطلبت الفصائل مهلة إضافية لمدة عشرة أيام لإعداد قوائم مفصلة بالمحتجزين الأحياء منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تحتجز فصائل المقاومة حوالي 100 شخص إسرائيلي، بينما تستمر إسرائيل في اعتقال أكثر من 10 آلاف فلسطيني في سجونها.

أشارت تقارير إعلامية غربية إلى أن الصفقة الجديدة الجاري التفاوض حولها تحمل تشابهًا كبيرًا مع مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي أعلنها في 31 مايو الماضي، وكانت المبادرة تتألف من ثلاث مراحل تهدف إلى تبادل الأسرى بين الجانبين يليها وقف تام لإطلاق النار، تضمنت المرحلة الأولى من المبادرة انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة خلال فترة تستمر ستة أسابيع، إلى جانب إطلاق سراح عدد من الأسرى، بمن فيهم النساء وكبار السن والجرحى، مقابل الإفراج عن مئات الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

أفادت المعلومات أن الاتفاق الجاري إعداده قبل تسلّم الرئيس المنتخب، دونالد ترامب السلطة بعد أسبوعين يتضمن تغييرات رئيسية، أبرزها بقاء قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بشكل مؤقت خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة. وستتمركز هذه القوات في محور نتساريم، الذي يقسم القطاع إلى نصفين، ومحور فيلادلفيا القريب من الحدود المصرية. هذه الترتيبات كانت تمثل عقبة رئيسية أمام المفاوضات السابقة، حيث أصرت حماس على انسحاب الجيش الإسرائيلي من معبر فيلادلفيا وتسليمه لقوات تابعة لها، وهو ما رفضته إسرائيل.

ولتجنب تعطيل الصفقة بسبب الخلاف على إدارة معبر رفح، نجحت القاهرة خلال الأشهر الماضية في صياغة توافق بين فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية، تتيح إدارة مدنية للمعبر بعد انسحاب الاحتلال. هذه الصيغة تهدف إلى ضمان أمن المعبر وتخفيف التوتر بين الأطراف، مع تسهيل تدفق المساعدات والبضائع الحيوية لسكان القطاع المحاصرين الذين يواجهون معاناة يومية بسبب الحصار الإسرائيلي.

تقدمت حركة حماس بطلب هدنة قصيرة مدتها عشرة أيام، تهدف لإعداد قوائم بأسماء المحتجزين الأحياء لدى فصائل المقاومة المختلفة. تضمنت شروط الهدنة ألا يتم الإفراج عن أي محتجز خلال هذه الفترة، وأن تُسلم القوائم في اليوم الرابع من الهدنة. في المقابل، لن يُجري الجانب الإسرائيلي أي تغييرات ميدانية، حيث سيبقى جيش الاحتلال في أماكن تمركزه داخل القطاع، ولن يعود النازحون إلى منازلهم في شمال غزة خلال هذه الفترة، وفيما يتعلق بتفاصيل الصفقة قيد التفاوض، عرضت حماس في المرحلة الأولى الإفراج عن 22 رهينة على قيد الحياة بالإضافة إلى تسليم 12 جثة. في المقابل، يطالب نتنياهو بالإفراج عن 34 رهينة على قيد الحياة كشرط للموافقة على وقف إطلاق النار، وهو ما لا يزال محل تفاوض بين الأطراف عبر الوسطاء.

اقرأ أيضاً«الصحة الفلسطينية» تعلن ارتفاع ضحايا العدوان الإسرائيلي بغزة لـ45854 شهيدا

بسبب سوء الأحوال الجوية.. «الأونروا» تعلن ارتفاع وفيات الأطفال في غزة إلى 7

«صعب ومأساوي».. الدفاع المدني الفلسطيني يوضح تطورات الوضع في غزة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار فصائل المقاومة إلى أن

إقرأ أيضاً:

محللان: دخول الأميركيين على الخط مع حماس أحرج نتنياهو

في ظل الحديث عن مباحثات مباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قررت إسرائيل إرسال وفد إلى الدوحة يوم الاثنين المقبل في محاولة لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة، بعد قبول دعوة من الوسطاء.

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الوفد يضم نائب رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) ومنسق شؤون الرهائن ومستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وربط الصحفي والخبير بالشؤون الإسرائيلية وديع عواودة قرار نتنياهو بما وصفه التقدم الحاصل في المباحثات المباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة حماس. وقال إن نتنياهو سارع إلى إرسال الوفد "في محاولة للملمة الأوراق وتفادي الإحراج مع الإدارة الأميركية التي هي في عجلة من أمرها، ولم تنتظر إسرائيل أو تستشيرها".

وحسب عواودة، فقد حاولت إسرائيل "تخريب وتعطيل" المباحثات المباشرة بين الإدارة الأميركية وحماس، كما أكدت مصادر أميركية لصحيفة إسرائيلية في وقت سابق.

ويرى أن المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال قد تشددت في ظل التهديد والوعيد الإسرائيلي باستئناف الحرب، مشيرا إلى أن الصفقة تعطلت بسبب رفض نتنياهو دخول الجولة الثانية من المفاوضات.

وأشار الكاتب والمحلل السياسي، وسام عفيفة إلى أن التسريبات تؤكد أن "هناك أرضية لدى الأطراف يمكن البناء عليها في مباحثات حماس والإدارة الأميركية"، وقال إن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدو أنه يعيد هندسة شكل المفاوضات"، تحت عنوان أن الأميركيين منفتحون على جميع الأطراف.

إعلان

ورأى أن ما يرد من حماس يعطي إشارات بأنها تعاملت بمرونة وبدرجة من التفاهم مع الأميركيين، مشيرا إلى أن واشنطن بات عليها أن تحصل على إجابات من الطرف الإسرائيلي، وقال أيضا إن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف سيكون المايسترو في المفاوضات القادمة.

وتحدث عفيفة عن مبادرة جديدة يحملها ويتكوف، تجمع بين التمديد للمرحلة الأولى من اتفاق غزة والمرحلة الثانية، وهي مبادرة تتعاطى -حسبه- معها حركة حماس بشكل إيجابي، لكنها تشترط أن تؤدي العملية إلى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وانسحاب جيش الاحتلال.

وعن رهانات حماس في معركتها التفاوضية لو بدأت المفاوضات، أوضح عفيفة أن موقعها التفاوضي اليوم أفضل من السابق، وما حققته في المرحلة الأولى من الاتفاق زاد من الضغط على حكومة نتنياهو، بالإضافة إلى أن الموقف الأميركي أعطى الحركة مساحة للمناورة.

تلاعب نتنياهو

وعن إمكانية تلاعب نتنياهو هذه المرة، قال عواودة إن ذهاب واشنطن إلى مسار مع حركة حماس يستبطن العديد من الدلالات منها، أن الإدارة الأميركية قد ملت من المماطلات والتلكؤ الإسرائيلي، معربا عن اعتقاده بأن هامش المناورة لدى نتنياهو ليس مثل السابق، لأن الأميركيين دخلوا على الخط.

وأوضح في السياق ذاته، أن الأميركيين يعملون على صفقة أخرى، سياسية إقليمية تتعلق برغبتهم في توسيع اتفاقيات أبراهام والقيام باستثمارات واسعة، أي أنهم معنيون بالتقدم بسرعة أكثر من أجل التفرغ لملفات ساخنة في العالم.

غير أن المتحدث نفسه لم يستبعد أن يبقى نتنياهو يناور ربما بالتنسيق مع الأميركيين حتى يمرر مشروع قانون الموازنة العامة نهاية الشهر القادم.

ويذكر أن هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة تواصل حراكها المطالب بالعمل على إطلاق سراح أبنائها، متهمة نتنياهو بعرقلة جهود استعادة الأسرى، ومؤكدة أنه جمد المفاوضات عمدا وفكك فريق التفاوض.

إعلان

ويريد نتنياهو تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق -الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني 2025- للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة دون تقديم أي مقابل لذلك، أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.

مقالات مشابهة

  • أيام مفصلية.. غزة تترقب نتائج "المفاوضات المكوكية"
  • محللان: دخول الأميركيين على الخط مع حماس أحرج نتنياهو
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل سترسل وفدا للدوحة الاثنين لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل سترسل وفدا للدوحة الإثنين لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
  • تامر المسحال يكشف كواليس مفاوضات الولايات المتحدة وحماس
  • إسرائيل تكشف تفاصيل مفاوضات واشنطن وحماس لتمديد هدنة غزة
  • حماس تتحدث عن مؤشرات إيجابية.. ونتنياهو يعقد مناقشات إسرائيلية
  • إعلام عبري: نتنياهو يقيم مفاوضات غزة أمنيا
  • نتنياهو والعودة إلى الحرب
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟