السلطة الفلسطينية تناور في الوقت الضائع
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
اختارت السلطة الفلسطينية بوعي وإصرار أن تطلق النار على المقاومين في الضفة الغربية، وأن تلاحقهم وتعذبهم وتغتال البعض منهم، معتبرة إياهم "خارجين على القانون". تقوم بذلك في هذه الظروف السيئة غير المسبوقة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة الجماعية من قبل عصابة صهيونية متمردة على مختلف الأعراف والتشريعات الدولية.
ما أقدمت عليه السلطة يؤكد بوضوح المأزق الكبير الذي انتهت إليه عملية "أوسلو" التي رغم موتها وتحنيطها، لا يزال هناك من يعتقد بإمكانية إحيائها من جديد. لقد تغيرت قواعد اللعبة تماما، وانتهى دور محمود عباس ومن بقي معه وفيّا لنهجه. هؤلاء لم يعد يُحسب لهم أي حساب في المعادلات السياسية، وفي مختلف التوقعات الافتراضية.
ما أقدمت عليه السلطة يؤكد بوضوح المأزق الكبير الذي انتهت إليه عملية "أوسلو" التي رغم موتها وتحنيطها، لا يزال هناك من يعتقد بإمكانية إحيائها من جديد. لقد تغيرت قواعد اللعبة تماما، وانتهى دور محمود عباس ومن بقي معه وفيّا لنهجه. هؤلاء لم يعد يُحسب لهم أي حساب في المعادلات السياسية، وفي مختلف التوقعات الافتراضية
ففي السيناريوهات المستقبلية لا يوجد كيان يحمل صفة "السلطة"، كما لا يوجد طرف لا يزال يراهن على الفريق الراهن الذي يعمل على إثبات وجوده من خلال استعراض القوة داخل بعض المخيمات. الجميع، إقليميا ودوليا، مشغولون بالمشهد الذي سيتجلى بعد التوصل إلى تسوية ما بين حماس وحكومة نتنياهو، ولا أحد يعرف بالتحديد متى تنتهي هذه التسوية لتعود الحرب من جديد. فالخارطة الحالية بمختلف تضاريسها باتت مؤقتة ومهددة في كل لحظة، نتيجة المتغيرات التي حصلت والتي ستحصل خلال المرحلة القادمة. وبالتالي فإن ما تقوم به السلطة وأعوانها لن يكون له أي تأثير على مجرى الأحداث، سوى تعميق عزلتها ومزيد التشكيك في دورها خلال هذه المرحلة التاريخية الحاسمة.
رغم احتجاج العديد من الشخصيات الاعتبارية الفلسطينية، بمن فيهم كوادر وازنة داخل حركة فتح ومنظمة التحرير، والتي اعترضت بوضوح على هذا النهج الذي اختاره الرئيس عباس، لكنه لم يغير ذلك شيئا من سياسته، وهي سياسة انتحارية لا تتناسب مع سن الرجل وتجربته السياسية الطويلة. حتى القيادة الإسرائيلية الحالية تدرك جيدا بأن السلطة تجاوزتها الأحداث، ولم تعد قادرة على فرض اختياراتها على عموم الفلسطينيين الذين وإن اختلفوا مع حماس، وشعروا بحجم الضريبة التي دفعوها الى حد الآن، إلا أنهم لم يقتنعوا بوجود اختيار آخر يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل، ويفتح المجال أمام مستقبل مغاير للفلسطينيين. وما إقبال الشباب على الانخراط بكثافة في صفوف حماس مما مكنها من تعويض الآلاف من شهدائها إلا دليل على ذلك.
صحيح هناك دعوات لتقييم هذه الحرب غير المسبوقة التي فجرتها خطة "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهي مسألة مشروعة وضرورية، من أجل استخلاص الدروس وتحديد المكاسب إلى جانب الخسائر والتحديات، لكن ذلك سيكون سابقا لأوانه نظرا لاستمرار المواجهة العسكرية، وصعوبة التكهن بنتائجها على المدى القريب والبعيد.
إسرائيل في مأزق كبير فلا تساعدوها على تجاوز مأزقها من خلال تقديم الأعذار لها والمبررات التي تمكنها من الاستمرار في عنجيتها. فهي في نظر العالم دولة مارقة
لقد خلقت هذه الحرب لأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي حالة مفتوحة على أكثر من احتمال، ولا يمكن أن تستند عملية التقييم عند الخسائر الضخمة التي مني بها الفلسطينيون على صعيد الأرواح والبنية التحتية وغيرها، وهي رهيبة في حجمها ومخيفة في دلالاتها حيث تجاوزت كل التوقعات، فذلك بعد من أبعاد المعركة. لكن في المقابل هناك أبعاد أخرى استراتيجية على غاية الأهمية، وبالتالي لا يصح الوقوف عند السلبيات وهي عديدة، والعمل على تضخيمها من أجل تبرئة الذمة، وتحميل الآخرين كل المسؤولية وتبعاتها. فالوقوف عند هذا الجانب فقط سيكون دليلا إضافيا على عجز هذه الأطراف وعدم قدرتها على تجاوز الجراح وأسلوب المناكفات، وهي أعجز من أن تضع استراتيجيات جديدة لشعب لم يستسلم ولن يستسلم.
إسرائيل في مأزق كبير فلا تساعدوها على تجاوز مأزقها من خلال تقديم الأعذار لها والمبررات التي تمكنها من الاستمرار في عنجيتها. فهي في نظر العالم دولة مارقة، وهي في نظر اليهود من غير الصهاينة كيان يهدد العقيدة اليهودية، ويعرّض اليهود إلى مخاطر حقيقية. ومهما حاولت التوسع يمينا ويسارا ستبقى فاقدة للشرعية، ومهددة باستمرار في أمنها ووجودها، ولن يقبل هذا الجيل بظلمها وظلم حلفائها من أمريكان وغيرهم. فالمعركة ستبقى مفتوحة جيلا بعد جيل إلى تتغير المعطيات، ويعود الحق لأصحابه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الضفة الإسرائيلي إسرائيل فلسطين مقاومة غزة الضفة مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
هذا هو حصان طروادة الذي سيفكّك الغرب
لا أدري إن كان تعبير الانسلاخ عن الغرب، مُعبّرًا عمّا يُعرف بالإنجليزية بـ de-westernisation، وهو توجّه عالمي يسعى إلى إزاحة الغرب من سؤدده، من أجل عالم متعدّد الأقطاب، يقطع مع الأحادية السياسية والاقتصادية التي طبعت العلاقات الدولية لأكثر من ثلاثة عقود، أي أنه ينازع الولاياتِ المتحدة سؤددَها، ويدعو إلى مؤسسات مالية غير تلك المرتهنة بالغرب، مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (World Bank)، من خلال مؤسّسات مالية بديلة.
وهو يدعو، ضمن ما يدعو إليه، إلى نزع الدولار من وضعيته كعملة وحيدة للمبادلات التجارية، ويُقرّ بظهور أقطاب جدد، منها مجموعة "بريكس" التي لم تَعُد محصورة في مؤسسيها الخمسة الأوائل، ومنها الجنوب الشامل، ومجموعة العشرين، إلى جانب الدول الكبرى التي تستند إلى حضارة، مثل الصين، وروسيا، والهند.. كما يسعى هذا الاتجاه، إلى تفعيل دور الأمم المتحدة، والائتمار بالقانون الدولي.
لا يقف هذا التوجّه عند مساءلة الهيمنة الغربية على الساحة الدولية والاقتصادية فحسب، بل يذهب إلى مساءلة القيم الغربية، ومنها حقوق الإنسان التي تظل، وَفق رؤيته، انتقائية، ومنها الديمقراطية التي تعرف اهتزازًا، ومنها الليبرالية التي تُفضي، ضمن ما تفضي إليه، إلى تحلّل قيم التضامن، وتهديد الأسرة، وتؤول اجتماعيًا إلى هيمنة أوليغارشيات نافذة، وإلى استعداء الآخر، أو ما يُعرف بالكزِنوفوبيا، ممّا يُغذّي التوتر داخل المجتمعات الغربية، ويُهدّد العيش المشترك.
إعلانحدثان طرآ مؤخرًا يرسّخان هذا المدّ نحو الانسلاخ عن الغرب، سيكون لهما ما بعدهما، أي أنه ستتمخض عنهما تداعيات جيوسياسية كبرى، من شأنها أن تؤثر سلبًا على الغرب:
أوّلهما، زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى روسيا، ولقاؤه بنظيره الروسي لافروف، وما تمخض عن اللقاء من تطابق رؤى من أجل عالم متعدد الأقطاب.
كان ذلك في أفق التحضير لزيارة الرئيس الصيني إلى روسيا (لم يتحدد بعد مكان الزيارة) لحضور حفل الذكرى الستين للانتصار على النازية، أو ما يسمى في الأدبيات الروسية الرسمية بـ"الحرب الوطنية الكبرى".
والحدث الثاني، هو قرار الرئيس الأميركي رفع الرسوم الجمركية على دول العالم، مما ينسف عمليًا العولمة، وكانت حصان طروادة الولايات المتحدة، حيث كانت العولمة مرادفًا للأمركة.
التوجّه الجديد الذي استنّه الرئيس الأميركي ينسف العولمة ويُرسّخ ما يُسمّى بـ de-coupling أي أن القاعدة الذهبية للعولمة، رابح/رابح، تهتز، حيث لا يُقابل رابح بالضرورة رابحًا آخر، ويؤول إلى ما يسميه الاقتصاديون بقاعدة خاسر/خاسر.
قرار رفع الرسوم الجمركيّة من قِبل الولايات المتحدة، تمخّض عنه ردّ مماثل من قِبل الصين، برفع الرسوم على الصادرات الأميركية، مما يحرم الولايات المتحدة من حاجتها إلى المواد الغنية الضروريّة لصناعة الرقائق الرقمية، وهو القرار الذي يُدخِل العالم بالتبعية في حروب تجارية.
يُجمع كثير من المراقبين الدوليين على أن تهدئة الرئيس الأميركي ترامب حيال روسيا مؤخرًا، وما رافق ذلك من غلظة على رئيس أوكرانيا، كان بهدف إخراج روسيا من محور بكين، أو ما يسمى في الأدبيات الرسمية للبلدين "صداقة بلا حدود"، من أجل استقطابها في حِضن الغرب.
عملية "المغازلة" تلك تقتضي تنازلًا، من خلال الاعتراف بحقوق روسيا على المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، في إقليم الدونباس، مثلما أعرب ممثل الرئيس ترامب ستيف ويتكوف.
إعلانالتحوّل يشبه في بعض النواحي التقارب الذي حدث بين الولايات المتحدة في عهد نيكسون والصين، في ظل الحرب الباردة، لعزل الاتحاد السوفياتي.
لكن، هل يتكرر التاريخ؟ وهل سيتخلى بوتين عن ولاء راسخ مع الصين، ومشاريع كبرى مشتركة، وإطار طموح، في إطار منظمة شنغهاي، لفائدة شيء افتراضي مع الولايات المتحدة، وعلى تاريخ من التوجس، والعهود المُخْلفة، أو ما يسميه الرئيس بوتين بـ"إمبراطورية الكذب"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، التي لم تحترم التزامها بعدم توسيع الناتو، ودعمت ما تسميه موسكو "بثورات الألوان"، أي قلب أنظمة من خلال مظاهرات مُدبّرة؟
القمة الصينية الروسية المرتقبة بمناسبة الذكرى الستين للانتصار على النازية لن تكون مجرد لحظة احتفالية، بل محطّة لرسم معالم عالم جديد خارج هيمنة الغرب، وتعدّ بلا مراء إحدى المحطات الكبرى لهذا التوجّه الذي ينزع الغرب من سؤدده، أو الانسلاخ عنه.
الطريف أن الولايات المتحدة، أو على الأصح ترامب، هو من أدوات الانسلاخ عن الهيمنة الغربية، وذلك من خلال التحلل من القواعد التي تضعها الولايات المتحدة إذا صادف أنها لم تَعُد تخدم مصالحها، وهو ما يُغذي التوجس منها.
الولايات المتحدة التي كانت رافعة لحرية المبادلات التجارية، هي من يتخلى عنها لفائدة "الحمائية"، والولايات المتحدة العمود الفقري للناتو ورأس حربته، هي من يُقوّضه بإضعاف أوروبا، الحليف الإستراتيجي الطبيعي لها.
والولايات المتحدة التي كانت تزعم أنها هزمت الاتحاد السوفياتي، ليس بالرؤوس النووية، ولكن بالحرية ونظام السوق، وزعمت نفس الشيء في الحرب على الإرهاب، هي من يتخلى عن القيم لفائدة الصفقات.
والولايات المتحدة التي انتصبت نصيرًا لنظام عالمي جديد، يقوم على احترام القانون الدولي، وعدم تغيير الخرائط الدولية بالقوة، هي من يجنح للقوة، ويُلوّح بها لتغيير الخرائط الدولية.
إعلانبرهنت الولايات المتحدة على قوتها في علاقاتها مع أوروبا، التي من دون مظلتها، تظل جبلًا سفحه من صلصال، كما يُقال، أيْ عملاقًا اقتصاديًا وقَزَمًا عسكريًا.
وأظهرت الولايات المتحدة هيمنتها في الشرق الأوسط، وحيّدت القوى الدولية والإقليمية التي من شأنها أن تنازعها دورها في المنطقة.
وتظل الولايات المتحدة متميزة على روسيا من خلال قوتها الاقتصادية الضاربة، ولها تميزها على الصين من خلال أحلافها العسكرية، وقوتها العسكرية.
لكن، هل يمكن أن تبزّ الصين وروسيا، مجتمعتَين، فيما يسميه إستراتيجيون أميركيون "اللعبة الطويلة"؟ وهل يمكن أن تُبقي على رصيد الثقة مع أوروبا بعد الذي رشح من الرئيس الأميركي ونائبه حيالها، من تحلل من الالتزامات بل واحتقار؟ وحتى على مستوى الشرق الأوسط، فاللعبة لصالح الولايات المتحدة لم تُحسم.
التوجّه الذي ترعاه الولايات المتحدة على مستوى العلاقات الدولية، بتغليب منطق القوة على القانون، والتحلل من الالتزامات الدولية، من شأنه أن يُفرز ردود فعل، وقد تكون القمة الصينية الروسية بداية تحوُّل لا يصبّ في صالح الولايات المتحدة، يمكن أن تتولد عنه تداعيات كبرى على مستوى الساحة الدولية.
ينبغي أن نشير إلى أن الخيارات الحمائية للولايات المتحدة لها كلفة اقتصادية على الاقتصاد الأميركي نفسه، وعلى دخل المواطنين الأميركيين، ومن شأن هذه التكلفة أن تنعكس على خيارات الناخب الأميركي مستقبلًا.
للناخب الأميركي كلمته حول خيارات الإدارة الأميركية الحالية، التي لا تخدم على المدى الطويل مصالحها الإستراتيجية. الترامبية مرشحة لأن تعزّز الانسلاخ عن الغرب، وتؤجّج أزمة داخلية فيه، وداخل الولايات المتحدة نفسها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline