محامي مسؤول “الباطرونا” المشتكي بـ”اولاد الفشوش” المتهمين باغتصاب محامية فرنسية: موكلي تعرض لضغوطات خطيرة
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
زنقة 20 | الرباط
أصدر المحاميان حكيم شركي وغزلان محترم الذين ينوبان عن أمين.ن ، رئيس لجان بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، و الذي اعتقل الخميس بمطار محمد الخامس.
أمين.ن ، هو الذي تقدم بشكاية اغتصاب محامية فرنسية وهي خطيبته من طرف ثلاثة متهمين وهم ك. بن، ا.ع ، س.س.
مكتب المحامي حكيم شركي، من نقابة المحامين في باريس، قال في بيان أنه كلف من طرف عائلة أمين ن، خطيب المشتكية الفرنسية التي تقدمت بشكوى الاغتصاب، و يمثله بالمغرب مكتب غزلان محترم، من هيئة المحامين بالدارالبيضاء.
المحامي شركي ، قال في بيانه ، أن موكله يشعر بصدمة بعد اعتقاله خاصة و أنه قدم الى المغرب للتراجع و سحب شكايته و التنديد بالضغوط الخطيرة التي تعرض لها من قبل عائلات المتهمين.
و ذكر المحامي ، أن التسجيل السري الذي يبرر اعتقاله “تم الحصول عليه عن طريق الاحتيال، ومجرد الكشف عنه، دعماً للإجراءات الجنائية، ينتهك سرية المراسلات، المحمية بشكل صارم بموجب القانون المغربي، والذي يعتبر مبدأ مقدساً للقانون الجنائي والقانون الدولي”.
و كشف محامي أمين.ن ، أنه سيتم تقديم شكوى مشتركة مع المحامية غزلان محترم، ضد الشخص الذي قام بتسريب التسجيل الصوتي لموكله.
كما اعتبر أن احتجاز موكله ، جاء في خضم محاولات المتهمين الحصول على تنازل من قبل مقدم الشكاية.
و أكد أنه “لا يمكن اتهام أمين.ن، وهو مجرد مشتكي في القضية، بالكشف عن سرية التحقيق”.
و سجل محامي الشخص المعتقل ، “الهجوم الكبير على حقوق الدفاع، و الاختيار الحر للمحامي و عدم استفادة المعني من مساعدة محاميته غزلان محترم في مرحلة توجيه التهم واعتقاله”.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: أمین ن
إقرأ أيضاً:
تحقيق- طاعون “المجاري” يتسلل إلى حوض صنعاء.. تبعات خطيرة تهدد الإنسان والبيئة
يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ من شيماء القرشي
في الشمال الشرقي من مدينة صنعاء وتحديدًا في مديرية بني الحارث (إحدى أكبر مديريات محافظة صنعاء)، يمر نهر أفعواني من مياه ومخلفات الصرف الصحي (المجاري) على امتداد مساحةٍ شاسعة، يشق طريقه بين حقول المزارعين وصولًا إلى مُستَقرِّه النهائي في أٌقصى شمال مدينة صنعاء، حيث مصب المجاري التي تحوَّلت -بمرور الوقت- إلى بحيرةٍ تتوسع بشكل متسارع وغير منضبط في الحقول المجاورة التي غمرتها المياه الملوثة بكل العوادم السامة، وبلا أي معالجة.
منذ عقود تتجمع في هذا المكان مياه المجاري من كامل مدينة صنعاء، وفي طريقها نحو المصب تتفرع من مسارها بين الأراضي الزراعية إلى مستنقعات عنقودية سوداء اللون، تنبعث منها رائحةٌ زَنِخَة لا يمكن احتمالها، تمتد إلى مئات الأمتار، ومن حولها تحوم سُحبٌ من البعوض والذباب، وتنتشر الجرذان والحشرات بكل أنواعها.
يكشف التحقيق عن أزمة بيئية وصحية خطيرة في العاصمة صنعاء، حيث تتسلل مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البيئة بشكل متسارع. في مديرية بني الحارث، شمال شرقي صنعاء، يمر نهر ملوث بمخلفات المجاري عبر الأراضي الزراعية، مسببًا تلوثًا مائيًا وبيئيًا غير مسبوق. ورصدت تسرب مياه المجاري إلى المياه الجوفية، ما يهدد مصدر الشرب الوحيد في المدينة.
كما يسلط الضوء على تدهور محطة معالجة الصرف الصحي في صنعاء، والتي توقفت عن العمل بشكل فعّال بسبب مشاكل متعددة، أبرزها الفساد والاضطرابات السياسية، ما ساهم في تفاقم التلوث البيئي.
خلال مواسم الأمطار تختلط مياه السيول بمياه الصرف الصحي نظرًا لعدم وجود بنية تحتية مناسبة لتصريف المياه، فضلا عن الانسداد المستمر لقنوات التصريف بالمخلفات والنفايات الصلبة التي تتسبب في فيضان مياه الأمطار في جميع أحياء صنعاء، وقد جرت العادة لدى المواطنين (كما في منطقة التحرير وسط صنعاء) على فتح أغطية مجاري الصرف الصحي أثناء الأمطار للتخفيف من فيضان المياه إلى بيوتهم ومحلاتهم، الأمر الذي يسبب انسدادها وفيضانها في أماكن أخرى، مع احتمال اندلاعها العكسي من مراحيض المنازل في الطوابق الأرضية…
للافت أن الدراسات الجيولوجية لمنطقة حوض صنعاء تشير إلى تسرب خطير لمياه الصرف الصحي عبر طبقات التربة إلى المياه الجوفية لحوض صنعاء، حاملة معها العناصر الكيميائية السامة التي تعد خليطًا من المخلفات المنزلية والصناعية الناتجة عن المعامل والمصانع والمخلفات الطبية، التي يجري تصريفها جميعاً في كافة أنحاء صنعاء إلى شبكة المجاري.
وليس هذا المشهد إلا جزءًا من الصورة الأكثر قتامة لمشكلة تصريف مياه الصرف الصحي في العاصمة صنعاء، وتبعاتها البيئية والصحية على الأرض والإنسان والبيئة، والتي تزاد خطورةً وتفاقمًا بمرور الوقت، في مقابل الإهمال وعدم اتخاذ اجراء حاسم من قبل الجهات الرسمية.
محطة معالجة عديمة الجدوى
أثناء التحري عن أسباب المشكلة عن قرب، تبين أن المحطة المَعنيَّة بمعالجة الصرف الصحي الواقعة شمالي صنعاء، أصبحت غير ذات جدوى، بسبب عدم قدرتها على استيعاب الكميات الكبيرة من مياه الصرف الصحي المقرر معالجتها، إلى جانب توقف مشروع الإصلاحات في المحطة منذ عام 2011، تزامنًا مع بداية الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد، وصولاً إلى سيطرة سلطات الأمر الواقع على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وتعثر تنفيذ مشروع رفع كفاءة محطة المعالجة لمدينة صنعاء، بتمويل قوامه 30 مليون دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتنفيذ شركة PWT الألمانية.
وازداد الأمر تعقيدًا مع اندلاع النزاع المسلح في اليمن في 26 مارس 2015، والمستمر حتى الآن، الأمر الذي نجم عنه انهيار شبه كامل للقطاع الخدمية الحكومية، جراء تنازع النفوذ وتعدد السلطات والمصالح الفئوية، وانصراف الجهات المعنية إلى أولويات أخرى، علاوة على المشاكل الاقتصادية والأزمة الإنسانية التي تعد الأسوأ في العالم حسب توصيف الأمم المتحدة.
ويقول مدير محطة الصرف الصحي بصنعاء، محمد العريقي -لمعدة التحقيق- إن المحطة تم بناؤها في الأساس بشكل خاطئ منذ الثمانينيات القرن الفائت، ذلك أن القائم بتنفيذها جعل المعايير التصميمية غير متناسبة مع الجدوى العملية للمحطة.
وأضاف أن “المعايير التصميمة تتناقض والمدخلات، بينما كانت القدرة الاستيعابية للمحطة حين انشائها بالكاد تستوعب نحو 600 ألف نسمة (عدد سكان صنعاء حينها) من نسبة استهلاك يومي للفرد الواحد المقدرة بـ 120 لتر، وهو ما تغير خلال السنوات اللاحقة، مما جعل هناك اختلاف بالقيم التصميمية عن القيم الواقعية، وتسبب بازدياد الضغط على المحطة وجعلها لا تقوى على استيعاب مخرجات الصرف الصحي للوحدات السكنية الجديدة”.
بحسب العريقي، فإن اختلاف القيم التصميمة لمحطة الصرف الصحفي في العاصمة صنعاء، ليس سوى الشق الأول من المشكلة، بينما يتمثل الشق الثاني في “عدم وجود ضبط لمخرجات الصرف الصحي في المحطة والانابيب ذاتها، حيث إن دخول الزيوت ومخلفات المصانع والمشافي إلى المحطة تتسبب -هي الأخرى- بمشاكل وانسدادات جديدة، علاوةً على مشاكل الفقر المائي والنمو المتسارع وعدم تنفيذ استراتيجيات مشاريع الدولة في القطاع الصحي”.
تحاول المحطة العمل بكل يأس في نطاق محدود لا يتناسب مع الحجم الهائل والمتزايد باستمرار لمياه الصرف الصحي الخام التي تتدفق بشكلٍ منفلت، فضلاً عن المشاكل الظرفية التي تؤدي إلى توقفها نهائيًا وخروجها عن الخدمة بسبب الأعطال أو أزمات الوقود التي رافقت فترة الحرب بعد عام 2015، والتي أدت إلى توقف المحطة كليًا عن العمل لعدة أشهر، إلى حين بادرت منظمة يونيسيف بتوفير نحو مليون لتر من الوقود للمحطة في يوليو 2015، الأمر الذي مكنها من استئناف تشغيل المحطة من جديد في أغسطس من نفس العام.
إلا أن ذلك التدخل الإنساني لم يكن سوى محاولة إنعاش سريري للقطاع المتهالك منذ عقود بشكلٍ تراكمي، ولاسيما أن التقديرات الحالية لعدد السكان في مدينة صنعاء يتجاوز أربعة ملايين نسمة.
شهدت العاصمة صنعاء خلال العقد الماضي موجة نزوح وهجرة غير مسبوقة، نتيجةً لبُعدها النسبي عن مناطق المواجهات الميدانية. هذا الوضع ترافق مع توسع عمراني وسكاني لافت، مما انعكس سلبًا على الخدمات العامة، وبالأخص على شبكة الصرف الصحي التي تعمل منذ فترة طويلة بعد انتهاء عمرها الافتراضي، وفقًا لمسؤولي المحطة. كما أن محطة المعالجة صُممت لاستيعاب مخلفات مدينة ذات عدد سكان لا يتجاوز 600 ألف نسمة، أي أقل بثماني مرات من العدد الحالي للسكان. بالإضافة إلى ذلك، يعاني النظام من تدني الأداء نتيجة توقف الصيانة منذ نحو 14 عامًا.
ويرى خالد الكميم – مدير في مؤسسة المياه والصرف الصحي بصنعاء، أن تزايد عدد السكان في العاصمة نتيجة النزوح من المناطق والمدن المجاورة، جعل قدرة المحطة الاستيعابية التي كانت من ٣٠ إلى ٥٠ ألف متر مكعب في اليوم، تصل الآن في المتوسط إلى 70 ألف متر مكعب، باعتبارها المحطة الوحيدة في صنعاء، بالتالي نضطر إلى نقل الفائض إلى قنوات أخرى”.
المثير للقلق أن مشكلة التلوث الناجم عن المحدودية الشديدة في معالجة مخلفات الصرفي الصحي وما يتصل بها من مشاكل البينية التحتية شبه المنعدمة، تتعدى خطورتها البيئية والصحية ما هو ظاهرٌ على السطح إلى التسبب في إفساد المياه الجوفية في حوض صنعاء، عن طريق تسرب المجاري غير المعالجة عبر طبقات الأرض الرخوة إلى الحوض الجوفي، الذي يعد المصدر الوحيد لمياه الشرب والاستخدام المنزلي في صنعاء، مع إمكانية استفحال تلوث الحوض الجوفي بشكل أكبر مع استمرار الوضع على ما هو عليه حاليًا، بحسب مسؤولين في وزارة البيئة بصنعاء ودراسات بيئة وجيولوجية لباحثين من جامعتي صنعاء وحضرموت، اهتمت بدراسة التلوث الجوفي بحوض صنعاء.
حيث أفضت دارسة للباحث بجامعة صنعاء مصطفى العبيدي، بعنوان: “تلوث المياه الجوفية بحوض صنعاء”، إلى الكشف عن تلوث ملحوظ للمياه الجوفية بتأثير مياه المجاري في منطقة شمال صنعاء، إذْ تبين من خلال التحاليل المختبرية -بحسب الدراسة- أن مجموع الأملاح المذابة في المياه في حوض شمال صنعاء تتراوح بين 500 – 550 ملغم/لتر في أقصى حالاتها الطبيعية، في حين يظهر ارتفاعًا أكبر في مجموع الأملاح الذائبة في منطقة بني الحارث، ويعزى ذلك التلوث في الخزانات المائية نتيجة اختلاطها مع مياه الصرف الصحي في بعض المناطق من شمال شرق مدينة صنعاء، ومناطق الشمال والشمال الغربي، ثم يلاحظ اختفاؤها بالتدريج جنوبًا..
كما أظهرت نتائج دراسة العبيدي زيادة في نسبة التلوث في مناطق شمال وشمال غرب صنعاء، بشكلٍ ذي صلة بزيادة تسجيل الحالات المرضية التي تنتشر في هذه المناطق، بيد أن الدراسة لم تذكر عددًا محددًا لهذه الحالات بالمقارنة مع عدد الحالات في مناطق جنوب صنعاء واكتف بالإشارة العامة إلى وجود فجوة عددية في معدل الحالات.
وترى الدراسة أن الصخور الرملية تتواجد عميقا في الأجزاء الجنوبية من حوض صنعاء وتقترب من السطح في الأجزاء الشمالية، إلى أن تختفي تمامًا ليظهر تكوين عمران الكلسي في الأجزاء الشمالية من الحوض، الأمر الذي يجعل وجود مناطق الضعف من تشققات وصدوع تجعل الاتصال بين الخزانات السطحية والخزانات العميقة واردًا كما في طبقات “وجيد” الرملية.
وفي جزءٍ لافت، ذكرت الدراسة أن حوض صنعاء تعرَّض إلى انكسارات وصدوع عميقة وعمودية سببت في انخساف تفاضلي لقاع الحوض، حيث ارتفعت جهات وانخفضت أخرى، نتج عنها بنية جيولوجية وهيدرجيولوجية معقدة، الأمر الذي يثبت أن دور العوامل البشرية وتحديدًا التصريف المنفلت لمياه الصرف الصحي في زيادة قابلية ظاهرة تلوث المياه الجوفية حتى في المناطق التي لا تكون ذات حساسية عالية للتلوث، وفقًا لنتائج الدراسة.
المدير السابق لهيئة حماية البيئة اليمنية، الدكتور عبد القادر الخراز، يؤكد لنا -هو الآخر- على وجود إشكالية حقيقية تتعلق بالتسرب إلى الخزان الجوفي، لافتًا إلى وجود تغيُّر في مذاق المياه الجوفية في المنطقة الزراعية قرب محطة المجاري من جراء ذلك، إلى جانب انتشار الأمراض بصورة أكبر في هذه المناطق.
وبحسب الدكتور الخراز، فإن ما يحدث يعد ملمحًا من ملامح الفشل الذي يشمل جميع محطات المعالجة في اليمن، ولا يقتصر على محطة صنعاء وحدها، مثل محطة ذمار ومأرب، بالإضافة إلى وجود فساد متأصل على مستوى الإدارة العليا لهذا الملف.
ويقول الخراز إن “محطات الصرف الصحي في اليمن أعتبرها جميعًا فاشلة، بسبب عدم الكفاءة وبسبب الفساد الحاصل، سواءً في مرحلة انشائها، أو أثناء تشغيلها”.
جدير بالذكر أن الأراضي الزراعية في منطقة شمال صنعاء الواقعة في على مجرى أو مصب الصرف الصحي لمدينة صنعاء تعد من أخصب المناطق الزراعية على مستوى اليمن، وتميز محاصيلها بجودتها ومذاقها المتميز، إلا أن منتوجها الزراعي في الفترة الأخيرة بدأ يفقد سمعته توجسًا من كون تلك المزارع مروية بمياه المجاري التي تشق طريقها عبر المزارع مثل نهرٍ جارٍ على مدار العام.
على مدى أربعة عقود، ظل سكان شمال صنعاء يناشدون الجهات المعنية بإيجاد حل للفيضان المتكرر لمياه الصرف الصحي التي تغمر باستمرار المزارع والوحدات السكنية في تلك المناطق، إلا أن المشكلة أخذت تتعاظم مع مرور السنوات، ولاسيما بعد فترة الحرب التي وفرت للجهات الرسمية الذريعة المريحة لإبقاء الوضع على حالة، الأمر الذي تسبب بإفساد عدد غير قليل من الحقول والمساحات الزراعية وخلق بيئة شديدة التلوث جعلت حياة سكان تلك المناطق لا تطاق.
يذكر حمدي المنصوري (23 عامًا)، وهو من سكان منطقة الروضة شمالي صنعاء، أن مياه المجاري تطفح بشكل متكرر خصوصًا مع هطول الأمطار التي تتسبب في جعل قنوات المجاري تفيض إلى محيط شاسع من الأرضي بما تحمله من مخلفات صلبة وسائلة وسموم وروائح عفنة.
في النطاق الحضري داخل مدينة صنعاء، لا يعد الأمر استثناءً عما هو الحال في أطرافها وشمالها، حيث أصبح من الشائع بالنسبة لسكان مدينة صنعاء بما في ذلك الأحياء والشوارع الرئيسية -حتى في غير موسم الأمطار- رؤية منظر غرف التفتيش الخاصة بالصرف الصحفي تطفح بمياه المجاري في عز الظهيرة، نتيجة لانسدادٍ أو ضغط مُضاعف على شبكة التصريف الأرضي التي انتهى عمرها الافتراضي وصارت تعمل بحلولٍ مؤقتة، كما هو الحال في شوارع: مذبح، الحصبة، هائل، شيراتون، التحرير، السنينة، الصافية، شارع مأرب… إلخ، الأمر الذي يكشف عمق المشكلة ومدى الامعان الرسمي في تطبيع السكان على التصالح مع هذا التلوث الخطير.
إلا أن محاولة التصالح -في كثيرٍ من الأحيان- تصبح فوق قدرة البعض على الاحتمال، كما يقول المواطن حسن عبده الفقيه (27 عامًا)، الذي أفاد إنه اضطر لنقل مكان سكنه في منطقة مذبح (شمال صنعاء) بسبب معاناة أطفاله من المجاري التي لا تكف عن الفيضان في الحي الذي كان يسكن فيه. يقول: “كثيرًا ما كانت المجاري تطفح وتأخذ مسارًا انسيابيًا باتجاه ميلان الشارع لمسافةٍ تمتد مئات الأمتار، مع رائحةٍ لا منفرة، إلى درجة أني في الأوقات التي كانت تطفح فيها المجاري لا أتمكن من الخروج للصلاة في المسجد بسبب القاذورات والمياه الملوثة التي تملأ الشارع”.
يستطرد الفقيه: “مع مرور السنوات دون أن يتغير الوضع، قررت الانتقال إلى سكن (منزل) آخر، خصوصًا أن الأولاد (أطفاله) كانوا يمرضون بشكل مستمر رغم حرصي على عدم السماح لهم باللعب في الشارع، المسمم بالأمراض والقذارات”، حد وصفه.
في السياق نفسه، يُلفت الصحفي هيثم الشهاب، إلى جانبٍ آخر من المعاناة التي كابدها هو رفاقه خلال فترة احتجازهم تعسفيًا في أحد سجون صنعاء من 2015 إلى 2020، حيث يذكر أن مياه المجاري كانت تتسلل إلى زنازينهم، وتضاعف من معاناتهم، ولاسيما أن منسوبها أحيانًا يصل إلى حد الركبة.
من جانبه يُعلل الدكتور الخراز هذا التلوث طوال هذه السنوات بوجود مشكلة مركَّبة، تتمثل إحداها في عدم وجود شبكة صرف مؤهلة من المدينة إلى محطة المعالجة التي في الأساس غير قادرة على استيعاب الضغط السكاني، أما الأخرى فهي عدم وجود شبكة خاصة بتصريف الأمطار، موضحًا أنه “تختلط كل الملوثات من مصانع وورش وغيرها، في الوقت الذي لا توجد فيه شبكة خاصة بتصريف مياه الأمطار التي هي في الأساس مياه عذبة، وبالتالي تضيع علينا موارد طبيعية، خاصة مع أن الأمطار أصبحت كثيفة مع التغير المناخي، وكل هذه المشكلات تنعكس على تلوث المياه الجوفية والتربة والمحاصيل الزراعية والصحة العامة للسكان”.
على المستوى الصحي، يقول الدكتور كمال الفلاحي – طبيب عام بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، إن استمرار التلوث الناجم عن المجاري في صنعاء لا يمكن الاستهانة به، “المجاري بما تحويه من كائنات دقيقة كالبكتيريا والطفيليات والفيروسات، تُعدّ مصدراً مباشراً للعديد من الأمراض القاتلة، ومن أخطر هذه الميكروبات بكتيريا السالمونيلا، التي تتسبب في التيفوئيد والباراتيفوئيد، وبكتيريا الشيجلا، التي تؤدي إلى الدوسنتاريا والإسهالات الحادة، كما أن الفيروسات التي تنشط في هذه البيئة تحمل معها التهابات تصيب الجهازين الهضمي والتنفسي، فضلاً عن الطفيليات التي تهاجم الخلايا المعوية وتسبب اضطرابات هضمية شديدة”.
ويضيف الفلاحي:”لا يتوقف الخطر عند العدوى المباشرة، بل إن تلوث التربة والمياه الجوفية بمياه الصرف الصحي يؤدي إلى تسرب المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة، مثل النيكل والزرنيخ والنترات، إلى السلاسل الغذائية، وهو تلوثٌ يهدد الإنسان بأمراض خطيرة على المدى البعيد، مثل فقر الدم وسرطان المثانة والبلعوم. كما أن هذا التلوث يؤثر بشكل كبير على جودة المحاصيل الزراعية التي تُستهلك يوميًا”.
وقال الفلاحي “مشهد المياه الطافحة في الشوارع يُظهر بوضوح هشاشة البنية التحتية للصرف الصحي، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً. استمرار هذا الوضع يزيد من احتمالية تعرض الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة لموجات من الأمراض، مثل التهابات الجهاز التنفسي، والجفاف الناتج عن الإسهالات المزمنة، والتهابات الجلد، بالإضافة إلى الأمراض التي قد تتطور في بعض الحالات لتصبح تهديدًا لحياة المرضى”.
في ظل غياب حلول جذرية وعملية، يتفاقم هذا التهديد مع استمرار التوسع العمراني والنمو السكاني، مما يضاعف من الضغط على محطة المعالجة الوحيدة التي أصبحت عاجزة عن استيعاب الكميات المتزايدة من مياه الصرف الصحي.
محمد العريقي، مدير محطة الصرف الصحي بصنعاء، يؤكد أن الحل يبدأ بإنشاء محطة بديلة وموازية، مشيرًا إلى أن مواسم الأمطار تزيد من حدة المشكلة، حيث تؤدي إلى طفح المياه في الشوارع، مما يضاعف من احتمالية تسربها إلى باطن الأرض وتلويث المياه الجوفية”.
من جانبه، يوضح خالد الكميم، مدير في مؤسسة المياه والصرف الصحي بصنعاء، “أن مؤسسة المياه ووزارة الأشغال وعدتا في مطلع عام 2023، بوضع خطة استيعابية لمحطة المعالجة، نظرًا لعدم قدرتها على استيعاب كميات المياه الناتجة عن التوسع العمراني المتسارع، بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية التي تبلغ 300 مليون ريال شهريًا، مع استهلاك نحو 250 ألف لتر من الديزل، إلا أن هذه الخطة لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن”، حد قوله.
يضيف الكميم: توجد مناطق سكنية جديدة تم إنشاؤها حديثًا، لم تكن موجودة في السابق أثناء بناء شبكات الصرف الصحي والمجاري، مثل مناطق: صَرِف، وحزيز، والحثيلي. ولذلك، قمنا بإنشاء محطة صغيرة تُسمى “النصح”، تهدف لاستقبال مخرجات تلك المناطق عبر الوايتات (الصهاريج) التي تقوم بشفط مياه البيارات، وتُربط هذه المحطة أيضًا بمحطة الصرف الصحي الرئيسية.
بمقتضى الحقائق السابقة، تتجلى أهمية إيجاد حلول عاجلة وعملية ومستدامة، تضع حدًا لتفاقم مشكلة الصرف الصحي بصنعاء، واحتواء أعراض وتبعات هذا التلوث البيئي والصحي، ولاسيما في ما يتعلق بتسرب مياه المجاري إلى حوض المياه الجوفية، التي تعد المتغير الأشد خطورة في معادلة التلوث بالمجاري في مدينة صنعاء، إلى جانب تأثيرها الكبير على ملايين السكان بأشكال مختلفة.
علمًا أن هذه التحديات لم تعد مجرد مشكلات تقنية تتعلق بقدرة البنية التحتية على استيعاب الضغط المتزايد، بل أصبحت أزمة شاملة تمتد آثارها إلى الصحة العامة والبيئة وجودة الحياة اليومية للسكان، مع التأكيد على أن التهاون في معالجة هذه الأزمة سيؤدي إلى كارثة بيئية وصحية لا تقتصر تداعياتها على الأجيال الحالية، بل ستمتد لتشكل تهديدًا وجوديًا لمصادر المياه في المستقبل، الأمر الذي يجعل الحاجة أكثر إلحاحًا إلى تحرك عاجل وفعّال من الجهات المختصة والشركاء الدوليين لإيجاد حلول مستدامة تحمي المياه الجوفية وتضمن استمرارية خدمات الصرف الصحي بما يتلاءم مع النمو السكاني والتوسع العمراني.
*تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية، ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية “عُشة”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةنعم يؤثر...
ان لله وان اليه راجعون...
اخي عمره ٢٠ عاما كان بنفس اليوم الذي تم فيه المنشور ومختي من...
اشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...