النرجسية في الفن السوداني: من الصعلكة إلى الاعتراف
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
راني السماني – يناير 2025
مقال رقم (2)
النرجسية في شخصية الفنان السوداني ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج سياقات تاريخية واجتماعية معقدة ومتشابكة لحد كبير.
الإقصاء الاجتماعي للفنان ووصفه بالصعلوكلفترة طويلة، ارتبطت صورة الفنان في السودان بتوصيفات سلبية مثل “الصعلوك”، وقد كان يُنظر إلى الفن كشيء هامشي لا يستحق الاحترام.
فقد كان المجتمع عندما يحتاج إلى فنان لإحياء حفل، يرسل شخصاً وبعبارات تحمل في طياتها ازدراءً واضحاً لتلك المهنة العظيمة، مثل:
“امشِ جيب ليك صعلوك يحيي الحفل”
مما جعل الفنان السوداني يعيش تهميشاً مزدوجاً؛ بين محاولته التعبير عن رؤيته الفنية و الإبداعية، ونظرة المجتمع التي لا ترحم و لم ترَ في الفن مهنة لها قيمة.
هذا التصنيف لم يكن حصرياً علي السودان، لكنه تجسد محلياً بطريقة أثّرت سلباً على مكانة الفنان في مجتمعه، إذ يمكن أن نجد أوجه تشابه مع سياقات أخرى، مثل ظاهرة الصعلكة في الثقافة العربية الكلاسيكية التي ارتبطت بالتمرد والاستقلالية.
تلك الظاهرة التي نشأت في العصر الجاهلي بين مجموعة من الشعراء الذين اختاروا أو أُجبروا على العيش خارج النظام القبلي والاجتماعي السائد، وعبّروا عن أنفسهم من خلال شعر فريد يعكس فلسفتهم في الحياة، من أبرزهم:
عروة بن الورد، الشنفرى، تأبط شراً و السليك بن السلكة. النرجسية كآلية دفاعية
عندما كان المجتمع السوداني يُقصي الفنان ويصفه بالصعلوك، كان على الفنان أن يبحث عن طرق لتعويض هذا التهميش، فظهرت النرجسية هنا كآلية دفاعية، حيث بنى الفنان السوداني صورة ذاتية متعالية ليحمي نفسه من النظرة السلبية المحيطة به. لكن مع تطور الزمن، تحوّل هذا الدفاع إلى نوع من النرجسية ويعتقد البعض إنها ساعدت الفنان على مواجهة التحديات والاستمرار في الإبداع.
الاعتراف والتقدير المتأخركما ذكرنا، قد عانى الفنانون السودانيون لفترة طويلة من نظرة مجتمعية قاصرة، دفعت الكثير منهم إلى الانغلاق على أنفسهم كوسيلة لحماية هويتهم الفنية في مجتمع لم يعترف بقيمتهم، لكن مع تطور الحركة الثقافية والفنية في السودان، بدأت هذه النظرة بالتغير تدريجياً، وبدأ الفن يُعتبر مهنةً محترمة تستحق التقدير.
فهذا التحول لم يكن سهلاً، بل جاء نتيجة لتضحيات أجيال من الفنانين الذين كافحوا لتغيير المفاهيم المجتمعية الراسخة.
بمرور الوقت، ظهرت اتحادات مهنية ومعاهد متخصصة ساهمت في ترسيخ مكانة الفن كمهنة معترف بها، مما أدى إلى تغيير الصورة النمطية وأصبح الالتفاف حول الفنانين أكثر وضوحاً.
رغم هذا التهميش، نجح العديد من الفنانين السودانيين في إثبات أنفسهم محلياً ودولياً.
أ. سيد خليفة، على سبيل المثال، لم يكن مجرد فنان سوداني، بل أصبح رمزاً للأغنية السودانية عالمياً بفضل أغانيه التي مزجت بين التراث والحداثة.
أ. محمد وردي، المعروف بلقب “فنان إفريقيا الأول”، استطاع أن يصل بأغنياته إلى أبعد من حدود السودان، ليُعرّف العالم بجماليات الموسيقى السودانية.
وعائشة الفلاتية، بأغانيها العذبة وأدائها الفريد، كانت واحدة من النساء اللواتي قدمن صورة مشرقة للفن السوداني في زمن كانت فيه مشاركة النساء في الفن تعد تحدياً كبيراً.
مع هذا الانفتاح علي العالم الخارجي، أُتيحت له فرص للتفاعل مع ثقافات تقدّر الفن بشكل أكبر.
هذا التفاعل ساعد في تعزيز وعي الفنان بقيمته، لكنه أحياناً جعله يشعر بالتفرد مقارنة بمجتمعه المحلي، خاصة عندما يعود ليواجه قيماً كانت تُقصيه في الماضي.
حينما بدأ الفنانون السودانيون يبرزون في المشهد العالمي، خاصة في المعارض والمنتديات الدولية، و أصبحت لديهم فرصة للتفاعل مع ثقافات وقيم مختلفة تحترم وتقدر الفن والفنانين.
هذا الاحتكاك بالثقافات الأخرى جعلهم يعون أن لهم قيمة وقدرة على التأثير، وقد ساهم ذلك في تعزيز نرجسية البعض منهم.
فهم في الغالب يعودون بوعي جديد يمكّنهم من رؤية مجتمعهم بشكل نقدي، معتبرين أنهم رموز للحداثة والتطور الفني.
فهذا الوعي الذاتي الحاد قد يتحول لنوع من النرجسية التي تدفع الفنان للاعتقاد بأن له دوراً استثنائياً ومميزاً في مجتمعه.
لقد تجاوز الفنان السوداني مرحلة التهميش والصعلكة ليصبح جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع.
ومع ذلك، بقيت النرجسية في بعض الأحيان مظهراً بارزاً في شخصية بعض الفنانين السودانيين، نتيجة التفاعلات التاريخية والنفسية التي واجهها هذا الوسط الإبداعي.
هذه النرجسية، وإن كانت تبدو للبعض سلوكاً طبيعياً أو مبرراً، إلا أنها أصبحت تُورث عبر الأجيال، مما يجعلها تحدياً جديداً، لكن مع الوعي المتزايد والدور الذي يلعبه بعض الفنانين في نقد هذه النزعة، يمكن اعتبار هذه المرحلة امتداداً للصراع الذي لا يقل صعوبة عن مرحلة الاعتراف بقيمة الفنان في المجتمع.
فالفنان الحقيقي هو من يُسخّر موهبته لخدمة الإنسانية والتعبير عن قضايا مجتمعه، دون أن ينساق وراء النرجسية التي قد تفقده دوره الحيوي.
.
.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة كتابات عن نرجسية الفنان السوداني ودوره في المجتمع.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الفنان السودانی
إقرأ أيضاً:
في عيد ميلادها.. رحلة حجاب حنان ترك واعتزالها الفن
تحتفل اليوم الفنانة حنان ترك بعيد ميلادها، حيث وُلدت في مثل هذا اليوم عام 1975 في القاهرة، تنتمي لعائلة تعمل في مجال التجارة، و كان والدها يمتلك مصنعًا للملابس، ولديها شقيقان هما حسين وحسام.
البداية الفنيةبدأت حنان ترك مسيرتها في عالم الفنون كراقصة باليه قبل دخولها مجال التمثيل. كانت نقطة التحول في حياتها عندما لفتت انتباه المخرج خيري بشارة خلال أحد العروض المسرحية، فرشحها لدور في فيلم “رغبة متوحشة” عام 1993، ليكون هذا العمل بوابتها نحو الشهرة، حيث أظهرت موهبتها الفريدة وحصلت على لقب “فراشة الشاشة”.
لعب المخرج يوسف شاهين دورًا محوريًا في مسيرتها الفنية، حيث عرّفها عليه الفنان خالد النبوي، وبعد فترة قصيرة تلقت اتصالًا منه يطلب لقاءها في مكتبه. هناك، سلّمها سيناريو فيلم “المهاجر”، الذي كان علامة فارقة في مشوارها الفني.
مرت حنان ترك بخمس زيجات، أولها من رجل الأعمال أيمن السويدي، لكن الزواج لم يستمر سوى شهر واحد، وبعد انفصالهما تزوج السويدي من المطربة ذكرى قبل أن ينهي حياته في حادثة شهيرة.
أما زواجها الثاني فكان من خالد خطاب، واستمر لعدة سنوات أثمرت عن طفلين، لكن خلافاتهما أدت إلى الانفصال. بعدها، ارتبطت بالمخرج هادي الباجوري، إلا أن زواجهما كان قصير الأمد.
في زيجتها الرابعة، تزوجت من رجل أعمال سعودي، واستمر الزواج لمدة عام فقط، وأنجبت منه ابنها محمد، أما الزواج الخامس، فكان الأكثر جدلًا، حيث ارتبطت بـ محمود مالك، وقررت بعده اعتزال الفن، وأنجبت منه ابنتها مريم.
يربط الكثيرون ارتداء حنان ترك للحجاب بالداعية عمرو خالد، إلا أنها أكدت أن من أثر عليها كان الداعية مصطفى حسني، حيث حضرت له حضرت له ندوة عن الأمانة في الإسلام، وكانت هذه اللحظة نقطة تحول في حياتها، حيث شعرت أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة الالتزام بالحجاب، وبعد فترة وجيزة، قررت الابتعاد عن الأضواء والاعتزال نهائيًا، مفضّلة التركيز على حياتها الأسرية والتفرغ لأبنائها