محخددات الموقف المصري من معركة طوفان الأقصى.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
الكتاب: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022 ـ 2023
الكاتب: مجموعة من المؤلفين،المحرر: أ. د. محسن محمد صالح.
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أغسطس 2024، 548 صفحة من القطع المتوسط.
يتعرض الكاتب في الفصل السادس للدور المصري، إذ لا يمكن الفصل بين العملية التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 2023/10/7 على المواقع العسكرية الصهيونية والمستوطنات في غلاف غزة، وما تحمله من دلالات استراتيجية.
كشفت معركة طوفان الأقصى إمكانية هزيمة الكيان الصهيوني، كما كشفت حالة الضعف العربي الرسمي المستسلم للهيمنة الإسرائيلية الأمريكية، وأعطت حالة إلهام للأمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن تتفاعل الحالة الشعبية العربية مع ما يحدث في قطاع غزة من تدمير صهيوني انتقامي استهدف المدنيين، فقد قام شرطي مصري بإطلاق النار على فوج سياحي في مدينة الإسكندرية، وقد أسفر عن مقتل سائحين إسرائيليين.
تأثر الموقف الرسمي المصري من عملية طوفان الأقصى بالعديد من المحددات والعوامل المؤثرة، ومن أبرزها:
ـ الرغبة في الحفاظ على حيوية الدور المصري في القضية الفلسطينية، نظراً لأهمية ذلك في تعزيز حضور مصر الإقليمي وتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة.
الإصرار على الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية والعربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي والقانوني والتاريخي والديني في أرض فلسطين،هوالمحور الذي أبقى القضية الفلسطينية حية. أما خيار التسوية بشروط "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، فهي الهزيمة بعينها للأمة، والتصفية الحقيقية للقضية الفلسطينية.ـ استحقاقات معاهدة كامب ديفيد والعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المتطورة مع الكيان الصهيوني، والتي ترسخت بصورة قوية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ـ المحدد الأمني المتعلق بالخشية من تصاعد التحركات الشعبية المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية في مصر والمنطقة العربية والتوجس من احتمالات تجدد حيوية وحراك الشارع العربي وعودة أجواء الربيع العربي، نظراً لحالة الإلهام الهائلة التي مثلتها معركة طوفان الأقصى، وتصاعد السخط على عجز الأنظمة العربية بسبب فشلها في القيام بواجبها تجاه فلسطين.
ـ الخشية من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة لعمليات تهجير قسري واسعة محتملة للفلسطينيين، من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، وبما يقحم مصر في الصراع مع الجانب الإسرائيلي، ويهدد معاهدة كامب ديفيد وحالة الهدوء في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ـ المحدد الأيديولوجي المرتبط بتحفظات الجانب الرسمي المصري على التوجه الإسلامي للمقاومة الفلسطينية في سياق موقفه السلبي من عموم التيار الإسلامي في المنطقة. وخصوصاً في ظل أزمته المتواصلة في العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ويتشكل انطباع بعدم رغبة الجانب المصري والعديد من الأطراف العربية بخروج المقاومة الفلسطينية منتصرة في معركة طوفان الأقصى، خشية تداعيات غير مرغوبة على الوضع الداخلي المصري وعلى حضور التيار الإسلامي في المنطقة.
ـ تموضع الجانب الرسمي المصري وخياراته السياسية في الساحة الفلسطينية، وانحيازه القوي للسلطة الفلسطينية ومشروعها السياسي، وعلاقاته الحذرة وغير الإيجابية مع حركة حماس، وتحفظه على مشروعها المقاوم وعلى نزوعها للحفاظ على استقلالية موقفها وقرارها السياسي في إدارة العلاقة مع مصر وبقية الأطراف العربية والإقليمية.
ـ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وانهيار قيمة الجنيه المصري المستويات قياسية مقابل الدولار الأمريكي.
ـ المحدد الجيوسياسي وسيطرة الجانب المصري على المنفذ البري الوحيد للقطاع مع العالم. عبر معبر رفح، الذي وفر ورقة ضغط مصرية قوية على المقاومة وعلى سكان القطاع. وتسبب بإحكام الحصار على قطاع غزة منذ سنة 2007، وظهر تأثير ذلك بصورة قوية خلال معركة طوفان الأقصى. وترافق ذلك مع اتهامات واسعة من أطراف عديدة للجانب الرسمي المصري بأنه جزء من الحصار، وما يؤدي ذلك إلى معاناة ومجاعة، واستفراد العدوان الإسرائيلي بسكان القطاع ومقاومته ضد العدوان.
ومع تكرار الدعوات الصهيونية إلى تهجير سكان القطاع إلى سيناء، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خطورة التصعيد في قطاع غزة، وشدد على أن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وأنه لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أي ظرف".
لم تكن التخوفات المصرية في غير مكانها فقد كانت كافة الإشارات تؤكد المخططات الهادفة إلى تفريغ قطاع غزة وتهجير سكانه إلى سيناء، حيث أشار الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن اجتماع الاتحاد الأوروبي دعا إلى إنشاء "ممرات إنسانية لتسهيل مرور الأشخاص الذين يريدون الفرار من قصف غزة عبر الحدود إلى مصر.
كما صرح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني أيالون Danny Ayalon بقوله توجد مساحات لا نهاية لها تقريباً في صحراء سيناء على الجانب الآخر من غزة، ويمكنهم الفلسطينيون) أن يتركوا (قطاع غزة إلى تلك المساحات المفتوحة حيث سنعد نحن والمجتمع الدولي للبنية الأساسية، ومدن الخيام، وستمدهم بالماء والغذاء ".
الإصرار على الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية والعربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي والقانوني والتاريخي والديني في أرض فلسطين،هوالمحور الذي أبقى القضية الفلسطينية حية. أما خيار التسوية بشروط "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، فهي الهزيمة بعينها للأمة، والتصفية الحقيقية للقضية الفلسطينية.
في الواقع العربي، هناك خياران يتصارعان، خيار المقاومة وبناء ذات الأمة الديمقراطية بالمعني العصري لهذه الكلمة، وخيار التسوية الذي يرجح عند البعض من العرب والفلسطينيين، أن ينتج حلاً تقبل به الشرعية الدولية. خيار التسوية هذا، لم يعط للشعب الفلسطيني سوى أوسلو، حتى أن كل المشاريع الأخرى للسلام، بما فيها المبادرة العربية تدور حول هذا المحور.
"إسرائيل" لن تقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبنيية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط.
إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع الإمبريالية الأمريكية، وللحركة الصهيونية في فلسطين دورًا وظيفياً تؤديه في هذا المجال. ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائرًا، وألا يجزأ، لأن تجزئته في فلسطين، ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الأمريكية و"إسرائيل"، قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال، وأضاع فلسطين، وأية محاولة لاعتبار حكومة الولايات المتحدة الأميركية حكماً، سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبارالمشكلة فلسطينية ـ صهيونية، سيقزم المسألة، وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم، وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين.
إن "إسرائيل" كانت مصلحة استراتيجية أمريكية بامتيازولاتزال، وستظل كذلك في منطقة الشرق الأوسط. ويكمن مصدرقوة هذه الإستراتيجية، في قدرة "إسرائيل" على كسب حروبها مع العرب في السابق. بيد أن نجاح استراتيجية حزب الله الذي تفوّق على "زبائن الولايات المتحدة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام للحفاظ على أراضيهم"، وأحرج موقعها، أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغير من موقفها المنحاز "لإسرائيل" إلا إذا أصبح العرب قادرين على تحريرأرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة. .
هل يمكن للتحررمن الهيمنة الإمبريالية الأميركية ومن شروط التبعية، وهل يمكن تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها فلسطين، من دون أن تحرزالأمة العربية تقدماً ملموساً، وتقدم الأمة العربية مشروط بوحدتها و نهضتها؟ و بالمقابل هل يمكن إحرازالتقدم من دون أن تحرز الأمة استقلالها وسيطرتها على مقدراتها؟
"إسرائيل" لن تقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبنيية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط.إن هذا يطرح علينا علاقة التحررببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعا نهضويا فكريا وسياسيا، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية، وعليه أن يضع التحريرفي موقعه من مهمات المشروع القومي الديمقراطي النهضوي، باعتباره هدفاً رئيساً، لا يعلو عليه أي من الهدفين الآخرين، تحقيق الوحدة القومية، وبناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث بالتلازم مع بناء دولة الحق والقانون، من حيث الأهمية. إذ إن هذه الأهداف الثلاثة مترابطة عضوياً، بصرف النظر عن الأولويات التراتبية التي يحتلها أي منها في ظل تضاريس الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والتاريخية والاستراتيجية للمنطقة العربية.
وقد أثبتت هذه التجربة، ومن جملة ما أثبتته من حقائق واقعية، حقيقتين أساسيتين أولاهما أن الوحدة العربية هي المسألة المركزية في المشروع القومي الديمقراطي،وهي شرط ضروري لتحريرالأرض وإن لم يكن كافيا. وثانيهما تلازم النضال من أجل الديمقراطية والنضال ضد الإمبريالية و"إسرائيل". فلا تقدم يرجى في ظل التبعية والاحتلال . ولا يمكن أن نحرز تحريرًا في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة "العسكريتارية" المحضة خارج عالم الفكروالثقافة والسياسة، وغير ديمقراطية في بنيانها الداخلي.. وتستند أيضا إلى الطوائف أو المذاهب.
وحتى لو كان صعود حركة "حماس" بالمعنى التاريخي متواصلاً كجزء من صعود التيارات الإسلامية الأصولية في العالمين العربي والإسلامي، فإنه من الصعب جداً في ظل تمزق المقاومة الفلسطينية بين سلطتين عاجزتين عن مواجهة "إسرائيل" ـ ومسؤولية ذلك تقع أساسًا على فريق أوسلو الذي كاد يودي بالقضية الفلسطينية، استبداداً وفساداً وتنازلات( أمام "إسرائيل" وأميركالاأمام الشعب الفلسطيني)، لكنها تقع أيضاً على اليسارالفلسطيني المفكك والمهمش و"المخردق" بوعود محود عباس، وعلى نهج "حماس" الانقلابي المعكوس الذي يستعدي ـ تدريجيا ـ فئات متزايدة من الفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية، فإنه من الصعب جدًا على حركة "حماس" بعد ماتماهت تماماً مع مرحلة التحرير الوطني،وضاقت طعم السلطة،أن تكون قادرةً على استمرارالإحتفاظ بديناميكيتها كحركة مقاومة وطنية.
فالحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، التي ولدت من رحم الهزيمة لعام 1967،تعاني من أزمة بنيوية عميقة،بل تعاني ما يبدو أنه وهن تاريخي بعد سنوات الصعود التي استمرت حتى انسحاب الجيش الصهيوني من غزة في أيلول /سبتمبر 2005. فليس فقط حركة "فتح" ـ حسب المشهد السياسي الفلسطيني ـ هي التي تعاني إنهاكاً تاريخيا، بل أيضاًالحركة الإسلامية الفلسطينية التي تنتمي إلى مدرسة صعود الحركات الإسلامية بعد نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979..
إن تحرير فلسطين ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أوحركة أصولية،أو طبقة اجتماعية، إنه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي النهضوي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة العربية ووحدتها.والنضال من أجل تحرير فلسطين هو الاندماج في المشروع القومي الديمقراطي المعادي جِديًا وفِعلياً وراديكاليًا للإمبريالية الأمريكية، والكيان الصهيوني، والدول العربية التسلطية، والمستند إلى قوى الشعوب العربية، وإلى جماع الأمة، ولا إلى فئة، أو طبقة، أو حزب، أو حركة أصولية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة، ونائبة عن أكثريتها، وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن الدولة الوطنية العربية المتقدمة، ستكون مسؤوليتها أكبر وتأثيرها أعمق، ولكن لن تكون أبداً بديلاً عن الكل، أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها.
إقرأ أيضا: القضية الفلسطينية أمام مخاطرالتصفية.. قراءة في كتاب
إقرأ أيضا: هل ما زالت فلسطين قضية مركزية للعالم العربي؟ كتاب يجيب
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معرکة طوفان الأقصى القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة الرسمی المصری قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
ساحات أخرى للمواجهة مع الاحتلال في حرب غزة.. قراءة في كتاب
مركز القدس للشئون العامة JCPA، وهو أحد المراكز البحثية المهمة، وقد نشر، في 13 أكتوبر تشرين الأول الماضي، كتابا من جزأين عنوانه "إسرائيل تحت النار". ساهم في كتابته وتحريره مجموعة من المتخصصين في مجالات مختلفة غير المجالات العسكرية.
والموضوع الرئيسي للكتاب هو ساحات أخرى للمواجهة في حرب غزة تتجاوز ميادين القتال سواء في القطاع أو الساحات الأخرى:
1 ـ الجزء الأول: الحرب القانونية والدبلوماسية الدولية.
2 ـ الجزء الثاني: الحرب الأيديولوجية والنفسية والاقتصادية.
تضمن الجزء الأول مقدمة وستة فصول: هل يستطيع القانون الدولي التعامل مع عمليات المقاومة؟، محاولة إنكار الحقوق الأساسية للشعب اليهودي، بقاء إسرائيل: مجال صغير للمناورة، الاعتقال والملاحقة القضائية، تشريح جريمة الأمم المتحدة ضد الإنسانية، حقوق إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات. وكلها عناوين داعمة للأكاذيب الإسرائيلية ومزاعم الحقوق التاريخية والاضطهاد الأممي لها. لكن المقال الذي بين أيدينا اليوم، وهو عرض موجز لفصل: "بقاء إسرائيل: مجال صغير للمناورة"، الذي كتبه البروفيسور "نيكولاس روستو" الباحث الأول بكلية الحقوق بجامعة ييل الأمريكية. وتكمن أهمية المقال في تناوله من منظور إسرائيلي مدى المأزق الوجودي الذي تعيش فيه إسرائيل اليوم، ومدى ضيق ساحات ومجالات المناورة لديها، وتأثير الإجراءات الدولية التي تنزع عنها شرعيتها وتجعلها دولة مارقة ومنبوذة:
الضباب الاستراتيجي
الاستراتيجية هي كل شيء عن الأهداف؛ أما التكتيكات فتدور حول كيفية تحقيقها. ورغم أن عملية التخطيط لا غنى عنها ، فإنه نادرا ما تنجو الخطط عن الاتصال بالواقع. لذا، يتم تطوير الاستراتيجية وتنفيذها في عالم من عدم اليقين والمتغيرات، أي سيولة الشؤون الإنسانية والسياسية. وفي مجال السياسة، فإن التحالفات السياسية تؤثر على محتوى الاستراتيجية. ويشكل عدم اليقين وعدم الكفاءة والمخاطر الأخرى بجميع أنواعها جزءا من ضباب الحرب. ولذلك، لا تتبع الحرب سيناريو واحدا،وهي ليست لعبة. ولا شيء يثبت بوضوح حقيقة هذه الافتراضات وأهميتها لوضع إسرائيل مثل هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023.
حلقة النار حول إسرائيل
الميثاق الأصلي لحماس وما جرى عليه من تعديل يؤكد أن هدف حماس هو القضاء على إسرائيل. وفي السابع من أكتوبر 2023، أغرقت حماس المناطق المدنية الكبيرة بإسرائيل وتجمعات بصواريخ معروف أنها غير دقيقة؛ لكنها مرعبة. كما نفذت حماس هجمات كوماندوز، واحتجز مقاتلوها رهائن ودمروا كل ما في وسعهم. إنهم ينشرون الخوف للمساعدة في تحقيق الأهداف السياسية وتغيير السلوك.
لم تتحرك حماس بمفردها. فقد انضمت إليها حركة الجهاد في غزة، وأطلق حزب الله صواريخ على إسرائيل، ووقعت هجمات في الضفة الغربية، وأطلق الحوثيون صواريخ تجاه إسرائيل، فيما وصفه أحد المراقبين بأنها "حلقة من النيران حول إسرائيل". ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، هاجمت الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن إسرائيل والقوات الأمريكية وسفن الشحن الأمريكي والحلفاء في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد اتبعت هذه الهجمات جميع نقاط خطة البوصلة الاستراتيجية.
إن الملامح الدائمة لموقع إسرائيل الاستراتيجي في ضوء هجمات 7 أكتوبر 2023، تذكر بالتاريخ الذي يجب على كل جيل التعلم منه، لأنه يسلط الضوء على حقيقة أن مساحة المناورة الدبلوماسية والسياسية لإسرائيل محدودة، وأن إسرائيل لا تستطيع تحمل خسارة الحرب.في مقابل ذلك، اتحدت إسرائيل، التي كانت منقسمة سياسيا لعدة أشهر، وتشكلت حكومة حرب ضمت أعضاء رئيسيين من معارضي حكومة نتنياهو. وكان رد إسرائيل بهجوم مضاد شديد الأبعاد ومتعدد الأذرع بهدف إزاحة حماس من غزة والمنطقة. وربما لم يتوقع أحد أن أصدقاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، سيمنحونها الكثير من الوقت لتحقيق أهدافها أو أن حلفاء حماس سيترددون في الانضمام إلى القتال.
كابوس المحرقة وارتباك عملية صنع القرار
صُدمت إسرائيل بأعمال حماس والمفاجأة التكتيكية. وعانت ليس فقط من الألم النفسي والجسدي الفوري، ولكن أيضا من إحياء الكابوس اليهودي التاريخي: "كابوس المحرقة الوجودي" على وجه التحديد. فقطاع غزة، الذي يحد إسرائيل وتقع مراكزه الحضرية على بعد 100 كيلومتر من تل أبيب، كان لسنوات قاعدة لهجمات حماس المنتظمة على إسرائيل بالصواريخ والتوغلات عبر الحدود. لذا، كان على إسرائيل أن تقرر ما يجب أن تفعله. لكن، بعض المسؤولين الإسرائيليين تركوا غضبهم يوجه كلماتهم، مما ساعد على تأجيج صرخات "الإبادة الجماعية"، وأعطى جنوب إفريقيا ذخيرة إضافية في دعواها أمام محكمة العدل الدولية.
وربما سمحت عمليات صنع القرار الأفضل بتعريف هدف أكثر دقة للعمل العسكري في غزة من "تدمير حماس"، مهما قالت الحكومات العربية في أحاديث خاصة إنها تشارك هذا الهدف. وربما أدت عمليات صنع القرار المختلفة إلى نهج دبلوماسي وإعلامي وعسكري متكامل أفضل من النهج الذي تم تبنيه نتيجة ما فوجئت به في 7 تشرين الأول/أكتوبر، مما جعل ردودها تبدو على قدر كبير من الارتجال، على الرغم من أنها حاربت حماس وحلفائها بشكل متقطع لما يقرب من 20 عاما.
وعلى مدى عقود، خلقت القيود السياسية والقانونية والرأي العام بيئة دولية صعبة لإسرائيل، فكل أعمالها تحت المجهر العالمي. لذلك، فإن تجاهل الحكومات الإسرائيلية لهذا الواقع يعرض إسرائيل للخطر. وعليه، يجب على الحكومة الإسرائيلية وضع هذا السياق في اعتبارها عند اتخاذ قرارات.
إسرائيل لا تتحمل خسارة الحرب
إن الملامح الدائمة لموقع إسرائيل الاستراتيجي في ضوء هجمات 7 أكتوبر 2023، تذكر بالتاريخ الذي يجب على كل جيل التعلم منه، لأنه يسلط الضوء على حقيقة أن مساحة المناورة الدبلوماسية والسياسية لإسرائيل محدودة، وأن إسرائيل لا تستطيع تحمل خسارة الحرب. ومنذ عام 1948 ، كان مصير إسرائيل هو أن تكون في حالة حرب. فقط مصر في عام 1979 والأردن في عام 1994، من بين الدول العربية الخمس التي أرسلت قوات مسلحة في عام 1948، دخلت في معاهدات سلام مع إسرائيل. وعلى الرغم من تلك الخطوات التاريخية، لم تعرف إسرائيل سلاما حقيقيا.
الانتصار العسكري وحده لا يكفي
حتى الآن، خرجت إسرائيل منتصرة من معاركها وحروبها، لكن الانتصار العسكري في حد ذاته لم يؤمن أبدا أهداف إسرائيل السياسية، باستثناء وقف إطلاق النار واتفاقيات الانفصال وغيرها من التدابير المؤقتة التي تقطع ما يمكن أن يكون حربا مستمرة. هذه الحقيقة تؤكد ضعف موقف إسرائيل على الرغم من قوتها العسكرية الضرورية لبقاء إسرائيل، والتي تعني أن أعدائها يعرفون عدم الدخول في مواجهة ضد الجيش الإسرائيلي. لكن في الوقت نفسه، لا تزال الحقيقة الأساسية لموقف إسرائيل قائمة: فأعداء إسرائيل لا يتعاملون مع الهزائم على أنها نهائية، أو أنها حاسمة سياسيا. وبالتالي، لم تستطع إسرائيل أبدا إجبار أعدائها الحكوميين وغير الحكوميين على صنع السلام.
وفي حرب 1948 ، كان على إسرائيل أن تقبل باتفاقيات الهدنة، وليس السلام. وفي حرب 1956، غزت إسرائيل شبه جزيرة سيناء؛ لكنها اضطرت إلى سحب قواتها دون شروط. وفي عام 1967، حققت إسرائيل انتصارا سريعا وساحقا على مصر والأردن وسوريا، لتواجه بعده اللاءات الثلاثة لإعلان الخرطوم الصادر عن جامعة الدول العربية في 1 سبتمبر 1967: "لا سلام مع إسرائي، ولا اعتراف بإسرائيل ، ولا مفاوضات معها ، والإصرار على حقوق الشعب الفلسطيني في بلده". وبعد حرب 1973، تحسن موقف إسرائيل الاستراتيجي. وأدت الحرب إلى سلام رسمي بين مصر وإسرائيل عام 1979، وهدوء نسبي على الحدود الإسرائيلية السورية من خلال اتفاقية فك الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية عامة 1974.
فشل صنع السلام مع الفلسطينيين
سهلت نهاية الحرب الباردة اتفاقيات أوسلو لعام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكان من المفترض أن تؤدي أوسلو إلى التفاوض على تسوية نهائية واتفاق حول جميع القضايا العالقة، بما في ذلك الحدود والقدس، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لسنة 1967. ومع ذلك،. لم يستطع الرئيس كلينتون إقناع ياسر عرفات باتخاذ هذه الخطوة عام 2000. وتؤكد السلطات الفلسطينية أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية يرقى إلى مستوى الضم. وهم يرون إلى جانب عدد كبير من أعضاء المجتمع الدولي والمراقبين أن إسرائيل في الضفة الغربية تقوم بتغيير الحقائق على أرض الواقع ومنع السلام مع السلطة الفلسطينية. وغالبا ما تتخذ إسرائيل دون مبرر إجراءات تهين السكان الفلسطينيين. وعلى الرغم من العنف الكبير في انتفاضة الأقصى والذي ردت عليه إسرائيل بالقوة، أكد مجلس الأمن في 2004 رؤية لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها". لكن اليوم، تبدو هذه الرؤية وكأنها سراب.
لا يساعد الأثر الاجتماعي والنفسي للحرب في صنع السلام. وقد أدى ضغط الحرب إلى بعض السلوكيات والمواقف الإسرائيلية القاسية والوحشية. وبالنسبة للفلسطينيين وغيرهم ممن يقاومون السلام مع إسرائيل، عززت الحرب الرغبة في الانخراط في المقاومة. وبالتالي، ليس من قبيل المصادفة أن تولد الهجمات على إسرائيل استحسانا وليس انتقادا بين الفلسطينيين وغيرهم من السكان العرب.
الأمم المتحدة وسجل من العداء مع إسرائيل
كان قيام إسرئيل بقرار من الأمم المتحدة؛ لكنها مع ذلك لم تنفذ أي قرار صادر من الأمم المتحدة، ولم تنفذ حتى قرار قيامها. ومع ذلك، يقول الكاتب بكل فجاجة وادعاء للاضطهاد الأممي: لدى أجهزة الأمم المتحدة سجل من العداء لإسرائيل. إذ تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل روتيني مواقف تنتقد إسرائيل بشدة، سواء كان ذلك مبررا بعمل إسرائيلي معين أم لا. وفي عام 2003، طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية فتوى بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بتشييده في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها، على النحو المبين في تقرير الأمين العام، مع مراعاة قواعد القانون الدولي ومبادئه"، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة؟". كان إطار السؤال محكمة العدل الدولية يحمل الإجابة التي تطلبها الجمعية العامة من المحكمة التي لم تخيب ظن الجمعية العامة فيها.
لا يساعد الأثر الاجتماعي والنفسي للحرب في صنع السلام. وقد أدى ضغط الحرب إلى بعض السلوكيات والمواقف الإسرائيلية القاسية والوحشية. وبالنسبة للفلسطينيين وغيرهم ممن يقاومون السلام مع إسرائيل، عززت الحرب الرغبة في الانخراط في المقاومة. وبالتالي، ليس من قبيل المصادفة أن تولد الهجمات على إسرائيل استحسانا وليس انتقادا بين الفلسطينيين وغيرهم من السكان العرب.ينبغي ـ وفق قول الكاتب ـ أن يوفر القانون لغة مشتركة تُسهل تسوية المنازعات. وبعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري عام 2004، لاحظ أحد سفراء الأمم المتحدة أن معارضي إسرائيل يستخدمون القانون والمؤسسات القانونية مثل محكمة العدل الدولية لتعزيز أجندتهم السياسية ضد إسرائيل.
وفي عام 2023 ، طلبت الجمعية العامة فتوى أخرى. وهذه المرة، كان الموضوع، "العواقب القانونية الناشئة عن الانتهاك المستمر من جانب إسرائيل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، من احتلالها واستيطانها وضمها لفترة طويلة الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لمدينة القدس المقدسة وطابعها ومكانتها". ومن اعتمادها التشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة؟". ومرة أخرى، قالت الجمعية العامة، مستخدمة الكلمات المختارة لتوضيح وجهة نظرها، إلى محكمة العدل الدولية عن الإجابة التي يجب أن تقدمها.
قضية الإبادة الجماعية ومشروعية قيام وبقاء إسرائيل
قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تسلط الضوء بشكل أكبر على التحدي الاستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل. فقد طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة أن تقرر أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، وأن تطلب منها الوقف الفوري للعمليات العسكرية في قطاع غزة. وفي 11 يناير 2024، افتتح سفير جنوب إفريقيا لدى هولندا مرافعة شفوية، قال فيها: إن أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل تشكل جزءا من سلسلة متصلة من الأعمال غير القانونية التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 من أعمال الإبادة الجماعية، والفصل العنصري الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاما، والاحتلال المتصل منذ 56 عاما لقطاع غزة، والحصار المفروض عليه لمدة 16 عاما، وهو حصار وصفه مدير شؤون الأونروا بأنه "قاتل صامت للناس".
وعلى الرغم من أن الدعوى القضائية كانت ردا على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023، إلا أن الحجة الجنوب أفريقية هي أن إنشاء إسرائيل عام 1948 وما ترتب على الحرب العربية الإسرائيلية في 1948-1949، كانا أفعالا غير مشروعة دوليا. وإن ما تؤكده جنوب إفريقيا، والذي يدعمه عدد كبير من المعلقين والحكومات علنا أو سرا، يعتمد على فتوى محكمة العدل الدولية عام 2004، ويشكل جزءا من حقائق ساحة المعركة والسياسة، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي يجب على إسرائيل أن تتعامل معها.
خيارات إسرائيل الصعبة
تفرض ساحة المعركة دائما تحديات تكتيكية للمتحاربين. وفي هذا الصدد، لا تختلف إسرائيل عن ذلك. قد تتعاطف وزارات الدفاع التي لديها خبرة في حرب المدن، مثل وزارة الدفاع الأمريكية، مع الخيارات العسكرية الإسرائيلية الصعبة في قطاع غزة، حيث تعمد حماس إلى استخدام تكتيكات عسكرية تهدف إلى تحويل نقاط قوة إسرائيل ضدها. وهذا هو جوهر الحرب غير المتكافئة. وفرضت حماس على إسرائيل تكاليف أخلاقية وسياسية باهظة.
في كل معركة، يوجه الاتهام إلى إسرائيل ب "الإبادة الجماعية" و "الاستخدام غير المتناسب للقوة" و "العقاب الجماعي" و "جرائم الحرب". وقد واجهت إسرائيل صعوبة أكبر في محاربة حرب المعلومات من النزاعات المسلحة. وبالنسبة لمنتقدي إسرائيل وأعدائها، فإن التذكير بإطار القرار 242 كأساس قانوني لسيطرة إسرائيل على الأراضي حتى تحقيق السلام هو مجرد "قانونية". وهذا جزء من حرب المعلومات التي تخوضها إسرائيل يوميا.
الشراكة الأمريكية الإسرائيلية ضرورية لبقاء إسرائيل
تواجه إسرائيل أعداءً يريدون تدميرها. لذا، كان البقاء هو دائما استراتيجية إسرائيل في جميع معاركها، فالخسارة تعني الموت وإختفاء إسرائيل. ومنذ 1967، كانت الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لإسرائيل. وهذا ما أكده بايدن في 10 أكتوبر 2023، عندما قال للعالم: "ليس هناك شك أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، وسنتأكد، كما فعلنا دائما من قبل، من أنها يمكنها الدفاع عن نفسها اليوم وغدا". وهذه الشراكة ضرورية للأمن الإسرائيلي، وضرورية أيضا لأمن الولايات المتحدة، فإسرائيل حليف مخلص، وذات اقتصاد وجيش مبتكرين، وجزيرة من الاستقرار في منطقة غير مستقرة ومهمة استراتيجيا. ونظرا لأن الولايات المتحدة وحلفاءها في الحرب العالمية الثانية لم يتمكنوا من إنهاء أو إحباط الإبادة الألمانية ليهود أوروبا، فإن الشعب الأمريكي يدرك أن بقاء إسرائيل مصلحة أخلاقية واستراتيجية.
وبالتالي:
1 ـ التحالف مع الولايات المتحدة ضروري لكي تستطيع إسرائيل الصمود أمام الضغوط الدبلوماسية والسياسية الهائلة والحرب القانونية المكثفة.
2 ـ بدون الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي المقدم من الولايات المتحدة، فإنه ليس لدى إسرائيل مجال كبير للمناورة إن وُجد، أو خيارات دبلوماسية قليلة إن وُجدت.
إن حرب إسرائيل مع حماس هي نموذج للوضع الاستراتيجي لإسرائيل. ويجب على إسرائيل أن تعرف وتستعد مسبقا لحقيقة أن منتقدي كل استخدام إسرائيلي للقوة تقريبا منذ عام 1967 قد شجبوا هذا الاستخدام باعتباره غير متناسب. وفيما يتعلق بتحرك الجيش الإسرائيلي إلى جنين في عام 2002، فقد تمتم حتى سفير الأمم المتحدة الصديق بأن إسرائيل تستخدم "تكتيكات الجستابو". واليوم، يتم إلقاء اللوم على إسرائيل في العواقب المدمرة. وهذه ليست سوى واحدة من الحقائق الأساسية التي يجب أن تتعايش معها إسرائيل.
توصيات الكاتب لتفعيل استراتيجية البقاء
في ختام الفصل، قدم الكاتب مجموعة من التوصيات التي يجب على إسرائيل العمل بها للنظر في استراتيجية بقائها:
1 ـ يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة طوال الوقت للتعامل مع الانتقادات الروتينية والمتكررة لأعمالها العسكرية قبل أن تصبح علنية..
بدون الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي المقدم من الولايات المتحدة، فإنه ليس لدى إسرائيل مجال كبير للمناورة إن وُجد، أو خيارات دبلوماسية قليلة إن وُجدت.2 ـ تكييف العمليات العسكرية بقدر الإمكان للإجابة على نقاط الانتقاد. وقد كانت جهود إسرائيل في هذا الصدد خلال حملة غزة لم تقنع أولئك الذين يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية تكذب، وأن إسرائيل ترتكب الإبادة الجماعية وتنخرط في الفصل العنصري منذ عام 1948. ليس من البديهي أن يمكن إقناع الأشخاص من هذا المنظور بالتفكير من جديد، ولكن من المهم أن تبذل إسرائيل هذا الجهد.
3 ـ من الضروري أن تأخذ قرارات الأمن القومي الإسرائيلية في الاعتبار هذا السياق. وتحتاج إسرائيل إلى اصطفاف جميع وسائل التواصل الاجتماعي والدبلوماسية العامة التي يمكنها لخوض معركة المعلومات قبل بدء إطلاق النار. في الحرب مع حماس، تعني هذه التوصية أنه يجب على إسرائيل، إن أمكن، جمع الأدلة على أفعال حماس وعرضها مع إحاطات أسئلة وأجوبة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف، حيث يمكن بثها في جميع أنحاء العالم.
4 ـ إسرائيل ليست قوية بما يكفي لتجاهل الرأي العام الدولي. فقد استخفت إسرائيل لفترة طويلة جدا بأهمية الأمم المتحدة بوصفها محفلا لشرح قضيتها للعالم. لذا، ينبغي لإسرائيل أن تخلق الفرص للحديث في الأمم المتحدة، وتستفيد منها.
هذه النقاط لا تعالج الصعوبات التي تواجهها إسرائيل. وفي سبتمبر 1968، ناقش موشيه ديان إمكانية السلام مع الدول العربية في خطاب له أمام كلية أركان الجيش الإسرائيلي والقيادة. اتخذ موضوعه تأملات آرثر روبين، الصهيوني ومؤسس تل أبيب، الذي انتقل إلى فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. عندما وصل روبين إلى فلسطين، تصور في البداية كيانا سياسيا يتمتع بحقوق متساوية لجميع مواطنيه مع السماح لهوياتهم الوطنية بالاستمرار. أوصلته الحقائق الفلسطينية خلال فترة الانتداب، وخاصة الثورة العربية الكبرى 1936-1939، إلى مفهوم مختلف: ليس بالضرورة دولة يهودية بحتة، بل دولة قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أعدائها، وقبول حقيقة أنه سيكون لها أعداء مصممون على القضاء عليها في المستقبل البعيد كما يمكن رؤيته. لم ير روبين، الذي توفي في 1 يناير 1943، أي تناقض بين الهجرة اليهودية والحقوق العربية؛ لكنه كان عليه أن يستنتج أن إنشاء إسرائيل لن يقبله العرب. وبالتالي، سيكون الصراع المستمر هو النتيجة.
وبعد ما يقرب من 100 عام، يتعين على إسرائيل أن تقبل أن جزءا على الأقل من العالم العربي والإسلامي لا يزال يقبل بدولة يهودية في فلسطين. لذلك، يعتمد بقاء إسرائيل في الأساس على الجيش الإسرائيلي وعلى التحالف مع الولايات المتحدة. قد تحسن الإجراءات المقترحة موقف إسرائيل، والتي يجب أن يبدأ الجيش الإسرائيلي والتحالف.