الدكتور الخضر هارون

maqamaat@hotmail.com

لا زالت الذاكرة تحتفظ ببرنامج عرض في التلفزيون بعنوان " ما فيا الحبوب. The Grain Mafia تحدث فيه البروفسور محمد هاشم عوض وهو عالم اقتصاد معروف ، درّس في جامعة الخرطوم وشغل منصب وزير الاقتصاد في حقبة مايو لوقت وجيز ثم استقال. ذكر فيما ذكر وجود مافيا للحبوب في الولايات المتحدة .

والحبوب المعنية هنا هي القمح وهو أحد أذرع الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في سياستها الخارجية القائمة علي الترغيب والترهيب وما يعرف بالجزرة والعصا لتحقيق الأهداف التي تصبو لتحقيقها . قص علينا البروفسور محمد هاشم عوض كيف تحول السودان من استهلاك الذرة الرفيعة والدخن كحبوب أساسية للغذاء في السودان حيث ظل استهلاك القمح محصورا إلي حد كبير في الولاية الشمالية ربما لملائمة الطقس البارد لزراعته في فصل الشتاء . ذكر البروفسور كيف كان القمح المستورد والأمريكي تحديدا يمنح كهدية مجانية في البداية حتي إذا اعتاد الناس عليه وخرجت المرأة بأعداد اكبر للعمل خارج البيت في منتصف عقد الستينيات تحول الناس لشراء الرغيف المصنوع من القمح بعد أن استطابوا مذاقه ثم لسهولة الحصول عليه ثم غدا مصدر الخبز الأساس في حواضر السودان كافة وأصبح يستورد من الخارج كسلعة أساسية مدفوعة الثمن كما البترول ومشتقاته وأصبح كذلك وسيلة للضغط السياسي ولإسقاط الحكومات. واذكر في صغرنا أن النسوة جميعا في جوارنا كن يصنعن الكسرة من الذرة يوميا عند بداية الظهيرة وكان إذا فاجأ الناس ضيوف، أرسلونا إلي ( الطابونة ) هكذا كنا نسمي المخبز ،لجلب بعض العيش بدراهم معدودة ليأخذ مكانه علي سطح الكسرة المرصوصة علي الصينية بعناية . تلك الساعة كانت معروفة ( بساعة العواسة) وكنا نطلق علي الأغاني المنبعثة من المذياع في هذا الوقت من اليوم والتي لم تكن تستهوينا نحن الصغار ، (بأغاني العواسة). أما في الأرياف فلم نشاهد العيش او الرغيف إلا بداية السبعينيات يروج له رجل علي حمار يثير الانتباه بالضرب علي الصندوق الذي يحوي بضاعته من الرغيف . وكانت لنا في حي السجانة جارة مصرية مسنة إذا غابت في مشوار لها تكلفنا باستلام عيش كان يجلب لها كل يوم وبانتظام. ولما شببنا عن الطوق وتوظفنا وأصبحنا بالتالي عزابة يقتاتون علي الرغيف في المطاعم إذا قدمنا للبلد تحسست الأمهات والخالات والعمات تراقينا البارزة وقلن في أسي ( أكل السوق ، الله يقطع الرغيف!).
وقد استطاب الناس مذاق هذا الرغيف الذي كانت تنبعث رائحة صنعه من ( الطوابين) فتثير الرغبة لالتهامه حارا طازجاً حافاً بمفرده أو علي طبق فول بزيت السمسم والكمون ( الشمار) والذي دخل بقوة إلي المائدة السودانية هو الآخر ليصبح ربما للمرة الأولي صنوا و توأما لرغيف القمح ولم يكن قبل ذلك كذلك .وقد يشكل فك الارتباط بينهما صعوبة تعوق من سياسات تقليل الاعتماد علي القمح .
وكان تلاميذ الخلاوي ( كتاتيب تعليم القران) ، يُدعون لختام أيام المآتم لتلاوة القرآن الكريم علي أرواح الموتي تبركاً وطلبا للرحمة فيرجزون ويدعون إلي جانب دعواتهم للموتي بالرحمة والمغفرة ،لأنفسهم بالظفر بأكلة حسنة قوامها إلي جانب اللحم والأرز ،من الثريد المصنوع من رغيف القمح خالصاً لا يُدس تحته خبز الكسرة المصنع من الذرة الرفيعة ! إذ كان بعض المقترين يجعلون أسفل طبق ( الفتة) كسرة الذرة:
يا لطيف…يا لطيف..فتة برغيف!
وفي اليوتيوب فيديو للرئيس المصري جمال عبدالناصر يقول فيه إن أمريكا منذ الخمسينيات كانت تمنح مصر ما يعادل خمسين مليونا من الدولارات لقاء تزويد مصر بالقمح وأنهم هددوا مرة بوقفه إن لم تذعن مصر لأمر من الأمور. وعليه فالقمح سلعة استراتيجية تستخدم لزيادة النفوذ . استغرب الناس في ثمانينيات القرن الماضي وفي عز الحرب الباردة أثناء فترة رونالد ريقان الأولي، رئيس الولايات المتحدة ، وفي خضم هيجان الصراع بين القطبين علي أشده و قبل إطلالة غورباتشوف البهية علي الساحة الدولية رئيسا للإتحاد السوفيتي ،عندما وافقت الولايات المتحدة علي إمداد الاتحاد السوفيتي بالقمح . ومرد الاستغراب أن الناس قد أغفلوا الطرف الآخر في المعادلة وهو المزارع الأمريكي فقد تدنت أسعار القمح في ذلك الوقت فاشترته الحكومة الأمريكية من المزارعين بأسعار مجزية حتي لا يحجموا عن الزراعة العام المقبل واستخدمته في دبلوماسيتها وتفعل ذلك في حبوب أخري وبعضكم يذكر ( عيوش ريقان) ومدحة الشيخ عبدالرحيم البرعي.
أشار البروفسور علي المزروعي في مسلسله الرائع The Africans: the triple heritage الأفارقة والتراث الثلاثي، إلي أن حمي الهوس بالقمح استهوت زعيم تنزانيا ( الموألمو ) المعلم ،جوليوس نايريري) رئيس تنزانيا ،فمنح شركة كندية امتيازا لزراعته في تنزانيا ففعلت . لكن التجربة فشلت بكل المقاييس فنمط هطول الأمطار في بلد قريب من خط الاستواء وحار تختلف عنها في براري كندا الباردة ذات التربة المختلفة أدت في العام الذي تلاه ألي تشقق الأرض لأخاديد كبيرة ولم ينجح الانتاج لكن اعتاد الناس علي الخبز من المصنوع من القمح وهكذا سقطت البلاد في شراك مافيا الحبوب وحدث ذلك في أكثر من بلد افريقي فقد شرعت اثيوبيا قبل سنوات في التوسع في زراعة القمح بغرض التصدير لكنه تسلل للاستهلال الداخلي منافسا للتفل الشبيه بالدخن والذي يصنع منه الخبز الإثيوبي المشهور ( اللانجيرا) . لكن يحمد ليوغندا أن حافظت علي استغلال المتوفر عندها من مادة الطعام وأغلقت باب القمح واكتفت بالمتاح وهو موز الطبخ قليل السكر كثير النشا plantains مع السمك لصنع الوجبة المتوارثة في البلاد ( ماتوكي ) .وفي كمبالا مطعم وحيد للمشويات التركية او الإيرانية هو الذي تجد فيه خبز القمح ( النان).
وبعض ما يتعرض له السودان من العدوان والأطماع هو صلاحية أراضيه وتوفر مصادر المياه فيه لزراعة الغذاء وسيظل مطمعاً كلما بدت عليه مظاهر الضعف. ذلك يحتم عليه أن يجعل أهم أسباب نهضته وبقائه بين أيادي أبنائه ،هو بعد الاستقرار السياسي، أن يتجه لنهضة زراعية حقيقية.
الأمر بحاجة للاستقرار السياسي والذي أراه يكمن في قيام مؤتمر لإعادة النظر في التقسيم الإداري للبلاد وإقامة نظام اتحادي حقيقي بتقسيم البلاد لست أقاليم يتمتع كل اقليم فيها بجهاز تشريعي منتخب وآخر تنفيذي يقيمه الجهاز التشريعي مع حكومة اتحادية في عاصمة اتحادية علي النحو المعروف في العالم.
يلي ذلك وربما الآن عقد مؤتمر للعلماء في المجال الزراعي وإنتاج الحيوان للتداول علي كيفية تحقيق هدف جعل ذلك القطاع : الزراعة وتربية الحيوان ،القطاع الأهم في التخطيط الاستراتيجي باستغلال موارد المعادن ، الذهب وخلافه لتحقيق تلك الغاية وفي البلاد من خريجي الزراعية خلال نصف القرن الفارط عدد الرمل والحصي والتراب!
ولغرض جعل هذه الخواطر لرجل مثلي ليس مختصا في الزراعة عرضت ما كتبت علي الباشمهندس مصطفي إبراهيم عبدالرسول الذي درس الزراعة في جامعة الخرطوم وعمل لسنوات في المملكة العربية السعودية في مجال تخصصه ثم عاد بداية هذه الألفية الثالثة وترأس ادارة مشروعات زراعية كبيرة في نهر النيل فجمع بذلك بين النظرية والتطبيق.
أتفق معي علي ضرورة الاعتماد علي زراعة محاصيل للسودان ذات ميزات نسبية في إنتاجها ليس من بينها القمح الذي لا يصلح قطعاً في الجزيرة والمناخ المناسب لزراعته في الشمالية وفي الشمالية شمال الدبة ويمكن الاستمرار في زراعته هناك للاستهلاك المحلي والتوقف عن دعمه في اطار خطة لتبديل الاعتماد عليه والعودة للذرة الرفيعة والدخن والترويج للذرة الشامية الملائمة جدا لمناخ السودان والتي يمكن التوسع في إنتاجها الذي سيتبعه التوسع في انتاج الدواجن فهي أفضل غذاء لها ويمكن تصديرها لمناطق عديدة في الجنوب الأفريقي والتعاون مع دول عديدة في أمريكا الوسطي والجنوبية لتنويع استخداماتها حيث تشكل الغذاء الرئيس هناك ويصنع منها تقريبا جل الوجبات الخفيفة snacks وال corn flakes بالإضافة إلي زيوت الطعام .نقول ما قلنا في شأن القمح وفي الذهن أن الحكومة السودانية كانت تدفع لاستيراد الطن الواحد من القمح ضعف سعره العالمي إذ أن سعر الطن كان نحو ٢٣٠ دولاراً بينما كانت الحكومة تدفع ٤٥٠ دولاراً للطن . هذا فضلا عن المتاعب الصحية لمادة القلوتين gluten( المادة البروتينية اللزجة ) فيه والمضاعفة ٥٠ مرة والمسببة لكثير من الأمراض الباطنية. هناك أيضا سلعة السكر التي يكلف انتاج الكيلو الواحد منها أكثر من ٣,٨طن من المياه وهذا استنزاف للمياه لا مبرر له فضلا عن تشجيع الاستهلاك من سلعة ترتبط بكثير من الأمراض .يضيف الباشمهندس أنهم جربوا انتاج العلف المخمر silage والذي كان يستورد من مصر فنجح استخراجه من الذرة الشامية بما اغني عن استيراده وهو من أفضل الأعلاف.
المهندس مصطفي قام بتجربة زراعة البطاطس والبصل في خلاء منطقة شندي وهي منطقة تعتبر شبه صحراوية high terraces أو semi arid تبعد نحو ١٥ كيلومترا عن النيل غلب الظن أنها لا تصلح لزراعة المحاصيل جلبت له في البداية سخرية أساتذة الزراعة في الجامعات لكن النتائج كانت تعبر عن ثورة حقيقية في الإنتاج إذا أن انتاج البطاطس والبصل قرب النيل لم يكن يتجاوز ٧ أطنان ارتفع إلي ١٨-٢٠ طن للفدان وأتاح الري المحوري Centre pivot irrigation استخدام المكننة وزراعة مساحات شاسعة وخلق ذلك صناعة أخري هي صناعة التبريد حيث انتشرت مئات الشاحنات المبردة في الاقليم. أعجب الأساتذة الذين سخروا من التجربة بل اقترح بعضهم تغيير المناهج الزراعية في الجامعات وفقا لما تحقق.
إن جميع الدول المجاورة تعتمد علي بصل السودان والهند تستورد كميات كبيرة من اللوبيا العدسية من السودان لتقشر وتباع بديلاً للعدس . ( البقوليات مكون رئيس في المائدة الهندية ).
هناك أيضا زهرة الشمس والقطن في مشروع الجزيرة ويمكن التوسع في هذين المحصولين في النيل والأزرق وحتي القضارف وقد نجحت زراعة القطن المطري واتاحت دخول المكننة في الزراعة والحصاد معاً . هناك البستنة خاصة في المانجو والقريبفرت والموز حيث يعتبر السودان من أصلح المناخات فيها وحتي السبعة أنواع من المانجو التي جلبت من الخارج خلال هذه الألفية فاق مذاقها في السودان ما كان عليه في مناطقها التي جلبت منها . (قلت شبيه ذلك لمختص هندي أثناء عملي هناك في الهند فقال تربتنا تزرع منذ خمسة ألف سنة وتربتكم لم تزل في ريعان الشباب!)
يؤكد الباشمهندس أن لنا أفضلية نسبية أيضاً في تربية الحيوان خاصة في الماشية والماعز.
يتطلب ذلك كله بناء الطرق فالجزيرة مثلاً تصعب فيها الحركة في فصل الخريف.
قلت جرت محاولة في السابق لزراعة نخيل الزيت في مناطق النيل الأزرق المطيرة بتفاهمات مع ماليزيا. كذلك علمت مؤخرا شروع حكومة نميري بالشراكة مع الصين في ابتدار مشروع ضخم وواعد لزراعة المحاصيل والفاكهة في جبل مرة توقف. ويمكن أن تساعد الزراعة في الاستقرار السياسي ففي المنطقة الممتدة من الخرطوم وحتي جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان يقع الحوض النوبي من المياه الجوفيه والذي تتجدد مياهه في السودان بفعل النيل بينما هو ناضب في الدول الأخري . والمنطقة الواقعة غرب دنقلا حتي شمال دارفور عبر وادي هاور يمكن استغلال المياه الجوفيه فيها وهي متجددة لمحاربة التصحر وتوطين الرحل ،رعاة الابل بما قد يؤدي لوقف الاحتكاكات علي الحواكير في وسط وجنوب دارفور سيما أن تلك الاحتكاكات ستزداد بالجفاف المتزايد في غرب افريقيا والمتوقع معه جفاف بحيرة تشاد وتوقف تدفق نهر النيجر الذي يعتمد عليه اكثر من قطر هناك مما سيؤدي لمزيد من الهجرات إلي السودان.
المنطقة في البطانة بين نهر عطبرة الذي أصبح دائما والنيل الأزرق كان يطلق عليها الجزيرة الشرقية يمكن أن تخصص لمزارع مختلطة أي يربي فيها الحيوان علي الأسس العصرية الحديثة تعتمد علي المكننة واقامة صوامع للغلال في المزارع وأن يربي الحيوان للحوم والألبان مع بناء خط حديدي مباشر لموانئ متخصصة علي البحر الأحمر.
وهناك بعض التدابير الضرورية كتخصيص الجيش لفرق متخصصة لمحاربة التهريب للإفادة من الموارد التي يتميز بها السودان كالصمغ العربي الذي ذكر الباشمهندس بأنه بالإمكان التوسع في زراعته وتحديث القوانين لتشديد العقوبات علي المخالفين.
كذلك يتطلب الاستقرار الدائم إشراك الجوار في هذه الخطة ، خطة جعل البلاد وطنا للغذاء بشراكات للإفادة من الخبرات وجلب العمالة بالطرق المشروعة وتسهيل دخول أولئك وتحركاتهم بين السودان وبلادهم بالبطاقة مثلاً وفي الذهن علي المدي البعيد اقامة تكامل بين السودان والدول المجاورة له باستهداف مصلحة الجميع ونزع الأطماع ووأد المخاوف والتربص ووقف دورات التصحر المؤدية لاندلاع الحروب والنزوح.
هذه خواطر مبعثرة لشخص غير مختص لا في الزراعة ولا الانتاج الحيواني شجعنا علي عرضها مساهمة الباشمهندس الزراعي مصطفي علي عرضها فلعلها تقدح بعض الأفكار في أذهان المختصين وتبلور مشروعات تحقق الغاية أو بعضها وتحقيق الاستقرار والرفاه في السودان والمنطقة.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی السودان التوسع فی

إقرأ أيضاً:

الثامن من مارس: و الجالسات على أرصفة العدالة في السودان

 

الثامن من مارس: و الجالسات على أرصفة العدالة في السودان

ايمان بلدو

 

تحُدر الثامن من مارس- يوم المرأة العالمي- في الزمان و لم يفرغ علينا من رضابه..في زمن الحرب في السودان.تحول الناس الى أرقام حسب مرات النزوح و قبلته و حسب موقعهم من مقاييس الجوع التي تحددها المنظات الدولية قبل أن تعلن المجاعة و تناشد الشعوب علها تنقذ البلاد.و العباد..على أن الحرب قد شنت على اجساد النساء منذ اول يوم اندلاعها في العاصمة الخرطوم و على ذلك و ثقت أضابير مجلس الامن الدولي… في الأثناء، ما يزال السياسيون السودانيون يحاولون عقلنة موا قفهم تجاه الحرب بعضهم آثر الرجوع الى المدرسة الدينتولوجيكالية و بعضهم اعتمد على المدرسة التيليولوجيكالية “حتى يظهر كل طرف تفوقه الاخلاقي” كما ذكر د. بكري الجاك في مقاله “المأزق الاخلاقي الماحق في حروب السودان”.

هل تمكن العسكريون من إيجاد الصيغة المثلى لتكتيكاتهم في استئصال شأفة الآخر؟ ربما فشلت “الالياذه” و استراتيجيات الحروب البيزنطية في تحقيق النصر الكاسح و استئصال (العدو) ..لكن البطولة و الخلود تاتي عبر السلام و إحياء الانفس و الحفاظ على وحدة البلاد..بيدهم.. لا بيد عمرو لو كانوا يعلمون!

 

في يوم المرأة العالم تتذكر شعوب الأرض الأعلام من النساء و كفاحهن و لعل من أروع ما خلد من أعمال عن مآسي الحروب وويلاتها ما كتبته نساء من روايات مثل “كوخ العم التوم” لهاريت بتشر ستو كما كتبت بيتى سميث و غيرهن.فابدعن..وفي السودان سيذكر التاريخ أبطالاً لنا..ست النفور و رفيقاتها..و رفاقها ” آباؤهم نحن…اخوانهم نحن..اخواتهم نحن.. و نحن امهات الشهداء” …و تستمر سير الكفاح ف ليس “كل شئ هادئ على الضفة الغربية”.

و بعيداً عن المدارس الفلسفية لتبرير الحرب، تحولت النساء الى ارقام و حيوات مختفية قسرياً في احصائيات الحروب في السودان..و هي حروب لم تبدأ في ابريل 2023 م كما نعلم، و لا زالت النساء يعانين جراءها … داخل البلاد في اماكن النزوح و في مضارب خارج البلاد منذ بداية الالفية..في دارفور وفي المناطق الثلاث ( جبال النوبة و النيل الأزرق و منطقة ابيي) حسب توصيف “اتفاقية نيفاشا” التي ظلت شاهداً على كيف تؤدي اتفاقيات السلام الى وأد السياسة في بلاد السودان.

من اماكن الايواء و الغابات الى المعسكرات و في المهاجر، تفضح أحوال النساء المفاهيم الكسلى و المعاقة لحماية المدنيين و حقوق الانسان ..و منابر التفاوض تتمطى و تتزمل وتتدثر “و تتوه لما يجي الميعاد” … فهي غير قادرة على ضبط البوصلة على الاحداثيات المطلوبة … و الاتفاقيات بغير ضامن..تبحث عن الفضل بيننا …فمن دخل دار ابي سفيان فهو أمن… أو كما قال.

حدثوا مارس عنا و الزمانا عندما كانت سماؤنا ذات رجع و ارضنا ذات صدع. ذات أحقاب..و اذا بالنساء بفعل الحروب … ساجيات… تحت التطهير العرقي و الاسترقاق و الاختطاف اما الاغتصاب فاصبح مسرحاً للإذلال لادمية البشر برافعة القبلية ..كلما ردوا الى الفتنة اركسوا فيها. و تسيًد الجوع و المتربة و ترويع الأطفال و قهر الرجال و اذلالهم و تعذيبهم و التصفية على الهوية ..مما يضاعف من ماساة الحرب ووقعها على المرأة اينما كانت.

..نسيت النساء في دارفور شواء المونساس و مشروب البركيب.. وطفقن يجمعن اوراق الاشجار لاطعام الصغار في مخيم ابو شوك و مخيم زمزم …منصات الاملاق… حيث يموت الاطفال يومياً من المجاعة … أفلت الهولاكيون من العقاب.. و ام قرقداً سايح الجمتها الكوارث فتركت الغناء و الشكر” و في الفاشر الكبير طلعوا الصايح…دقوا الجوز عديل اصلو العمر رايح”.

يابنية مالكي …زعلانة مالكي…الدمار… الحصار في كردفان..هربت “الكمبلة” من اقنعة القبيلة و هجر “المردوم” الساحات…و لم تجزعي ..”خلوني يا خلايق حبل الصبر ممدود… للخير بجيك سايق”…و غد العدالة لناظره قريب.

يا لاجئة تتوه من مرفأ… لمرفأ..لك العتبى ف “لا أحد يترك و طنه اذا لم يكن قد اصبح فك سمكة قرش. يجب أن تفهم ان لا أحد يضع الاطفال على متن قارب الا أذا كان الماء اكثر أمناً من اليابسة”..(من قصيدة ورسان شاير التي اصبحت رمزاً للاجئين).

و يا سارية الجبال و الغابات…بتطلعي من وديان مع النسمة الصباحية و من صوت طفلة بتحفظ في كتاب الدين… و طفلة ..وسط اللمة منسية في معسكرات.اللاجئين . فاقدة للرعاية الاسرية… و فاقدة الهوية..قطعت الاميال في وهاد السافنا “شكت الالم من لمسات حجولا… ليه ببعادا الأيام عجولة”… و لم تكن الوحوش البشرية بارفق عليها من.الضباع..سنرجع يوماً الى أحيائنا و مدننا …لكنها مع التايهين تفضل تعد…و تنسى العدد …و يوم في الشتات بالف سنة مما تعدون.

 

يا نازحة…و” شوق لي نيلنا ..الاهل و الطيبة و باقي ذكرى حبيبة ..وين غسيل النيل و شر هدوم في رمالو وينو ماضي الحلة و ين و مين الشالو”. انها حرب ضد الجميع وضد الذاكرة و التاريخ..و ضد الحياة..مدعاة للحزن و النحيب “.يا سواقي بلدنا..مالو صوتك مالو…وينو فارع مويتك غنى باسم حالو”…لعل السواقي فقدت صوتها بعبرات حرًى .سكبتها على من غابوا…اني خيرتك فاختاري ما بين ان نتاسف على الماضي اللي ما برجع…على الفرقة الزمانا طويل .. و بين أن نقبض على الامل و الذكرى كالقابض على الجمر…تودع لدى الامواج و الشطئان..فهي حاديها و دايماً…دليلا:

يا ترع حلتنا و حفير حلتنا و يا بحر حلتنا …في رمالك ذكرى لا بتشيلها الموجة و لا بتفارق الفكرة..نلقاها في الميعاد..و يا وطناً وقت اشتاق له برحل ليه من غير زاد:

غداً نعود…حتماً نعود.

 

و يا من على موازين العدالة…لا يجرمنكم شنأن قوم على الا تعدلوا..اعدلوا هو اقرب للتقوى.

 

ايمان بلدو

الوسومإيمان بلدو الأعلام الثامن من مارس النساء

مقالات مشابهة

  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!
  • أسعار العملات الأجنبية في السودان.. الاستقرار مستمر
  • لتنمية محصول القمح.. الزراعة توفر التقاوي بالمجان - تفاصيل
  • نازحات في يومهِنّ!!
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • الثامن من مارس: والجالسات على أرصفة العدالة في السودان
  • الزراعة: حقول إرشادية وتوفير التقاوي بالمجان لتنمية محصول القمح
  • دولة القانون
  • بعد الحرب.. وزير الزراعة يكشف حجم الأضرار الزراعية
  • الثامن من مارس: و الجالسات على أرصفة العدالة في السودان