سودانايل:
2025-01-07@20:25:00 GMT
بشير عباس (الأخيرة): قليل في حقك المشوار..!
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
شكّلت تجربة البلابل نجاحاً فائقاً على عدة أصعدة فنياً واجتماعياً؛ بل كانت بمثابة الزلزال الاجتماعي والمفاهيمي المدوي..! قد يُنسى الناس إرهاصات البدايات؛ ولكنها كانت تجربة خطرة مجهولة العواقب وقتئذٍ..!
كانت مغامرة وتجربة جسورة دعمتها عوامل أخرى. منها مؤشرات عالية الأهمية: لقد واجه بشير عباس تحدي الاستناد على صبيات قادمات من المجهول من حيث التجربة الغنائية، رغم وجود الخامة الكامنة التي كانت تتطلع حينها للالتحاق بمجال الفنون الشعبية.
كانت مغامرة بولوج الساحة الفنية بما هو غير معهود، من حيث الغناء والأداء النسائي المسرحي لصبيات يافعات، علاوة على مواجهة تحدي الغناء الجماعي "شبه المسرحي" وتغيير منصة الأداء المُعتاد venue different
لقد تم فرض احترام الجمهور للتجربة وقصْر التفاعل على السمع في حدود الاحترام المتبادل وعدم السماح بالانفلات.
كان التحدي يكمن في اختيار نصوص مختلفة لأغاني ومعاني تجري على ألسنة فتيات صغيرات السن، وذلك مما يحتاج إلى نظر دقيق في النص الغنائي الملائم..ودرجة القبول المجتمعي.
هذا مع ضرورة إحداث جِدة وطفرة لحنية وابتكار موسيقي يتفق مع عنصر الأداء الحركي المشترك وطبيعة الأصوات الثلاثة وضمان توظيف أدوارها.
(مثال لذلك تقسيم درجات الأصوات في أغنية "اللي بسأل ما بتوه" وتباين الأصوات (المُمنهَج) بين "القرار" و"الجواب" في مقاطع:
(لو سألت علينا كنت عرفت نحن الليله وين)..
(مرة شفناك يا الحنيّن طالي في حارتنا صدفه)..
(لسه منتظرين تجينا..ناسي؟ طالبنك زيارة)..
(يا جمال فرحة مشاتل الصباح حاضن نضاره)
وكذلك في:
وردة ومحنة..وموجة عبير....
حلات طريقنا..حاضنو الحرير
زى الفراشه..فى الروض نطير
وان كان علينا..حبة شقاوة..!
**
تجربة البلابل أسهمت في نجاحها بقدر كبير وبأدوار متفاوتة مجموعة من أهل الفن والثقافة، تشجيعاً للفكرة والتجربة منذ البداية ثم التمهيد لانطلاقها وتقديم المساهمات المباشرة لدعمها عبر تقديم النصوص والألحان. وقد لعب جعفر فضل المولى دوراً كبيراً في ذلك؛ كما كان اسحق الحلنقي واسطة عقد الأغاني التي ينسجم مضمونها مع هذه الطفرة الغنائية بما يوافق أداء الزهرات الثلاث (الغضّة في ذلك الحين)...!
عمرنا كلو منظوم محبه
نحن التلاته.. أخوات أحِبه
واللُطف الفينا...ياناس يتحبا
زهور جنينه... بتفوح نداوه
حلوين....
حلاوه..!
وكذلك كانت طبيعة بقية أغنيات الحلنقي التي تُناسب المؤديات في تلك السن على غرار: "لون المنقه" و"عشة صغيرة" وسكة مدرستنا" و"على نياتنا" وهلم جرا..!
**
ولا تخلو نصوص هذه ألاغاني من معانٍ إنسانية نبيلة مثل أغنية سيف الدين الدسوقي "مشوار":
قليل في حقك المشوار
بدور من أجلك امشي كمان..
وأحفا..رجولي تقطر دم
واصبح في الطريق عطشان
محبه كتيره في قلبي..
ودعوه تمجّد الإنسان
وإنتَ نموذجي الطيّب..
نموذج.. يلهم الفنان..!
**
من هذه المجموعة التي أسهمت في نجاح تجربة البلابل: علي سلطان والفكي عبد الرحمن وعلي المك "صاحب تسمية البلابل" وسيف الدين الدسوقي وموسى محمد إبراهيم وعزيز التوم والحسين الحسن وصلاح حاج سعيد وعثمان خالد ويوسف الموصلي وأنس العاقب وعبدالرحمن مكاوي..وآخرون.
كما ساعد في نجاحها وجود أسرة فنية تربوية (أل طلسم) تتكئ على الثقافة النوبية (التي تتميّز بدرجة من التصالح الثقافي والانفتاح والحس الفني و"الجندرة المعافاة"..!
وأيضاً "الليبرالية الاجتماعية" السائدة حينها في المناخ السوداني بقدر معقول...قبل أن يطل علينا أولئك المرضى الذين يفكرون بالنصف الأدنى من أجسادهم..!
وكان الدور الأبرز لشخصية بشير عباس (طاقة لحنية واستعداد نفسي وشجاعة اجتماعية)..وكانت ألحانه هي العمود الأساسي أو "الشاسيه"، ونشأت عن ذلك "هارمونية نفسية ووجدانية" بين الملحن والمغنيات أبقت على ذلك الانجذاب الشعبي الحميم للتجربة طوال تلك السنين..!
لقد كانت تجربة البلابل بحق (ظاهرة فنية/ اجتماعية/ جمالية/ نهضوية) وربما يفسّر ذلك الترحيب الكبير بالبلابل العائدات للوطن ولعالم الغناء بعد غياب أكثر من خمسة وعشرين عاماً..!
كانت الأغاني مزيجاً من أغاني الرومانسية والأغاني الرصينة الطويلة والأهزوجات الخفيفة الراقصة والأغاني الوطنية والشعبيات التراثية وأغاني الحماسة..!
**
حفرت أغنيات البلابل مجراها بين أسماع الناس، وكان معظمها من ألحان بشير عباس ومن أشعار اسحق الحلنقي: بجانب شعراء آخرين كتبوا للبلابل أغنيات غاية في الجمال؛ منهم:
صلاح حاج سعيد: "شارع بيتنا "
سيف الدسوقي: "مشوار" و"موجة"
جعفر فضل المولى: " مشينا مشينا أو طريق الحب" و"متعالي علينا" و"الأسمراني" و"اب عاج اخوي" و" ود القبايل"
على سلطان: "نحييك ما بتحيينا" و"زهر الريحان" و"البنريدو تائه" و"قال لينا مسافر" و"نسيتني أنا وخلاص يعني؟"!
عزيز التوم "ليل الشجن والشوق"
عبد الباسط سبدرات: "رجعنالك"
الحسين الحسن "رياح الشوق"
عثمان خالد "سلافة الفن" و"طير الجنة"
التجاني حاج موسى "حبايبنا"
عبدالرحمن مكاوي: "أسالمك في عيون الناس" و"روّح معاك عُمر الهنا":
سفرك نشوفه حِلم حِلم
سكتنا بيك يا ريت تلم
مالو الفراق طوّل كده..؟
ولّا الزمن قال نتحرِم..؟!
**
ومن أغاني البلابل مجتمعة:
نحييك ما بتحيينا/ مشوار/ نوّر بيتنا/ الأسمراني/ /خاتم المنى/ رجعنالك/ زهرالريحان/ لون المنقة/ مشينا مشينا/ عشه صغيرة/ البنريدو تائه/ حبايبنا/ اللي بسأل ما بتوه/ طير الجنة/ حلوين حلاوة/ ود القبايل / نسيتني أنا وخلاص يعني/ على نياتنا/ سكة مدرستنا/ تلقى وين طيبة أهلنا/ الليلة مسافر للدار مغادر/ سلافة الفن/ أب عاج/ متعالي علينا/ ليل الشجن والشوق/ الأسمراني/ عُمر الهنا/ بريدك يا حبيبي/ موجة.
و"موجة" هذه يقول فيها سيف الدسوقي:
انحرمنا من الحبايب.. وعشنا في الغربه البعيده
كل موجة حزن تمضي.. بكره موجه تهِل جديده
لا أمل ينعش قلوبنا..ولا خيالاتنا السعيده
لا خطاب يحمل محبه.. لا وصية بت نريدا..؟!
**
أعطى بشير عباس لأغنية (رجعنالك) لحناً يتساوق مع معاني كل مقطع من مقاطعها:
رجعنالك وجينا…غفرنا إنك بالوشايه..
فصدتَ كبد الفرحة فينا
رجعنالك وعينينا البكت..
فجعت رموشا دموع سخينه
بي فرح عودتنا رفّت..
زغردت كلمات حنينه
ثم:
رجعنالك رجوع القمره لي وطن القماري
كيف تقوقي على نخيلاتنا القماري..؟!
وانت واحش نيل وطنّا..علينا شمّتا الصحاري..إلخ
**
يقول بشير عباس في حواره مع حسن الجزولي إنه قام بتلحين (زي كم وتلاتين أغنية) للبلابل..!
(هذا عدا ما تغنت به البلابل من أغاني مطربين آخرين ومن أغاني الحقيبة والأغاني الشعبية بترشيحات واختيارات من بشير عباس).
**
لبشير عباس من المقطوعات الموسيقية: (مامبو سنار) و(القاش) و(ليالي مدني) و(نهر الجور) و(مريدي) و(أيام أنزارا) و(النيلين) (أمي) و(أحاسيس) و(شروق) و(أماسي الخرطوم) و(حلفاية الملوك) و(آسيا) و(الأخت) و(نبتة) و(نبتة حبيبتي) و(ليالي واشنطن) و(بامبو سنار) و(دموع الفرح) و(أمسيات) و(وداد) و(فارس النيل) و(ليالي عطبره) و(لوحة) و(الرياض) و(أفراح السودان) و(وداع) و(ريدتي) و(من حنانك) و(كابلي) و(ألحان) و(العودة إلى الوطن) و(القمر في كنانة) و(العسل في كنانة) وكورال (رياح الشوق).
**
هذه بعض ملامح بشير عباس التي جعلت منه "محطة مهمة" في دنيا الموسيقى وهي محطة شيّقة وحافلة ومزدحمة بالمعالم وبالناس..!
لقد أبعدت الغربة بشير عقوداً، ولكنه ظل يحمل السودان والموسيقي قي قلبه ووجدانه حتى رحيله وبين يديه مشروعات وأفكار وألحان..!
كثيرا ما كان بشير عباس يحزن لعدم الاهتمام بالتأليف الموسيقي ويرى أن اهتمام ودعم الدولة بالغناء والموسيقي السودانية يدفع بها إلى استشراف آفاق عالمية وإقليمية أرحب!.
يقول الدكتور :جلال أمين" عن فلسفة التنويه بالمبدعين إن الذات المبدعة هي الأحق بالتكريم (الشخص المُجيد في مهمته أو حرفته) لا صاحب المنصب..!
الاهتمام بالمبدعين سنّة مرعيّة في المجتمعات النابهة مع مبدعيها حتى لا تدهسهم أعباء الحياة وتموت فيهم جذوة الإبداع…!
التنويه بإبداع بشير عباس هو تنويه بالموسيقيين والملحنين السودانيين (رواداً ومعاصرين) من رعاة هذا الفن الجميل الراقي..الذي تجد له في كل مجتمع متطفلون يحاولون تشويه هذا الإبداع الجميل الركين.. وهذا ما جعل الشاعر الساخر "بيرم التونسي" يصيح في أمثال هؤلاء قائلاً:
يا اهل المغنى
دماغنا وجعنا ..
دقيقة سكوت لله..!!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بشیر عباس من أغانی
إقرأ أيضاً:
جامعة الاسراء تبرء طلابها من المشاجرة المسلحة: شخص مجهول اعتدى علينا
بغداد اليوم -