يوسف عيسى عبدالكريم

في اليومين الماضيين، زار بورتسودان نائب وزير الخارجية التركي بصفته مبعوثًا رسميًا للرئيس رجب طيب أردوغان، في محاولة لإحداث تقدم وتحريك المياه في جهود إحلال السلام وإنهاء الحرب السودانية التي تدخل عامها الثالث بحلول أبريل المقبل .تُعتبر تركيا واحدة من الدول الإقليمية التي تتمتع بخبرة واسعة في حل النزاعات بين الدول، ويظهر ذلك جليًا من خلال دورها البارز في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا بهدف احتواء الحرب المستمرة بينهما.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاركتها الفعالة في تخفيف حدة الأزمة بين إثيوبيا والصومال مؤخرًا تعزز من فرص قدرتها على إحداث تغيير في ملف الأزمة السودانية وإنهاء الحرب المستعرة في البلاد. لقد أحسن قائد الجيش السوداني، الفريق البرهان صنعا بترحيبه بالمبادرة التركية، مما يدل على قبوله المبدئي لها. وهذا لا شك سيساهم في تشجيع الوسيط التركي على الاستمرار في جهوده لإنهاء الصراع القائم بينه وبين نائبه، قائد قوات الدعم السريع، الفريق حميدتي. ومع ذلك، قد يتساءل المواطن السوداني عن سبب ضرورة قبول الجيش السوداني للمبادرة التركية في هذا التوقيت بالذات، وهو سؤال يبدو بسيطًا لكنه يحمل تعقيدات عديدة.
إن المتابع لعملية التفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023 يلاحظ أن الإرادة لحل النزاع والتوصل إلى اتفاق يوقف القتال كانت شبه معدومة لدى الطرفين. ويتجلى ذلك في عدم التزامهما بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجولات التفاوضية السابقة، بالإضافة إلى عدم اتخاذ أي من الطرفين تدابير فعالة لحماية المدنيين من تداعيات الحرب المستمرة، خاصة في المناطق التي تشهد قتالًا، مما عرض حياة العديد من المدنيين للخطر والموت، وأدى إلى فقدان ممتلكاتهم وتعرضها للتلف. والمدقق في سير الاحداث يجد أن الجيش السوداني في كل جولة من جولات المفاوضات السابقة كان يتردد كثيرًا أو يتأخر في التعاطي معها، مما أدى إلى الى تحقيقه نتائج سلبية اثرت على مصالحه. فعلى سبيل المثال، عندما اندلعت الحرب في 15 أبريل 2023 وبدأت معها مفاوضات جدة مباشرة، كانت قوات الدعم السريع محصورة في نطاق ضيق، من ولاية الخرطوم ، بينما كانت بقية ولايات السودان تُعتبر مناطق آمنة عمليًا. و كان من الممكن المحافظة على تلك الوضعية و تحقيق نتائج كبيرة من خلال التفاوض مع قوات الدعم السريع وتقليل الأضرار التي تفاقمت لاحقًا، و وصلت الى ما هو عليه الحال الان .و عندما قام الاتحاد الإفريقي برعاية المفاوضات والدعوة إليها في أديس أبابا، كان من الممكن تحقيق تقدم ملحوظ وتقليل الأضرار، بالإضافة إلى الحفاظ على ما تبقى من المناطق الآمنة. حيث لم تكن مدني، ولا سنجة، ولا سنار، ولا الجنينة، ولا نيالا، ولا النيل الأبيض، ولا حتى الفاشر المحاصرة تحت سلطة الدولة. تتطلب الحكمة النظر بموضوعية ودون انفعال أو حماس إلى تطورات سير الحرب، واستخلاص النتائج منها، ومن ثم اتخاذ القرارات بناءً على المصلحة العامة. في الخامس عشر من أبريل، لم تكن البلاد تعاني من انتشار المليشيات التي تتواجد في جميع أنحاء الوطن الان كالأورام السرطانية،. كما أن ثقافة انتشار السلاح بين الناس لم تكن كما هي عليه اليوم، حيث كان السلاح محصورًا في يد الدولة وتحت سيطرة القوات النظامية. وكانت سلطة الدولة تمتد على كامل أراضي الوطن. لإن المراقب يدرك تمامًا واقع الدولة وما تواجهه من أزمات، مما يستدعي اتخاذ قرارات سريعة لوقف التدهور المتسارع وتجنب الانهيار المحتمل. ففي شرق البلاد، ظهرت عدة حركات مسلحة ذات خلفيات إثنية، تشكل تهديدًا مستقبليًا للأمن القومي للدولة السودانية . بالإضافة إلى تكاثر حركات أبناء دارفور و انقسامها إلى عدة مجموعات صغيرة، مما زاد من تعقيد أزمة الإقليم. أما في الشمال، فقد وصلت الأمور إلى حد مطالبة البعض بالانفصال والانضمام إلى دولة مجاورة، مما يعكس تطورًا خطيرا في رؤية انسان الشمال للازمة ، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة القومية في السودان. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار التطور النوعي في الأسلحة التي يستخدمها الطرفان، حيث شهدت إفريقيا لأول مرة استخدام الطائرات المسيرة بصورة مكثفة في الحرب الداخلية ، وأصبح السودان ساحة لاستخدام أنواع متعددة من الأسلحة، مما قد يشكل تهديدًا لاستقرار الإقليم . نظرًا لغياب الاهتمام الدولي الملحوظ تجاه الأزمة السودانية، تُعتبر هذه المبادرة التركية وما سيتبعها من جولة مفاوضات فرصة ينبغي على جميع السودانيين الراغبين في إنهاء هذه الحرب المدمرة استغلالها. يجب دعم هذه الجهود والترويج لنجاحها، والعمل على تشجيع الطرفين على المشاركة فيها والالتزام بالنتائج المتفق عليها. إن فقدان هذه الفرصة وعدم الاستفادة منها سيؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والإنساني في البلاد. فقد بدأت تقارير بعض المنظمات العاملة في المنطقة تشير إلى انتشار حالات المجاعة، بالإضافة إلى الارتفاع الحاد في الأسعار ونقص السلع الذي أصبح واضحًا في المناطق الآمنة التي تخضع لسيطرة الجيش. نأمل جميعًا أن يعم السلام في أرجاء البلاد، وأن تتوقف أصوات الرصاص والمدافع، ليعود الجميع إلى منازلهم التي يشتاقون إليها، و ما ذلك على الله بعزيز.

yousufeissa79@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجیش السودانی بالإضافة إلى الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع السوداني: الجيش قطع شوطا طويلا ضد الدعم السريع

قال وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم إن الجيش قطع شوطا طويلا من مراحل الحرب ضد قوات الدعم السريع.

وأضاف الوزير، خلال مقابلة تلفزيونية، أن أثر العمليات العسكرية التي تجري الآن، سيظهر في الفترة القريبة المقبلة، وسيعود للسودان أمنه واستقراره.

وقال إن الحرب في السودان اندلعت بتدبير خارجي، والدعم السريع يمثل فيها دور اللاعب، على حد وصفه، مضيفا أن "الحرب الدائرة هي حرب وجود نكون فيها أو لا نكون".

على الصعيد الميداني، قال الاعلام الحربي للجيش السوداني بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إن مدرعات الفرقة السادسة مشاة نفذت ما سماها عملية نوعية كبدت قوات الدعم السريع خسائر في الارواح والعتاد.

وأضاف ان الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه قصفوا بالمدفعية الثقيلة تجمعات للدعم السريع في محيط المدينة. كما نفذوا حملات تمشيط مكثفة بأحياء الفاشر.

وفي جنوب دارفور تحدث الجيش عما سماها توترات وصراعات داخلية في صفوف قوات الدعم السريع في محور مدينة نِيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.

 

دمار وحصار

في الأثناء، تكشفت آثار الدمار الناجم عن الاشتباكات التي شملت حي الجريف شرق الخرطوم، بعد سيطرة الجيش عليه خلال الأيام الماضية.

إعلان

وكان الحي قد حوصر لمدة عامين وشهد قتالا بين قوات الجيش والدعم السريع.

ووثّق مراسل الجزيرة معاناة المدنيين خلال الفترة التي تعرض لها الحي للحصار من قبل قوات الدعم السريع.

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة قوات الدعم السريع لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان (وسط)، والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق (جنوب).

وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر بالكامل على مدينة بحري شمالا، ومعظم أنحاء مدينة أم درمان غربا، و75% من عمق مدينة الخرطوم التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي، في حين لا تزال قوات "الدعم السريع" في أحياء شرق المدينة وجنوبها.

قاعدة روسية

وفي سياق آخر، قال وزير الدفاع السوداني إن مشاورات تُجرى داخل الحكومة بشأن قضية إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر.

وأضاف أن خطوة كهذه لا بد من حساب تكلفتها ومراعاة مصلحة السودان.

ويخوض الجيش السوداني والدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  •  مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  
  • شاهد بالفيديو.. اللاعب علاء الدين طيارة ينبه جنود الدعم السريع لمواعيد تحرك الجيش والأوقات التي يكثف فيها هجماته في رمضان وساخرون: (انت بعد الحرب تنتهي مفروض يربطوك في سوخوي وتموت خلعة بس)
  • نقابة الصحفيين السودانيين: لا مساواة ولا تمكين للمرأة دون وقف الحرب 
  • شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات
  • الجيش السوداني يتقدم في الخرطوم ويقترب من قوات المدرعات
  • وزير الدفاع السوداني: الجيش قطع شوطا طويلا ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني يرد على مبادرة حمدوك
  • الجيش السوداني: لا هدنة مع الدعم السريع ولا خيار غير الحسم
  • الخارجية التركية: نقف ضد جميع الأعمال التي تستهدف حق السوريين في العيش بسلام وازدهار