نيويورك تايمز: السوريون في دمشق يستعيدون حريتهم ومدينتهم
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن سكان العاصمة السورية دمشق يتنزهون اليوم على قمة جبل كان محظورا عليهم صعوده، ويتاجرون علانية بالدولار ويستوردون قهوة نسكافيه، معلنين أنهم استعادوا مدينتهم من جديد.
وأشارت الصحيفة -في تقرير بقلم رجاء عبد الرحيم من دمشق- إلى أن جبل قاسيون الذي يطل على العاصمة، والذي كان متنزها تقضي فيه سمية عينايا ورفاقها عطلات نهاية الأسبوع وليالي الصيف، أغلقه الجيش بعد وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وبدلا من إطلاق العائلات والأصدقاء للألعاب النارية في سمائه، أصبح الجنود يطلقون نيران الدبابات والقاذفات والمدفعية منه على مناطق المعارضة أسفله.
وفي ليلة رأس السنة الجديدة هذا العام، عادت عينايا (56 عاما) وعائلتها إلى جبل قاسيون تحمل الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية، لتستعيد مكانها الترفيهي المفضل، وقالت وهي تقف على الجبل وتشير إلى معالم دمشق "الحمد لله لقد عدنا الآن. نشعر وكأننا نستطيع التنفس مرة أخرى"، وأكمل ابنها محمد قطفاني (21 عاما) قائلا "نشعر وكأن المدينة عادت إلينا".
لم نكن نرى دمشقوأشارت الصحيفة إلى أن السوريين في جميع أنحاء دمشق والبلاد، يستعيدون من جديد المساحات والحريات التي كانت محظورة لسنوات في ظل نظام بشار الأسد، حين كانت هناك أماكن لا يسمح للسوريين العاديين بالذهاب إليها وأشياء لا يُسمح لهم بقولها.
إعلانغير أن الشعور الجديد بالحرية يرافقه بعض الخوف والقلق من المستقبل، وما قد تفرضه حكومة شكلها معارضون إسلاميون -على حد تعبير الصحيفة- مع مرور الوقت من قيود وحدود جديدة.
ورغم القلق، يعود الناس لاكتشاف المساحات في مختلف أنحاء دمشق، وتسمع في الشارع أغاني احتجاجية كانت كفيلة بإيداع صاحبها السجن قبل شهر. يقول يمان السبك، أحد قادة مجموعة الشباب، في ظل نظام الأسد "لم نكن نرى دمشق ولا غيرها بكل تفاصيلها. توقفنا عن الذهاب إلى الأماكن العامة لأننا شعرنا أنها ليست لنا بل للنظام".
هدم الرموز السابقة
تم هدم أيقونات نظام الأسد -كما تقول الكاتبة- ويلعب الأطفال الآن على القواعد والركائز التي كانت تحمل ذات يوم تماثيل شاهقة للأسد ووالده وشقيقه، وتغطي الجداريات المساحات التي كانت تحمل شعارات مؤيدة للنظام.
وفي ما كان مقرا لحزب البعث الذي يمثل قبضة عائلة الأسد الشمولية على الخطاب السياسي، تجمع مئات الأشخاص لسماع الممثلة والناشطة السورية يارا صبري التي كانت قبل أسابيع في المنفى بسبب نشاطها، تتحدث عن السجناء والمفقودين في البلاد، وقالت "نحن جميعا نقرر ما نريده أن يكون".
وقالت سلمى هنيدي منظمة الحدث، إن اختيار المكان كان متعمدا، "كان هذا مكانا لم نتمكن من القيام بأي أنشطة فيه، والآن نقيم فيه أنشطة مهمة تكشف النظام السابق"، وأضافت "تشعر سوريا بأنها أكبر، وتشعر الشوارع بأنها أكبر، اختفت الصور التي كانت تزعجنا والشعارات التي كانت تزعجنا. اعتدنا أن نشعر بالقيود من قبل".
العملات الأجنبية بكل مكانوفي الوقت الحالي هناك مستوى من الفوضى -كما تقول الصحيفة- كاختفاء العديد من القيود واللوائح الاقتصادية، وبعد أن كان مجرد نطق كلمة "دولار" قد يؤدي إلى السجن في ظل حكم الأسد، فقد انتشرت عمليات صرف العملات الأجنبية في كل مكان على ما يبدو اليوم.
واليوم يصرخ الرجال في الأسواق "صرف. صرف"، وها هو محمد مراد (33 عاما) الذي كان يعمل سرا في بيع العملات، يجلس في سيارته وعلى نافذتها لافتة تقول "دولار ويورو وتركي".
إعلانوفي الجهة المقابلة من الشارع -كما تقول الصحيفة- تغيرت أرفف متجر حسام الشريف الذي يقول "كنت أبيع هذه العلامات التجارية لعملائي الدائمين وحدهم، وليس لأي شخص يأتي إلى المتجر"، واليوم تختلط المنتجات السورية علانية مع العلامات التجارية من تركيا وأوروبا والولايات المتحدة.
وقبل 3 سنوات -كما تذكر الصحيفة- دخل ضابط شرطة متجر الشريف ورأى 6 بيضات شوكولاتة كيندر في صندوق زجاجي في الخلف، وحُكِم على التاجر بغرامة قدرها 600 ألف ليرة سورية، أو ما يقرب من 50 دولارا مع السجن لمدة شهر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات التی کانت
إقرأ أيضاً:
محمد خلدون.. حفيد عبد القادر الجزائري الذي أعدمه نظام الأسد بصيدنايا
طبيب أسنان سوري من أصول جزائرية، وهو باحث أكاديمي في العلوم الشرعية الإسلامية وفقيه مالكي جامع للقراءات القرآنية العشر، وباحث ذو خبرة في الراجح بأخبار الرجال وأحوالهم وفي تحقيق الآثار والأنساب والتاريخ، وخصوصا أنساب آل البيت، وهو أيضا باحث متخصص في تاريخ جده الأمير عبد القادر الجزائري.
عرف عنه انتقاده لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، فمُنع من الخطابة والتدريس وحتى إقامة الدروس في منزله، واعتقل مرتين، قضت في الثانية محكمة عسكرية بإعدامه عام 2012.
المولد والنشأةولد أبو إدريس، واسمه الكامل محمد خلدون محمد مكي الحسني الجزائري، في دمشق في الثاني من يناير/كانون الثاني 1970. والده مكي الحسني عالم فيزيائي نووي ولغوي، ومن أوائل من حصلوا على دكتوراه في الفيزياء النووية في الوطن العربي، وأمين مجمع اللغة العربي في دمشق، وأمه هالة بن عبد الحميد بك المتولي العلمي، وله أخت وأخوان.
ويصل نسب الجزائري من طرف أبيه إلى عبد الباقي بن محمد السعيد الأخ الأكبر للأمير عبد القادر الجزائري، ومن طرف أمه إلى عبد المجيد ابن الأميرة كلثوم بنت الأمير عبد القادر الجزائري.
وحسب بعض المؤرخين، فإن عائلته تنتسب إلى الأدارسة الذين يمتد نسبهم إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديدا إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأم إدريس فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
زوجته بسمة بنت عماد الدين الرواسي المدني، وله 7 أبناء، من الأولاد عبد الله ومكي، ومن البنات فاطمة وصفية وزينب وميمونة وسمية.
من اليمين خلدون الحسني مع شيخ قراء الشام كريم راجح والكاتب أيمن أحمد ذو الغنى (مواقع التواصل) فكره وشخصيتهعرف عن الجزائري أنه شخصية دائمة البحث عن الحقيقة والدليل، وهذا ما ظهر في أبحاثه، مع التزامه بالمذاهب الأربعة دون تعصب لأي منها ولا لغيرها.
إعلاناهتم بدراسة الحديث الشريف، وكان يتجنب الخوض في علم الكلام أو الاهتمام بكتبه وأبحاثه على منهج الإمامين مالك بن أنس وسفيان الثوري في الامتناع عن الخوض في المسائل غير المكلّف بها أو التي تتعلق بذات الله تعالى.
وقال عنه الباحث السوري الأصولي في الفقه الشافعي مصطفى الخن إن "دماثته وحسن خلقه لم تقف حاجزا له عن الصدع بالحق.. ثم إن نشأته العلمية وتلقيه العلم عن أكابر العلماء واستشارته إياهم فيما يعترضه، مع ما وهبه الله من جرأة في الحق وغيرة على شرع الله وسنة نبيه، إضافة إلى أنه سليل بيت النبوة، وحفيد أمير المجاهدين الأمير عبد القادر الجزائري، كل ذلك جعله أهلا ليكون من النَّصَحَة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وقال عنه شيخ قرّاء الشام الأديب والفقيه اللغوي السوري محمد كريم راجح إنه "فقيه مالكي جيد، مطلع على كتب المالكية، ومستحضر للأحكام الفقهية فيها، ثم تفقَّه بعد ذلك وأطال النظر في مذهب الشافعي عليه رحمة الله، ثم له اطلاع جيد جدا على علم الحديث ورجاله وأسانيده، وهو جامع للقراءات العشر، ثم هو لا يكاد يقرأ المسألة إلا ويعود للأدلة، ذلك أنه مستمسك بالدليل، ولا يرى حكما إلا ودليله معه".
خلدون الجزائري في عيادته للأسنان بحي الميدان بدمشق (وسائل التواصل الاجتماعي) الدراسة والتكوين العلميبدأ الجزائري دراسة العلم الشرعي في وقت مبكر من عمره، فحفظ مختصر صحيح مسلم للمنذري وعمره آنذاك 14 عاما، وتتلمذ على عدد من العلماء والمشايخ في سوريا، أبرزهم عمه عبد الرحمن بن عبد المجيد الحسني، الذي تأثر به تأثرا شديدا وبقي ملازما له حتى وفاته، وتلقى منه علوم القرآن والفقه المالكي، وقرأ عليه القرآن بسنده إلى شيخ قرّاء الشام أحمد الحلواني ومحمد فايز الديرعطاني.
كما قرأ على عمه كتب الفقه المالكي (متنا وشرحا) وأجازه بها، وقرأ عليه كتاب الموطأ بإسناده للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، ثم برواية أبي مُصعَب الزهري. ثم قرر الجزائري التعمق في دراسة المذهب حتى أجازه عمه بالفتوى على المذهب المالكي.
واستطاع الجزائري جمع القراءات القرآنية العشر على يد الفقيه الحنفي محمود بن جمعة عبيد إمام جامع الروضة بأسانيده، وتلقى منه رواية حفص بوجوهها الـ21، وبسنده إلى الشيخ عبد العزيز عيون السود. وبقي الشاب ملازما الشيخ عبيد سنوات.
إعلانوإلى جانب الفقه المالكي، درس الفقه الشافعي على يد أبرز علمائه من أهل الشام، منهم صادق حبنّكة الذي لازمه 7 سنوات، ومصطفى البغا الذي لازمه 5 سنوات، ومحمد شقير.
وبرع الجزائري في دراسة علوم تفسير القرآن عن الشيخ محمد كريم راجح، من عام 1989 حتى اعتقاله، ودرس علوم الحديث ومصطلحه عند عبد القادر الأرناؤوط، وكان قريبا منه وحريصا على حضور خطبه لصلاة الجمعة في جامع المحمدي بحي المزة غربي دمشق.
وتلقى على يد الشيخ التونسي عبد المجيد بن سعد الأسود نزيل دمشق لسنوات عدة، وقرأ عليه المطولات والشروح، وكتبا في الفقه الشافعي وعلوم اللغة وقواعدها، وغيرها من الكتب في علوم الشريعة الأخرى.
وقرأ على والده بعضا من كتب الفيزياء والرياضيات والفلك، إضافة إلى بحوث أبيه ومؤلفاته في اللغة العربية، وحصل منه على إجازة عامَّة، وإجازات خاصة في كلّ ما قرأه عليه.
ودرس الجزائري طب الأسنان وجراحتها في جامعة دمشق وتخرج فيها حاصلا على شهادة الدكتوراه عام 1993.
أبرز المناصب والمسؤولياتمثّل الجزائري أسرة الأمير عبد القادر في مناسبات عدة، أبرزها احتفالية مؤسسة البابطين التي عُقدت في الجزائر العاصمة بين 31 أكتوبر/تشرين الأول والثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2000، تحت عنوان "مؤتمر شعر أبي فراس الحمداني والأمير عبد القادر الجزائري".
وفي المؤتمر، قدّم بحثا في النقد الأدبي تناول فيه دراسة الدكتور وهب رومية بعنوان "اللغة والصورة في شعر الأمير عبد القادر الجزائري"، وحظي بإعجاب الأدباء والمتخصصين المشاركين في المؤتمر.
وفي مارس/آذار 2008، استضافته قناة "المستقلة" الفضائية في برنامج "ملفات مغاربية: سيرة الأمير عبد القادر الجزائري"، وشارك في 10 حلقات مع مجموعة من الباحثين والمتخصصين في تاريخ الجزائر.
وأسهمت مشاركته في توضيح حقائق تاريخية وعلمية عن الأمير عبد القادر وتصحيح كثير من المفاهيم، والرد على الشبهات المثارة حول سيرته.
المؤلفاتكتب الجزائري نحو 50 بحثا ورسالة علمية ركّز فيها على تحقيق المسائل المشكلة في معظم العلوم التي تلقاها، وكتبا منها:
"إلى أين أيها الحبيب الجفري"، وهو رد علمي على كتاب اليمني الحبيب علي الجفري "معالم السلوك للمرأة المسلمة". "البارق السَّني من حياة مكي الحسني" عن والده. "رجال من الأسرة الإدريسيّة الزكية والعِترَة الحسنيّة الشريفة". مخطوط عن جده الأمير عبد القادر الجزائري، فنّد فيه كثيرا من الشائعات الباطلة عنه. إعلان الاعتقال ثم الإعداماعتقل الجزائري للمرة الأولى أشهرا عدة من أمام منزله في دمشق يوم 26 أغسطس/آب 2008، وذكرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن آراءه المضمنة في كتابه "إلى أين أيها الجفري" ربما كانت السبب وراء اعتقاله.
واعتقله النظام السوري السابق للمرة الثانية من أمام منزله بمشروع دمر بدمشق في السادس من يونيو/حزيران 2012، مع مصادرة سيارته، قبل أن تقتاده إلى مكان مجهول.
وناشدت عائلة الأمير عبد القادر الجزائري المقيمة في سوريا السلطات الجزائرية ورئيس البلاد آنذاك عبد العزيز بوتفليقة وجمعيات لحقوق الإنسان بالتدخل لإنقاذ حياة حفيد الجزائري.
وحاولت منظمات حقوقية سورية وجزائرية التدخل للمطالبة بالإفراج عنه، منها الحركة الحقوقية الجزائرية والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، خاصة بعد حكم محكمة عسكرية سورية بإعدامه في أغسطس/آب 2012.
وعقب إسقاط نظام الأسد، وتمكن المعارضة من تحرير المساجين والحصول على أوراق ووثائق بعض أسماء المعدمين، تداول ناشطون خبر العثور على وثيقة من السجل المدني تذكر أن الجزائري كان معتقلا في سجن صيدنايا المركزي، وأن حكم الإعدام فيه طبق عام 2015.