???? متى تنتهي الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
تنتهي الحروب دائما بأحدى طريقين:
إما أن ينتصر طرف على الآخر وذلك بتحقيق أهدافه العسكرية و السياسية.
أو تنتهي بالوصول الى اتفاف تربح فيه جميع الأطراف عبر المفاوضات الأمنية و السياسية. إبتداء بالاعتراف المتبادل انتهاء بتقاسم السلطة و الثروة.
ولكن، والى أن يتحقق أحد الاحتمالين أعلاه، سوف تستمر حرب الاستنزاف بين الأطراف و أثناء ذلك يسعى كل طرف الى ايجاد وسائل ضغط و وسائل قوة، يتقوى بها على الآخر حتى يحقق أهدافه.
أولا موقف الدعم السريع
في اليوم الأول للحرب، حدد حميدتي أهدافه بالنص التالي: الاستيلاء على السلطة، قتل البرهان أو استسلامه، تحكيم الاتفاق الإطاري، تسليم السلطة الى أحزاب قحت. لاشك أن كل هذه الأهداف لم يتحقق منها شيئا. ولكنه بناءً عن ذلك صاح مطالبا بالمفاوضات. كما أنه إستطاع أن يحدد وسائل ضغط لاستنزاف القوات المسلحة منها:
قاد حملة اعلامية و ديبلوماسية لنزع الشرعية عنها وشيطنتها واتهامها. ولكنها فشلت وارتدت عليه.
كما أنه إستطاع أن يوسع دائرة الحرب على كثير من معسكرات الجيش، فشن نحو 180 هجوما على معسكر المدرعات، وقريبا منها على سلاح المهندسين، الاشارة، القيادة العامة، الفاشر، الابيض، بابنوسة. لم ينجح في الاستيلاء على أي منها جميعا بينما استلم الحاميات العسكرية في نيالا و كتم و الجنينة و مدني و سنجه.
كما أنه أستخدم وسيلة ارتكاب الجرائم على الشعب في ولايات الخرطوم و الجزيرة و سنار و دارفور و كردفان، للإبتزاز بها وفق معادلة الخيارين: إما مواصلة ارتكاب الجرائم و إما موافقة الحكومة على الجلوس للمفاوضات.
ومن الوسائل التي اعتمد عليها هي استجلاب دعم مالي وعسكري و مرتزقة، موثق من دولة الأمارات و كثير من دول العالم.
واستطاع أيجاد غطاء اعلامي و سياسي تقوده جماعة قحت و تقدم. إلا أن هذه الوسيلة كانت من أضعف نقاطه، حيث ارتدت عليه سلبيا.
أوجد الدعم السريع استنفارا قبليا يقوده نظار قبائل الرزيقات، المسيرية، الحوازمة. و هذه النقطة هي الاخرى ارتدت سلبيا على القبائل، لأنها أحدثت مقتلا كبيرا شمل آلاف القتلى من أبناء تلك القبائل، كما أحدث شرخا وانشقاقا اجتماعيا كبيرا داخل النسيج الاجتماعي لمجتمع هذه القبائل.
*ثانيا موقف القوات المسلحة*
وافقت القوات المسلحة على المفاوضات منذ بداية الحرب و تم الوصول الى اتفاف جده. لم يلتزم الدعم السريع بتنفيذ اتفاف جده، و بدلا عن ذلك، وسع دائرة الحرب و انتشاره في الولايات، و ارتكب فيها كل أنواع الجرائم. بعد ذلك، رتبت القوات المسلحة موقفها و أعلنت عنه في عدة نقاط:
أعلنت الحكومة أنها مستعدة لاكمال المفاوضات الأمنية فقط من أجل تنفيذ اتفاف جدة.
وأنها لن تشارك في أي مفاوضات سياسية قبل تنفيذ اتفاف جدة
كما أنها اعتبرت الدعم السريع عبارة عن فصيل متمرد على الدولة تحول الى منظمة ارهابية ارتكبت جميع أنواع الجرائم في حق المواطنين و الدولة، ولذلك لن يشارك كمؤسسة، في مستقبل الحياة السياسية و لا العسكرية في السودان حسب المبدأ العالمي لا تفاوض مع الإرهاب.
وبالتالي فان جميع من إرتبط بالدعم السريع، سيقدمون الى محاكمات قضائية عادلة و أن القضاء وحده هو الذي سيحدد مستقبلهم كأفراد.
كما أن الجيش السوداني إبتدر حالة التحول من مرحلة الدفاع الى الهجوم العسكري، لتحرير كل الاحياء السكنية و المدن التي احتلاها الدعم السريع.
و إستطاع خلالها أن يحقق إنتصارات عسكرية وسياسية كألاتي: حرر تقريبا نصف ولاية الخرطوم و يحاصر النصف الآخر وضاغط بقوة و يتقدم لتحريره. حرر كل ولاية سنار. حرر عدد كبير من قرى ومدن ولاية الجزيرة و يحاصر مدني وضاغط بقوة و يتقدم لتحريرها. حرر قاعدة الزرق و ضاغط في إتجاه الجنينة. سياسيا تمت ادانة المليشيا و ادانة دولة الأمارات محليا و عالميا على نطاق شامل، و خافت قحت/ تقدم من أن تعلن دعمها المستمر للمليشيا و ارتباطها بالعمالة الى دولة الأمارات كدليل على ضعف موقفها.
ومن أقوى النقاط التي يرتكز عليها الجيش السوداني هو السند الشعبي الضخم بالمال و الاعلام و الاستنفارات و الشرعية الشعبية، الذي يقوده ملايين النازحين، والأحزاب السياسية، والجماعات الدينية، و القبائل، وقد اصطف في ذلك العلمانيون و الاسلاميون و جزء من شباب ثورة ديسمبر و كل قدامى المحاربين و تنسيقيات القبائل و الجاليات السودانية بكل دول العالم و المهنيون و الفنانون و الصحفيون و عامة الشعب عبر ملايين الحسابات و المواقع على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
*قحت تقدم*
تعتبر قحت/تقدم أن الرابح الأكبر من انتصار الجيش على الدعم السريع، سيكون الاسلاميون باعتبار أنهم أكثر فصيل منظم. وهذا موقف سياسي جائز. ولكنها سعت لسحب البساط من تحت اقدام الاسلاميين بطرق كلها غير مشروعة، كما أنها تتوافق جميعها مع مواقف المليشيا. إبتداء من العمالة للأمارات والمخابرات، محاولة نزع الشرعية من الحكومة السودانية، توقيع اتفاف أديس ابابا مع المليشيا، تكوين الادارة الاهلية في مناطق سيطرة المليشيا، انخراط قادتها و عضويتها في الحرب مباشرة في صفوف المليشيا، دعوة كبار قادتها من الجيش الى الاستسلام للمليشيا، التغطية على جرائم المليشيا مقابل فبركة اتهامات ضد الجيش، التخذيل ضد الجيش و تبخيس انتصاراته … الخ. هذه المواقف وغيرها، جعلت الشعب يصنف قحت/تقدم بأنها الفصيل السياسي للمليشيا و تتحمل المسؤولية أكبر من جنود المليشيا باعتبارها أنها أدارت ظهرها عن ملايين الضحايا وعن شرعية مؤسسات الدولة، كما أنها ظلت ساعية الى ايجاد غطاء سياسي و اعلامي لجرائم المليشيا و للدعم الخارجي الذي يتدفق عليها.
بعد أن استعرضنا مواقف الأطراف المحاربة والمساندة، دعنا الان نستعرض الفاتورة المدفوعة في الحرب.
لاشك أن الأموال التي ماتزال تنفقها دولة الأمارات في التسليح و الاعلام و المرتزقة و العملاء، لابد أنها تزيد على مئات المليارات من الدولارات و مئات الالاف من القتلى.
كما أنه لا شك أن الجرائم التي ارتكبتها المليشيا في ازهاق أرواح الناس و ممتلكلتهم و أموالهم و بيوتهم مصانعهم و محاصيلهم و شرف نسائهم و تدمير البنية التحتية لمؤسسات الدولة و مؤسسات القطاعين العام و الخاص، لابد أنها تزيد على مئات المليارات من الدولارات.
والسؤال المهم من هو من الأطراف المؤهل و الاقدر على تحمل الفاتورة التي ظل يدفعها؟ وهل هذا الاستمرار يتوقف فقط على حسابات الربح والخسارة المادية، أم الأخلاقية ايضا؟
فيما يتعلق بالموقف الأخلاقي، فان دولة الأمارات و عملائها من المليشيا و تقدم، موقفهم الأخلاقي أنهم في حالة تعدي وارتكاب الجرائم من أجل تحقيق أهداف سياسية و اقتصادية. بينما الموقف الأخلاقي للشعب السوداني وحكومته أنهم في حالة إلتزام و واجب أخلاقي و ديني للدفاع عن النفس وتحرير الأحياء السكنية والمدن المحتلة. لذا فشتان بين الموقفين الاخلاقيين اللذين يرتكز عليهما كل طرف من أجل مواصلة الحرب و يتحمل في سبيل ذلك الفاتورة التي ظل يدفعها. اذ لا يستوى الذي يحارب من أجل تحقيق أهداف سياسية و الذي يحارب من أجل الدفاع عن النفس والروح والمال والعرض و الشرف.
أخيرا وفق المعطيات أعلاه، نعود مرة أخرى لذات السؤال الذي بدأنا به مقالنا وهو متى تنتهي الحرب في السودان؟
يرى الكاتب أن الحرب لن تتوقف إلا وفق مسارين. الاول حينما يتوقف المعتدي عن اعتداءه و يكف عن ارتكاب جرائمه و يرجع الحقوق التي اغتصبها الى أصحابها و بالتالي تبدأ مرحلة الترتيبات السياسية، أو ينتصر عليهم أو يقهرهم فيعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم حتى يستسلموا، وذلك مستحيل في حالة الشعب السوداني وكل شعب حر و صاحب إرادة. أما المسار الآخر هو أن يقوم الضحية، كما يفعل الان، بواجب الدفاع عن نفسه بدافع وواجب أخلاقي و ديني، متسلحا بقوة الحق أولا و بما يستطيعه من عتاد وسلاخ ورجال و تدريب ثانيا و فوق هذا و ذاك مستنصرا بالدعاء و مشيئة الله الذي حرم الظلم على نفسه و جعله محرما و وعده بنصر المظلومين المستضعفين.
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
د. محمد عثمان عوض الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات المسلحة دولة الأمارات الدعم السریع کما أنه کما أن من أجل
إقرأ أيضاً:
اتهمت بمساندة الدعم السريع.. هل تستعيد السودان وتشاد علاقاتهما؟
تُعدُّ العلاقات السودانية – التشادية نموذجًا معقّدًا لجوار أفريقي تتشابك فيه المصالح السياسية، والاجتماعية، والأمنية على نحو يندر مثيله في القارة. ومع تمدّد الصراع المسلح في السودان، وتأثيراته العابرة للحدود، تكتسب قراءة، وتحليل هذه العلاقة أهمية خاصة، إذ إنّ استشراف مستقبلها يتطلّب فهمًا شاملًا لتداخلاتها المتشابكة، وإمكانية إعادة صياغتها على أسس شراكة إستراتيجية تُوازن بين المصالح المشتركة، والتحديات الأمنية.
ويشترك السودان، وتشاد في ظروف جيوسياسية، وطبيعية متقاربة، ويجمعهما تداخل اجتماعي معقّد يبرز في وجود 13 قبيلة مشتركة على جانبي الحدود الممتدة لنحو 1403 كيلومترات، وهي الأطول بعد حدود السودان مع جنوب السودان. بيد أن ما يميز هذه الحدود أنها سهلية بلا عوائق طبيعية تُذكر، لكنها كانت شاهدا على تاريخ مضطرب منذ استقلال تشاد في ستينيات القرن الماضي، وما قبله استقلال السودان.
خلال هذا التاريخ، شكّلت الجوارية، والتداخل عاملًا مزدوج التأثير: من جهة قرب اجتماعي، واقتصادي، ومن جهة أخرى بيئة خصبة لنقل الصراعات. فقد زاد تدفّق السلاح من تشاد إلى السودان خلال الاضطرابات العديدة التي أمسكت بتلابيب تشاد من حدة النزاعات التقليدية في دارفور على الكلأ والمراعي، مما أدّى إلى تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي هناك. لقد جسّدت أزمة دارفور، التي تصدّرت الإعلام الدولي منذ عام 2003، أبرز مظاهر هذا التداخل المتجذّر في واقع البلدين.
إعلانوفي ظل اللحظة الراهنة، ارتفعت حدّة التوتر بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق. فالسودان، الذي يواجه تصعيدًا خطيرًا على جبهاته الداخلية، تقدّم بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، والشعوب، مدعومة بأدلة وثائقية ومقاطع مصورة، تتهم تشاد بدعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، بما في ذلك نقل أسلحة وذخائر. ونفت تشاد تلك الاتهامات، مؤكدة عدم تورطها في تأجيج الصراع السوداني. ورغم قتامة المشهد، لا تزال هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقات على أسس أكثر توازنًا، وشفافية.
الأزمة الراهنة وتأثيراتهالقد شكلت الهجرات القبلية العربية من الشمال، والشرق امتدادًا طبيعيًا للبدوية العربية في بيئة السودان، وتشاد الصحراوية. وأسهمت الروابط الثقافية، والاجتماعية في تعزيز علاقات الجوار. إلا أن هذه العوامل نفسها كانت سببًا في تصاعد النزاعات عند تحوّل القضايا المحلية إلى مشكلات إقليمية.
ولم تسلم دارفور من التدخلات التشادية، حيث دعمت نجامينا حركات التمرد السودانية، مثلما دعم السودان بدوره حركات المعارضة التشادية، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار شبه المستدام.
إن الأزمة الراهنة في السودان، التي اندلعت بين الجيش السوداني، ومليشيا الدعم السريع، زادت من تعقيد العلاقة بين البلدين، حيث أصبحت الحدود مسرحًا للتوترات الأمنية، والاجتماعية. كما تدفق اللاجئون السودانيون إلى تشاد، حيث تستضيف تشاد أكثر من مليون شخص من النازحين قسرًا، وبلغ عدد اللاجئين السودانيين حاليًا 1.1 مليون شخص، بينهم 700 ألف لاجئ فروا منذ بداية الحرب في أبريل/ نيسان من العام الماضي و400 ألف شخص كانوا لاجئين في تشاد قبل ذلك.
وتعتبر تشاد واحدة من أكبر عمليات مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في المنطقة. وبدعم من وكالات الأمم المتحدة الأخرى و40 منظمة غير حكومية، تقود المفوضية وتنسق جهود الاستجابة الخاصة باللاجئين دعمًا لحكومة تشاد. فيما ساهم وجود حركات مسلحة على جانبي الحدود في تصاعد النشاط العسكري العابر، مما أثار مخاوف حقيقية من تهديد الأمن القومي التشادي.
إعلانالمفارقة أن هذا الوضع كان معكوسًا في العام 2007، إذ قامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بنقل مئات اللاجئين التشاديين إلى داخل الأراضي السودانية بناء على طلبات اللاجئين أنفسهم؛ بسبب انعدام الأمن على الحدود بين السودان، وتشاد.
ورغم وجود اتفاق أمني مشترك منذ عام 2010، فإن الأحداث الأخيرة أظهرت توترًا متصاعدًا. ويزيد من تعقيد المشهد كثيرًا أن بعض زعماء المعارضة التشادية، الذين تدربوا تحت إشراف مليشيا الدعم السريع، ومجموعة فاغنر الروسية، أعلنوا عن نيتهم استغلال الحرب السودانية للتحرك نحو إسقاط النظام التشادي.
هذا الارتباط الوثيق بين الأوضاع الأمنية والسياسية في البلدين، يعكس مدى هشاشة الحدود المشتركة، التي كانت دائمًا مصدرًا للتوتر والتداخل. ولذا فإن ارتباط طرف بالمحاور الإقليمية أو الدولية على حساب إستراتيجية حسن الجوار يبقى عاملًا سلبيًا، ومهددًا خطيرًا للأمن القومي مهما تبدى من مصالح وقتية نتيجة لهذا الارتباط الآثم.
على مر التاريخ، ظلت العلاقة بين الخرطوم ونجامينا مثقلة بالخلافات الناتجة عن الأنظمة السياسية المتعاقبة، والإرث الاستعماري الثقيل الذي عرقل جهود الإصلاح. الاستعمار، بما تركه من انقسامات وأزمات حدودية، لعب دورًا رئيسًا في تأجيج الصراعات، وإضعاف الروابط الثقافية والاقتصادية. رغم ذلك، شهدت العلاقة محاولات للتعاون، مثل توقيع اتفاقيات أمنية، ومبادرات مشتركة، إلا أن تلك الجهود غالبًا ما كانت مؤقتة، تخضع لتقلبات السياسة الإقليمية.
واليوم، تبدو الأزمة السودانية فرصة جديدة لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين على أسس الشراكة الأمنية، والتنموية. التعاون الأمني لضبط الحدود ومنع تصاعد النزاعات العابرة قد يكون الخطوة الأولى نحو استقرار المنطقة، وهو ما يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واعترافًا بأن استقرار أحد البلدين هو شرط لاستقرار الآخر.
إعلانإن عددًا من الحواضن الاجتماعية، والمكونات القبلية تعتبر نسخة مكررة في كلا البلدين؛ فما أحدثته الحرب في السودان. من شروخ اجتماعية هو أمر بالضرورة يظهر في الجانب التشادي من الحدود، والسماح بتفاقم هذا الإشكال يعني تقليل ظل الدولة في كلا البلدين، وبالتالي من مصلحة البلدين أن يتعاونا في إنها الإشكال، ولا سبيل لذلك إلا بالجهود المشتركة.
فرص الشراكة الاقتصاديةيحمل التعاون الاقتصادي بين السودان وتشاد فرصًا كبيرة لتعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، خاصة بعد أن أثمر التعاون الأمني السابق إبان عهد الرئيسين السوداني عمر البشير، والتشادي إدريس ديبي استقرارًا ملحوظًا على الحدود المشتركة.
هذا الاستقرار شجع على تبني مشروعات اقتصادية كبرى تهدف إلى تعزيز السلام، والشراكة، منها تصدير النفط التشادي عبر الأراضي السودانية. ويتمثل المشروع في إنشاء أنبوب يمتد من شرق تشاد إلى موانئ السودان على البحر الأحمر، وهو ما كان سيحقق فوائد اقتصادية، وسياسية كبيرة، ليس فقط لتشاد والسودان، بل لدول الجوار أيضًا، مما قد يدفعها للانضمام إلى مثل هذه الشراكات.
يُذكر أن للسودان خط أنابيب نفط يعد الأطول في أفريقيا، والشرق الأوسط، يُستخدم حاليًا لتصدير نفط جنوب السودان، مما قد يقلل تكاليف إنشاء خط جديد، إذ يمكن إنشاء خط فرعي مخصص للنفط التشادي.
كما أن هناك مشروعات أخرى للتكامل الاقتصادي، مثل مشروع الربط بالسكك الحديدية الذي كان قد أسند تنفيذه لشركات صينية، والطريق القاري الذي يربط مدينتي الجنينة السودانية، وأبشي التشادية، بتمويل جزئي من دولة قطر. هذه المشروعات كانت تعكس الإرادة السياسية لتعزيز التكامل الإقليمي، خاصة أن تشاد – كما أشير – دولة مغلقة جغرافيًا وتعتمد على موانئ الدول المجاورة لتأمين تجارتها الخارجية.
من بين الخيارات المتاحة لتشاد للوصول إلى الموانئ البحرية، يُعتبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر أفضل الخيارات المتاحة وأقربها جغرافيًا. مقارنة بموانئ دوالا في الكاميرون أو لومي في توغو الواقعة على الساحل الأطلسي، حيث يتميز ميناء بورتسودان بقربه النسبي، وسهولة النقل البري، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف النقل، والشحن. كما أن اعتماده باعتباره منفذًا رئيسًا لتشاد يعزز الروابط الاقتصادية، والتجارية بين البلدين، ويدعم التكامل الإقليمي في شرق ووسط أفريقيا.
إعلانإن تطوير الممرات البرية بين شرق تشاد، والسودان سيجعل من بورتسودان ممرًا إستراتيجيًا للبضائع، سواء للاستيراد أو التصدير، خاصة للمواد الثقيلة مثل النفط، والمنتجات الزراعية. كذلك كان قد أخذ التعاون في مجال الطاقة بعدًا مهمًا، إذ وقّع البلدان اتفاقًا لتصدير النفط واستكشاف مواردهما المشتركة، إضافة إلى تدريب الكوادر، وبناء مصفاة، ومحطة كهرباء في تشاد.
ورغم الآثار السلبية للأزمة السودانية الحالية على الحركة التجارية بين البلدين، والتي تعتمد بشكل كبير على التجارة غير الرسمية، يبقى التعاون الاقتصادي بين السودان، وتشاد فرصة إستراتيجية.
إن تطوير البنية التحتية للنقل، والاستخدام الأمثل لميناء بورتسودان يمكن أن يجعل من السودان بوابة رئيسية ليس فقط لتشاد، بل لدول غرب ووسط أفريقيا المغلقة جغرافيًا. هذه الشراكات، إن توفرت الإرادة السياسية، والاقتصادية اللازمة، يمكن أن تكون نموذجًا للتكامل الإقليمي، والتنمية المشتركة، مما يساهم في تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.
الأدوار الدولية والإقليميةتلعب القوى الإقليمية، والدولية أدوارًا خطيرة في الأزمة السودانية، وتتباين مواقفها بناءً على أجنداتها، ومصالحها الخاصة، مما يعقّد من إمكانية الوصول إلى توافق شامل.
مصر، على سبيل المثال، ترى السودان امتدادًا لأمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بنهر النيل، والأمن الحدودي، وتدعم الجيش السوداني باعتباره الضامن للاستقرار، وهذا موقف واضح وإيجابي.
على النقيض، تتخذ إثيوبيا نهجًا مزدوجًا، حيث تشارك في مبادرات السلام لكنها تستغل الأزمة السودانية لتعزيز نفوذها الإقليمي، خصوصًا في سياق نزاعاتها الحدودية مع السودان، وقضية سد النهضة.
وبدورها، تجد تشاد نفسها في وضع معقّد؛ فدعمها لمليشيا الدعم السريع يتعارض مع مصالح دول كبرى مثل: مصر، وإثيوبيا بدرجة أقل، ما يجعل التنسيق الإقليمي ضروريًا لتجنب تضارب المصالح.
إعلانإلى ذلك، تعتمد تشاد على دعم دولي، لا سيما من فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية لتعزيز قدراتها الأمنية، مما يؤثر بشكل كبير على سياساتها تجاه السودان. هذا الدعم يُمكّن القوى الدولية من التأثير في القرار التشادي، إذ تضغط فرنسا، على سبيل المثال، لضمان الاستقرار الإقليمي لحماية مصالحها في منطقة الساحل.
وبالمقابل، يقع التشاديون بين شقي رحى عند محاولة الموازنة بين مصالحهم الإستراتيجية، ومتطلبات داعميهم. إن لعبة التوازن تجعل تشاد لاعبًا إقليميًا مهمًا، لكن ذلك يتطلب منها مراعاة حسابات سياسية دقيقة.
معالجات وتحدياتلمواجهة التحديات المشتركة بين السودان وتشاد، يمكن العمل على إنشاء آليات فعّالة لمراقبة الحدود بهدف منع تسلل الجماعات المسلحة، وتعزيز التعاون العسكري من خلال اتفاقيات أمنية، ودورات تدريبية مشتركة لبناء الثقة بين الطرفين.
كما تُعد تنمية المناطق الحدودية أولوية مهمة، إذ يمكن الاستثمار في مشاريع تنموية تقلل من معدلات الفقر، وتعزز الاستقرار، إلى جانب إنشاء مناطق تجارة حرة لتشجيع التبادل التجاري.
في الجانب الدبلوماسي، يجب تكثيف الحوار السياسي عبر القنوات الثنائية، والإقليمية لحل المشكلات قبل تفاقمها، مع تشجيع الوساطات الإقليمية، والدولية الجادة للمساهمة في معالجة النزاعات. أما فيما يتعلق بقضية اللاجئين، فإن التعاون بين البلدين ضروري لتقديم الدعم الإنساني، وضمان عدم استغلال اللاجئين كأداة للصراع.
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات عديدة، أبرزها تعدد اللاعبين غير الحكوميين مثل المليشيات، والجماعات المسلحة التي تعيق إحلال الاستقرار، وضعف المؤسسات الوطنية في كلا البلدين مما يحدّ من القدرة على تنفيذ الاتفاقيات المشتركة. إلى جانب ذلك، تمثل التأثيرات الدولية تحديًا إضافيًا، حيث قد تحاول بعض القوى الخارجية استغلال الصراع لتحقيق أجنداتها الخاصة.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية