دمشق- تحت عنوان "الشباب والتأثير.. ماذا بعد التحرير؟"، ووسط جموع حاشدة من الحضور، التقى أمس الجمعة مؤثرون سوريون بارزون على وسائل التواصل الاجتماعي بشريحة الشباب بأحد المقاهي قرب ساحة السبع بحرات وسط العاصمة دمشق، وذلك لإجراء حوار مفتوح حول عدد من القضايا الشبابية في لقاء هو الأول من نوعه منذ سقوط النظام السوري قبل نحو شهر.

وقامت منظمات "بنفسج" و"مؤثرون من أجل الإنسانية" و"بالحب بدنا نعمرها" بجمع كل من المؤثر بشر النجار والحارث نمر وفؤاد سيد عيسى وصالح زغاري، للحديث حول دور الشباب وتأثيرهم على أرض الواقع وفي منصات التواصل الاجتماعي في سوريا الجديدة.

وقال المؤثر والمتحدث باسم منظمة بنفسج فؤاد سيد عيسى إن هدف الفعالية هو "أن نلتقي مع الشباب السوريين في دمشق بشكل خاص، ويمكن أن تعاد المبادرة في أماكن أخرى مع شبان سوريين من المؤثرين وعدد من المتابعين للحديث عن مرحلة ما بعد التحرير، وعملية البناء، ودور الشباب في بناء المجتمعات السورية".

وأشار فؤاد إلى أهمية المبادرات الاجتماعية في التأثير على الواقع وتغييره، مستشهدا بما قام به متطوعو حملة "بالحب بدنا نعمرها" من تنظيف للشوارع والمرافق العامة في مدن سورية كبيرة، مؤكدا ضرورة أن "نعظم أثر هذه الحملات ونستمر فيها".

إعلان

وعن النجاح الذي حققته منظمة بنفسج يقول المؤثر: "إن بنفسج هي مثال أعطيناه للشباب ليدركوا أن السوريين قادرون على الإنجاز والبناء إذا توفرت لديهم المساحة والحرية، هناك مؤسسات مثل بنفسج وملهم ومؤسسات سورية أخرى هي أمثلة لنجاح الشاب السوري والفريق السوري عند توفر المساحة والدعم الكافي".

تجمع شبابي بدمشق للحوار حول مرحلة ما بعد التحرير (الجزيرة) أحاديث النصر

وبدأت الفعالية بوقوف جماعي لأداء النشيد الوطني الجديد لسوريا، تلاه تصفيق حار وكلمة لفؤاد سيد عيسى عن تجربة إنشاء المنظمة (وهي منظمة مجتمع مدني) في رحاب إدلب، المدينة التي كانت تعاني الأمرين منذ سنوات بسبب القصف المتواصل للنظام على أحيائها المدنية، ومغالبة آلاف النازحين فيها صعاب الحياة ضمن خيامهم، في ظل واقع معيشي هو الأسوأ في البلاد، حسب قوله.

وأشار فؤاد إلى التحديات التي واجهت كوادر المنظمة في سياق عملهم الإغاثي والمدني، وتغلب المنظمة على ضعف الإمكانات وسعيها المستمر لتحقيق أهدافها مستلهمة عزيمتها وإصرارها من مفهوم الحرية الذي رسخته الثورة السورية في ضمائر كوادرها.

تلا ذلك حديث للمؤثر السوري على وسائل التواصل الاجتماعي الحارث نمر، تمحور حول "أثر الفراشة" الذي يمكن أن يتركه تأثير كل فرد من الأفراد في سوريا على حدة لبناء مستقبل أكثر إشراقا، مستدلا على ذلك بعدد من المرويات التقليدية عن التأثير الضئيل للأفراد بظاهره والكبير بجوهره.

وصعد المؤثر الفلسطيني صالح الزغاري إلى المنصة بعد الحارث نمر، وروى بدوره عن العلاقة الوجدانية التي ربطته بأصدقائه السوريين في المهجر، وعن حضور سوريا الثورة في محتواه منذ بداية عمله، سوريا التي لم يكن يتوقع أن تتحرر على زمانه، معبرا بذلك عن اندهاشه الفَرِح بتحقيق الثورة السورية نصرها في هذا التوقيت، ومتمنيا أن يزور فلسطين محررة كما زار دمشق الحرة من النظام السوري بعد حين.

الحضور يتحلق حول بشر النجار أثناء حديثه (الجزيرة)

بينما لقي دخول بشر النجار، المؤثر السوري وصاحب برنامج "الجهبذ " على قناة AJ+، إلى المقهى ترحيبا من الحضور، الذين هتفوا باسم "حمادة" الشهير، الذي يستعمله النجار في حلقاته كناية عن اسم المشاهد الذي يخاطبه.

إعلان

ودار حديث النجار مع الحضور حول فرحه بنصر الثورة، واندهاشه من إجرام النظام السوري السابق بعد زيارته لعدد من الأمكنة التي كانت تجري فيها عمليات التعذيب والقتل في المعتقلات. وركن النجار إلى أسلوبه المعتاد بالمزج بين السخرية من جهة، والجدية من جهة أخرى، لإيصال رسائله التحفيزية إلى الشباب.

وشدد على أهمية التعليم والعلوم الإنسانية وتعلم اللغات الأجنبية، مؤكدا أن على الجيل الجديد، لا سيما بعد سقوط النظام، أن يتسلح بما أمكن من الأدوات لبناء بلده المدمر.

وفُتح المجال بعد ذلك لمشاركة الشباب من الحضور للتعبير عن آرائهم وتوجيه الأسئلة للمؤثرين بما يضمن أن يرشح اللقاء عن حوار مثمر وغني حول دور الشباب والتأثير في سوريا المستقبل.

المخرج والمصور براء الأزهري: ما نحتاجه اليوم هو الحوار (الجزيرة) حوار وصلة رحم

ومن جهته، عبر براء الأزهري (31 عاما)، وهو مخرج ومصور سوري وأحد الحضور في الفعالية، عن عطشه إلى الحوار السوري السوري، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أنه بعد مرور 54 عاما من العيش تحت ظل النظام البائد "تشعر كأن الأواصر بين السوريين قد تقطعت، ولذا فإن أكثر ما نحتاجه اليوم هو الحوار، بمعنى أن نتواصل مع بعضنا البعض، وعليه كانت هذه الفعالية لفتة لطيفة ومهمة، حيث تبادلنا الآراء والأفكار ورد علينا المؤثرون، وكأنما أصبحت لدينا خارطة طريق للعمل في سوريا على الصعيد الشبابي".

جودي خلوف: من الجميل لقاء شباب يحملون أملا حيال المستقبل (الجزيرة)

في حين قالت جودي خلوف (27 عاما)، إحدى الحاضرات في اللقاء، للجزيرة نت إنها هنا لحضور اللقاء الشبابي والحديث عن مستقبل سوريا، "ومن الجميل أن تأتي فتجد شبابا من عمرك يحملون أملا وتفاؤلا حيال المستقبل، إضافة إلى أن المؤثرين الحاضرين هم مؤثرون نحبهم ونعتز بهم".

وحول مشاعره بعد تواصله مع الشباب في دمشق، مسقط رأسه والمدينة التي غاب عنها 14 عاما، يقول بشر النجار: "كان حدثا جللا، وكان التفاعل أكثر من رائع وأكبر مما توقعت بكثير، فمهما سافر الإنسان وتنقل لا يجد مثل وطنه وأبناء هذا الوطن، والكلمات الآن عاجزة عن وصف مشاعري، ببساطة: الفرحة غامرة".

إعلان

وعن رسالته التي أراد إيصالها للشباب السوري بعد التحرير، أضاف النجار في حديث للجزيرة نت: "أنا رجل يحب بلاده وأهلها كثيرا، ورسالتي لهم دائما كانت ألا يفقدوا الأمل. وفي النهاية أنا فرد من ملايين السوريين جميعا، وأقول تعبنا كثيرا ويأسنا وانهزمنا، ولكن والحمد لله انتصرنا في النهاية".

وتمنى المتحدث ذاته أن لو كان بمقدوره أن يجلس ويتكلم مع الناس فردا فردا "لنربت على بعضنا البعض، ثم نبدأ بالبناء وإعادة الإعمار".

وفي سياق الحديث عن دور المؤثرين، أشار النجار إلى وجوب نشر الأمل، إلى جانب بعض التوجيهات، موضحا أن صوت الفرد يمكن أن يصل إلى أعداد كبيرة ويؤثر، ولكن هذا لا ينفي أن المشاكل اليوم في سوريا بحاجة إلى دولة ومؤسسات.

المؤثر فؤاد سيد عيسى: هدفنا الأول تبادل الآراء الجزيرة)

بينما لخص فؤاد سيد عيسى أهداف لقاء الشباب بالقول: "هدفنا الأول هو تبادل الآراء السورية، والحديث عن المستقبل ودور الشباب السوري بشكل أساسي، وأيضا إحياء المزيد من المبادرات التطوعية، وتأمين التمويل لدعم مبادرات مختلفة حتى تثمر في مساعدة الحكومة الحالية والقوة الموجودة على الأرض في تغيير الواقع وتحسينه".

ولفت المؤثرون في حديثهم للجزيرة نت إلى أن هذه الفعالية لن تكون الأخيرة، بل سيقومون بفعاليات مشابهة خلال الأسابيع والأشهر القادمة للتأكيد على دور الشباب في بناء سوريا المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بعد التحریر دور الشباب للجزیرة نت الشباب فی فی سوریا ما بعد

إقرأ أيضاً:

هل حقا النقاش مقفل في طوفان الأقصى مفتوح في ردع العدوان؟!

مقارنة البيئة المؤيدة لـ"طوفان الأقصى" بالبيئة المؤيّدة لـ"ردع العدوان" من جهة الموقف النقدي ممّا تؤيّده كل منهما؛ خطأ، ليس فقط لأنّ المقارنة اعتباطية، واستمرار في خطاب غير بريء يهدف دوما إلى الحطّ من القضية الفلسطينية بوصفها "قضية" لتتحول إلى مسألة فلسطينية/ إسرائيلية، أو في أحسن الأحوال بوصفها "قضية" غير قابلة للحلّ فلنتخلص منها إذن، ولكن أيضا؛ لأنّ المشهد القائم الآن هو حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزّة ممّا يستوجب موقفا إزاءها أكثر كثافة وحضورا من ذلك الهمّ العجيب الذي يسكن بعض المعقّبين العرب على الحدث، وهو همّ: "لماذا لا تنتقدون عمليتكم؟ لماذا لا تقبلون نقدنا؟"، وذلك في حين أنّ عملية "ردع العدوان" قد انتهت بدخول دمشق والبدء بترتيب المرحلة الانتقالية من خلال ما يُسمّى بـ"الإدارة السورية الجديدة"، فالنقد الذي يوجّه لأحمد الشرع وفريقه من أوساط سورية مؤيّدة لإسقاط الأسد، ليس نقدا لـ"ردع العدوان" التي جرت وانتهت سريعا، ولكن لكيفيات ترتيب "سلطة الأمر الواقع".

فقط التذكير بهذه الحقيقة، وهي أننا الآن إزاء ترتيبات حكم جديد في سوريا، لا إزاء "ردع العدوان"، يكفي لبيان الخلل في هذه المقارنة، بقطع النظر إن كان الانصراف عن هذه الحقيقة قد نجم عن غفلة أو تغافل، فالدافع الضمنيّ واحد، وهو كيف نتخلص من فلسطين بوصفها "قضية"، ونجعلها مجرّد مسألة تخصّ أصحابها، نضعهم على قدم التساوي مع الإسرائيليين، حينما نقول "مسألة فلسطينية/ إسرائيلية". لكن وبالرغم من هذه المغالطة المكشوفة، فلنسلّم جدلا بأنّ البيئة المؤيدة لإسقاط الأسد تُقدّم نقدا واسعا وحرّا لأحمد الشرع وفريقه، فهل هذا النقد حاصل داخل "هيئة تحرير الشام"، والقوى الأقرب إليها سياسيّا وأيديولوجيّا؟!

فلنقارن إذن المواقف النقدية بين الذين ما يزالون يرون فلسطين "قضية" و"إسرائيل" عدوّا ويرجون تحرير فلسطين، وبين مؤيدي إسقاط الأسد، بمن فيهم قاعدته الاجتماعية التي تآكلت باستمرار، لنجد أنّ الحالة النقدية إزاء عملية "طوفان الأقصى" كانت الأكبر والأكثر وضوحا، لأنّه علينا والحالة هذه أن نأخذ الشعب الفلسطيني بعمومه
سيُقال إنّ القضية ليست بين بيئة "حماس" وبيئة "تحرير الشام"، بل بين عموم البيئة المؤيدة لعملية حماس، بما فيها قوميون ويساريون، وعموم البيئة المبتهجة بسقوط الأسد. حسنا، المقارنة بين هاتين البيئتين لا تخدم الغرض المخاتل من هذه المقارنة، فقد تبيّن أنّ عموم السوريين، بما في ذلك أوساط كانت من القاعدة الاجتماعية لنظام الأسد، قد رحّبت بهذا التحوّل بعدما تعفّن النظام من الداخل، وازداد تآكله بعد "قانون قيصر"، فلم يكن يحتاج إلى أكثر من يركله ليتهاوى.

كان عموم السوريين يرغبون في التخلص من ذلك الوضع، فهل نتوقع من هذا العموم بأطيافه المختلفة، سواء في إطار المعارضة سابقا والتي لم تكن حتى ائتلافا جبهويّا وإنما كيانات متخالفة حتّى وإن نجح الشرع في مرحلة الجولاني في إضعاف أكثرها لصالح جماعته، أم في إطار ما كان قاعدة اجتماعية للنظام، ألا يصدر عنه (أي هذا العموم) نقد لإدارة الشرع وفريقه للمرحلة الراهنة؟! بل إنّ النقد المشاهد، أقلّ ممّا يزعم المقارنون المغالطون، ربما بسبب بهجة الإنجاز، أو بسبب الإحساس بالمسؤولية لتمرير هذه الفترة بأقلّ الخلافات. ولكنّه حقّا أقلّ مما زعم هؤلاء المغالطون، الذين يكبّرون ما يريدون ويصغّرون ما يريدون! وبعضهم يتورّط في صغار استشراقي حينما يردّ النقد السوري للشرع إلى احتكاك السوريين بالمجتمعات الديمقراطية التي لجأوا إليها! فذمّ النقاد السوريين من حيث أراد مدحهم!

إن كان الأمر كذلك، فلنقارن إذن المواقف النقدية بين الذين ما يزالون يرون فلسطين "قضية" و"إسرائيل" عدوّا ويرجون تحرير فلسطين، وبين مؤيدي إسقاط الأسد، بمن فيهم قاعدته الاجتماعية التي تآكلت باستمرار، لنجد أنّ الحالة النقدية إزاء عملية "طوفان الأقصى" كانت الأكبر والأكثر وضوحا، لأنّه علينا والحالة هذه أن نأخذ الشعب الفلسطيني بعمومه، فالفلسطينيون كلهم يرون "إسرائيل" عدوّا ويصفون صراعهم معها بأنّه "قضية" لا مجرد مسألة. ومن نافلة القول إنّ الأصوات الفلسطينية الناقدة لـ"طوفان الأقصى" عالية وشديدة الوضوح، وبعضها تجاوز النقد إلى الاتهام المتغافل عن حقيقة أن "إسرائيل" كيان إباديّ في منشئه ووجوده واستمراره! علاوة على تلك الأصوات العربية التي تُخصَّص لها قنوات تلفزيونية وذباب إلكتروني وينفق عليها ما يفوق الملايين! (وهؤلاء النقّاد المغالطون يستكثرون وجود من يتصدّى لهذه الحملة الدعائية الدولية)!

لقد تحوّل النقد الذي يبحث في صحة التقدير السياسي، أو حتّى فاعلية المقاومة المسلّحة، إلى اتهام للضحية، بحجة أنّ العدوّ معروف عداؤه فلا ينبغي أن نشغل أنفسنا في ذمّ ما هو ذميم بداهة، وهو أمر لم يخلُ في الكثير من حالاته من عزل لمنفّذي "طوفان الأقصى" عن بقية أبناء شعبهم، وتجريدهم من وصف الضحايا، وحرمانهم من حقّهم في التعاطف، مع أنّ الإبادة الجارية في غزّة تجري عليهم كما على بقية أبناء شعبهم هناك، وبنحو أكثر تركيزا وكثافة!

هذا الخطاب الذي تجاوز النقد في قسوته إلى درجة الاتهام والإدانة، هل يمكن التغافل عنه؟! لأنّنا لم نعد بين مؤيّدي "طوفان الأقصى" ومؤيدي "ردع العدوان"، بل بين من يرون فلسطين قضية، وبين من يؤيدون إسقاط الأسد! وإلا فالمشكلة ليست عندنا حينما نعدّل المقارنة لتكون بهذا النحو، وإنّما عند من يعاني من وسواس وصف فلسطين بالقضية (راجع مقالة حازم صاغية المنشورة في "الشرق الأوسط" بتاريخ 1 كانون الثاني/ يناير 2025 بعنوان "طوفان الأقصى وردع العدوان: إغلاق النقاش وفتحه..."، علما بأنّ الردّ هنا لا يقصده حصرا، بل كلّ من يعاني وسواسا آخر، وهو وسواس: "لماذا لا تنتقدون طوفان الأقصى؟!" ويقترف المغالطات ذاتها وما يشبهها).

بعض الذين أعجبتهم هذه المقارنة الصفيقة، يرفضون ما يفعله غيرهم من مقارنة الأثمان التي دفعها الغزيون بتلك التي دفعتها شعوب ومجتمعات أخرى في ثوراتها التحررية وأنجزت تحررها في نهاية المطاف (آخرها بالمناسبة الثورة السورية التي أنجزت إسقاط الأسد) لاختلاف السياقات والحيثيات، مع أنّ المقارنة قد تكون من حيثية معينة ولا تقصد المطابقة، وبعض هؤلاء كانوا يرفضون مساءلتهم لماذا تصرّون على قراءة "طوفان الأقصى" فقط من زاوية الأثمان الإنسانية الهائلة التي دفعها الغزيون (وهي أثمان بالضرورة ينبغي اعتبارها وقد تكون أهمّ ما في الأمر كلّه فعلا على الأقلّ في المدى القريب)، بينما كنتم ترفضون مساءلة الثورة السورية التي كلّفت السوريين أثمانا مروعة كانت تُستخدم باستمرار بلا سبب مفهوم للقول إنّ معاناة الفلسطينيين أقلّ من معاناة السوريين و"إسرائيل" أكثر رحمة من نظام بشار الأسد؟! ولماذا لم تحمّلوا الثورة السورية مسؤولية الإبادة الأسدية لكون الأسد مذموم ومتهم بداهة؟! فكانوا يجيبون أنّ الثورة لم يطلقها طرف محدّد يوجه له النقد ويُحمّل المسؤولية بخلاف "طوفان الأقصى" التي نفّذتهما "حماس". وبالرغم ممّا في هذه الإجابة ممّا يمكن الردّ عليه، فإنّها كافية للكشف عن الهوى الذي يندفع به هؤلاء، فالتنوع الكبير في الثورة السورية يستدعي حتما نقدا لأحمد الشرع وفريقه، فالثورة في مبتدئها والفاعلين فيها طوال سنوات المحنة السورية أكبر من "هيئة تحرير الشام" حتى لو آلت الأمور حتى الآن للشرع وفريقه، لكن فلنلاحظ كيف أنّ هذا التنوع يُستدعى في وقت، ويُطمس في وقت آخر، لدى الشخص نفسه، لأغراض سجالية!

في كلّ تجربة هناك من يتحسسون من النقد، أو يتحفظون عليه، منهم الجزميون الوثوقيون، وهم صنف لا يخلو منه مجتمع بشري أو جماعة فاعلة، ومنهم الذين يعتقدون أنّ المسؤولية تقتضي إرجاء النقد أو التخفيف من غلوائه أو الالتفات إلى المشهد بكلّيته، لكن في المقابل، هؤلاء الذين يعتقدون أنّهم نقديون، ونقدهم لا يتجه إلا للفاعل الفلسطيني (ما هو حجم النقد الموجّه للأنظمة العربية التي تسمح باستمرار الإبادة في غزّة؟! ولماذا حصر المشكلة في التعاطي مع "إسرائيل" في إيران واستغلالها لها، أو في استغلال النظام الأمني الأسدي لها من قبل؟! وهل الأنظمة العربية الأخرى ليست أمنية؟! ولماذا يتحمّس البعض للحروب الأهلية في المنطقة أو بين شعوبها مهما كانت كلفتها ولكنه يتحسس من المواجهة مع "إسرائيل"؟ لم تكن المشكلة مع القراءات النقدية لعملية "طوفان الأقصى"، وإنّما مع تحويل النقد إلى إدانة للفاعل الفلسطيني، وتحميله مباشرة مسؤولية الإبادة الواقعة عليه كما هي واقعة على أبناء شعبه، والتغافل عن الطبيعة الإبادية للكيان الإسرائيلي، وتناسي الحالة الفلسطينية السابقة على العملية، وقصر المعالجة على عملية "طوفان الأقصى" دون التفات مكافئ لمواقف أخرى سهّلت استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بما في ذلك مواقف عربيةهذه الأسئلة لا تقصد كاتب المقالة المشار إليه أعلاه، بل الكثيرين ممن ناقشناهم أو اطلعنا على آرائهم المبثوثة في مواقع التواصل الاجتماعي).. أقول هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم نقديين، هل منعهم أحد من النقد؟! هل يفعلون شيئا سوى نقد المقاومة الفلسطينية ومن يساندها؟! فلماذا كل هذا الوسواس تجاه من يتمسك بتأييده لـ"طوفان الأقصى" أو يرفض ما يقولونه من نقد؟!

على أية حال لم تكن المشكلة مع القراءات النقدية لعملية "طوفان الأقصى"، وإنّما مع تحويل النقد إلى إدانة للفاعل الفلسطيني، وتحميله مباشرة مسؤولية الإبادة الواقعة عليه كما هي واقعة على أبناء شعبه، والتغافل عن الطبيعة الإبادية للكيان الإسرائيلي، وتناسي الحالة الفلسطينية السابقة على العملية، وقصر المعالجة على عملية "طوفان الأقصى" دون التفات مكافئ لمواقف أخرى سهّلت استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بما في ذلك مواقف عربية، ووضع الحَبّ في طاحونة الإسرائيلي حينما لا تكون الخلاصات إلا تردادا للدعاية الإسرائيلية، بقطع النظر عن الدوافع، وإن لم يخل المشهد العامّ من متصهينين صرحاء، فمن اختلفت دوافعه ولكنّه وافقهم في خطابهم، عليه تحمّل المسؤولية الشخصية عن صياغاته لخطابه، والحاصل أنّ مثل هذا النقد المتفق في منطوقه مع الدعاية الإسرائيلية، هو فعل "إباديّ للعقل وللأخلاق وللحرّيّة" وليس الموقف الرافض له!

ولكن يمكن الاستنتاج من هذه التناقضات، أنّ ذلك البعض يرى فلسطين عبئا، أو موضوعا غير قابل للحلّ، أو مسألة تضخمت بغير مبرر لتكون قضية، وأنّ على الفلسطينيين أن يدركوا أنهم "ليسوا محور الكون"، لنكون أمام خطاب ذبابيّ عام يقول: "فلسطين ليست قضيتي"!

* ملاحظة: كتبت أكثر من مادة تضمنت مراجعة للحسابات السياسية لعملية "طوفان الأقصى"، منها ورقة سياسات بعنوان "موقف حماس: الحرب وآثارها في الحركة ومستقبلها" منشورة في موقع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية في شباط/ فبراير 2024، أي تقريبا في مطالع الحرب، ومقالة مطولة أخيرة في "مجلة الدراسات الفلسطينية" الصادرة في كانون الثاني/ يناير 2025، بعنوان: "ظلال التاريخ وأشباح المستقبل: "حماس" والجهاد بعد طوفان الأقصى"، وغرض هذه الملاحظة القول إنّ رفض ذلك النقد المشار إليه في هذه المقالة، لا يعني رفضا للنقد المسؤول المتوخي للحقيقة والملتزم الصرامة العلمية والأخلاقية في قراءته النقدية.

x.com/sariorabi

مقالات مشابهة

  • هل حقا النقاش مقفل في طوفان الأقصى مفتوح في ردع العدوان؟!
  • الزناتى: حوار مفتوح حول نزع الألغام في المنطقة العربية بنقابة الصحفيين
  • دولة جديدة تستعد لتسيير رحلات جوية إلى سوريا
  • الزناتي: الشؤون الخارجية بنقابة الصحفيين تنظم حوارًا مفتوحًا حول "نزع الألغام في المنطقة العربية"
  • آخر التطورات في سوريا.. مطار دمشق يعود للعمل والخزانة الأمريكية توضح شروط التعامل مع الحكومة
  • ماكرون يعلن عزم فرنسا دعم العملية الانتقالية في سوريا على المدى الطويل
  • مدير مكتبه: العراق أبلغ سوريا برفض تركيا لأي حوار مع الأسد
  • مفتي سوريا الذي انتقد الأسد يعود إلى دمشق بعد نفي 13 عاما
  • عربي21 تنشر خارطة المقابر الجماعية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد (شاهد)