بولندا تبدأ معركة الدفاع عن أوروبا
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
في ظلّ سياق جيوسياسي شديد الانفجار على خلفية الحرب المُشتعلة على أبوابها، تستعد بولندا بقيادة ريئس وزرائها دونالد توسك لتولي قيادة أوروبا الغارقة في حالة من عدم اليقين، مع تعطّل المُحرّكين الفرنسي والألماني، والمخاوف من فك الارتباط العسكري لأوروبا مع واشنطن، بينما لا يزال الجيش الأوكراني يُعاني من التراجع في ساحة المعركة.
وفي مكتبه بوزارة الدفاع قلب وارسو، يعمل وزير الخارجية البولندي سيزاري تومشيك بهدوء يتناقض مع الملف المسؤول عنه، إذ كلّفه توسك، بالإشراف على بناء "الدرع الشرقي لأوروبا" الذي يتضمّن تعزيزات غير مسبوقة للبُنية التحتية الدفاعية على طول الحدود مع بيلاروسيا وجيب كالينينغراد الروسي، المشروع العسكري الضخم الذي تمّ إطلاقه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
تعزيز سيادة أوروبا وقدراتها الدفاعيةالصحافي والمحلل السياسي الفرنسي المُقيم في بولندا باتريس سينيكال، يرى أنّه مع غرق باريس وبرلين في الشلل السياسي الداخلي وتراجع تأثيرهما الدولي، تُحاول وارسو ترسيخ نفسها كلاعب رئيسي خاصة وأنّها باتت تتولّى رئاسة الاتحاد الأوروبي بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2025، وهو الدور الذي سيسمح لها بفرض أولوياتها المُتمثّلة في تعزيز سيادة أوروبا وقُدراتها الدفاعية، وتكثيف المُساعدات لأوكرانيا، وتسليح القارة في مواجهة التهديد الروسي خاصة بعد تلويح الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب بانسحاب بلاده من حلف الناتو.
من جهتها، تقول آنا باكزيسنياك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة فروتسواف البولندية، إنّه على الرغم من محدودية نطاقها، إلا أن زعامة بروكسل هذه "من وجهة نظر المصالح البولندية، ستكون مفيدة، بالتزامن مع ولاية ترامب، أو الانتخابات المبكرة في ألمانيا أو الجمود السياسي في فرنسا". لذا، وعلى النقيض من باريس وبرلين، تسعى بولندا، التي تتمتع بأغلبية حكومية مريحة، إلى ترسيخ نفسها باعتبارها لاعباً رئيسياً. وهي حليف مُخلص لكييف، وتُمثّل ثقلاً كبيراً في المُساعدات العسكرية، بما يتناسب مع اقتصادها، وكونها أرض المنفى لما يقرب من مليون لاجئ حرب. كما أنّ بولندا تُطالب بانضمام أوكرانيا سريعاً إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وتُعتبر الدولة الواقعة في أوروبا الوسطى، والتي يبلغ عدد سكانها 36.7 مليون نسمة، اليوم درع الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، إذ تُخصص جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، والذي سيصل إلى 4.7٪ لعام 2025، وهو ما عزّز من ثقلها الجيوسياسي. ومن الناحية الاقتصادية، لم تشهد بولندا قط أيّ ركود منذ عام 2004، مع ارتفاع ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 170%، بعد عشرين عاماً من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
تصاعد نفوذ وارسوومن الممكن أيضاً أن تؤدي نتائج الانتخابات الألمانية المقبلة، في فبراير (شباط) المقبل، إلى تعزيز دور بولندا، في حين يبدو المُستشار الجديد المُحتمل، المحافظ فريدريك ميرز، مؤيّداً ثابتاً لكييف. وهو مرشح يحظى بشعبية كبيرة في وارسو ويبتعد بشكل خاص عن موقف أولاف شولتز الذي يُماطل بشأن إرسال المُساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
برد مؤلم..روسيا تهدد بولندا وتُحذر ألمانيا - موقع 24هددت روسيا برد "مؤلم" على قرار وارسو إغلاق القنصلية الروسية في مدينة بوزنان، كما استدعت السفير الألماني احتجاجاً على إنشاء مقر إقليمي للقيادة البحرية لحلف شمال الأطلسي، في مدينة روستوك.وتُوضح ريناتا مينكوسكا نوركين، الأستاذة في جامعة وارسو، أن "شولز لم يكن أبداً من المُعجبين بدور أكبر لبولندا في الاتحاد الأوروبي، بل قام بتهميشها".
ولا يزال النفوذ المُتزايد لوارسو ملحوظاً على مدى السنوات الثلاث الماضية. وقد نجحت بولندا بالفعل في فرض وجهات نظرها على المستوى الأوروبي، وخاصة على جبهة الهجرة.
وستسمح الرئاسة الدورية أيضاً لدونالد توسك بتأكيد ضرورة أخرى مُهمّة بالنسبة له، وهي التحرر من وصاية الولايات المتحدة على خلفية التشكيك في صلابة حلف الأطلسي. ومن المتوقع أن تكون الأشهر القليلة المُقبلة صعبة، قبل نحو أسبوعين من تولّي ترامب منصبه، والذي تُهدّد مُخططاته بزعزعة العلاقات بين واشنطن وبروكسل.
وهناك رائحة أخرى للحرب، وهي تجارية تتربص بأوروبا، مع التهديد بفرض رسوم جمركية أمريكية صارمة، من المرجح أن تُثقل كاهل الاقتصاد الأوروبي المُتعثّر بالفعل. لكن أكثر ما تخشاه وارسو مع قدوم ترامب هو احتمال وقف إطلاق النار بشكل سريع غير مُواتي لكييف، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لموسكو باستعادة قوتها وتجديد الهجوم في غضون بضع سنوات.
صحيفة "لو موند" رأت في افتتاحيتها أن بولندا تلعب اليوم دوراً حاسماً في لوجستيات المُساعدات لأوكرانيا، وتعمل بمفردها على تحصين حدودها الشرقية، التي تُشكّل حصن أوروبا ضد الخطر القادم من الشرق. وتلائم تطوّرات اليوم بولندا، التي تجني ثمار ديناميكيتها الاقتصادية وتستثمر مبالغ قياسية في ميزانيتها الدفاعية، وهو الجهد الذي سيُطلب من الدول الأوروبية الأخرى القيام به مع وصول ترامب إلى السلطة في واشنطن.
ومن المُفارقات التاريخية، أن بولندا تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في لحظة خاصة، حيث أصبحت فرنسا وألمانيا، المُحرّكان الرئيسان لأوروبا، ضعيفتين بسبب الصعوبات الداخلية التي تواجههما. وصحيح أن دونالد توسك يعلم جيداً أنه لن يتمكن من العمل بشكل مُفيد بدونهما، ولكن هذا الوضع غير المسبوق يُقدم أيضاً لبولندا فرصة تاريخية لإظهار نُضجها وقوّتها.
ويؤكّد على ذلك، الصحافي والمحلل السياسي الفرنسي جاكوب إيوانيوك المختص بقضايا أوروبا الوسطى والشرقية، إذ يرى أن بولندا تخطط لأن تُصبح "الدرع الشرقي" لأوروبا. وقد بدأت البلاد في تطوير مُثير للإعجاب لبُنيتها التحتية الدفاعية على الحدود مع روسيا وبيلاروسيا، وهو ما يُعزّز من خطط وارسو لبناء أول جيش برّي في أوروبا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية بولندا أوكرانيا أوروبا ترامب بولندا أوروبا أوكرانيا ترامب الاتحاد الأوروبی الم ساعدات بولندا ت التی ت من الم
إقرأ أيضاً:
مصر والاتحاد الأوروبي يختتمان مفاوضات انضمام القاهرة إلى برنامج البحث والابتكار
اختتم الاتحاد الأوروبي ومصر بنجاح مفاوضات انضمام مصر إلى برنامج «هورايزون أوروبا» (أفق أوروبا) وهو برنامج الاتحاد الأوروبي الرائد لتمويل البحث والابتكار.
وذكرت سفارة الإتحاد الأوروبى بالقاهرة، فى بيان اليوم الخميس، أن الاتفاقية وقعت بالأحرف الأولى في بروكسل بحضور مفوضة الشركات الناشئة والبحث والابتكار، إيكاترينا زاخارييفا، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، محمد أيمن عاشور.
ورحبت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى مصر، أنجلينا آيخهورست، ترحيبًا حارًا بانضمام مصر إلى برنامج «هورايزون أوروبا»، وهو البرنامج الإطاري للاتحاد الأوروبي للبحث والابتكار.
واعتبرت أن هذه الخطوة تمثل إنجازًا هامًا في التعاون طويل الأمد والشراكة الاستراتيجية الحالية بين الجانبين.. مذكرة بأن هذا العام يصادف الذكرى العشرين لاتفاقية التعاون البحثي والابتكاري بين الاتحاد الأوروبي ومصر، المُوقّعة عام 2005.
وأضافت أن انضمام مصر إلى البرنامج يؤكد التزامنا المُشترك بتعزيز التعاون في مجال البحث والابتكار.
وأشارت السفيرة آيخهورست إلى أن مصر تزخر بالباحثين والمبتكرين الموهوبين، لسنوات عديدة، تعاون الباحثون المصريون والأوروبيون من خلال برامج إطار عمل الاتحاد الأوروبي للبحث والابتكار، ونحن قادرون على تحقيق المزيد.
وأوضحت انه بانضمام مصر إلى مبادرة هورايزون أوروبا، نفتح الباب أمام مزيد من التعاون في معالجة القضايا المشتركة، مثل الطاقة، وتغير المناخ، وإدارة المياه، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، والهجرة، وغيرها.
وأكدت أن هذا الارتباط الوثيق سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ونتطلع إلى مواصلة التعاون من خلال مبادرة هورايزون أوروبا.
يُعدّ الانضمام إلى «هورايزون أوروبا» أقرب أشكال التعاون الدولي في مجال البحث والابتكار مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، وسيتيح للباحثين المصريين الوصول إلى مرافق بحثية عالمية المستوى في أوروبا.
ويُعدّ «هورايزون أوروبا» أكبر برنامج بحث وابتكار للاتحاد الأوروبي على الإطلاق، بميزانية قدرها 95.5 مليار يورو للفترة 2021-2027.
كما يُعدّ «هورايزون أوروبا» أكثر برامج البحث والابتكار انفتاحًا على مستوى العالم، حيث يتيح التعاون الفعال بين الشركات والمجتمع المدني والمؤسسات البحثية والأكاديمية.
ومن المتوقع توقيع الاتفاقية بحلول نوفمبر 2025، في انتظار الموافقات النهائية من كلا الطرفين، وستُطبق الترتيبات الانتقالية اعتبارًا من 10 أبريل 2025، مما سيسمح للكيانات المصرية بالتقدم بطلبات للحصول على منح دراسية، وأن تُعامل كـ«كيانات مؤهلة» مُنشأة في دولة مُنتسبة لبرنامج «أفق أوروبا» لتنفيذ الميزانية من عام 2025 فصاعدًا.