سوريا الجديدة.. تحولات إقليمية تربك حسابات القاهرة
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
يشكل وصول إسلاميين إلى السلطة في سوريا، عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، مصدر قلق كبير لمصر، خاصة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تولي رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الحكم، والذي جاء بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة "الإخوان المسلمين".
وظلت القاهرة تدعم بشار الأسد حتى اللحظات الأخيرة من حكمه، ومع تولي "هيئة تحرير الشام"، التي كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم "القاعدة"، السلطة في سوريا منذ 8 كانون الأول / ديسمبر، تجد مصر نفسها أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية ويثير تساؤلات حول تأثير الإسلاميين على المنطقة
في الوقت الذي سارعت فيه دول عربية إلى فتح قنوات اتصال مع الإدارة الجديدة في دمشق، اتخذت مصر موقفاً أكثر تحفظاً، وأظهرت القاهرة حذراً واضحاً، إذ انتظر وزير الخارجية المصري ثلاثة أسابيع قبل أن يُجري أول اتصال بنظيره السوري الجديد، داعياً إلى عملية انتقال سياسي شاملة.
ويرى السيسي أن وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا يشكل تهديداً مزدوجاً، فمن جهة، تحمل "هيئة تحرير الشام" تاريخاً مرتبطاً بالتطرف، ومن جهة أخرى، يعيد هذا التطور ذكريات فترة حكم "الإخوان المسلمين" القصيرة في مصر، والتي انتهت بإزاحتهم من السلطة في عام 2013.
وقالت الباحثة ميريسا خورما من مركز ويلسون البحثي: "تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر يجعل أي صعود مماثل للإسلاميين في المنطقة مثيراً للقلق بالنسبة للقاهرة".
على الصعيد الداخلي، اتخذت مصر إجراءات سريعة بعد سقوط الأسد. تم اعتقال 30 سورياً في مصر كانوا يحتفلون بسقوط النظام السوري، بينما شددت السلطات القيود على منح تأشيرات الدخول للسوريين. ورافق ذلك حملة إعلامية صورت الوضع الجديد في سوريا كتهديد أمني محتمل لمصر، حيث بث التلفزيون الحكومي مشاهد تدريب عسكري وخطابات للسيسي تحذر من انتقال الفوضى إلى مصر.
يُضاف إلى المخاوف المصرية الدور التركي في دعم "هيئة تحرير الشام". تركيا، التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع جماعة "الإخوان المسلمين"، قد تصبح الحليف الأبرز للنظام الجديد في سوريا، مما يثير مخاوف القاهرة من أن تتحول دمشق إلى منصة لتعزيز النفوذ التركي في المنطقة. ورغم التحسن النسبي في العلاقات بين مصر وتركيا مؤخراً، إلا أن التنافس الإقليمي يظل عاملاً رئيسياً يؤثر على حسابات القاهرة.
لم تقتصر تداعيات سقوط الأسد على الداخل السوري فقط، بل امتدت لتشمل التوازن الجيوسياسي في المنطقة. إذ أدى هذا التحول إلى تقليص نفوذ إيران، الحليف الأقرب للأسد، مما قد يفتح المجال أمام لاعبين جدد، مثل تركيا وقطر. في هذا السياق، تسعى مصر إلى ضمان ألا يؤدي هذا التحول إلى تعزيز قوة الإسلاميين أو الهيمنة التركية.
بينما تعمل القاهرة على التعامل مع الواقع الجديد، تشدد على ضرورة تقاسم السلطة في سوريا، لمنع احتكار الإسلاميين للحكم. وترى الباحثة ميريت مبروك أن هذا الموقف يأتي ضمن استراتيجية مصرية أوسع تهدف إلى حماية مصالحها الإقليمية وتجنب أي تصعيد قد يؤثر على استقرارها الداخلي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية سوريا المصري السيسي هيئة تحرير الشام سوريا مصر السيسي الاخوان المسلمين هيئة تحرير الشام المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمین السلطة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة.. التحدّي الاقتصادي قد يُخرج الأمور عن السيطرة
في عملية استثنائية في كل المقاييس، استطاعت المعارضة السورية الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي محقّقة انتصاراً مبهراً بأقل الخسائر الممكنة مع تفادي تدمير واسع وممنهج للبلاد أو إراقة للدماء او فتنة طائفية أو عرقية. تمّ التعامل مع الأحداث بمسؤولية عالية وحكمة فريدة غالبا ما تُفتقد في العالم العربي والإسلامي، وتمّ فتح الباب أمام عمليات تسوية أوضاع لأنصار نظام الأسد، ومد اليد للمصالحة مع من لم يتورطوا بسفك الدماء، ذلك من موقف القوّة وليس الضعف.
لكن الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.
خلال الأسبوع المنصرم، نصبت عصابة من فلول نظام الأسد المخلوع كمينا مسلّحاً في اللاذقية قتلت فيه 16 عنصرا من أفراد الأمن العام السوري، وذلك بالتزامن مع ازدياد التوترات الأمنيّة الملحوظة بعد إعلان الضابط السابق في جيش النظام المخلوع، غياث دلا، تأسيس ما سماه "المجلس العسكري لتحرير سوريا" الذي يضم عدد من قادة فلول عصابات النظام السابق مدعومة من إيران وأذرعها.
الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.عودة فلول النظام لاسيما من الأقلّية العلويّة لتنفيذ الكمائن في شمال شرق سوريا ضد قوات الأمن الرسمية، غالباً بتوظيف إيراني، ورفض ميليشيات "واي بي جي" الكردية حلّ نفسها واندماجها في الجيش الوطني السوري، ومواصلة تحدّي الحكومة السورية والسيطرة على جزء كبير من موارد البلاد الرئيسية يعدّ من التحديات الرئيسية في البلاد.
الاحتلال الإسرائيلي، وتحريض إسرائيل على الفتنة الداخلية من خلال ادعائها تبنّي بعض الأقليات في الجنوب والشمال كالدروز والأكراد يصّب في نفس الإطار ويخدم نفس الأهداف، لاسيما مع انفتاح بعض العناصر والجماعات التي تنتمي الى الأقليات المذكورة على الحصول على دعم من إسرائيل أو إيران أو أي طرف يريد أنّ يدعم، وهو امر لا يجب الاستهانة به.
وبموازاة ذلك، يفرض التحدّي الاقتصادي نفسه كأولوية على الحكومة السوريّة والسوريين جميعاً. بقاء العقوبات مع السماح ببعض الاستثناءات لا يغيّر الوضع بشكل كبير، وليس كافياً ليعطي سوريا الدفعة الاقتصادية التي تحتاجها في هذا التوقيت لإعادة لملمة البلاد. محاولة استثمار هذه العقوبات من قبل الدول الغربية كأداة للضغط او الابتزاز وإعادة رسم مسار سوريا المستقبلي من شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً، وان يعيد التنافس الدولي على سوريا الى الساحة مجدّداً مع ما يستتبع ذلك من حالة استقطاب وصراع عليها.
بعض الدول الخليجية التي كانت قد وعدت بارسال دعم اقتصادي الى سوريا الجديد تواجه أيضا مشكلة ان يتعارض ذلك مع العقوبات المفروضة من الجانب الأمريكي. عدم وصول الدعم سيشكّل عقبة كبيرة أمام جهود إستيعاب الوضع الاقتصادي والإجتماعي للسوريين. وإذا ما فشلت الحكومة من الناحية الاقتصادية، فلن ينفعها تحقيق أي تقدّم على المستوى السياسي والأمني، بل أنّ المتوقّع أنّه يؤدي التدهور الاقتصادي، إن حصل، الى تسريع وتيرة الإنهيار الأمني، الامر الذي قد يدفع الأمور للخروج عن السيطرة.
هناك جيوش من الموظفين في عدد من القطاعات الرئيسية في البلاد لن تكون قادرة على الاستمرار، وسيتسبب الوضع الاقتصادي في تململ شرائح واسعة من الشعب السوري، وهو ما سيزيد من زعزعة الوضع العام الذي لا يزال هشّاً، وقد ينعكس بالضرورة كذلك على الوضع السياسي والأمني في البلاد وسهّل للمجموعات الخارجة على القانون أو الانقلابين المحتملين إعادة ترتيب صفوفهم وكسب المزيد من الأتباع والأنصار لاسيما على خطوط الإنقسام الطائفية والإثنية التي يتم الاستثمار فيها من قبل المتضرّرين من سقوط نظام الأسد في شمال بلاد وجنوبها.
بينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة..
مثل هذا الوضع المحتمل قد يطرح علامات استفهام على مدى قدرة العناصر الأمنيّة على ضبط الوضع في مثل هذه الحالة في عموم البلاد، وقد تستغل القوى الخارجية التدهور الاقتصادي على الأرجح لتعزّز من تواجدها ونفوذها من خلال شراء الولاء أو نشر الفرقة. هذا السيناريو يعزّز من فرص زيادة النفوذ الإسرائيلي وعودة النفوذ الإيراني –وإن بشكل تعطيلي-، وسيكون هناك لائحة طويلة من الدول المتضررة على رأسها تركيا، وذلك الدول العربية التي سيكون لديها الكثير لتخسر.
وبينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة ذلك أنّه بغض النظر عن التقدّم الذي من الممكن إحرازه سياسياً وأمنيّاً خلال هذه المرحلة، فإنّه ما لم يتم التصدّي للوضع الاقتصادي بشكل عاجل وصحيح، فإنّه سيترك تأثيره المدمّر عاجلاً أم آجلا على باقي القطاعات والمستويات بما في ذلك المستوى السياسي والأمني في البلاد. ولذلك، فعلى الدول المستفيدة من التحوّل الذي حصل مع الإطاحة بنظام الأسد أن تدلو بدلوها، وأنّ تعزّز دورها في دعم سوريا مالياً وإقتصادياً لتحقيق الاستقرار المطلوب للدفع بالوضع السياسي والأمني قًدماً الى الامام.