البلاد اشتاقت لكم.. مدير معبر حدودي يجيب عن أسئلة الوصول إلى سوريا
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
كانت لافتة منذ الأيام الأولى لسقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا، تلك الطوابير الطويلة من السيارات المزدحمة على المعابر الحدودية، والأفواج الغفيرة من السوريين العائدين يسوقهم الحنين إلى وطن حُرموا منه سنين طويلة.
عند مرورنا به، لم يكن معبر نصيب الحدودي السوري مع الأردن كما تكون الحدود عادة. آثار الخراب تحاصر عيون الوافدين، ورفات النظام البائد لم يوارها التراب بعد، ومن بين معالم الدمار تنبت براعم خضراء باسمة، تحييك ببشاشة تسحر الألباب، وتناولك جواز سفرك بعد التدقيق فيه، مرحبة بك في "وطنك".
"وطنك" هذا الذي كنت قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي لا تدخله إلا وقلبك يخفق من الرعب، خشية أن تكشف سجلات الحدود أنك مطلوب لأحد فروع النظام الأمنية. هذه المرّة، نظر إلينا الضابط وتساءل وهو يضحك: ماذا فعلتما حتى تطلبكما كل هذه الفروع الأمنية؟ فتبادلنا الضحكات وقلنا له: كنا صحفيين فقط!.
المسافرون وعناصر الأمن والموظفون، جميعهم يتبادلون التهاني والتبريكات وقصص الغربة الطويلة، ويلتقطون الصور ويتجاذبون أطراف الحديث كأنهم أصدقاء التقوا بعد غياب طويل، وفي الأرجاء علامات ترميم لبعض المباني، وصبغ لبعض الجدران، وصهريج ماء يغسل الطريق، وعمال ينظفون هنا وهناك. الحركة سلسة لا يعوقها شيء، ولا ينظّمها شيء أيضا، لكنّ البهجة تغمر الجميع.
إعلانطلبنا من أحد الضباط أن نلتقي مدير المعبر لنجري معه حوارا، فرحّب بذلك، وما هي إلا بضع دقائق حتى جلسنا إلى طالب الدكتوراه في القانون الدولي خالد محمد البراد، مدير معبر نصيب الحدودي الذي كان ببشاشة من قبله ولطفه، فحدّثنا عن المعبر وجهود تحسين العمل فيه، ووضّح لنا القواعد والإجراءات التي تهمّ الراغبين في دخول سوريا، وسلّط الضوء على بعض التفاصيل الجمركية.
فبيّن البراد أن نحو 700 موظف يعملون الآن في معبر نصيب، ما بين أمانة الجمارك، وإدارة الهجرة والجوازات، والقائمين على الأمن والسلامة، وأن متوسط العائدين إلى سوريا من هذا المعبر يبلغ نحو 3 آلاف عابر يوميا، وأنهم يعملون على تجهيز نظام عبور واحد لجميع المعابر الحدودية والموانئ البحرية، وأن من المتوقع قريبا إصدار نشرة جمركية موحدة لجميع المعابر البرية والبحرية، تراعي السياسة الاقتصادية، وغير ذلك مما ذكره في الحوار الآتي:
خلال الأيام القليلة الماضية، بدأنا العمل في معبر نصيب الحدودي بداية كان الاتجاه الأول والتركيز الأساس على تجهيز البنية التحتية اللائقة لخدمة أهلنا القادمين إلى سوريا، وذلك لأن البنية التحتية كانت غير مجهزة، بل كانت عبارة عن هياكل معدة فقط لابتزاز الناس واستغلالهم، فالصالات والطرق غير مجهزة، حتى الأماكن التي يفترض بها تقديم خدمة لأهلنا كانت لا تصلح قط.
لذلك من البداية، كان التوجيه من السيد المدير العام للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية بتجهيز البنية التحتية لتقديم أفضل خدمة لأهلنا، لأن الأصل بهذه المراكز الحدودية والمرافق أن تقدم خدمة لائقة بأهلنا وتشعرهم بانتمائهم لهذا الوطن.
كان فتح الحدود متدرجا. البداية كانت بالحركة التجارية بين الطرفين، سواء بدخول الشحنات إلى سوريا لتغذية السوق الاستهلاكية أو حتى للعبور عبر سوريا، ثم انتقلنا للمرحلة الأخرى المتعلقة بالمسافرين.
وقد احتجنا لإنجاز ذلك العمل عبر مراحل متدرجة، والسبب هو ثقافة العصابة الكيبتاغونية التي كانت موجودة وأغرقت البلد الشقيق الجار بالكيبتاغون وأنواع أخرى من التصدير، سواء تصدير الإرهاب أو السلاح أو ما إلى ذلك. لكن الحمد لله، كان هناك تعاون وثيق جدا وتجاوب من السلطات الأردنية، ورأينا هذا الأمر من خلال عدة إجراءات، انتهت إلى السماح بوصول أهلنا أصحاب الإقامات في دول الخليج إلى سوريا عبر الأردن وعودتهم كذلك.
ونحن دائمًا نحاول أن نؤكد على أن البلد بحاجة جميع أبنائها في هذه المرحلة وبهذه اللحظات. البلد بحاجة أبنائها، بحاجة كفاءتهم العلمية، بحاجة إضافتهم. ودائما كما نؤكد، اشتاقت لكم البلد. البلد خلال الفترة الماضية كانت تحس بغربة، والبلد بحاجة جميع أبنائها في هذه اللحظات.
إعلان هل هناك إجراءات مطلوبة من السوريين الراغبين في العودة إلى سوريا؟الإجراءات هنا بسيطة جدا، لا يوجد أي إجراء أو طلب لعبور أهلنا إلى داخل سوريا. أما الراغبون بالاتجاه من سوريا إلى الأردن، فهناك بعض الشروط المطلوبة، كأن يكون المسافر حاملا لوثيقة إقامة في إحدى دول الخليج حتى يسمح له بالعبور ترانزيت عبر الأردن، أو أن يكون حاملا لجواز سفر أجنبي.
عندما يدخل أهلنا السوريون إلى البلد، فهم يدخلون إلى بيتهم. ولا يحتاج الإنسان لأي إجراء أو لأي شرط لدخول بيته، فهو مرحّب به في بيته دائما، ووجودنا هنا فقط لتقديم أفضل خدمة.
ماذا عن السجلات الأمنية وقوائم المطلوبين للنظام السابق؟بالنسبة للسجلات والقيود الأمنية المسجلة على الأفراد أثناء مرورهم في معبر نصيب الحدودي، فإن كل القيود أو المراجعات المفروضة لدواع سياسية أو أمنية، تعتبر ملغاة وساقطة في الأساس، وليس لها أي اعتبار، لكن يتم النظر فيها من جانب استرشادي خشية أن يكون بعض الأفراد مرتبطين بقضايا جنائية أو أمور متعلقة بحقوق الغير فقط.
حتى تاريخ اللحظة، لدينا نحو 700 موظف في معبر نصيب، ما بين العاملين في أمانة الجمارك، وإدارة الهجرة والجوازات، والعاملين القائمين على الأمن والسلامة.
بشكل يومي، يمرّ بالمعبر قرابة 3 آلاف إلى 3500 عائد إلى سوريا، ويمكن أن نقول إن متوسط العائدين يوميا نحو 3 آلاف عابر من معبر نصيب.
هل من قواعد أو اشتراطات على عبور المنظمات الإنسانية والإغاثية؟ وما مدى الأمان في الوصول من الحدود إلى المدن السورية؟بالنسبة لعبور الطواقم والمنظمات الإنسانية، فلا يوجد أي اشتراطات لذلك، وهناك تسهيل كامل جدا لعبورهم.
إعلانوالوضع الأمني جيد جدا بفضل الله عز وجل، ولا يوجد أي هاجس أو خطر. والحمد لله رب العالمين، القوات الأمنية ووزارة الداخلية أخذت دورها من اليوم الأول بعد التحرير، لذلك فالأمور منضبطة إلى حد كبير جدا.
كيف تتعاملون مع الرسوم الجمركية، وهل يتوقع إجراء تغييرات فيها قريبا؟تم إسقاط 17 رسما جمركيا إضافيا غير متعلق بالرسوم الأساسية. فعلى سبيل المثال، كان هناك رسم اسمه "رسم الضميمة"، مفروض على سلع مختلفة مثل ألواح الطاقة الشمسية، وكان يبلغ 92% من قيمة الرسم الأساسي. الآن تم إسقاطه بشكل مباشر لينعكس الأمر على السوق الداخلي، بالإضافة إلى رسوم أخرى تم إسقاطها مباشرة.
وستوضع قريبا -خلال أسبوع إن شاء الله- نشرة جمركية موحدة عبر المعابر البرية والبحرية، تراعي السياسة الاقتصادية.
نحن الآن نقوم على تجهيز نظام عبور واحد لجميع المعابر الحدودية والموانئ البحرية، وهذا يتم العمل عليه في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بإشراف السيد المدير العام شخصيا بالإضافة إلى مجلس الإدارة. وفي القريب العاجل إن شاء الله، ستكون هناك إجراءات واحدة للعبور من جميع المنافذ البرية والموانئ البحرية والمطارات.
كذلك الأمر بالنسبة للرسوم الجمركية التي ستكون موحدة من جميع المنافذ، ولن تكون الرسوم نفس الرسوم الموضوعة في العهد السابق البائد، بل ستكون رسوما جيدة تراعي احتياجات المواطن وقدرته وحاجات الاستهلاك في السوق الداخلي، وتراعي في نفس الوقت الصناعات المحلية.
هل تحبون أن تضيفوا شيئا؟كرسالة أخيرة عن طريقكم، أحبّ أن أتوجه إلى جميع أبناء البلد المغتربين في شتى دول العالم: البلاد الآن بأمس الحاجة لكم، بأمس الحاجة لكفاءاتكم، وقد اشتاقت لكم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات معبر نصیب الحدودی البریة والبحریة إلى سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة.. التحدّي الاقتصادي قد يُخرج الأمور عن السيطرة
في عملية استثنائية في كل المقاييس، استطاعت المعارضة السورية الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي محقّقة انتصاراً مبهراً بأقل الخسائر الممكنة مع تفادي تدمير واسع وممنهج للبلاد أو إراقة للدماء او فتنة طائفية أو عرقية. تمّ التعامل مع الأحداث بمسؤولية عالية وحكمة فريدة غالبا ما تُفتقد في العالم العربي والإسلامي، وتمّ فتح الباب أمام عمليات تسوية أوضاع لأنصار نظام الأسد، ومد اليد للمصالحة مع من لم يتورطوا بسفك الدماء، ذلك من موقف القوّة وليس الضعف.
لكن الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.
خلال الأسبوع المنصرم، نصبت عصابة من فلول نظام الأسد المخلوع كمينا مسلّحاً في اللاذقية قتلت فيه 16 عنصرا من أفراد الأمن العام السوري، وذلك بالتزامن مع ازدياد التوترات الأمنيّة الملحوظة بعد إعلان الضابط السابق في جيش النظام المخلوع، غياث دلا، تأسيس ما سماه "المجلس العسكري لتحرير سوريا" الذي يضم عدد من قادة فلول عصابات النظام السابق مدعومة من إيران وأذرعها.
الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.عودة فلول النظام لاسيما من الأقلّية العلويّة لتنفيذ الكمائن في شمال شرق سوريا ضد قوات الأمن الرسمية، غالباً بتوظيف إيراني، ورفض ميليشيات "واي بي جي" الكردية حلّ نفسها واندماجها في الجيش الوطني السوري، ومواصلة تحدّي الحكومة السورية والسيطرة على جزء كبير من موارد البلاد الرئيسية يعدّ من التحديات الرئيسية في البلاد.
الاحتلال الإسرائيلي، وتحريض إسرائيل على الفتنة الداخلية من خلال ادعائها تبنّي بعض الأقليات في الجنوب والشمال كالدروز والأكراد يصّب في نفس الإطار ويخدم نفس الأهداف، لاسيما مع انفتاح بعض العناصر والجماعات التي تنتمي الى الأقليات المذكورة على الحصول على دعم من إسرائيل أو إيران أو أي طرف يريد أنّ يدعم، وهو امر لا يجب الاستهانة به.
وبموازاة ذلك، يفرض التحدّي الاقتصادي نفسه كأولوية على الحكومة السوريّة والسوريين جميعاً. بقاء العقوبات مع السماح ببعض الاستثناءات لا يغيّر الوضع بشكل كبير، وليس كافياً ليعطي سوريا الدفعة الاقتصادية التي تحتاجها في هذا التوقيت لإعادة لملمة البلاد. محاولة استثمار هذه العقوبات من قبل الدول الغربية كأداة للضغط او الابتزاز وإعادة رسم مسار سوريا المستقبلي من شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً، وان يعيد التنافس الدولي على سوريا الى الساحة مجدّداً مع ما يستتبع ذلك من حالة استقطاب وصراع عليها.
بعض الدول الخليجية التي كانت قد وعدت بارسال دعم اقتصادي الى سوريا الجديد تواجه أيضا مشكلة ان يتعارض ذلك مع العقوبات المفروضة من الجانب الأمريكي. عدم وصول الدعم سيشكّل عقبة كبيرة أمام جهود إستيعاب الوضع الاقتصادي والإجتماعي للسوريين. وإذا ما فشلت الحكومة من الناحية الاقتصادية، فلن ينفعها تحقيق أي تقدّم على المستوى السياسي والأمني، بل أنّ المتوقّع أنّه يؤدي التدهور الاقتصادي، إن حصل، الى تسريع وتيرة الإنهيار الأمني، الامر الذي قد يدفع الأمور للخروج عن السيطرة.
هناك جيوش من الموظفين في عدد من القطاعات الرئيسية في البلاد لن تكون قادرة على الاستمرار، وسيتسبب الوضع الاقتصادي في تململ شرائح واسعة من الشعب السوري، وهو ما سيزيد من زعزعة الوضع العام الذي لا يزال هشّاً، وقد ينعكس بالضرورة كذلك على الوضع السياسي والأمني في البلاد وسهّل للمجموعات الخارجة على القانون أو الانقلابين المحتملين إعادة ترتيب صفوفهم وكسب المزيد من الأتباع والأنصار لاسيما على خطوط الإنقسام الطائفية والإثنية التي يتم الاستثمار فيها من قبل المتضرّرين من سقوط نظام الأسد في شمال بلاد وجنوبها.
بينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة..
مثل هذا الوضع المحتمل قد يطرح علامات استفهام على مدى قدرة العناصر الأمنيّة على ضبط الوضع في مثل هذه الحالة في عموم البلاد، وقد تستغل القوى الخارجية التدهور الاقتصادي على الأرجح لتعزّز من تواجدها ونفوذها من خلال شراء الولاء أو نشر الفرقة. هذا السيناريو يعزّز من فرص زيادة النفوذ الإسرائيلي وعودة النفوذ الإيراني –وإن بشكل تعطيلي-، وسيكون هناك لائحة طويلة من الدول المتضررة على رأسها تركيا، وذلك الدول العربية التي سيكون لديها الكثير لتخسر.
وبينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة ذلك أنّه بغض النظر عن التقدّم الذي من الممكن إحرازه سياسياً وأمنيّاً خلال هذه المرحلة، فإنّه ما لم يتم التصدّي للوضع الاقتصادي بشكل عاجل وصحيح، فإنّه سيترك تأثيره المدمّر عاجلاً أم آجلا على باقي القطاعات والمستويات بما في ذلك المستوى السياسي والأمني في البلاد. ولذلك، فعلى الدول المستفيدة من التحوّل الذي حصل مع الإطاحة بنظام الأسد أن تدلو بدلوها، وأنّ تعزّز دورها في دعم سوريا مالياً وإقتصادياً لتحقيق الاستقرار المطلوب للدفع بالوضع السياسي والأمني قًدماً الى الامام.