72 ساعة فاصلة قبل جلسة المفاجآت الانتخابية
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
يزداد الترقب لمسار التشاور في كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي يوم الخميس المقبل في الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأعلن أنها سوف تشهد جولات انتخاب متتابعة لحين انتخاب رئيس، في ظل زخم دبلوماسي مثّله وفدان سعودي وقطري، لا يبدو أنهما نجحا في التوصل إلى مرشح توافقي، وكان لافتاً كلام السفير المصري يوم أمس، حيث قال“بين كل المرشحين الآن بحسب ما نعلمه لا توجد أغلبية 86 صوتًا لأيّ من الأسماء المطروحة”، مشددًا على أنّ “الأمور قد تتغيّر”، وقال: “لا فيتو من الخماسية على اسم”.
وكتبت" النهار": زيارة الوفد السعودي إلى لبنان برئاسة الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان الذي غادر بيروت مساء أمس، كانت وسّعت باب الاحتمالات الإيجابية بانتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد في 9 الجاري، ولكن سرعان ما خف وهج التفاؤل على خلفية تداول معلومات بأن الفرحان حمل في جعبته احتمالين لرئاسة الجمهورية أحدهما قائد الجيش العماد جوزف عون، ولو لم يسمه علناً، والآخر يمكن أن يتبلور قبل الخميس. وتعددت الروايات في هذا الإطار بين نفي واسع من جميع الذين التقاهم الوفد السعودي أن يكون تحدث بالأسماء وبين تأكيده إيحاء بدعم انتخاب جوزف عون والذي اكتسب أهمية لا سيما بعد استقبال الأخير في الرياض. وبات مصير ترشيح عون المفتاح الحاسم لمسار خميس الاستحقاق بحيث يتوقف على بته مسار بقية الاحتمالات. وتحدثت معلومات عن رفض حاسم للثنائي الشيعي لانتخاب قائد الجيش بالذريعة التي يسوّقها رئيس مجلس النواب نبيه بري حول حاجة عون إلى تعديل دستوري. إلا أن الرواية الأكثر تداولاً أن تغييراً طرأ على المسار الانتخابي ربطاً بتغيير لحق بموقف حزب "القوات اللبنانية" من انتخاب قائد الجيش، وفق ما سرى من معطيات عن رسالة حملها النائب بيار بو عاصي إلى المملكة السعودية قبل أيام. ومع أن "القوات" نفت ذلك حول زيارة بو عاصي، إلا أنها لم تبدد ما تقوله مرجعيات رسمية. فهذه الأخيرة تتحدث عن تحوّل في موقف "القوات" ساهم عن قصد أو غير قصد في تقوية موقف بري من رفض ترشيح قائد الجيش، لا سيما وأن بري يوحي بدوره أنه لا يمكن انتخاب رئيس من دون موافقة قواتية بحيث لا يمكن الإتيان برئيس غصباً عنها، ولكن لا أن يكون الرئيس لها بمعنى رفض انتخاب رئيسها سمير جعجع، وفق ما ينقل زوار بري. ولكن تبيّن وفق معلومات موثوقة لـ"النهار" أن جعجع لن يتبنى ترشيح العماد جوزف عون إذا لم يحصل توافق جدي حوله لا سيما مع بري ومن يؤيدونه، وإلا لن يخاطر جعجع بخسارة كتلته لمرشحها من الدورة الأولى، وترك الآخرين يحضرون لمعركة الدورة الثانية، وما لم يحصل توافق على اسم آخر ستخوض القوات معركة مرشح الـ65 صوتاً مع حلفائها ولن تعلن اسمه إلا في الجلسة.
واذا رجحت كفة استبعاد دعم انتخاب العماد عون، فإن ذلك يفتح المجال أمام بروز أسماء أخرى قد تتطلب وقتاً إضافياً للاتفاق عليها في الوقت الذي تردد أن الوفد السعودي حمل كذلك إسم الوزير السابق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور كإسم آخر محتمل معروف من الخارج ويحظى بثقته كذلك، ويملك من العلاقات الدولية ما يسمح له بأن يقود عملية إعادة لبنان إلى موقعه الخارجي. ومع أن لا أسماء مرشحين بارزة أخرى تحظى حتى الآن بإمكان أن تحصل على نسبة الأصوات الكافية لانتخاب أحد أصحابها، فإن الخشية الكبيرة من حسابات ومصالح وربما بازارات تفتح على خلفية تطيير حظوظ أزعور أيضاً. والأيام القليلة المقبلة مفتوحة حتى الآن على سيناريوات متعددة. وسيعقد اجتماع للنواب المستقلين والتغييريين اليوم في منزل النائب غسان سكاف الذي نشط بقوة على كل الخطوط في الأيام الأخيرة.
وكتبت" الاخبار": اختصرت مصادر مطلعة زيارة الموفد السعودي بأنها هدفت إلى تثبيت أمرين:
الأول: ليس لدى اللجنة الخماسية سوى عون مرشحاً، وعلى القوى الداخلية إيجاد الآلية المناسبة لانتخابه.
الثاني: لا وجود لخطة بديلة مع حرص الموفد السعودي على إبلاغ كل من التقاهم بأن المدير العام للأمن العام يالإنابة، اللواء الياس البيسري، ليس محل ترحيب اللجنة الخماسية، وأن الدوحة تطرحه كبديل في حال فشل تمرير قائد الجيش. وأضاف: «بالنسبة إلينا، نحن لا نناور. البيسري مرفوض، وسيبلغكم الأميركيون بذلك»! وخلصت المصادر إلى أن الزيارة السعودية كان هدفها التمهيد للأميركيين كي يحسموا الجدل، إذ يعتقد السعوديون بأن واشنطن قادرة على إقناع بري وجعجع بقائد الجيش. وعليه، عملياً الجميع ينتظر هوكشتين الذي زار الرياض ليل أمس والتقى وزير الخارجية فيصل بن فرحان، بحضور يزيد بن فرحان، وأُعلن بعد اللقاء أن البحث جرى في «التطورات الإقليمية وخصوصاً على الساحة اللبنانية».
وكتبت" نداء الوطن"؛ الموفد السعودي يزيد الفرحان التقى في منزل السفير السعودي في اليرزة رئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، وكان لافتاً جداً مشاركة النائبة السابقة بهية الحريري في اللقاء، ما اعتبره مراقبون رسالةً في أكثر من اتجاه.
في معرض حركة الموفد السعودي قبل أن يغادِر بيروت عائداً الى المملكة حيث شارك في اجتماع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والموفد الأميركي الى لبنان آموس هوكستين في الرياض، وتناول اللقاء التطورات الإقليمية الراهنة، بما فيها التطورات على الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها، اعتبرت مصادر سياسية مخضرمة أن الأسلوب الذي اعتمده الموفد السعودي، ولا سيما في لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، يُعتبَر ضربة معلم، لأنه، من جهة، أراد كشف كل الأوراق، ومن جهة ثانية، قطع الطريق على المناورة التي يمكن أن يعتمدها الرئيس بري، فمن خلال تسميته العماد جوزيف عون، فإنه أراد قطع الطريق على كل الاجتهادات والتحليلات والتوقعات، فبعد هذه التسميات، فإن الحرج سيكون سيد الموقف بعد إبلاغ المملكة رداً سلبياً من الثنائي الشيعي، فهل يتحمَّل لبنان نكسةً بهذا الحجم في العلاقات اللبنانية -السعودية؟ وهل تكون المملكة التي رعت اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، منذ أربعة وثلاثين عاماً، مستبعدة من التسوية المزمع التوصل إليها بالتزامن مع انتخاب رئيس للجمهورية؟
وافادت " البناء" أن زيارة المسؤول السعودي عن الملف اللبناني يزيد بن فرحان الى عين التينة ولقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري لم تذلل العقبات الداخلية أمام انتخاب الرئيس، بل إن التباعد لا يزال سيد الموقف، بانتظار مشاورات اليومين المقبلين. غير أن مصادر مواكبة للحراك الرئاسي لفتت الى أنه حتى الآن لا اتفاق على ملامح تسوية أو تفاهم وقد تبقى القوى السياسية ليوم الجلسة للإفصاح عن مرشحيها وربما لا يحصل اتفاق”، وأضافت المصادر: إذا بقي الوضع على ما هو عليه فإن انتخاب الرئيس في جلسة الخميس مستبعد.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن هذا الاسبوع يحدد البوصلة الرئاسية، واكدت إن الاتصالات تكثفت بشكل غير مسبوق وتستكمل من أجل انضاج الطبخة الرئاسية دون استبعاد فرضية سيناريو التأجيل ما لم تنجز هذه الطبخة.
وقالت إن الحراك السعودي بالشأن الرئاسي والذي يتقاطع مع الموقف الأميركي حول إتمام الاستحقاق الرئاسي بدا لافتا من حيث مضمونه ورأت ان نتيجة هذا الحراك يتظهَّر في الساعات المقبلة، معلنة ان الاعتبارات المحلية بدورها تتحكم بالمشهدية الرئاسية وبالتالي هناك أكثر من سيناريو مرتقب في جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل: إما توافق وخروج الدخان الأبيض أو تأجيل الجلسة، موضحة أن المفاجآت واردة وبروز مرشحين جدد يتم طرحهم وارد أيضا.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: رئیس مجلس النواب نبیه بری الموفد السعودی انتخاب رئیس قائد الجیش بن فرحان لا سیما
إقرأ أيضاً:
هناء قنديل تكتب.. معارك فاصلة غيرت مجرى التاريخ فى الشهر الفضيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يظل شهر رمضان المبارك شاهدا على أعظم لحظات التاريخ الإسلامي، ليس فقط باعتباره شهرا للصيام والقيام والروحانيات، بل أيضا كفصل حاسم فى سجل الانتصارات والإنجازات العظيمة التى رسمت ملامح الحضارة الإسلامية. فمنذ بزوغ فجر الإسلام، ارتبط رمضان بالفتوحات الكبرى، حيث كانت أيامه المباركة مسرحًا لمعارك خالدة قادها عظماء الأمة، لتتحول إلى محطات مفصلية غيرت مجرى التاريخ وأرست قواعد حضارة امتد أثرها إلى أقصى الأرض.
رمضان.. شهر النصر والعزيمةلم يكن رمضان شهرا للتعبد فقط، بل كان موعدا لانطلاق الجيوش الإسلامية، حيث سطر فيه المسلمون أعظم الانتصارات، وواجهوا التحديات بروحٍ تفيض بالإيمان والعزيمة. فمن غزوة بدر الكبرى، التى شكلت أول انتصار حاسم فى تاريخ الإسلام، إلى فتح مكة الذى مهّد الطريق لترسيخ دعائم الدولة الإسلامية، ثم إلى الفتوحات الإسلامية الكبرى التى امتدت شرقا وغربا ليبقى رمضان شاهدا على إصرار الأمة وقدرتها على تحقيق المستحيل.
لقد كانت هذه الانتصارات محطات فارقة لم تقتصر على ميادين القتال، بل امتدت إلى مختلف مجالات الحياة، حيث نشر المسلمون العلم والثقافة، وأسسوا دولا وحضارات قامت على العدل والمعرفة. كان رمضان شعلة مضيئة فى مسيرة التاريخ، ووقودا لمعارك لم تكن مجرد انتصارات عسكرية، بل كانت تحولات حضارية ساهمت فى بناء أممٍ وترسيخ قيمٍ خالدة.
إذا كان هناك انتصار ارتبط اسمه برمضان إلى الأبد، فهو فتح الأندلس، الذى كان من أعظم الأحداث التاريخية التى غيرت وجه العالم. ففى رمضان من عام ٩٢ هـ (٧١١ م)، عبر القائد المسلم طارق بن زياد البحر من المغرب إلى الأندلس، حاملاً لواء الإسلام إلى تلك الأرض التى كانت ترزح تحت حكم القوط. كان جيش المسلمين صغيرًا لا يتجاوز ١٢ ألف مقاتل، فى مواجهة جيش القوط الذى بلغ ١٠٠ ألف مقاتل، لكن الإيمان والعزيمة كانا سلاح المسلمين الذى لا يقهر.
وصل طارق إلى الساحل الجنوبى للأندلس، وألقى خطبته الشهيرة التى خلدها التاريخ، قائلًا: " البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر." كانت هذه الكلمات بمثابة شرارة أشعلت الحماسة فى قلوب جنوده، فانطلقوا بروحٍ لا تعرف التراجع، وحققوا نصرًا ساحقًا فى معركة وادى لكة، حيث لقى الملك القوطى الذى لقى حتفه، وبدأت الأندلس تفتح أبوابها للإسلام، لتتحول إلى واحدةٍ من أعظم مراكز الحضارة الإسلامية على مر العصور.
لم يكن فتح الأندلس مجرد انتصارٍ عسكري، بل كان بداية لعصرٍ جديد من العلم والازدهار. فبعد أن استتب الأمر للمسلمين، عملوا على بناء حضارة زاخرة بالعلوم والفنون والآداب، حيث أصبحت مدن مثل قرطبة، وغرناطة، وإشبيلية مراكز علمية وثقافية يقصدها طلاب العلم من شتى بقاع الأرض. لقد كانت الأندلس جسرا نقل علوم المسلمين إلى أوروبا، وأسهمت بشكل مباشر فى النهضة الأوروبية التى جاءت بعدها بقرون.
بعد الفتح، لم يكن طارق بن زياد مجرد قائد عسكري، بل كان أيضا رائدا فى إدارة شئون البلاد، حيث عمل مع قائده موسى بن نصير على تنظيم الأندلس وتحقيق الاستقرار فيها. وبفضل هذا الفتح، تحولت الأندلس إلى واحدة من أعظم الحضارات الإسلامية، حيث ازدهرت العلوم والفنون والثقافة الإسلامية لقرون طويلة.
على امتداد التاريخ، ظل رمضان شاهدًا على انتصارات الأمة، فلم يكن شهرا للراحة، بل كان شهر الإنجازات العظيمة. ففى غزوة بدر الكبرى (١٧ رمضان ٢ هـ)، انتصر المسلمون رغم قلة عددهم، حيث لم يتجاوزوا ٣١٣ مقاتلًا فى مواجهة جيش قريش الذى بلغ أكثر من ألف مقاتل. لكن العزيمة الصلبة والإيمان بالنصر جعلا هذه الغزوة نقطة تحول فى تاريخ الإسلام.
أما فتح مكة (رمضان ٨ هـ)، فكان إعلانا لانتصار الحق، حين دخل النبى محمد مكة فاتحا رافعا راية التسامح والعفو، حيث قال كلمته الخالدة لأهلها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء." كان هذا الفتح نموذجا فريدا فى تاريخ الفتوحات، حيث لم يكن فتحا بالسيف، بل بالرحمة والتسامح، لترسخ مبادئ الإسلام القائمة على العدل والمساواة.
وفى العصر الحديث، شهد رمضان نصر العاشر من رمضان (٦ أكتوبر ١٩٧٣)، حين عبر الجيش المصرى قناة السويس، محققًا أعظم انتصار عسكرى فى العصر الحديث، ليبرهن أن روح رمضان ما زالت تلهم الأجيال بصناعة المجد والانتصار.
دروس من رمضان والفتوحات الإسلامية
إن استعراض هذه المحطات التاريخية المضيئة فى رمضان، يثبت أن هذا الشهر لم يكن شهرًا للراحة، بل كان شهر البذل والعطاء والعمل الجاد. فهو موسمٌ لتجديد العزيمة وشحذ الهمم، وهو درسٌ خالدٌ يعلمنا أن الإرادة الصلبة والعقيدة الراسخة قادرتان على تغيير مجرى التاريخ.
ففى كل مرةٍ يقترب فيها شهر رمضان، تتجدد ذكرى هذه الفتوحات، وتبعث فى الأمة روح النصر، ليبقى رمضان مدرسةً للأجيال، تلهمهم بحكايات الأبطال الذين سطروا المجد فى صفحاته، ليظل دائمًا شهر الفتوحات وصناعة المجد.
يعد القائد المسلم سعد بن أبى وقاص أحد أبرز أبطال الإسلام الذين سجلوا أروع الانتصارات فى شهر رمضان. فهو القائد الذى تولى مسئولية فتح بلاد فارس، وقاد المسلمين فى واحدة من أعظم المعارك فى التاريخ الإسلامي: معركة القادسية، التى كانت بوابة سقوط الإمبراطورية الفارسية وانتصار الإسلام على واحدة من أقوى الإمبراطوريات فى ذلك العصر
كان سعد بن أبى وقاص من أوائل الذين أسلموا، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد كبار قادة الفتح الإسلامي. وقد أدرك أن النصر فى أى معركة لا يتحقق بالقوة المادية وحدها، بل يحتاج إلى إيمان قوي، ووحدة الصف، واستعداد نفسى وروحي، وهو ما عمل على تعزيزه بين جنوده قبل معركة القادسية، مستغلا روحانية شهر رمضان فى تحقيق ذلك.
بحلول عام ١٥ هـ (٦٣٦ م)، كان الإسلام قد انتشر فى الجزيرة العربية، وبدأ المسلمون يتطلعون إلى نشر رسالتهم خارجها. وقد شكلت الإمبراطورية الفارسية أحد أكبر التحديات أمام الدولة الإسلامية، حيث كانت تسيطر على العراق وبلاد فارس بقوة عسكرية ضخمة.
أدرك الفرس خطورة المسلمين، فحشدوا جيشا ضخما قوامه ١٢٠ ألف مقاتل بقيادة القائد الفارسى رستم فرخزاد، بينما لم يتجاوز عدد جيش المسلمين ٣٠ ألف مقاتل بقيادة سعد بن أبى وقاص وقبل المعركة، عمل سعد بن أبى وقاص على إعداد جيشه نفسيا وروحيا، حيث استغل أيام رمضان لتعزيز روح الجهاد والصبر فى نفوس المقاتلين. وكان يكثر من قراءة القرآن معهم، ويذكّرهم بمعارك المسلمين فى رمضان، مثل غزوة بدر.
كما حرص سعد على أن يكون جيشه موحدا ومتكاتفا، حيث أرسل رسائل إلى القبائل العربية لحثها على الانضمام إليه.
استمرت معركة القادسية لثلاثة أيام، حيث استخدم سعد بن أبى وقاص خططا حربية عبقرية، كان من أهمها على الإطلاق استدراج الفرس إلى القتال فى سهل القادسية، حيث فقدت قواتهم ميزة التفوق العددى واستخدام الإبل كحاجز طبيعى ضد فيلة الفرس، مما أدى إلى اضطراب صفوف الجيش الفارسى والهجوم الليلى المفاجئ، حيث استغل المسلمون ليلة اليوم الثالث من المعركة لشن هجوم خاطف أربك الفرس وأدى إلى مقتل قائدهم رستم، وهو ما أدى إلى انهيار معنويات الجيش الفارسى وهروبه من ساحة المعركة.
بعد انتصار المسلمين فى القادسية، أصبحت العراق تحت سيطرة المسلمين، وبدأت الإمبراطورية الفارسية فى الانهيار تدريجيا، حيث توالت الفتوحات الإسلامية حتى تم القضاء على الدولة الفارسية تمامًا فى معركة نهاوند عام ٢١ هـ.
دروس من القادسية.. رمضان شهر القوة والانتصار
الإيمان والصبر يصنعان النصر: كما صبر المسلمون فى بدر وفتح مكة، صبروا فى القادسية، فكان النصر حليفهم.
التخطيط الذكى أهم من القوة العددية: رغم التفوق العددى للفرس، إلا أن عبقرية سعد بن أبى وقاص قلبت موازين المعركة لصالح المسلمين.
يظل الخليفة المعتصم بالله العباسى أحد أبرز القادة المسلمين الذين كتبوا أسماءهم بحروفٍ من ذهب فى سجل الفتوحات الإسلامية، ويعد فتح عمورية من أهم إنجازاته العسكرية، حيث جاء ردا على نداء امرأة استنجدت به قائلةً: "وامعتصماه!" فلبى النداء بجيش جرّار، محققًا نصرا مجيدا أعاد للأمة الإسلامية هيبتها.
فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي)، كانت الدولة العباسية تمر بمرحلة من القوة والاستقرار، فى ظل حكم الخليفة أبى إسحاق المعتصم بالله (حكم ٢١٨-٢٢٧ هـ / ٨٣٣-٨٤٢م)، الذى تولى الخلافة بعد وفاة أخيه المأمون. كان المعتصم قائدا شجاعا وحاكما قويا، اهتم بتعزيز الجيش وتجنيد الجنود الأتراك، مما جعل جيشه من أقوى جيوش عصره.
فى تلك الفترة، كانت الإمبراطورية البيزنطية بقيادة الإمبراطور تيوفيلوس تحاول استعادة نفوذها فى مناطق الشام والأناضول، وشنت غارات متكررة على المدن الإسلامية. وفى عام ٢٢٣ هـ (٨٣٨ م)، قام الروم بمهاجمة مدينة زبطرة، الواقعة على الحدود الإسلامية، وارتكبوا فيها مجازر بشعة، وقتلوا الكثير من المسلمين، وسبوا النساء والأطفال.
يروى المؤرخون أن امرأة مسلمة أسرت فى غارة الروم على زبطرة، فتعرضت للإهانة من أحد الجنود البيزنطيين، فصرخت مستغيثة "وامعتصماه!" فوصل الخبر إلى الخليفة فى بغداد، فاشتعلت فيه روح الحمية والغيرة على الإسلام والمسلمين، وأقسم ألا يهدأ له بال حتى ينتقم للمسلمين وينتصر على الروم. وقال المعتصم حين سمع النداء: "لبيكِ أيتها الحرة!"، وبدأ يستعد لحملة عسكرية كبرى.
لم يكن رد المعتصم مجرد كلمات، بل أعد جيشا ضخما قوامه حوالى ١٠٠ ألف مقاتل، مدعومًا بأفضل الأسلحة والمعدات، وقسمه إلى فرق عسكرية متخصصة.
تحرك الجيش الإسلامى بقيادة المعتصم نحو الأناضول، وخاض عدة معارك صغيرة ضد الروم، إلى أن وصل إلى مدينة عمورية، التى كانت واحدة من أعظم الحصون البيزنطية، وكانت مسقط رأس الإمبراطور البيزنطى تيوفيلوس، مما جعلها هدفًا استراتيجيا بالغ الأهمية
وصل المعتصم إلى أسوار عمورية فى رمضان ٢٢٣ هـ (أغسطس ٨٣٨ م)، وضرب عليها حصارا شديدا، واستمر فى قصف المدينة بالمجانيق حتى انهارت أسوارها، فاقتحمها المسلمون وحققوا نصرا ساحقا.
كان سقوط عمورية ضربة موجعة للبيزنطيين، حيث دمر المسلمون تحصيناتها، وأسروا الآلاف من جنودها، واستعادوا هيبة الإسلام فى المنطقة. وإعادة الهيبة للدولة الإسلامية: أظهر المعتصم قوة الدولة العباسية، وأكد أن المسلمين لن يسكتوا عن أى اعتداء وأيضا كسر شوكة البيزنطيين و فقدت الإمبراطورية البيزنطية أحد أهم معاقلها العسكرية، مما أدى إلى تراجع قوتها أمام المسلمين وخلدت اسم المعتصم فى التاريخ وأصبح فتح عمورية مثالا يضرب فى سرعة الاستجابة لحماية المسلمين.