عربي21:
2025-01-07@15:30:33 GMT

صناعة رؤية ومستقبل الثورة السورية

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

دعوة للتفكر الشامل العميق وصولا إلى الحكمة والتبصر والقدرة على فهم أحدث أساليب الصراع التي تمارس عالميا على شعوب المنطقة فيما يسمى بالحرب الهجينة، ومن ثم القدرة على التدافع والصراع: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40)، وممارسة مكر المكر: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).



لزاما علينا أن ندع سكرة فرح التخلص من النظام البعثي، وغفلة الاستغراق في النوم والأحلام الأوهام ونستيقظ للتفكير والعمل الصحيح الواجب فعله، لأن الفرص الكبرى لا تتكرر في التاريخ البشري حتى لا نستفق فجأة على كارثة استراتيجية أخرى مثل:

1- الخدعة الكبرى لمراسلات حسين ماكماهون 1915م الخادعة والتي تضمنت عهودا بموافقة الحكومة البريطانية على الاعتراف باستقلال العرب بعد الحرب في القسم الآسيوي من الوطن العربي، في مقابل إشعال الشريف حسين الثورة العربية ضد الخليفة العثماني بدعوى أنه احتلال عثماني، ليتم بعدها تفكيك وإسقاط الخلافة وبداية الاحتلال العسكري الغربي للمنطقة.

2- اتفاقية اتفاقية سايكس بيكو في 1916 هي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، والتي لم تسمع بها الشعوب العربية وتدرك نتائجها إلا بعد أن تم تنفيذها واقعا مفروضا على الأرض.

3- نكسة 1967م والتي نتج عنها احتلال أراضي ثلاث دول عربية بالإضافة إلى احتلال القدس.

4- اتفاقية كامب ديفيد 1978م والتي ترتب عليها أول اعتراف عربي رسمي من أكبر دولة عربية -عمود خيمة العرب- اعتراف بالكيان المغتصب كدولة معترف بها رسميا، وضمنيا إعلان تفكك عقد الدول العربية وانفراط عقدها وبداية مرحلة التطبيع والتخاذل المهين والتبعية. وجميع الكوارث الأربع حقق منها المشروع الغربي وإسرائيل مكاسب استراتيجية متراكمة ومركبة، في حين نالت منها الدول العربية والأمة الإسلامية خسائر استراتيجية متتالية وانهيارات عميقة مركبة.

والغريب في الكوارث الأربع التي تمت في سياق الهيمنة الغربية على العالم؛ تم تسويقها على أنها ستحقق نتائج مبهرة لعرب.



قلب العالم

وفي سياق حال السيولة العسكرية والسياسية التي يعيشها العالم الآن لإعادة رسم خرائط منطقة قلب العالم، والتي تمتد من الحدود الروسية مع دول القوقاز شرقا مرورا بتركيا حتى دول البلقان جنوب شرق أوروبا، وجنوبا حتى بحر العرب ومرورا بجزيرة العرب والدول العربية في شمال أفريقيا، امتدادا إلى حدود الأطلسي عند نهاية الوطن العربي عند المغرب بما تمتلكه هذه المنطقة من عدة اعتبارات جيو استراتيجية تجعل من يمتلكها يمكنه السيطرة على العالم.

أ- موارد طبيعية من بترول وغاز ومعادن.

ب- الشبكة الرئيسية لخطوط الغاز والبترول العالمية.

ت- المياه الدافئة الصالحة للملاحة طول العالم.

ث- محور خطوط المواصلات العالمية بين الشرق والغرب.

ج- تحتوي على أهم أربع أحواض مائية كبرى: البحر الأحمر والأبيض وقزوين والأسود.

ح- قوة بشرية تمثل ثلث سكان العالم.

د- وحدة جغرافية ممتدة بكل هذه المساحة.

..حيث تُعد الطبخات العسكرية والسياسية بشكل متسارع لتشكيل خرائط جديدة ستعد الأساس للنظام العالمي الجديد الذي يتصارع عليه حلفان كبيران وحلف ثالث ناشئ؛ الحلف الأول أمريكا والدول الغربية والهند وباكستان، والحلف الثانى: الصين وروسيا وإيران، والحلف الثالث: تركيا التي تبدو وحيدة ومحايدة بين الحلفين وتسعى لأحياء تمددها ونفوذها التاريخي عبر استغلال الفراغات والفرص الناشئة والاستثمار فيها في القوقاز وشمال أفريقيا والبلقان وأخيرا في سوريا.

أولا: الأسئلة الكبرى المركبة

الأسئلة الواقعية التي يجب الإجابة عليها والاستعداد والعمل لتحقيقها، حتى لا تفرض علينا أجندات وقرارات خارجية مؤلمة، أسئلة المحطة التاريخية الحالية والتي أضع لها شعارا والتزاما "لا للهروب والعيش في سكرة فرحة التحرر، وأوهام التحرر وحلم البناء". مقصد وغاية هذه الأسئلة الكبرى هو فهم الواقع الدولي والإقليمي لفك شفرة ومستقبل الثورة السورية والمنطقة، والتحول من المفعول به سياسيا إلى المشارك الفاعل في رسم خرائط المنطقة وتشكل النظام العالمي الجديد.

أمامنا ثمانية أسئلة كبرى لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد الإجابة على الأسئلة الصغرى وعددها ثلاثون سؤالا، حيث سيتم تجميع إجابات الاسئلة الكبرى من حصيلة فهم إجابات الأسئلة الصغرى:

س1: كيف نحافظ على المكاسب التي تحققت في الحالة السورية؟

تصنع الشعوب الساعية للتحرر نموذجها الخاص (الأفكار والمسارات والخطط الاستراتجية) للعودة إلى دينها وهويتها الإسلامية الاصيلة الراسخة للتحرر من الاستبداد العالمي والمحلي وبناء حكم راشد لدولها الجديدة.

س 2: ما مراحل وشروط ومعايير التحرر وفق النموذج والمعايير الإسلامية، وليس مقاربة مع النماذج الغربية للثورة الفرنسة والأمريكية.. الخ؟

س 3: في ظل الواقع والتطلعات الدولية المتنوعة، والتحديات والفرص الحالية ما هي رؤيتنا لبناء الدولة السورية الجديدة؟ بمعنى السيناريوهات السورية الخاصة للشعب السوري وخريطة الطريق المقابلة لسيناريوهات القوى الفاعلة والمحركة للأحداث؟

س 4: ما هو النموذج السوري المبتكر للتحرر والبناء المناسب للواقع الإقليمي والدولي (المنطلقات والمبادئ- المقومات- السياسات- نظرية العمل- الاستراتيجية)؟

س 5: من نحن.. الشعب السوري وشعوب المنطقة؟

- مسلمون حقيقيون نفهم الإسلام النبوي والراشد الأول ونحمل رسالة الإسلام للعالمين للتحرر من ربقة الكفر والاستبداد والطغيان العالمي، لتكون كلمة الله تعالى هي العليا رحمة للعاملين، ولسنا دعاة دول قوية ذات قوة وسيادة واستقلالية وتنمية وأمن واستقرار فقط، كأساس لأمة إسلامية واحدة تعيد للإنسان قيمه وكرامته وحريته، وللعالم عدالته، وأمنه، واستقراره.

- مسلمون مستضعفون على هامش الحياة مع الاحتفاظ ببعض مظاهر الهوية الإسلامية الظاهرة، والتخلي عن الهوية الإسلامية العميقة، ونرضى بالذل والهوان والتهديد المستمر تحت سلطة النظام العالمي الأمريكي العلماني اللاديني المحارب لديننا ولكل الأديان.

- مسلمون علمانيون ليبراليون مشركون ملحدون اشتراكيون.. الخ.. مزيج مُبتدع لضمان العيش المسمى "حضاري" آمن ومستقر نسبيا تحت سلطة وسيادة النظام العالمي، مع الاحتفاظ بالمسموح به من الهوية الإسلامية الظاهرة.



س 6: ما علاقة الدولة السورية الجديدة بالإسلام؟

أ- عقيدة ومقصد ومصدر ومرجعية ومعيار؛ الدولة تقوم بالدين ولرعاية الدين

ب- محايد.

ت- توظيف ما يناسب منه لتحقيق مصالح النظام والدولة؛ بمعنى عقيدة المصلحة لا التوحيد.

ث- استخدامه كمكون هام في صناعة مزيج ثقافي معاصر يناسب العصر ويقبل من النظام العالمي.

- لا شك في أن ما تحقق في سوريا ما هو إلا أحد ارتدادات طوفان الأقصى وما قُدمت فيه من تضحيات وثمن ليقظة ووعي وتحولات جديدة يجب أن تتم في المنطقة والعالم لتشكل العالم الجديد.

س 7: ما هو الإطار العام فقط والملامح الأساسية للمشروع الإسلامي العالمي وما هي مرحلته الحالية ومراحله التالية؟

س 8: ما المهمة التاريخية لهذا الجيل من الشعب السوري بنخبه وتنظيماته الدينية والفكرية والسياسية والمذهبية المتنوعة لترسيخ التحرر الحقيقي الذي يمكن المحافظة عليه واستكمال البناء عليه من المشاريع التنفيذية:

أولا: القصيرة ومتوسطة الاجل التي تتطلبها اعتبارات اللحظة التاريخية التحولية الحالية ومحدودية الجاهزية النفسية والفكرية والمادية الناتجة عن طول فترة الاستبداد والتهجير.

ثانيا: الطويلة الاجل التي تتطلب اعداد استراتيجي كبير، ومناهج عمل جديدة تتطلب التحول من التنظيم إلى الدولة، ومن العمل السري إلى العمل العلني الطبيعي في مجتمع حر ومفتوح للجميع وفق قواعد العمل المؤسسي الحديث والحوكمة الإدارية والسياسة.

ثانيا: الأسئلة الصغرى البسيطة


س1: ما هي المشاريع العالمية الجارية لإعادة تشكل العالم؟

س2: ما موقع المنطقة العربية وسوريا في المشاريع العالمية الكبرى؟

س3: ما القوى الفاعلة التي شاركت في القضاء على نظام الأسد وجيش سوريا (القوى المحركة)؟

س4: ما هي الدول الخاسرة والمستفيدة من ذهاب نظام الأسد؟

س5: من المستفيد والمتضرر من اكتمال نجاح الثورة السورية وتشكل نموذج جديد للتحرر من الاستبداد وبناء دولة مدنية حرة حديثة بمرجعية إسلامية؟

س 6: لماذا قامت إسرائيل بتدمير كافة مقومات الجيش السوري؟

س 7: لماذا خرجت القوات الروسية وتوجهت إلى ليبيا ومالي؟

س 8: أين ذهبت ركائز نظام الأسد (مخابرات وامن وقادة الجيش ورجال المال والاقتصاد)؟

س 9: لماذا تم تفكيك وتفريغ الدولة العميقة لنظام الأسد، كجزء من سيناريو التحرر؟

س 10: ما هي مصالح وأولويات كل من أمريكا تركيا وإسرائيل وأوروبا في سوريا؟

س 11: ما الخسائر الاستراتيجية لكل من إيران وروسيا نتيجة خروجهما من سوريا؟

س 12: ما موقف الصين من التحرر السوري؟

س 13: ما التطلعات والسيناريوهات الأمريكية الغربية الإسرائيلية المتوقعة خلال الأعوام الثلاثة القادمة؟

س 14: ما التطلعات والسيناريوهات التركية المتوقعة خلال السنوات الأربع القادمة؟

س 15: ما التطلعات والسيناريوهات الإيرانية الروسية المتوقعة خلال السنوات الثلاث القادمة؟

س 16: ما السيناريوهات الثلاثة المتوقعة لسوريا خلال السنوات الخمس القادمة؟

س 17: ما هي ضمانات استمرار ونجاح نظام أحمد الشرع؟

س 18: ما هي الفرصة التاريخية والمقدرات والضمانات المتاحة لبناء سوريا الجديدة الان؟

س 19: ما التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه بناء سوريا الجديدة الآن؟

س 20: ما تصورات العلاقة القادمة بالنظام الدولي -الأمريكي العلماني- اللادينى المحارب للإسلام الصحيح؟

أ- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه لضمان الوجود ورفع العقوبات والتعاون الدائم.

ب- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه لضمان الوجود ورفع العقوبات والتعاون والتحرر المتدرج منه.

ت- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه لضمان الوجود ورفع العقوبات والتعاون مع إدخال بعض التحسينات التكميلية الخاصة.

ث- التمرد عليه جزئيا والتعاون مع تركيا وصناعة علاقات وتوازنات مع الصين وروسيا.

ج- التمرد عليه كلية والاعتماد على الذات والتعاون مع تركيا.

س 21: ما نموذج الدولة والحكم الأفضل لسوريا الآن (مدني بمرجعية إسلامية- إسلامي راشد- ديمقراطي- ديمقراطي راشد- أخرى)؟

س 22: ما هي هوية الدولة السورية الجديدة؟

أ- وطنية جامعة لكل السوريين على قاعدة الوطن (جغرافيا وتاريخ ولغة).

ب- إسلامية حاضنة لكل المكونات غير الإسلامية، على قاعدة الدين وأحكامه والعقد الاجتماعي.

ت- علمانية حاضنة للإسلام.

ث- عولمة في فلك المشروع الأمريكي والتطبيع (لا دينية).

ج- أخرى.

س 23: ما هو المقوم الجوهر الأساس الذي تمكن من توحيد وحشد كافة قوميات الجنس البشري في هوية واحدة، وتعايش منظم آمن مستقر لأطول فترة زمنية في تاريخ البشرية؟

س 24: ماذا يعني الانشغال بالتفاصيل دون الكليات، وبالاستغراق في الإجابة على الأسئلة الصغرى وتجاهل والقفز والهروب من الأسئلة الكبرى لأنها صعبة ومؤلمة ومُكلفة؟

س 25: من ثوابت العقيدة السياسية الأمريكية صناعة وإشعال الأزمات وإداراتها والمحافظة على اشتعالها وتضخيمها، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الأمريكية المستمرة والدائمة لأطول فترة زمنية ممكنة، كما أن من أهم مقررات العقيدة العسكرية الأمريكية أن تحارب وتحقق أهدافها عبر حلفاء، أو شركاء، أو وكلاء، أو وسطاء، بعلمهم أو بدون علمهم وبمقابل وبدون مقابل. وتلكم من فنون الحرب الهجينة وعلوم المفاهيم وقيادة البشر.

والسؤال هو: ما أهم دلالات إدارة وتحولات الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري منذ بداية الثورة في 2011 وحتى الآن (كانون الثاني/ يناير 2025م)؟

س 26: إلى أي مدى يمكن أن يصل صراع الإرادات والمصالح بين أمريكا وتركيا على الأرض السورية، وارتداداته على الدولة السورية الوليدة، في سياق العلاقة الاستراتيجية الصلبة بين الولايات المتحدة وتركيا وعبر كل الأحزاب السياسية المتعاقبة على حكم تركيا، وأهمها وأولها العدالة والتنمية؟

س 27: ما الفجوة المفاهيمية والعقائدية والسياسية بين الدولة الإسلامية الراشدة بالمفهوم والنموذج النبوي والخلافة الراشدة حتى عام 35 هجري، وبين النظام الديمقراطي الغربي اللاديني، تمهيدا للبحث في إمكانية إنتاج صيغة إسلامية من عدمه؟

س 28: ما مفردات العقيدة العسكرية لهيئة التحرير التي ستكون بمثابة النواة الجوهر للجيش السوري الجديد، ومقوماتها المفاهيمية الأساسية التي تجيب على أسئلة العداء والتحالف والحرب والسلم.. الخ؟

س 29: ما هو الجوهر الأساس والأصل، والعارض التابع في صناعة تحولات المنطقة كتحالفات ودول وقوى وقدرات.. الخ؛ قادرة على إنجاز تحولات في المشهد السوري في الشهور والسنوات القادمة؟

س 30: كيف نتحول كقيادة سورية من المؤقت المجهول اللاإرادي، إلى الثابت الراسخ المعلوم الإرادي تحت السيطرة؟

خاتمة: إجابة الأسئلة الفرعية ستمنحنا فهمها شاملا عميقا للواقع، وتمنحنا القوة المعرفية للإجابة على الأسئلة الكبرى التي ستمنحنا القدرة على تصميم السيناريوهات المتوقعة من القوى المتحكمة في المنطقة، ورسم سيناريوهات سورية خالصة للتعاطي مع كل ما يمكن حدوثه خلال الشهور والسنوات الخمس القادمة، وبذلك نكون قد امتلكنا مشروعا سوريّا خالص في سياق رؤية إقليمية وعالمية واعية.

في المقال القادم نتناول السيناريوهات الثلاثة للقوى الكبرى الفاعلة في المشهد السوري والسيناريوهات السورية الواجبة في التعاطي معها، ومن ثم واجبات الإعداد على المدى القصير والمتوسط كحد أدنى للمحافظة على ما تحقق من إنجازات حتى الآن، ومهام واجبات المرحلة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة سوريا سيناريو سوريا ثورة سيناريو مستقبل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام العالمی الدولة السوریة نظام الأسد فی سیاق

إقرأ أيضاً:

هل يعيد نجاح الثورة السورية الوهج إلى الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟

مثل انتصار الثوار السوريين بقيادة هيئة تحرير الشام في إسقاط نظام الأسد نقطة تحول كبرى في التاريخ السياسي المعاصر لسوريا، وربما في المنطقة برمتها، إذ يتوقع أن تكون له تبعات كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي حيث سيؤدي هذا إلى تغييرات في توازن القوى، وسيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا والمنطقة ككل.

وتعود أهمية سقوط نظام البعث الحاكم في سوريا منذ ستة عقود، ليس لأهمية البعث في ذاته، وإنما لحجم الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، مند أواخر سبعينيات القرن الماضي حتى سقوطه يوم الثامن من كانون أول / ديسمبر الماضي..

ويتزامن هذا التطور المفصلي في تاريخ المنطقة العربية مع استمرار حرب الإبادة التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول / أكتوبر 2023، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ومئات الآلاف من المهجرين والنازحين، فضلا عن تدمير نحو 90 بالمائة من البنية التحتية للقطاع.

الوزير التونسي السابق الكاتب والباحث في الشأن السياسي أحمد قعلول، يقرأ، في هذه الورقة التي أعدها خصيصا لـ "عربي21"، حدث الثورة السورية الذي فاجأ الجميع في لحظة تاريخية مفاجئة وتمكن من إنجاز حلم راود السوريين على مدى أجيال، وتداعياته الإقليمية..

الرابحون والخاسرون

من الصعب الحديث عن رابحين وخاسرين في هذه المرحلة المتقلبة، فالسوريون مازالوا في أيامهم الأولى لطي صفحة سوداء من حكم الاستبداد، وغالبيتهم تضرروا من ذلك العهد وإن بنسب متفاوتة..

الإسلام السني:

مثلت المملكة العربية السعودية لعقود طويلة الدولة الراعية للإسلام السني ثم إنها ما لبثت أن تخلت عن هذا الدور. وقد استثمرت إيران هذا الفراغ للتقدم لملئه ونجحت في مهمتها لحد بعيد، بل تقدمت لتصبح صاحبة نفوذ في العديد من العواصم العربية. وربما كانت دمشق إحدى هذه العواصم التي اتكأت عليها إيران في توسيع نفوذها ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي المنطقة العربية بشكل عام.

ولذلك مثل سقوط نظام بشار الأسد ضربة قاسمة، لا أقول للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بالنظر للموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به سوريا، وإنما لنموذج "محور المقاومة" وإضعافا لجاذبية الإسلام الإيراني.

والحقيقة أنه لو لم يحصل هذا لكانت كتائب حزب الله والحشد الشيعي منتشرة في جميع الدول العربية بما هي نموذج المقاومة والتحرر وذلك حتى بعد هزيمة حزب الله في لبنان.

مثل السمت المعتدل الذي بدا عليه "أحمد الشرع" وسماحة هيئة تحرير الشام في تحريرها لدمشق وبقية المدن السورية التي سيطرت عليها إحياء لجاذبية الإسلام السني الذي شوهته الجماعات الإسلامية المتطرفة خاصة منها تنظيمي القاعدة وداعش. ومثل دعم تركيا وقطر للثورة السورية بروز قيادات جديدة للإسلام السني فقدتها منذ تخلت السعودية عن هذا الدور.

ستكون معركة الرمزيات مساحة محورية للصراع في المرحلة القريبة المقبلة خاصة مع تقدم الكيان الصهيوني بمقولات الديانة الإبراهيمية وما ماثلها من سياسات ثقافية تغرق فيها الإمارات العربية المتحدة خاصة وإلى حد ما المملكة العربية السعودية، وإن كان خروج إيران من سوريا يمثل نوعا من الانتصار للسعودية بما أن خصمها الأساسي قد انحسر عن مساحة وعمق استراتيجي للمملكة ولمصر وهو ما يفسح المجال للمملكة مع تركيا وقطر لاستعادة موقع ما لقيادة الإسلام السني في العالم.

مقابل ذلك نقدر أن العمل على تشويه هذه الصورة من خلال البروباغندا والتشويه والتعتيم وارتكاب الجرائم ونشر الشائعات سيكون مسارا لعله بدأ، ويهدف لخلط وتيئيس المسلمين من أنفسهم ومن قدرتهم على الانتصار وتشكيكا في قناعاتهم في هويتهم الدينية وقيمهم الإنسانية.

الإسلام السياسي:

تمثل الحركات الإسلامية أحزابا وهيئات في العالم العربي خاصة والإسلامي عموما، العنوان الأساسي للافتة "الإسلام السياسي".

وبغض النظر عن طبيعة الإجابة عن السؤال المتعلق بأحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، فإن الصورة في غالبها تصف هيئة تحرير الشام من خلال خلفيتها المنتسبة للإسلام السياسي العنيف في تاريخه أكان ذلك تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة "داعش". واضح كذلك بأن مقاربة هيئة تحرير الشام فاجأت الجميع من حيث تكذيبها للتوقعات وتقديمها لصورة معتدلة ومستوعبة للمختلف وبعيدة كل البعد عن الراديكالية الثورية.

على أهمية الحدث الأفغاني وانتصار طالبان إلا أنه يصعب تصنيف طالبان كجزء من الإسلام السياسي بالمعنى الحديث، ومع ذلك وبأخذ الحدث الأفغاني بعين الاعتبار فإن موقع الرقعة السورية أهم بكثير بالنسبة للعالم من أفغانستان على أهميتها كقطعة استراتيجية في آسيا، في حين أن سوريا تعتبر بوابة استراتيجية ليس فقط في الشرق الأوسط، بل محورا للتداخل الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. يمثل سقوط الأسد على يد هيئة تحرير الشام عودة جذرية للإسلام السياسي في إحدى تعبيراته وقد جاءت في مشهد انتصاري وبمضمون قيمي معتدل ومتسامح بما مثل انتصارا كبيرا للإسلام السياسي.

إننا في سوريا بإزاء تجربة إسلامية مغايرة تماما عن سابقاتها، فزعيم هيئة تحرير الشام الذي تحول في فترة وجيزة من مطارد من أقوى دولة في العالم إلى شريك سياسي يتم امتحانه، ويقدم حتى الآن خطابا سياسيا وفكريا ناضجا ومستوعبا لتحديات بلاده والمنطقة والعالم، وهو ما يسمح لنا بتوقع اختراقات كبيرة في تنزيل الإسلام كتجربة في قيادة الدولة أولا من طرف جيل إسلامي شاب، تعلم من أخطاء أسلافه، وهو جيل تقابله الأيادي الممدودة من طرف القوى الدولية الكبرى، كل لأهدافه.ويأتي هذا المشهد في مرحلة يتصاعد فيها التوجه لتجريم الإسلام السياسي في كل صوره وخاصة الإخوانية، إذ تعتبر العديد من الدول الإخوان التوجه الإسلامي الأساسي الذي يقف حجر عثرة أمام مسار تطبيع وجود الكيان الصهيوني في المنطقة ومن جهة أخرى فقد حكم عليه بالفشل بعد موجات الثورة المضادة التي كانت تونس آخر حلقاتها.

ضمن هذه الأجواء يأتي الحدث السوري ليفتح الباب لقلب المعادلة، إذ بدأنا نسمع للعديد من الخبراء والعقول المفكرة للدول الغربية حديثا عن "الجولاني" (أحمد الشرع) كونه تغير واقترب من الصورة المعتدلة للإسلام الاخواني أو القطري، وعادة ما يأتي هذا الحديث في إطار النظر في فرصة التعامل معه بما أنه ابتعد عن الصورة الداعشية أو عن تنظيم القاعدة وتحول لإسلام براغماتي منفتح على التعامل مع الجميع ومهتم بالقضايا الداخلية لسوريا بعيدا عن الرسالة الكونية لداعش والقاعدة.

المهم في هذا السياق الجديد كونه يفتح الباب لإعادة التقييم والحساب بخصوص التعامل مع الإسلام السياسي ومع مكوناته في صورته الإخوانية.

كما يفتح الباب لمكوناته للتفكير في سياساته تجاه الحدث السوري بما يدعمه ويقوي دينامياته في المنطقة بما هي دينامية تخدم مصالحه وأهدافه التي يشتغل عليها.

ومن جهة أخرى فإن هذه الدينامية تفتح الباب لعدد من الفاعلين لمحاولة تشويش الصورة بحيث يتم العمل على بروباغندا وربما أعمال إرهابية تنسب لأحمد الشرع ولهيئة تحرير الشام من أجل تضخيم صورة الجولاني ذو الخلفية الداعشية على صورة أحمد الشرع الحامل لمضمون معتدل.

كما أن المتوقع أن يتم العمل على إحياء شياطين الأمس (الدواعش) خاصة وأن السجون السورية تحوي عشرات الآلاف من المقاتلين المنتمين لداعش بالإضافة للمجموعات المسلحة الأخرى المرعية من قبل بعض دول الإقليم والكيان الصهيوني والتي يصعب أن تقبل بصعود الإسلام من جديد في رقعة أساسية من المنظومة العربية خاصة وقد تم الانقلاب عليهم في رقع أخرى أو إضعافهم على أدنى تقدير.

لذلك فإنه من المتوقع أن تسعى القوى المضادة للثورة لوسمها بالإرهاب وربما لاختراقها وتوريط بعض الأطراف داخلها في أعمال إرهابية وذلك من أجل تأليب العالم عليها وإضعاف قدرة الجهات والدول الداعمة لها سعيا منها لعزلها ثم تفكيكها.

سيتم استعمال ورقة رفعها من قائمة التصنيف كورقة ضغط من أجل فرض سياسات عليها وتنازلات عليها تضعفها أو تفككها.

كما سيتم الضغط على "أحمد الشرع" للابتعاد أكثر ما أمكن عن المكون الاخواني للإسلام السياسي وربما الدخول معه في صراع، سيكون من الصعب أن تستوعب الساحة السورية مكونا سياسيا واجتماعيا له قدرات تنظيمية عالية وعريقة وعصبية فكرية صلبة وقوية مع تنظيم سياسي ليس له هذه الأصول وله القدرة على احتكار العنف ومؤسسات الدولة.

والراجح ان تستعمل ورقة تمويل إعادة الاعمار كأداة ضغط من مثل هذه الأطراف الغربية منها أو العربية، إذ تبقى حركة الاخوان بالنسبة لهذه المكونات العنصر الأخطر في المعادلة الإسلامية خاصة بالنظر لارتباطها بالقضية الفلسطينية وبالنظر لقدرة تنظيم الاخوان على الصمود وإنتاج النخب.

يواجه الإسلام السياسي من خلال مكوناته الحزبية تحديات جدية بخصوص كيفية إعادة تعريف رهاناته وعرضه السياسي على مجتمعاته (بين أن يتقدم كقوة سياسية هي الأقدر على الانتصار ديمقراطيا على بقية المكونات السياسية في العالم العربي وتهميشهم بما يدفعهم لاعتبار أن الديمقراطية هي التي فتحت الباب للإسلاميين كي يحكموا، وبين فتح باب الأحزاب الإسلامية لكل المكونات الوطنية على أساس أرضية الديمقراطية والحرية بحيث يكون الإسلام السياسي رافعة للنخب بغض النظر عن خلفياتها ما يوسع من قاعدة المنتصرين للديمقراطية ويخفف من العناد لاستقرار الديمقراطية في الدول العربية).

وقد تم امتحان مقولات الإسلام السياسي في العديد من الساحات القطرية وخاصة في دول الربيع العربي أو التجربة السودانية، وكذلك تجربة حركة حماس في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.

وتبين كل هذه التجارب أن الشعوب العربية تعاقب بسبب اختيارها الحر للإسلام.

وفي حال تمكنت القضية الفلسطينية من تحقيق انتصار كبير على مستوى القيم الإنسانية في جميع دول العالم مع اختلاف الأعراق والديانات، وبالنظر لثراء تاريخ الحضارة الإسلامية في كل جغرافيته وخاصة الشام والعراق الأمر الذي يسمح بوراثة كل هذا التنوع الذي يروج له كسبب للفرقة والتفكك في سوريا، فإن هناك فرصة حقيقية للإسلام والإسلاميين لتقديم نموذج أرحب وأكثر سماحة في طريقة إدارته للشأن العام متحررا من قيود الدولة القومية الحديثة وحدودها الطائفية والعرقية العنصرية.

تبقى الإشارة إلى أننا في سوريا بإزاء تجربة إسلامية مغايرة تماما عن سابقاتها، فزعيم هيئة تحرير الشام الذي تحول في فترة وجيزة من مطارد من أقوى دولة في العالم إلى شريك سياسي يتم امتحانه، ويقدم حتى الآن خطابا سياسيا وفكريا ناضجا ومستوعبا لتحديات بلاده والمنطقة والعالم، وهو ما يسمح لنا بتوقع اختراقات كبيرة في تنزيل الإسلام كتجربة في قيادة الدولة أولا من طرف جيل إسلامي شاب، تعلم من أخطاء أسلافه، وهو جيل تقابله الأيادي الممدودة من طرف القوى الدولية الكبرى، كل لأهدافه.

تركيا وقطر:

يمكن القول إن تركيا وقطر من أبرز الأطراف الرابحة من الحدث السوري لهذه الاعتبارات:

ـ لا شك أن كلا من تركيا وقطر  كلاهما يعبر عن نظام مستقل عن الآخر ولكل واحد منهما مصالح مستقلة يدافع عنها وأن مصالح الدول يمكن أن تلتقي في مراحل كما يمكن أن تختلف كما يمكن أن تتطور إلى مصالح استراتيجية.

ـ تقف كل من دولة قطر وتركيا منذ قرابة العقد والنصف على نفس الأرضية الاستراتيجية.

فكلاهما اقترب من روح شعبيهما في علاقته بالإسلام وبالقضية الكبرى للمسلمين أي القضية الفلسطينية، وكلاهما تبنى مقاربة معتدلة للإسلام، وكلاهما يشتغل داخل المنظومة الغربية، فتركيا جزء من حلف الناتو وتستقر في قطر أحد أهم القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

ومع كل هذا وقفت كل من تركيا وقطر مع موجات الربيع العربي واستطاعتا التأقلم مع التغييرات الجذرية التي شهدتها دوله بفضل ثورات شعوب المنطقة. وقد تحملت كل من تركيا وقطر دفع ثمن مرتفع لمواقفهما بهذا الصدد على أن الدولتين لم تفقدا اتجاه البوصلة الأساسي بخصوص القضية الفلسطينية.

ـ يجمع أغلب المتابعين على اعتبار تركيا الرابح الأكبر من الحدث السوري وهناك من يمضي بعيدا باعتبارها المحرك الأساسي له.

وبغض النظر عن التفاصيل فإن العامل التركي والقطري تدخلا في الوقت المناسب أو الساعات المناسبة لجعل الحدث السوري ممكنا، كما أنهما أول من تحرك لدخول سوريا الجديدة حتى قبل توضح معالمها واستقرار أوضاعها وأسس دولتها. ولا شك أن هذا يعطيهما سبقا استراتيجيا في استثمار مكاسب الثورة السورية كما يحملهما عبئا إضافيا لخسائرها إن وقعت ولم يتم تجنبها.

يفتح هذا الحدث أفقا واسعا لتحقيق انتصار لأردوغان الذي يعاني من الأثمان الباهضة التي دفعها ويدفعها بسبب دعمه المباشر لثورات الربيع العربي ووقوفه ضد الانقلاب الذي حصل في مصر واستقباله لملايين اللاجئين السوريين، وواضح أنه لم يتردد في القيام بما يستوجبه الأفق الاستراتيجي السانح بفضل الثورة في سوريا وبفضل الفراغ الذي أحدثه تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.

كل هذا يسمح لتركيا ومعها قطر للعب دور إقليمي وحتى دولي مركزي ضمن تقاطع المصالح في المنطقة بما يساعدهما على تجاوز الأزمات التي عانتا منها في الفترة الماضية واستثمار صمودهما لصالحهما. واضح أنهما يتموقعان كل من جهته ضمن تقاطعات تسمح لهما بالمناورة من أجل ضمان الاستقرار المطلوب تحقيقه في سوريا.

ـ ومن الآفاق الممكن إنجازها العمل على تحقيق مصالحات في المنطقة تجنبا لانفجارات متوقعة.

ـ العمل على ضمان أن لا تكون هذه الانفجارات المتوقعة ضاربة للاستقرار في الدول التي يحصل فيها.

ـ كما يفسح المجال لكليهما لتحقيق مصالحات بين الدول العربية والإسلامية بداية من دول الخليج.

ـ لا شك أن ملف إعادة إعمار سوريا سيمثل فرصة كبيرة خاصة لكلا الدولتين كما يمكن أن يمثل رافعة للتفاوض مع العديد من الفاعلين الدوليين الذين يريدون أن يكون لهم سهم في هذه العملية.

ـ إن الإغراء بهذا الملف سيكون عاملا جديا في التخذيل عن مغريات إشاعة الفوضى والاضطراب في سوريا.

وهذا يعني أن العديد من الدول الأوروبية يمكن أن يفسح لها المجال في برنامج إعادة الإعمار، كما يمكن أن يكون للولايات المتحدة دورا مهما في هذا القطاع. هذا بالاضافة لفرصة العمالة المصرية مع سهم مناسب للملكة العربية السعودية.

إن الحدث السوري بقدر ما يمثل إشعارا بالخطر للنظام المصري، فإنه يمثل في نفس الوقت فرصة جدية لدخول الدولة المصرية في مصالحات داخلية تساعدها على استعادة دورها الإقليمي وتخرجها من حالة التهميش والتيه الذي تعاني منهـ يمثل هذا الملف فرصة جديدة لعودة تركيا من خلال مصر للملف السوداني، إذ من البين أن مصر وحدها غير قادرة على حسم معادلة الملف السوداني وأنها بأمس الحاجة لفك الحصار المضروب عليها من الجنوب (السودان).

ـ إن الحدث السوري بقدر ما يمثل إشعارا بالخطر للنظام المصري، فإنه يمثل في نفس الوقت فرصة جدية لدخول الدولة المصرية في مصالحات داخلية تساعدها على استعادة دورها الإقليمي وتخرجها من حالة التهميش والتيه الذي تعاني منه، ويمكن لدولة قطر وتركيا أن تقوما بدور في هذا الاتجاه، إذ أنه يعسر إن لم يكن من المستحيل أن يتواجد نظامان متناقضان في طبيعتهما في مصر وسوريا، ولذلك فان من أهم التحديات أو الرهانات التي يحسن العمل عليها تتمثل في العمل على فتح أفق اشتراك المصالح في التغيير في سوريا لصالح الدولة المصرية.

ـ كما يمكن لتركيا أن تلعب دور طمأنة الجانب المصري الذي لا شك أنه يخشى التوسع الروسي في الشرق الليبي بما يحفظ لمصر مصالحها في المنطقة وبما لا يجعل هذا التوسع خطوة إضافية لخنق الدولة المصرية، وهذا الدور ينطبق في ذات الوقت في العلاقة بالدولة الجزائرية.

هذا بالإضافة للمجال المفسوح لكل من قطر وتركيا للعب دور إيجابي في الملف الليبي بما يسمح باتخاذ خطوات في اتجاه تحريك أزمته نحو حل ممكن.

روسيا:

تعتبر العديد من التحاليل أن سقوط نظام بشار الحليف التقليدي لروسيا يمثل هزيمة قاسية لها خاصة وأن القوات الروسية مثلت العمود الفقري لصموده خلال السنوات الماضية وأن تخليها عن الدفاع عنه كان العامل الأساسي في سقوطه ولجوئه إليها.

إلا أن هذه الخسارة لا يمكن وصفها، بالخسارة الاستراتيجية بما أن موسكو حافظت على وجودها وقواعدها العسكرية في سوريا وخاصة قدرتها على الولوج للمياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط وبالتالي التحرك فيه وفي شمال إفريقيا ومنها منطقة جنوب الصحراء.

يمثل بقاء روسيا وإن في الحد الأدنى داخل سوريا ورقة بيد القيادة السورية الجديدة يمكن استعمالها في ميزان المفاوضات مع الفاعلين الدوليين.

ومع ذلك فإن روسيا لم تتردد في التحرك مباشرة لدعم وجودها في الشرق الليبي كورقة محتملة بديلة عن الخسارة التي تكبدتها في سوريا.

الراجح أن إيران لن تقبل بوضع الهزيمة وأنها ستحاول مثلها مثل روسيا استعادة نفوذها الاستراتيجي الذي يحميها من ضرورة الدفاع عن حدودها الداخلية، والأكيد كذلك أن هذا التوجه متوقع لدى القوى المحاربة لها والتي من المتوقع أن تسارع في اتخاذ خطوات أخرى لأجل محاصرة إيران في حدودها الداخلية ثم العمل على إضعاف نظامها من خلال التركيز على تناقضاته الداخلية.يمثل التحرك الروسي في اتجاه شرق ليبيا وسعيها للتوسع في منطقة جنوب الصحراء تحريكا إضافيا للصراع الدولي والإقليمي واقترابا من قلب البحر الأبيض المتوسط ومن غير المستبعد أن يدفع هذا بالولايات المتحدة وحلف الناتو للسعي لتثبيت وجود عسكري واضح في المنطقة أكان ذلك في الحدود التونسية أو داخل الحدود الليبية قريبا منها، والراجح أن تضغط واشنطن على حاكم تونس لقبول إقامة قاعدة في الحدود التونسية خاصة بالنظر للاتفاقية التي وقعها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وبالنظر كذلك لما أشار إليه سفيرها السابق "جووي هود" من أن علاقة الولايات المتحدة بتونس استراتيجية وأن تونس يمكن أن تكون قاعدة لتصدير الأمن لمنطقة جنوب الصحراء وبقية الدول الأفريقية.

كما يتسبب التحرك الروسي في اتجاه ليبيا إزعاجا لكل من الجانب الجزائري وكذلك المصري. فكلا الدولتين تعانيان من حالة اختناق، فمصر محاصرة من جميع الجهات تقريبا، ولم يبق للجزائر إلا جارتها الشرقية تونس.

ويتسبب التحرك الروسي للشرق الليبي أيضا في زيادة توتير العلاقة مع فرنسا التي يتراجع نفوذها الإفريقي بشكل متدرج، ولذلك فإن اقتراب روسيا لمثل هذا الحد يمثل كابوسا لصانعي القرار في باريس، وهو ما يجعل الجميع ينتظر ردة الفعل الأمريكية مع مجيء ترامب، وإن كان الراجح أن إدارة ترامب لن تعتبر هذا الوجود تهديدا استراتيجيا ولذلك ستتعامل معه ببراغماتية في إطار التعاون مع الشريك التركي، وإن كان هذا التعويل مزعجا للحليف الأوروبي، الذي يصعب عليه اتخاذ موقف استراتيجي متناقض مع سياسات الحليف الأمريكي، وذلك في المدى المنظور على الأقل.

وبالتالي فإن أوروبا ربما تجد نفسها مضطرة للقبول بأي تسوية مع روسيا للملف الأوكراني وإن على حساب أوكرانيا ما يسمح لها باستعادة علاقاتها التجارية معها خارج أجندة توسع حلف الناتو وهذا مسار ربما يأخذ وقتا لا يقل عن السنة.

إيران:

تمثل هزيمة بشار الأسد ضربة مؤلمة لإيران وانحسارا لنفوذها إذ ان هذه الضربة تعزلها عن أهم قاعدة لتزويد ذراعها العسكري الرئيس وأعني به حزب الله بالسلاح.

الراجح أن إيران لن تقبل بوضع الهزيمة وأنها ستحاول مثلها مثل روسيا استعادة نفوذها الاستراتيجي الذي يحميها من ضرورة الدفاع عن حدودها الداخلية، والأكيد كذلك أن هذا التوجه متوقع لدى القوى المحاربة لها والتي من المتوقع أن تسارع في اتخاذ خطوات أخرى لأجل محاصرة إيران في حدودها الداخلية ثم العمل على إضعاف نظامها من خلال التركيز على تناقضاته الداخلية.

إن الانتكاسة التي حصلت لإيران لا يقابلها إلا سعيها الحثيث لإتمام الخطوات اللازمة من أجل الإعلان عن امتلاك السلاح النووي، كل ذلك قبل استقرار الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما يعني أن الحكومة الإسرائيلية ربما ستكون مستعدة للمغامرة بالمبادرة باستهداف المنشآت الإيرانية في ذات السياق الانتقالي للإدارة الأمريكية.

وإذا حصلت خطوة من هذا النوع، لا سيما مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإنه من غير المعلوم مدى قدرة الدولة الإيرانية للرد عسكريا على إسرائيل..

ولذلك فإن هذه الهزيمة، إن جاز التعبير للدور الإيراني أو قل للمكانة الإيرانية في سوريا وتبعا لذلك في لبنان، بقدر ما هي مؤلمة لدولة إيران فإنها تمثل فرصة لعودتها عن العديد من السياسات التي جعلتها غريبة عن القضايا الاستراتيجية للأمة، ومن ذلك استثمارها للفراغ الذي حصل في العديد من أقطار العالم الاسلامي من أجل تحقيق اكتساح ذو طابع طائفي.

إقرأ أيضا: الثورة السورية الحدث والمآلات.. قراءة هادئة في تحول موازين القوى بالمنطقة

مقالات مشابهة

  • لأول مرّة في التاريخ.. «هانوي» أكثر المدن الكبرى تلوثاً في العالم
  • خبير: العالم ينتظر رؤية 100 ألف قطعة أثرية في افتتاح المتحف المصري الكبير
  • خبير: العالم ينتظر رؤية 100 ألف قطعة أثرية في افتتاح المتحف الكبير
  • هل يعيد نجاح الثورة السورية الوهج إلى الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟
  • أبوشامة: هيئة تحرير الشام مازالت تبحث عن رؤية سياسية للحوار الوطني السوري
  • محلل سياسي: هيئة تحرير الشام تبحث عن رؤية سياسية للحوار الوطني السوري
  • عراقتشي: الضربات التي توجّه إلى محور المقاومة لا تعني نصر الأعداء
  • الجزيرة ترصد معاناة ذوي المغيبين قسرا باللاذقية خلال الثورة السورية
  • المثقف السوداني بين دوائر الصراع وجذور الخلاص- رؤية ماركسية