حتى الساعة لم تستطع القيادة الإيرانية أن تصحوا من هول الصدمة بسقوط حليفها في دمشق بشار الأسد وخروجها من سوريا.. مما جعل تصريحاتها متخبطة وخارجة عن المألوف الدبلوماسي ، فمرشد الثورة علي خامينائي لا زال يردد بخاطاباته التحريضية أن سوريا “ستحرر” من جديد وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر بصورة أو بأخرى أن سوريا كانت تابعة لولايته .
ووزير خارجيته يتهدد ويتوعد بأن “المقاومة” ستعود بزمن قياسي إلى سوريا ، ولا أدري عن أي مقاومة يتحدث هذا الوزير ، تلك المقاومة التي دمرت طهران تحت عنوانها دولا عربية عديدة وقاتلت بالدم العربي وعلى الجغرافيا العربية من أجل الضغط على خصومها في الغرب للجلوس معها على طاولة المفاوضات من اجل مصالحها.
إيران تعلم تماما أنها خرجت من المنطقة بعدما حدث في لبنان وسوريا، والعراق بدأ يتململ نحو تفكيك العلاقة معها وإعادة تركيبها على أسس جديدة قائمة على استقلالية قرار العراق، وإغلاق الأبواب بوجه التدخلات الإيرانية وإنهاء الضغط على السياسة العراقية من خلال الميليشيات الموجودة هناك المرتبطة بإيران .
المهم أن أبواب المنطقة أغلقت بوجه طهران، وعليها أن تعيد تكييف علاقاتها مع دول وشعوب هذه المنطقة من بوابة حسن الجوار والعلاقة المتوازنة بين الدول بعيدا عن فكرة السيطرة والنفوذ وتصدير الثورة، هذا المفهوم الذي لم ينهك جيرانها فقط، بل أنهك الشعب الإيراني نفسه وخسر مئات المليارات على هذه المشاريع التي لم تأت على المنطقة إلا بالفوضى والخراب.
سوريا اليوم تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، بعد ثورة استمرت ١٤ عاما دفع خلالها السوريون ملايين من الشهداء والمعتقلين والمهجرين، وقد أصبحت اليوم على أبواب مرحلة التعافي وإعادة البناء بعد نصف قرن من حكم العصابات الأسدية، ويجب على السوريين ألا يسمحوا لأحد تخريب مشروعهم الوطني ذلك من خلال توحدهم الكامل حول مصلحتهم العليا وحفاظهم على وحدة الأراضي السورية ونبذ الطائفية والمذهبية والعرقية، فالجميع يجب أن يكون تحت العنوان الكبير، سوريا الواحدة، وإعادة بنائها واسترجاع دورها ومكانتها كدولة صاحبة قرار في مصيرها ومصير شعبها، و صاحبة قرار في أحداث المنطقة، فهي دولة كبيرة ذات إمكانيات هائلة تستطيع أن تكون فاعلة في محيطها العربي ومؤثرة على مسيرة قضاياها بعد أن تحررت من القبضة الإيرانية وأفلتت نفسها من مشروع “الهلال الشيعي”..
لقد عبثت إيران بمصير دول عربية كثيرة مثل لبنان واليمن سوريا، وحولتها إلى دول فاشلة، واليوم عليها أن تقتنع أن مشروعها في المنطقة قد فشل تماما، وعليها أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد، وتعيد تموضعها في المنطقة حتى تستطيع أن تكون دولة طبيعية يتعامل الجميع معها وتتخلى عن فكرة الاستكبار على جيرانها وتقديمهم قرابين من أجل مصالحها مع العالم الغربي…
الأهم في الملف السوري أن تزداد تراكمية الدعم العربي لسوريا على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية ومساعدتها كذلك في إعادة بناء جيشها الوطني ، بعهدها الجديد لتترسخ عودتها إلى محيطها العربي ويشعر السوريون بمتانة ظهرهم العربي حتى تغلق الأبواب أمام أي مشروع جديد يستهدف سوريا بدلا من المشروع الإيراني !!
محمد حسن التل – وكالة عمون الإخبارية
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مستقبل سوريا والدور العربي المطلوب
د. عبدالله الأشعل
هناك حقائق يجب أخذها في الاعتبار واهمها هى:
أولاً: أن سوريا تاريخيا في مركز العالم العربي والإسلامي، وهناك فرق بين الدولة السورية والحكم الذى يتولى الإدارة. لقد كانت دمشق عاصمة الأمويين لثمانية عقود وأعقبها الدولة العباسية وكان مركز الخلافة بغداد فلم تكن العراق أو إيران بعيدة عن سوريا في العصور الوسطى.
ولاتزال سوريا في مركز السياسة في المنطقة فكانت مع مصر منذ العصور الوسطى محكومة بحكومة مقرها اما في دمشق أو القاهرة. هي الوحدة التي قامت مع مصر هي الجمهورية العربية.
وسوريا عانت طويلاً من نظام كشف عن أنه قمع الشعب السوري بطريقة لا إنسانية.
ثانياً: أن نظام الأسد كان يُساند المقاومة ولذلك فإنَّ القوى التي أزاحته لغرض أساسي وهو تحويل سوريا عن مساندة المقاومة.
وليس الهدف مصلحة الشعب السوري أو إنقاذ السوريين من توحش النظام. خاصة وأن واشنطن تعتبر أن إزاحة نظام الأسد كسبا كبيرا لجهودها وهو تحويل سوريا للعمل ضد المقاومة بدليل أن واشنطن اشترطت على القيادة الجديدة إبعاد إيران وروسيا عن سوريا وهو هدف سعت واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما من العرب إلى فصل إيران عن سوريا لسبب بسيط وهو أن الثورة الإسلامية في إيران قامت منذ اليوم الأول معادية لأمريكا وإسرائيل.
أما التقارب الإيراني السوري فكان لأهداف كثيرة يهمني منها دعم المقاومة التي أسمتها واشنطن أذرع إيران في المنطقة. ويبدو أنَّ الأسد اعتقد أن توجهه القومي المعادي لإسرائيل والداعم للمقاومة يُبرر له أن يرتكب الجرائم علما بأنَّ حلفاءه إيران وروسيا وحزب الله لا علاقة لهم بجرائمه ولا يُمكن أن يتدخلوا في المساحة بينه وبين شعبه. فهم يساندون الدولة السورية وليس بالضرورة النظام السوري لكن من الصعب الفصل بين الدولة والنظام.
ثالثاً: الانطباع العام بأن النظام الجديد يحول سوريا عن المقاومة ولكن وزير خارجية الكويت وضع النقاط على الحروف فطالب النظام الجديد أن يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويتصدى للتجاوزات الإسرائيلية. وقد صدرت تصريحات في هذا الموضوع من القيادة الجديدة لا تطمئن على علاقته بإسرائيل. وكل الشواهد تشير إلى أنَّ النظام الجديد يتمتع برضى واشنطن وإسرائيل لدرجة أنَّ كثيرا من التحليلات في هذا المجال تقول إن إسرائيل نجحت في إزالة الأسد المناوئ لإسرائيل حتى في الحد الأدنى خاصة وأن إسرائيل اعترفت رسمياً بأنها انتصرت على المقاومة عن طريق إزالة نظام الأسد واستبداله بنظام ترضى عنه. كما أن واشنطن والاتحاد الأوروبي وعدوا برفع العقوبات عن سوريا ورفع الحركة من قوائم الإرهاب.
رابعاً: إذا كان العالم العربي خاصة مصر التي ساندت نظام الأسد رحب بالنظام الجديد، فإنِّه ترحيب دبلوماسي وليس سياسياً، وكان الاتحاد الأوروبي قد تحفظ بحذر بأنَّ العبرة ليست بالأقوال وإنما بالأفعال. والمهم الآن المحافظة على الدولة السورية والترحيب بأي نظام يحافظ على أراضي سوريا ولا يعادي المقاومة وليس بالضرورة في صراع مع إسرائيل وهو بالضرورة إذ دعم المقاومة يكون ضد إسرائيل.
خامساً: يجب على النظام الجديد ألا يقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية بمعاداة روسيا وإيران وحزب الله. ليس بالضرورة أن تكون سوريا حلقة الصلة كالسابق بين إيران والمقاومة بشكل كامل.
سادساً: غض الطرف عن حلفاء النظام السابق وأعدائه وإنما يختار النظام الجديد ما يصلح للمصالح السورية خاصة إذا نجح النظام في نقل السلطة بطريقة سلسة وسلمية ويجب على العالم العربي أن يساند النظام الجديد لما هو في مصلحة سوريا الدولة وآمل أن يتمكن النظام الجديد من استيعاب كل مكونات الشعب السوري.
سابعاً: يجب على كل الأطراف أن تدرك أنها تجربة فريدة. معظم الشعب السوري ابتهج لزوال نظام الأسد بسبب الجرائم التي تم الكشف عنها.
لكن هذا الموقف لا يعني بشكل تلقائي الترحيب بالنظام الجديد ومطلوب من النظام الجديد أن يلتزم بأعلى درجات التجرد والبعد عن الانتقام أو التطرف من أي نوع وأن يُركز على مصلحة سوريا الدولة. وليعلم النظام الجديد بأنَّ الذي تغير هو النظام وليس الدولة. صحيح أن نظام الأسد كان يلزم الدولة بمفهومه. ويجب إغلاق صفحة النظام السابق.
ثامنا: يجب على النظام الجديد أن يدرك أنَّه في مرحلة الاختبار ويجب على العرب دعمه لمصلحة سوريا وليس لمصالح كل دولة عربية.
تاسعا: ما حدث في سوريا فريد لا يقاس عليه وله ظروفه الخاصة.
فلا يعني إمكانية نجاح الثورات العربية الأخرى. كما إن النموذج السوري في يقيني يبعث برسالة واضحة مؤداها هو أن من تسانده إيران وروسيا ويساند المقاومة يمكن إزالته بخلاف النظم المدعومة من المعسكر الآخر.