قلاع رملية.. المجلس الرئاسي الهش وصراع وحدة الصف
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
على مدى سنوات، رفعت القوى المنضوية تحت إطار السلطة المعترف بها دوليا، شعار “توحيد الصف الوطني”، باعتباره قاسما مشتركا لاستعادة الدولة، غير أن هذا الشعار تحوّل تدريجيا من وسيلة لهزيمة الحوثيين إلى مشكلة قائمة بذاتها، تغذيها الصراعات البينية والمصالح الضيقة.
بعد تشكيل “مجلس القيادة الرئاسي” في أبريل ٢٠٢٢، ساد بعض التفاؤل بإمكانية توحيد الجهود، خاصة مع انضمام قوى عسكرية كانت خارج إطار السلطة، مثل “المقاومة الوطنية”، و “قوات العمالقة”، لكن سرعان ما تبخرت الآمال، حيث تراجع الهدف من كونه وسيلة لإنجاز غاية وطنية، إلى هدف متعثر بسبب الخلافات.
بعبارة أخرى، فإن نموذج القيادة الجماعية، الذي كان يُنظر إليه كأداة لتعزيز التعاون، قد أثبت محدودية فعاليته إن لم يكن فشله، ويعزز الانطباع بأن الشعار تم استغلاله لخدمة أهداف سياسية محدودة، مثل تقاسم السلطة، دون الالتزام الجاد بالهدف الأساسي.
إن توحيد الصفوف ليس مجرد شعار يُرفع، بل ضرورة وطنية تفرضها طبيعة المعركة مع خصم موحد يمتلك استراتيجية واضحة، مما يستلزم تجاوز الخلافات الثانوية، وتحمّل المسؤولية، وتوجيه الجهود نحو تحقيق اصطفاف حقيقي يثمر عن نتائج ملموسة على الأرض.
من غير المقبول أن تستمر القيادات السياسية والعسكرية في رفع شعار وحدة الصف بينما هي المسؤولة الأولى عن تجسيده. فمن يدير السلطة، يملُك الأدوات والموارد اللازمة لتحقيق ذلك، لكن غياب الإرادة الحقيقية يقوّض هذه الجهود. من المثير للانتباه، أن الشعب يبدو أكثر التزاما وحرصا على وحدة الصف من القيادات نفسها، التي تدعوه للتوحد بدلا من اتخاذ خطوات عملية تثبت جديتها في هذا الإطار.
رغم التصريحات المتكررة من أعضاء المجلس الرئاسي وقيادات الأحزاب بشأن أولوية مواجهة الحوثيين، إلا أن الواقع يعكس أولويات مختلفة لكل طرف، حيث يسعى كلٌ منهم لتعزيز مكاسبه السياسية والعسكرية، ويتجلى ذلك في الخلافات المتكررة على المصالح التي تستنزف الموارد و تُهدِر الفرص واحدة تلو الأخرى.
من ناحية أخرى، لم يعد هناك من معنى للتصريحات التي تنفي وجود الخلافات التي باتت واضحة للجميع، وعوضا عن الاستمرار في هذا النهج السلبي، ينبغي التحلي بالشفافية والمصداقية، مع الاعتراف بالأخطاء، والتخلي عن المصالح الضيقة لصالح الأهداف الوطنية الكبرى.
إن تحقيق التوحد الفعلي يستلزم اتخاذ خطوات جادة تبدأ بدمج التشكيلات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع، وخضوعها لقيادة موحدة وغرفة عمليات مشتركة. وبدلا من القيام بذلك، لا يزال كل طرف يعمل وكأن له دولة مستقلة، مع جيش وأمن واستخبارات خاصة به.
وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان التوافق على رؤية سياسية واحدة للتعامل مع الحوثيين، وهو أمر يبدو بعيد المنال حاليا، خاصة في ظل تعنت بعض المكونات، مثل “المجلس الانتقالي”، الذي لا يكتفِ بالمطالبة بوفد مستقل في التفاوض، رغم كونه جزءا من السلطة، بل يطرح رؤية تضمن التقسيم.
إن الحديث عن هذه المتطلبات الأساسية لا يغفل التحديات التي تعرقل توحيد الصفوف، وهي مزيج من الصعوبات الداخلية والخارجية، وما يهمنا هنا هو الفشل في التغلب على النوع الأول من هذه التحديات، والذي يُمكن تلخيصه في عنصرين أساسيين:
الأول: الخلافات الداخلية التي تهدف إلى تعزيز المكاسب الخاصة، حيث يظهر بعض الأعضاء اهتماما أكبر بتوسيع نفوذهم السياسي أو العسكري بدلا من تحقيق الأهداف المشتركة. وكمثال على ذلك، الاقتحامات المسلحة المتكررة لمقر الرئاسة بعدن.
الثاني: غياب التوافق الداخلي، وهو ما يتجلى في عجز المجلس عن إعداد لائحته الداخلية التي تنظم عمله، وإذا كان المجلس غير قادر على التعامل مع مسألة بسيطة كهذه، فكيف سيتمكن من مواجهة التحديات الكبيرة؟
لقد تحوّلت جهود توحيد الصفوف إلى معركة داخلية بين القوى المناهضة للحوثيين، بدلا من أن تكون وسيلة لهزيمتهم. على سبيل المثال، أصبحت اجتماعات المجلس، التي يُفترض أن تسفر عن تنسيق الجهود، إلى مناسبات لتسليط الضوء على الخلافات. وفي بعض الأحيان، استدعى الأمر تدخل سفراء الدول الكبرى المعتمدين لدى اليمن، لتقريب وجهات النظر. وأبرز مثال على ذلك، ما حدث في الأيام الأخيرة في الرياض، حيث تم جمع الأعضاء من الداخل والخارج لعقد الاجتماعات ومناقشة القضايا الداخلية.
ونتيجة لهذا الواقع، تراجع الزخم العسكري ضد الحوثيين منذ تشكيل المجلس، وسيطر الشلل الإداري والسياسي، بحيث أصبح التركيز على إدارة أو احتواء الخلافات الداخلية كما قال عضو المجلس عبدالله العليمي، بدلا من مواجهة التحديات الوطنية.
على الصعيد الخارجي، بدلا من أن يركز المجتمع الدولي دعمه للمجلس لاستعادة السيطرة على البلاد، كما كان الحال في عهد الرئيس هادي، تحوّل اهتمامه إلى حل الخلافات الداخلية بين أعضاء المجلس والعمل على توحيدهم. وهذا يعني أن المجلس بات يشكل تحديا إضافيا، مما استنزف جهود تحقيق الهدف الأساسي.
ومن المؤسف أن النقاشات بين السفراء وأعضاء المجلس أصبحت تدور حول توحيدهم، بعد أن كان يُعتقد أن دمجهم في السلطة سيسهم في تحقيق الهدف الأكبر، وهو إنهاء انقلاب الحوثيين. لكن النتيجة كانت تقديم صورة غير مقنعة للأطراف الإقليمية والدولية، مما جعلهم يشككون في قدرة المجلس على أن يكون جديرا بالدعم لتحقيق السلام والاستقرار.
إن استمرار المجلس بهذا النهج، يعني إهدار فرص استعادة الدولة وتمكين الحوثيين من تعزيز سيطرتهم وإطالة معاناة المواطنين.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةاشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...
انا في محافظة المهرة...
نحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...
شجرة الغريب هي شجرة كبيرة يناهز عمرها الألفي عام، تقع على بع...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: المجلس الرئاسی توحید الصف وحدة الصف فی الیمن بدلا من فی هذا
إقرأ أيضاً:
اجتماع للحكومة اليمنية في الرياض لتأمين دعم دولي لمحاربة الحوثيين
عقد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، اليوم الثلاثاء، اجتماعا في الرياض، مع وزارة الخارجية اليمنية ودبلوماسييها، لبحث تأمين دعم دولي متكامل لمحاربة جماعة الحوثي.
وأشارت وزارة الخارجية اليمنية في بيان، إلى أن العليمي عقد الاجتماع مع قيادات الوزارة ورؤساء البعثات الدبلوماسية، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين شائع الزنداني.
وأضافت أن العليمي "وضع قيادة وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية أمام مستجدات الوضع المحلي والتحديات المتشابكة والفرص المتاحة لتحسين الأوضاع المعيشية، والمضي قدما في جهود استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية الإرهابية"، وفق البيان.
وقال العليمي: "نلتقيكم اليوم في مرحلة حاسمة من تاريخ معركتنا الوطنية التي نعول فيها كثيرا على الدبلوماسية اليمنية لتأمين دعم دولي متكامل لمعركة الخلاص التي انتظرها شعبنا طويلا"، وفق البيان.
وأضاف: "نحن اليوم بحاجة إلى تكثيف الجهود في الداخل والخارج من أجل تأكيد جهوزية الدولة اليمنية، وكفاءتها في استيعاب المساعدات الانسانية، والسفن التجارية وإنهاء التهديد الإرهابي".
وشدد على "ضرورة التنسيق والعمل مع المنظمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، لإنهاء معاناة الشعب اليمني، وتحقيق تطلعاته في الاستقرار والسلام والتنمية كباقي شعوب العالم".
ومساء الاثنين، قال العليمي إن "معركة الخلاص" من جماعة الحوثي "تتعزز ساعتها الحاسمة"، دون تحديد وقت لذلك.
والأحد كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية نقلا عن مصادر دبلوماسية إقليمية لم تسمها عن استعدادات الحكومة اليمنية لشن هجوم بري واسع النطاق ضد الحوثيين، يشمل تقدما من عدة محاور لاستعادة السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي.
وأضافت المصادر أن "الولايات المتحدة قد تقدم دعما لوجستيا وذخائر للقوات اليمنية، دون نشر قوات برية باستثناء عدد محدود من القوات الخاصة لتوجيه الضربات الجوية".
ومن حين لآخر تتجدد اشتباكات بين الجيش اليمني والحوثيين، ما يهدد هدوءا ميدانيا بدأ في أبريل/ نيسان 2022، فيما تواصل الجماعة السيطرة على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، التزام الحكومة والحوثي بتدابير ضمن "خارطة طريق" تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين.
لكن حتى اليوم لم يتم تنفيذ خارطة الطريق، وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة والحوثيين بشأن المسؤولية عن عدم إحراز تقدم بهذا المسار.
كما يأتي إعلان العليمي مع تصاعد الصراع بين الحوثيين وواشنطن، حيث شنت الأخيرة منذ 15 مارس/ آذار الماضي مئات الغارات على اليمن، ما أدى إلى مقتل 76 مدنيا وإصابة 182 على الأقل، بينهم أطفال ونساء، حسب بيانات حوثية لا تشمل ضحايا قواتها.
وتأتي الغارات الأمريكية بعد أوامر أصدرها الرئيس دونالد ترامب لجيش بلاده، بشن "هجوم كبير" ضد جماعة الحوثي، قبل أن يهدد بـ"القضاء عليها تماما".
غير أن الجماعة تجاهلت تهديد ترامب واستأنفت قصف مواقع الاحتلال الإسرائيلي وسفن في البحر الأحمر متوجهة إلى الاحتلال، ردا على استئناف تل أبيب منذ 18 مارس الماضي حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
ويرتكب الاحتلال بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.