فوزي البدوي يتحدث للمقابلة عن تاريخ العلاقة بين الإسلام واليهودية
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
وأوضح أن هذه العلاقة شهدت تفاعلا مثمرا منذ ظهور الإسلام حتى العصر العثماني، فقد استفاد المسلمون واليهود من التبادل المعرفي، رغم ضعف اهتمام العالم الإسلامي باللغة العبرية وتقاليد اليهودية في تلك الحقبة.
وأشار البدوي إلى أن ضعف الاهتمام باللغة العبرية تاريخيا كان نتيجة لعدم اعتبار اليهودية تهديدا حضاريا للإسلام.
ومع ذلك، يؤكد البدوي أن هذه الرؤية لم تعد كافية لفهم اليهودية اليوم، خصوصا في ظل تعقيد السياسات الإسرائيلية التي تستند إلى نصوص التوراة والتلمود، فهذا يتطلب دراسة معمقة لهذه النصوص.
وأوضح أن الترجمة العربية للنصوص الدينية اليهودية كانت محدودة تاريخيا، فلم يُترجم المسلمون التلمود أو التوراة بدقة، مما أدى إلى فجوة معرفية تعيق فهم اليهودية.
تشتت للجهودوأشار البدوي إلى أن المشهد المعاصر يعاني من غياب الجهود المؤسسية لجمع الكفاءات العربية المتخصصة في الدراسات اليهودية، وأن ذلك قد أدى إلى تشتت الجهود بين دول وقارات مختلفة.
وأوضح أن هذا التشتت يشكل عائقا أمام بناء رؤية متماسكة تمكن العالم العربي من مواجهة التحديات الثقافية والسياسية الراهنة المرتبطة بالصراع مع إسرائيل.
إعلانوتحدث البدوي عن ضرورة إعادة النظر في الدراسات اليهودية لتجاوز الصور النمطية القديمة، مؤكدا أهمية إدراك التحولات التاريخية التي شهدتها اليهودية في العصر الحديث.
ولفت إلى أن جهود نابليون بونابرت في دمج اليهود داخل المجتمع الفرنسي من خلال "السانهدرين الجديد" كانت نقطة تحول، لكنها واجهت تحديات على مستوى اليهود وأوروبا نفسها، مما أدى إلى انقسام بين التيارات اليهودية.
وتطرق البدوي إلى التيارات المختلفة في اليهودية الأوروبية، مثل التيار الإصلاحي الذي قاده موشيه مندلسون، والتيار الأرثوذكسي الجديد بقيادة شمشون رفائيل هيرش، والتيار الحريدي ذي الطابع الصوفي في أوروبا الشرقية.
بين التحديث والمحافظةوأوضح أن هذه التيارات عكست تنوع التجارب اليهودية بين محاولات التحديث والمحافظة على التقاليد، مع ظهور تيارات مثل الحسيدية التي أدخلت أجواء البهجة كالرقص والغناء لتخفيف الجمود الفقهي.
وأشار إلى أن فشل محاولات اندماج اليهود في أوروبا الغربية، مثل حادثة محاكمة الضابط الفرنسي دريفوس، دفع تيودور هرتزل إلى تأسيس الحركة الصهيونية بهدف إنشاء وطن قومي لليهود.
وأوضح أن الصهيونية تأثرت بالصراعات الدينية والعلمانية داخل اليهودية، فشكل ذلك تناقضا مع تقاليدها التي ترفض الذهاب إلى فلسطين بالقوة، وهو ما واجه معارضة شديدة من قبل بعض التيارات الدينية والحاخامات.
وفي سياق حديثه عن اهتمامه الأكاديمي، كشف الدكتور البدوي أن اختياره لدراسة اليهودية كان بدافع فهم الخلفيات الثقافية والدينية المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي.
وأوضح أن هذا التوجه كان نتيجة لغياب تخصصات اللغة العبرية والدراسات اليهودية في الجامعات التونسية، مما دفعه لاستكمال دراسته في فرنسا.
نقطة تحولوأكد أن تعلم اللغة العبرية كان نقطة تحول أساسية في مسيرته الأكاديمية، إذ أتاح له التعمق في دراسة العلاقات الإسلامية اليهودية في القرون الوسطى.
إعلانوتحدث البدوي عن نشأته في مدينة أريانة التونسية ضمن عائلة تجمع بين التراث الإسلامي والروح القومية، مشيرًا إلى أن والده، خريج جامعة الزيتونة، كان له تأثير كبير على تشكيل وعيه الثقافي والمعرفي.
وأضاف أن نشأته في بيت مملوء بالحوار الشعري والثقافي شكلت دافعًا لاختيار مسار أكاديمي يهتم بالثقافات المختلفة، كما أكد أن اهتمامه بالدراسات اليهودية لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة لشغفه بإبراز أهمية الحوار الثقافي والتفاعل الحضاري بين الأديان.
وأشار البدوي إلى أن الصهيونية الحديثة ليست سوى نتاج التاريخ الأوروبي، فقد تداخلت فيها الصراعات الدينية والسياسية، مؤكدا أن فهم اليهودية بشكل شامل يتطلب جهودا أكاديمية مؤسسية تبتعد عن الصور النمطية وتواجه التحديات الراهنة بعمق.
5/1/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الیهودیة فی البدوی إلى وأوضح أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحذيرات من تعاظم تأثير الصهيونية الدينية في إسرائيل
أدى تعاظم نفوذ الصهيونية الدينية في "إسرائيل" لتفاقم أزمة الثقة العميقة بين الإسرائيليين وحكومتهم، فيما يهيمن الخوف من تداعيات الأزمة على الخطاب الإسرائيلي العام، ومخاوف من اقتراب خطر "الحرب الأهلية"، مع ما يصدره قادة اليهود المتدينين من تحريض دموي ضد عموم الإسرائيليين.
يوسي سبيربر، مدرس التاريخ والمواطنة، أكد في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، أن "اليهود المتدينون، لا سيما من تيار الصهيونية الدينية، يدركون في هذه الأزمة فرصة تاريخية بالنسبة لهم، ولحظة نادرة للاستفادة من الوقت المتبقي للحكومة، من خلال الدفع نحو مزيد من التحركات التي تعمق الانقسام في الجمهور الإسرائيلي، ويخلقون واقعاً جديداً على الأرض، وفيما يجد معظم الإسرائيليين صعوبة في استيعاب هذه التطورات، فإن قادة الصهيونية الدينية يستغلون واقع الفوضى من أجل تحقيق أهدافهم، والترويج لأجندة أيديولوجية تقوض التماسك الاجتماعي، وتضرّ بالقيم المشتركة التي بنيت عليها دولة الاحتلال".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "قادة الصهيونية الدينية يعملون على استغلال ضعف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتعظيم إنجازاتهم السياسية بأي ثمن، وهو يعلم أن مصيره السياسي يعتمد عليهم بالكامل، مما يجعل تحالفهما ليس سياسيا فحسب، بل وجودي، لأنهم وحدهم يضمنون له المعارضة التلقائية لتشكيل لجنة تحقيق حكومية في فشل السابع من أكتوبر، وأي ممارسة أخرى تكشف إخفاقاته".
وأشار إلى أن "نتنياهو يجد نفسه اليوم مستسلماً لمطالب قادة الصهيونية الدينية خاصة بيتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يدركان، بجانب شركائهما، أنه كلما اتخذا مواقفهما لأقصى الحدود، وعززا أجندة يمينية مسيحانية وقومية، كلما عززا سلطتهما السياسية، وموقعهما على الساحة الحزبية".
واستحضر الكاتب مثالا على ذلك يتمثل في "نشاط اللوبي من أجل تجديد مستوطنات غزة الذي تأسس في حزيران/ يونيو 2024 بمبادرة من أعضاء الكنيست ليمور سون هارمالك وتسفي سوكوت، ويعمل على تعديل قانون فك الارتباط لتشجيع هجرة الفلسطينيين من القطاع، وتعزيز سيطرة الاحتلال عليه، وتوضح أجندته التي يدعمها بن غفير، كيف أصبحت الأيديولوجيا اليمينية المسيحانية أداة مركزية لتعميق سيطرتهم على مراكز السلطة في الدولة، فيما يتم تقديم تحركاتهم بأنها خطوات لتعزيز الأمن القومي للاحتلال، وسط تجاهل الخلافات السياسية العميقة، والثمن الاجتماعي والأمني الذي سيدفعه الاحتلال".
وأوضح أنه "بدلاً من سدّ الفجوات بين الإسرائيليين، تعمل الصهيونية الدينية على تعميق الاستقطاب الداخلي، والإضرار باستقرار المجتمع الإسرائيلي، وتروج لأجندة تفضل الأيديولوجية على الوحدة الوطنية، وأصبح الحاخام آفي ماعوز نائب الوزير لشؤون الهوية القومية اليهودية بمكتب رئيس الوزراء شخصية رئيسية في تشكيل قيم جهاز التعليم في الدولة، وتخصيص ملايين الشواكل لإنشاء نظام الشفافية، وهي خطوة تقوض الاستقلال التربوي المتبقي لمديري المدارس".
وأشار إلى أن "ماعوز، الذي أعرب عن ازدرائه للمثليين والنساء والديمقراطية، يستخدم موقعه أداة لتصفية واستبدال البرامج التي تعزز التعددية والتسامح والمساواة، ولذلك فإن تعيينه ليس مجرد مسألة تعليمية، بل يعكس سياسة نتنياهو الكاملة بالاعتماد على شركائه المتشددين، وللحفاظ على حكمه، منح ماعوز صلاحيات واسعة كجزء من اتفاقيات الائتلاف، مما جعله شريكا مركزيا يؤثر على مستقبل نظام التعليم والمجتمع الإسرائيلي".
وأضاف أن "ماعوز لا يقوم بإعادة صياغة محتويات النظام التعليمي فقط، بل يؤكد على الثمن الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي، وبسبب اعتماد نتنياهو على الجماعات الأيديولوجية المتطرفة، فقد فتح المجال أمام الرقابة والإكراه الأيديولوجي، بما يهدد أسس الدولة، مما يجعل من هذا الاعتماد له عواقب بعيدة المدى عليها، لأنه بينما يواصل عشرات آلاف جنود الاحتياط القتال في الحرب المستمرة منذ 14 شهرًا، تعمل الأحزاب الدينية على الترويج لتشريع يسمح بالتهرب من الجيش، مما يوضح العبثية السياسية التي تعيشها الدولة".
وأوضح "أن تهرب المتدينين من الخدمة العسكرية تشكل عبئا كبيرا في الدفاع عن الدولة، لكن نتنياهو يختار عمليا الحفاظ على تحالفه السياسي معهم، بما يضمن استمرارية حكومته، وهي أولوية بالنسبة له، ولذلك فإن ضعفه لا يقتصر على تعزيز قوة المتدينين السياسية فحسب، بل على إعادة تشكيل شخصية الدولة القائمة على الإقصاء وعدم المساواة والعنصرية، ويلحق ضررا شديدا بالقيم السياسية والاجتماعية التي تأسست عليها، وهذا لا يشكل تهديدا لتماسكها الاجتماعي فحسب، بل قد يغيّر وجهها بشكل جذري، ويعزّز أجندة لا تتوافق مع القيم المشتركة لغالبية الإسرائيليين".
وأكد أن "دولة الاحتلال بسبب هذا التيار الديني المتعاظم تقف على مفترق طرق، وعند نقطة قرار تاريخية، فهل ستحافظ على طابعها الليبرالي، أم تستسلم للأيديولوجيات المتطرفة التي تشجع على الإقصاء والإكراه وانتهاك الحقوق الفردية، وهي لحظة حرجة توشك فيها سفينتها أن تغرق".