أصدر مجلس الدولة الفرنسي، أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد، قرارًا يقضي بزيادة ساعات تدريس اللغة العربية في مدرسة “أندري شينيي” التابعة للبعثة الفرنسية في الرباط.

ويأتي هذا القرار الذي صدر في 23 ديسمبر 2024، ليضع حدًا للجدل القانوني المستمر منذ خمس سنوات بين إدارة المدرسة وأولياء الأمور، الذين عبروا عن اعتراضاتهم على القرار.

ويشمل القرار زيادة ساعات تدريس اللغة العربية لتلاميذ المستويين CE1 وCM2 من ثلاث ساعات إلى خمس ساعات أسبوعيًا. هذه الخطوة كانت قد أثارت الخلافات في 2019، عندما قررت إدارة المدرسة رفع ساعات تدريس اللغة العربية استنادًا إلى إعلان النوايا الموقع بين المغرب وفرنسا في نوفمبر 2017، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون التعليمي بين البلدين.

لكن قرار زيادة الساعات لم يلق قبولًا من بعض أولياء الأمور، الذين اعتبروا أن هذه الزيادة ستشكل عبئًا إضافيًا على أبنائهم، مما يهدد جودة التعليم في 2023.

وكانت محكمة الاستئناف الإدارية في باريس، قد أيدت حكمًا لصالح أولياء الأمور، مما أدى إلى إلغاء القرار، قبل أن يتدخل مجلس الدولة الفرنسي ليصدر حكمًا نهائيًا لصالح إدارة المدرسة، معتبرًا أن زيادة ساعات تدريس اللغة العربية جزء من تنظيم العملية التعليمية وتعزيز التعاون مع الأنظمة التعليمية الأجنبية.

يذكر أن هذا القرار يتماشى مع المادة 31 من القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين في المغرب، والتي تشترط على المؤسسات التعليمية الأجنبية في المملكة تدريس اللغتين العربية والأمازيغية لجميع الأطفال المغاربة الذين يتابعون دراستهم بها. ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز الهوية الوطنية للتلاميذ المغاربة، مع احترام الاتفاقيات الثنائية بين المملكة المغربية والدول الأخرى.

يأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه الساحة المغربية مطالب متزايدة من نشطاء وأحزاب سياسية بضرورة تقليص الاعتماد على اللغة الفرنسية في النظام التعليمي، والتوجه نحو تعزيز تعليم اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة العلوم والمعرفة الأكثر انتشارًا عالميًا.

ويعتبر هذا القرار بمثابة خطوة مهمة في تعزيز التعاون التعليمي بين المغرب وفرنسا، في وقت تشهد فيه الساحة التربوية المغربية تحولات تدعو إلى إعادة النظر في دور اللغة الفرنسية في التعليم، وتوسيع فرص تعليم اللغات العالمية الأخرى، مثل الإنجليزية، لتواكب التطورات العلمية والتكنولوجية.

المصدر: مملكة بريس

كلمات دلالية: التعاون التعليمي الرباط المغرب فرنسا مجلس الدولة الفرنسي هذا القرار

إقرأ أيضاً:

أثر ترجمة «رحلة ابن بطوطة» إلى الصينية في تعزيز العلاقات العربية الصينية

 

د. كلثوم لغدايش **

يُعَدّ ابن بطوطة، المعروف باسمه الكامل محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي، والمتحدّر من قبيلة لواته البربرية، أحد أعظم الرحّالة العرب بل ومن أبرز الرحّالة في العالم. فقد كان مغربيًّا أمازيغيًّا مُسلمًا، ومؤرّخًا وقاضيًا وفقيهًا، واشتهر بكونه السبّاق إلى التّعريف ببلاد الصّين والهند في زمنٍ لم يكن يُعرف عنهما إلّا القليل. بل إنَّ تجربته في بلاد الصين ساعدت في تشكيل صورة إيجابية عنها في ذهن القارئ العربي وغير العربي. ويشهد كتابه الشهير المعروف بـ"رحلة ابن بطوطة" على الرّوابط التّاريخية العريقة بين العرب والصّين في القرن الرابع عشر، مبرزًا عمق العلاقة التي كانت تربط هاتين الحضارتين آنذاك.

وقد عاش ابن بطوطة في القرون الوسطى وقام برحلات طويلة وسجل تجاربه في كتابه المسمى "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، الذي يُطلق عليه باختصار "رحلة ابن بطوطة"،  والذي لقي إقبالًا كبيرًا لدى الشرقيين والغربيين، بفضل غِنى المعلومات التي يُقدمها عن الحضارات والشعوب وطقوسها وعاداتها في تلك الحقبة الزمنية.

وقد طاف ابن بطوطة في بلاد المغرب العربي ومصر والحبشة والشام والحجاز وتهامة والعراق وبلاد فارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر والهند والصين والجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا والأندلس، في رحلة دامت تسعًا وعشرين سنة ونصف السنة.

وتكمن أهمية ترجمة كتاب "رحلة ابن بطوطة" إلى الصينية في كونها مرجعًا تاريخيًا يُستشهد به في توثيق العلاقات العربية الصينية، مما يجعله دليلًا على التبادل الحضاري بين الثقافتين العربية والصينية عبر العصور، ومفتاحًا في الدبلوماسية الثقافية اليوم.

وعمومًا، تكتسب الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية قيمة خاصة، نظرًا لدورها الكبير في ربط العلاقات وتقريب المسافات بين الصين والعالم العربي. ومنذ فجر التاريخ، احتلت العلاقات العربية-الصينية مكانة بارزة، وتعاظم دورها في القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي يُبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز الحوار والتواصل البنّاء بين الجانبين.

ونجد تَأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقترح الأعمال الثمانية المشتركة على أهمية التبادل الثقافي الصيني العربي، وعلى ضرورة العمل المشترك لتعزيز الحوار بين الحضارات، الذي أعلن عنه في  القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت في الرياض، ثم أعاد التأكيد على ذلك مُجددًا في مبادرة الحضارة العالمية.

وبالتالي، فإنَّ ترجمة الأعمال الأدبية والفكرية والعلمية بين اللغتين الصينية والعربية هي بمثابة بوابة لفهم ثقافة وتاريخ الآخر، وهي وسيلة  لبناء جسور التواصل والتفاهم بين الشعوب.

كما تُسهم الترجمة في زيادة التفاهم بين الأفراد والمجتمعات، وخلق بيئة مناسبة للتعاون في مختلف المجالات. من هنا، فإنَّ الترجمة ليست مجرد عملية نقل للكلمات من لغة إلى أخرى، بل هي عملية ثقافية بامتياز.

 وبحسب إحصائيات المحقق عبد الهادي التازي، فقد تُرجم كتاب "رحلة ابن بطوطة" لأكثر من خمسين لغة منها، ما تُرجم مباشرة عن اللغة العربية، ومنها ما تُرجم عبر لغات وسيطة. ومن بين هذه اللغات الخمسين نجد اللغة الصينية، التي شهدت ثلاث ترجمات صينية مختلفة للكتاب. وهذا يشير إلى القيمة الكبيرة التي يعرفها الكتاب في أوساط المجتمع الأكاديمي الصيني، وخصوصًا في مجال التاريخ، والجغرافيا، الإثنولوجيا والديانات.

وأول الترجمات الصينية الثلاث نجد الترجمة الجزئية الصادرة سنة 1912 للمترجم والباحث الصيني البروفيسور تشانغ شينغلانغ، المتخصص في علم التاريخ، والذي قام بترجمة جزئية للكتاب إلى الصينية، ولا سيما الجزء المتعلق بالصين والهند. من ثم نجد ترجمة الأستاذ ما جين بنغ الصادرة سنة 1985، والأخرى هي ترجمة للأستاذة لي قوانغ بين الصادرة سنة 2004، صدرت ترجمتها عن أكاديمية المملكة المغربية عام 1997، وبتحقيق عبد الهادي التازي.

وقد أُهدي الملك الراحل الحسن الثاني نسخة من الترجمة الصينية لكتاب "رحلة ابن بطوطة" في الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني إلى المغرب سنة 1987، والذي وضع في متحف الهدايا في القصر الملكي، نظرًا للقيمة الكبيرة للكتاب.

ولترجمة كتاب "رحلة ابن بطوطة" إلى اللغة الصينية أهمية بالغة وقيمة كبيرة، لأنها عززت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين العربي والصيني، وذلك من خلال فتح قنوات الحوار بين الطرفين. فقد ذكر لنا ابن بطوطة أحوال الصين في القرن الرابع عشر، وتحدث عن ازدهار الصناعات في الصين، مثل صناعة الفخار التي لا مثيل لها، وتَصَدُّرُ الصينِ المرتبة الأولى في صناعة السُّفن، وذكر الأمن والأمان الذي لم يرَ مثله في أي مكان، وكذا حُسْن الضيافة وحُسْن التعامل مع الغرباء مثله، وتحدث عن ازدهار التجارة في الصين، وغير ذلك من الشواهد في الكتاب التي أُعجب بها الصينيون، وأصبحت لهم دليلًا يشهد على تاريخ العلاقات العربية الصينية القديمة، ويؤكد على قوتها وخلوها من أية شوائب. وهذا الفهم للتاريخ المشترك بين الصين والعرب، يُشَجّع الحوار، والحديث عن الاختلافات والأهداف المشتركة وتعزيز العلاقة بين الطرفين في الحاضر. كما أن صدور الترجمة الصينية للكتاب فتح لمعاهد الدراسات الشرقية في الصين بابا للدراسات الاستشراقية لكون الرحلة ذكرت الكثير من التفاصيل عن العالم الإسلامي، والذي لم يكن معروفًا عنه الكثير في الصين، وبالتالي ملأت هذه الترجمة الفراغ الذي كان يعرفه هذا النطاق، وفتح صفحة جديدة في الصداقة العربية الصينية وأوجد جسرًا في الدبلوماسية الثقافية، بفضل التبادل والتواصل الثقافيين وبالتالي ساهم في تعزيز الحوار الحضاري والعلاقات بين الدول العربية والصين

** باحثة ومترجمة مغربية مختصة بالدراسات الصينية

يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية

مقالات مشابهة

  • «الوطني» يواصل مناقشة سياسة الحكومة لتعزيز اللغة العربية
  • لجنة بـ”الوطني الاتحادي” تناقش موضوع سياسة الحكومة في تعزيز دور ومكانة اللغة العربية
  • الوطني الاتحادي يناقش سياسة الحكومة في تعزيز دور اللغة العربية
  • ساركوزي يمثل أمام القضاء الفرنسي بتهمة تلقي تمويل من القذافي
  • رئيس مجلس السيادة يصدر قرارا بتعيين نواب لرئيس القضاء
  • اللغة العربية تزين قمصان لاعبي باريس سان جيرمان في السوبر الفرنسي
  • انتفاضة داخل الوفد اعتراضًا على فصل السيد البدوي.. وشيوخ بيت الأمة يهددون بالاستقالة
  • “الندوة العالمية”: تدريب 116 معلمًا في مهارات اللغة العربية حول العالم
  • أثر ترجمة «رحلة ابن بطوطة» إلى الصينية في تعزيز العلاقات العربية الصينية