يستهل السودان عام 2025 بأحداث مختلفة عن تلك التي شهدها في العام السابق، حيث بدأت ميليشيا الدعم السريع في تشكيل حكومة منفى برئاسة عبد الله حمدوك، وهي خطوة تردد فيها محمد حمدان دقلو (حمدتي) كثيرًا قبل اتخاذها لأنها محفوفة بالمخاطر. وسوف يكشف هذا العام تأثيرَ إعلان حكومة المنفى، التي ضمَّت أيضًا مجلسًا للسيادة برئاسة الفريق برمه ناصر (رئيس حزب الأمة) وعددًا من رؤساء الأحزاب المكونة لحركة «تقدم».
وعلى الرغم من توافق هذا التوجه مع مطالب وأهداف التحالف الاستعماري الجديد، فإن أحد احتمالات إعلان حكومة المنفى هو القضاء على التمرد أو على الأقل توجيه ضربة قاصمة له، خاصة مع ترجيح فشلها في الحصول على اعتراف دولي من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية من ناحية وجميع دول الجوار من ناحية ثانية. ويأتي استبعاد الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي من الجيش وإحالته إلى التقاعد في إطار هذا الحراك الذي ينذر بتغيير سياسي كبير في المشهد السوداني، حيث يُحتمل معه أن ينجح الأمير عبد الرحمن في استعادة حزب الأمة من مختطفيه وعودته للمشاركة في قيادة البلاد إلى الخروج من مأزق سياسي تلاعبت فيه قوى سياسية داخلية وخارجية بأكبر حزب في السودان. كما أن حركة «تقدم» بقيادة عبد الله حمدوك يمكن أن تتلقى ضربةً قاضيةً بخروج حزب الأمة المحتمل منها بعد استعادة القيادة من قِبل الأمير عبد الرحمن الصادق. وكانت «تقدم» قد تلقت إحدى الضربات الموجعة التي سددها لها المقدم عبد الله سليمان (أحد أعضائها السابقين في لجنة إزالة التمكين)، الذي كشف عن حجم الفساد المذهل لحكومة حمدوك التي كانت تستولي على أموال الناس والشركات وتحولها إلى ممتلكات خاصة بدلًا من إيداعها خزانة الدولة.. إضافة إلى كشف هذا التنسيق القديم بين مجموعة حمدوك والدعم السريع بالاستيلاء على السلطة وتدمير الجيش والأجهزة الأمنية وتقسيم السودان. ومع هذا المسار السياسي الذي يخطو ببطء ولكنه يبدو أنه تم ترتيبُه بعناية، يتحرك الجيش السوداني بنفس الخطوات لتحقيق انتصارات نوعية على التمرد وتحرير مساحات واسعة من الأراضي التي بحوزة التمرد مع كل طلعة شمس.
ويرى المراقبون أن صعود ترامب إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يسهم في استبعاد التأثير الدولي على النزاع السوداني.. تماشيًا مع توجهات دونالد ترامب التي لا تهتم كثيرًا بدول المنطقة وصراعاتها، على عكس الإدارة الديمقراطية بقيادة بايدن التي كانت تُدخل أنفها في كافة تفاصيل السودان. كما أن وضوح الرؤية السياسية للفريق البرهان وثباتها عند محددات معلنة (بانسحاب قوات الدعم السريع إلى معسكرات خارج المدن، إنهاء تمردها تمامًا، واستعادة السيطرة على جميع مناطق البلاد)، يؤشر إلى أن السودان تتنظره صفحات بيضاء ربما تسهم في إدخاله العام الجديد دون تمرد ودون تحقيق لأحلام التحالف الاستعماري الجديد بتقسيم السودان.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: من ناحیة
إقرأ أيضاً:
كيف أصبح "إكس" بقيادة إيلون ماسك الواجهة الإعلامية للقوى اليمينية العالمية؟
منذ أن استحوذ إيلون ماسك على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا) في أواخر عام 2022، تعرضت الشركة لخسائر فادحة، إذ يُقدّر أنها فقدت حوالي 80% من قيمتها السوقية، لكن من الناحية السياسية، قد يُعتبر استحواذ ماسك واحدًا من أكثر الاستثمارات ذكاءً في العصر الحديث.
منصة تسريع للقضايا المثيرة للجدل
"إكس" أصبح منصة لتعزيز القضايا التي تهيمن على الخطاب المحافظ وأحيانًا الخطاب العام، ما يخلق تداعيات سياسية ملموسة. على سبيل المثال:
- الشائعات والمعلومات الخاطئة: ساعدت المنصة في انتشار شائعة كاذبة حول مهاجرين من هايتي في أوهايو يأكلون الكلاب والقطط، مما أدى إلى تهديدات بالقنابل ومضايقات للسكان المحليين.
- القضايا المستندة إلى الحقائق: مثل الهجرة غير الشرعية، هدر المال العام، والجدل حول التحول الجنسي للشباب، والتي يرى البعض أن وسائل الإعلام الرئيسية تتجاهلها أو تقلل من شأنها.
إحياء الفضائح القديمة
هذا الأسبوع، لعبت "إكس" دورًا رئيسيًا في إعادة إحياء فضيحة "عصابات الاستغلال" في بريطانيا، وهي قضية تعود إلى تسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، حيث استغلت مجموعات من الرجال، معظمهم من أصل باكستاني، مئات الفتيات في شمال إنجلترا وسط تجاهل من السلطات المحلية.
إيلون ماسك دعا عبر المنصة إلى محاكمة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي كان يشغل منصب مدير النيابة العامة خلال بعض هذه الجرائم، فيما طالب الملياردير الأمريكي بيل أكمان بفرض عقوبات أمريكية على بريطانيا.
تأثير ماسك على الخطاب العام
ماسك يُعزز من حضوره عبر "إكس" باستخدام الخوارزميات للترويج لتغريداته، حيث يمكنه نشر منشور بسيط أو إعادة تغريد محتوى من حساب يميني غير معروف، ليصل إلى أكثر من 210 مليون متابع. هذا العدد يفوق بخمسة أضعاف عدد سكان كندا، مما يجعله قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام.
كما يدعي ماسك أن "إكس" أصبح المصدر الحقيقي للأخبار، ويشجع المستخدمين بقوله: "أنتم الإعلام الآن".
تحالفات سياسية ودولية
ماسك يُعزز علاقاته مع الأحزاب اليمينية الشعبوية حول العالم، مما قد يخدم مصالحه التجارية مستقبلاً مع صعود هذه الحركات إلى السلطة. على سبيل المثال:
- دعم حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف.
- انتقاد حزب العمال البريطاني ورئيس وزرائه في قضايا الهجرة.
- تعزيز علاقاته مع جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية ذات التوجهات اليمينية.
إعادة تعريف الأخبار
من أبرز مميزات "إكس" قدرته على تحويل مواضيع ليست جديدة إلى قضايا ساخنة. فضيحة "عصابات الاستغلال"، على الرغم من كونها ليست حديثة، عادت إلى السطح بفضل المنصة، مما صدم العديد من المستخدمين الذين لم يكونوا على علم بها من قبل.
الكاتب البريطاني المحافظ بن سيكسميث علّق قائلاً: "لم يكن هناك تآمر للصمت، بل كان هناك تآمر للهمس".
مستقبل "إكس" كمحور سياسي
إيلون ماسك يستخدم "إكس" ليس فقط كأداة اجتماعية، بل كسلاح سياسي للتأثير في القضايا الوطنية والدولية، مما يعزز من دوره كلاعب رئيسي في المشهد الإعلامي والسياسي العالمي.
من الواضح أن "إكس" بات أكثر من مجرد منصة اجتماعية، بل أصبح الوجهة الرئيسية للخطاب اليميني المحافظ، مما يطرح تساؤلات حول تأثيره المتزايد على الإعلام والسياسة عالميًا.
نشاط ماسك السياسي يثير الجدل حول دوره في القضايا العامة
الناشط اليميني تومي روبنسون – الذي يقضي حاليًا عقوبة السجن بتهمة ازدراء المحكمة والذي حاول حتى نايجل فاراج النأي بنفسه عنه في العادة – تصاعدت المطالبات بإطلاق سراحه، مما يعكس تأثير منصة "إكس" على الخطاب السياسي في بريطانيا.
في الوقت نفسه، وجهت سارة روبوتهام، التي كانت من أوائل من أبلغوا عن أزمة "عصابات الاستغلال" في بريطانيا، انتقادات إلى تدخل إيلون ماسك في القضية. وصرحت روبوتهام لصحيفة *الغارديان*: "يبدو أن دافعه سياسي بحت"، مضيفة أن اهتمامه بالقضية يبدو موجهاً ضد كير ستارمر، زعيم حزب العمال، و"لا علاقة له بالنساء والفتيات اللاتي تعرضن للإساءة مرارًا وتكرارًا".
رغم قوة تأثير "إكس" على دعم القضايا اليمينية، إلا أن بعض التدخلات جاءت بنتائج عكسية. على سبيل المثال، الجدل الأخير حول تأشيرات العمالة الأجنبية H1-B كشف عن خلافات بين ماسك وشريكه السياسي فيفيك راماسوامي وبين التيار اليميني في وادي السيليكون من جهة، والتيار الشعبوي القومي من جهة أخرى.
رهان ماسك على الإعلام الجديد
إيلون ماسك يواصل دفاعه عن دوره في إعادة تشكيل الإعلام، قائلاً: "بمجرد أن يدرك الناس أن الإعلام التقليدي يكذب، فإنهم لا ينسون ذلك أبدًا". يبدو أن رهان ماسك على "إكس" كمنصة بديلة للإعلام التقليدي يؤتي ثماره، رغم التحديات والانتقادات المتزايدة.
تظل أفعال ماسك وتدخلاته على منصة "إكس" محور جدل عالمي، حيث تتشابك طموحاته التكنولوجية مع أجندة سياسية تثير التساؤلات حول دوافعه وتداعياتها على الخطاب العام.