ما هي المعجزة السينمائية الفلسطينية التي وصلت ترشيحات الأوسكار وتحدثت عن غزة؟
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
ربما يعمل اختزال صورة أو جانب واحد أو حتى قصة وحيدة من جوانب المأساة في قطاع غزة المستمرة منذ نحو 15 شهرا، على عدم نقل الكارثة الإنسانية بمختلف أبعادها، إلا أن نقل 22 صورة من خلال نفس العدد من الأفلام القصيرة المُجمّعة في فيلم واحد سيصل إلى جوائز "الأوسكار"، قد يمكنه تحقيق التأثير المطلوب.
وقام العديد من المخرجين وصناع الأفلام في قطاع غزة بإنتاج مجموعة من الأعمال التي تحدثت ووثقت مختلف جوانب "الحياة" بعد اندلاع الحرب، وانعكاساتها على المجالات الحياتية والصحية والمجتمعية والإنسانية.
"من المسافة صفر - From Ground Zero"
مشروع فني سينمائي مدته ساعتين، وهو عبارة عن مجموعة من الأفلام القصيرة وتجارب لحكايات صانعي أفلام من قطاع غزة تم تصويرها بإمكانات محدودة تحت وطأة حرب الإبادة المستمرة، وجرى تقديمها في قوالب متنوعة بين الروائي والوثائقي والتسجيلي.
وقام بإخراج هذه الأعمال عدد من صانعي الأفلام الغزيين وهم: ندى أبو حسنة، وكريم سطوم، وبشار البلبيسي، ومهدي كريرة، وأوس البنا، وهناء عليوة، ونضال دامو، واعتماد وشاح، وعلاء دامو، وريما محمود، ومحمد الشريف، وخميس مشهراوي.
وأخرج هذه الأعمال أيضا إسلام الزريعي، باسل المقوسي، ومصطفى النبيه، وأحمد الدنف، وسام موسى، وعلاء إسلام أيوب، وتامر نجيم، ورباب خميس، ومصطفى كلاب، وأحمد حسونة.
وجاءت هذه المجموعة من إنتاج المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وتلقى زخما ورواجا عربيا وعالميا لاسيما مع وصولها إلى القائمة القصيرة لنيل جائزة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة "الأوسكار"، عن فئة الأفلام الروائية الدولية.
وعن هذا قال المشهراوي: "قررت بعد بدء الحرب أن ألعب دور الجسر بين السينمائيين الموجودين في الداخل وبين العالم من خلال تجاربي السابقة وعلاقاتي مع الإعلام والمهرجانات والقنوات التلفزيونية وأصدقاء وزملاء سينمائيين، فجميعنا لدينا هدف واحد هو أن نحكي قصصا من غزة من المستحيل أن يراها العالم إذا لم نقدمها من خلال المشروع بعيدا عن الأخبار والشعارات".
وتضم القائمة القصيرة المرشحة للجائزة 15 عملا فنيا تمثل البرازيل وكندا والتشيك والدنمارك وفرنسا وألمانيا وأيسلندا وإيطاليا ولاتفيا والنرويج والسنغال وتايلاند والمملكة المتحدة، وبالطبع فلسطين، وهي الدولة العربية الوحيدة التي وصلت إلى هذه القائمة.
وتأهلت هذه الأفلام إلى الجولة التالية من التصويت في فئة الأفلام الروائية الدولية لجوائز "الأوسكار" السابعة والتسعين، وجرى اختيارها من 85 دولة ومنطقة مؤهلة للمشاركة في هذه الفئة.
وتمت دعوة أعضاء الأكاديمية من جميع الفروع للمشاركة في الجولة التمهيدية من التصويت ويجب أن يكونوا قد استوفوا الحد الأدنى من متطلبات المشاهدة ليكونوا مؤهلين للتصويت في هذه الفئة.
في جولة الترشيحات، تتم دعوة أعضاء الأكاديمية من جميع الفروع للمشاركة، ويجب عليهم مشاهدة جميع الأفلام الخمسة عشر المدرجة في القائمة المختصرة للتصويت.
ويذكر أنه مع ترشيح "من المسافة صفر"، تكون فلسطين قد تقدمت بـ17 فيلما لتمثيلها عن فئة أفضل فيلم طويل دولي (أجنبي سابقا) منذ عام 2003 حتى الآن.
ومنذ إصدار المشروع جرى عرضه في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية، وحصل على جوائز وتقديرات متختلفة.
صعوبات بالغة
أشرف المشهراوي من الخارج على إدارة الفرق العشرين في غزة التي أنتجت أفلام المجموعة، وهي العملية التي وصفها بأنها "صعبة للغاية للغاية"، قائلا في مقابلة له: "في بعض الأحيان كنا نحتاج إلى الانتظار لمدة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام فقط حتى نتمكن من الاتصال بشخص ما، أو حتى نتمكن من تحميل المواد عبر الإنترنت".
وأضاف مشهراوي الذي ولد في غزة: "في أوقات أخرى، كانت الفرق مشغولة بالبحث عن خيمة، أو العثور على الأنسولين لأم المخرج، أو سيارة إسعاف للذهاب لإنقاذ بعض الأطفال".
وأوضح أن هناك أفلام تم تصويرها بالهاتف، إلا أن العمل على المشروع كان إنتاجا سينمائيا حقيقيا، قائلا: "كنا نقوم بتدريب ورعاية واستشارة وتوجيه السينمائيين لكي نؤهلهم ونؤسسهم ونعلمهم لكي يقوموا بتقديم أفلام دون تنازلات فنية أو تقنية".
???? Today, I got to watch From Ground Zero, Palestine's official Oscars entry.
Whatever you do, don't miss the chance to watch this masterpiece. It'll devastate you beyond what you can imagine, while grounding you in the humanity of the people of Gaza. pic.twitter.com/vLCIybihAZ — Mai El-Sadany (@maitelsadany) January 5, 2025
وذكر أن "عمليات ما بعد التصوير كانت تتم باتجاهين، من لديه إمكانية ومتوفر لديه لابتوب وكهرباء وخيمة لكي يقوم بعملية المونتاج الأولية في غزة يقوم بذلك ونحن نقوم بضبط الصوت والألوان والمونتاج الأولي النهائي، والجزء الثاني كان هناك أيضا مونتاج عن بعد يقوم به سينمائيون خارج غزة مع إشراف مستشارين فنيين للوصول إلى أعمال سينمائية مهمة في قيمتها الفنية".
وكشف أن "بعض العاملين كانوا يفقدون أقارب لهم خلال التصوير أو التحضير وخلال مرحلة الكتابة، وهو ما كان يبعدهم كثيرا عن المشروع، ومن المشاكل أيضا أن البعض كان يتعرض لخطورة حقيقية للوصول إلى مكان فيه إنترنت لإرسال المواد التي صورها".
وأشار إلى أن هناك أيضا "صعوبات تقنية كبرى كانت شبه تعجيزية مثل انقطاع الإنترنت والكهرباء لأيام أو فقدان الاتصال مع شخص ما، فكنا ملتزمين بالتمسك بنفس الأفكار والحكايات وألا تؤثر الأحداث على الفكرة الرئيسية.. كان التصوير يتم تحت القصف، لأن هناك وعيا لدى السينمائيين والمستشارين بأن المشروع أهم وأكبر من أي شيء".
اختيار الاسم
وقع الاختيار على اسم "من المسافة صفر" رغم أنه مصطلح طالما استخدمته المقاومة في وصف عملياتها ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى قبل حرب الإبادة الحالية وانطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو ما قد يعرض المجموعة لعمليات تحريض.
وجاء الاستقرار على هذا الاسم لأن أفلام المجموعة جرى تصويرها من المسافة صفر بالفعل، والمشروع بحسب المشهراوي "يعطي الفرصة للسينمائيين الموجودين في فلسطين ويعيشون الأحداث عن قرب ليقدموا حكاياتهم السينمائية، لأن هذا ما يميز الفيلم الذي تم تنفيذه خلال الحرب، فهذا السينمائي شريك بكل ما يحدث، ومن هنا جاءت التسمية".
Today is a great day to see a movie — and so is tomorrow! Get your tickets to see “FROM GROUND ZERO” in theaters now —> https://t.co/PfZGLuodDy pic.twitter.com/vpQSEcxO2U — Michael Moore (@MMFlint) January 4, 2025
وقال المشهراوي "بالتأكيد لا نخاف من أن يكون هناك أي تحفظ، لأننا حين نفكر في نشاط أو أفلام يكون التركيز على ما نقوم به أولا، فنحن لا ننفذ أفلاما لجهة محددة، وبالفعل هناك اهتمام كبير بالمشروع، ليس على المستوى العربي فقط، بل على المستوى الأجنبي أيضا"، بحسب مقابلة مع "الجزيرة".
معجزة سينمائية
انضم المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور كمنتج تنفيذي للمشروع، وهو الذي جرى إطلاقه في في الولايات المتحدة في 3 كانون الثاني/ يناير عبر شركة "ووتير ميلون بيتشرز - Watermelon Pictures".
وفي تعليقه على الفيلم، قال مايكل مور بحسب مجلة "فيرايتي - Variety": "لقد صنع هؤلاء المخرجون الفلسطينيون معجزة سينمائية، وسط ما وصفته المنظمات الحقوقية الدولية بالإبادة الجماعية، استطاعوا إبداع فيلم يعكس معاناة شعبهم وإصرارهم على الحياة. إنه لشرف لي أن أساهم في إيصال هذه القصص إلى العالم".
View this post on Instagram A post shared by Watermelon Pictures (@watermelonpictures)
ويذكر أن الفيلم تم عرضه لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي بعد انسحابه من مهرجان "كان" لأسباب سياسية، ولقي إشادة واسعة وجرى وصفه بأنه "مجموعة أفلام فريدة تجمع بين توثيق المعاناة وإبراز القدرة على الصمود".
وعلق المخرج المشهراوي على انضمام مور قائلا: "مشاركة مايكل مور تمنحنا دفعة إضافية لنقل رسالة إنسانية الفلسطينيين إلى العالم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية غزة الأفلام الأوسكار من المسافة صفر سينما أفلام غزة الأوسكار من المسافة صفر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من المسافة صفر
إقرأ أيضاً:
من ضياء إلى دقلو
البرفيسور عبد اللطيف البوني على صفحته بالفيسبوك:
من ضياء إلى دقلو
بدأتُ الكتابة الصحفية في مايو 1985، أي في أجواء ثورة أبريل، تلك الثورة التي جاءت لإزالة حكم نميري. وقد شاركتُ فيها من موقعي كمواطن عادي يتظاهر، ويضرب عن العمل، ويرشق بالطوب إذا اقتضى الأمر.
ولكن، لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لما شاركتُ فيها، إذ أرى الآن أن هذه الثورات هي التي أهلكت السودان، منذ الثورة المهدية وحتى يومنا هذا.
بالطبع، هذا لا يعني أنني ضد التغيير وضرورة إزالة أي وضع سيئ، لكنني أرى أن طريق الإصلاح هو الأنسب للتغيير، لأن الثورة كلفتها عالية.
يمكنني أن أُصنّف نفسي إصلاحيًا، ولستُ ثوريًا، وهذه قناعة ذاتية لا تقلل من احترامي للذين يرون أن “طريق الثورة هُدى الأحرار”، كما غنّى محمد الأمين لهاشم صديق، رحمهما الله، فقد عطّرا حياتنا بإبداع لا أجمل منه.
استمررتُ في الكتابة الصحفية، الراتبة وشبه الراتبة، في عهد سوار الذهب/الجزولي الانتقالي، ثم سنوات الصادق المهدي الحزبية، وطوال عشريات الإنقاذ الثلاث، وعهد البرهان، ثم مرحلة البرهان/حميدتي/حمدوك.
وتوقفتُ عن الكتابة تمامًا في مارس 2021، أي في عهد البرهان/حميدتي/حمدوك، ثم أصبح التوقّف إجباريًا بعد أن كان اختياريًا، وذلك بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023.
بعد التوقف، عدتُ إلى الحواشة التي ورثتُها عن الوالد، فأصبحتُ مزارعًا محترفًا، بعد أن كنتُ أتعامل معها مجبرًا في الطفولة، وهاويًا بعد التخرّج، ثم مراقبًا بعد وفاة الوالد في 2013، رحمه الله رحمة واسعة.
أما عودتي الأخيرة للحواشة، فقد كانت مختلفة؛ إذ أدمنتها وأحببتها كما أحبها الوالد، والأهم أنني طوّرت اهتمامي الأكاديمي والإعلامي بمشروع الجزيرة، فالتجربة العملية علّمتني ما لم أكن أعلم.
في تلك الأيام “الحواشية”، زارني في القرية الصديق العزيز ضياء الدين بلال، الذي كان قادمًا من قطر في أول إجازة له. ولضياء الدين حاسّة صحفية متقدة، وقدرة عالية على تحويل كل ما تقع عليه حواسه إلى عمل إعلامي متقن.
فلا شك أنه لاحظ هيئة المنزل المتغيرة، حيث كانت جولات المحاصيل المختلفة، المرفوعة في اللساتك والمغطاة بالمشمع، تحتل صدر الحوش، والكارو عند الباب، وحاجات تانية “حامياني”.
أخرج ضياء جواله الذكي، وثبّت كاميرته، وأوقفني أمام المحاصيل، وسألني سؤالًا مباشرًا: إلى ماذا وصلتَ في تجربتك الجديدة؟
رغم أنه فاجأني، أجبته بما جاد به الذهن، وبثّ ضياء ذلك الفيديو في صفحته الواسعة الانتشار، فأقام ذلك الفيديو الدنيا، بعد أن ظننتُ أنني أصبحت خارج ذاكرة الناس.
بذل ضياء جهدًا مقدّرًا لإقناعي، وإقناع الأستاذ عمار فتحي شيلا، مدير قناة النيل الأزرق، بعودة برنامج “سبت أخضر” الذي كنتُ أقدّمه، لكن “الدعامة” كانوا أسرع!
لقد قلتُ لضياء إنني توصلتُ إلى وعيٍ بالمشروع، لو قرأتُ مجلدات، لما وصلتُ إليه. ومن تجربتي الخاصة، أرى أنه يمكن مضاعفة العائد من المشروع، في ظل أوضاعه الحالية، شريطة أن يُغيّر المزارع فهمه وعلاقته بالحواشة.
وقلتُ: مثلما اختفى المفتش أو كاد، يجب أن يختفي “مندوب المزارعين”، فكلاهما أقعد بالمشروع. وهذا لا يعني الاستغناء عن الزراعيين، بل إن المشروع بحاجة إلى عشرات الآلاف من الزراعيين، إن لم نقل مئات الآلاف، بمعدل خبير زراعي – وليس مفتش – لكل ألف فدان. وساعتها، ستكون نسبة الدخول إلى كليات الزراعة أعلى من كليات الطب.
قمتُ بتخطيط ذهني لتقديم ما توصلتُ إليه، وناقشتُ بعض المزارعين والمهتمين فيما وصلتُ إليه، وقررتُ إقامة جلسة تفاكرية لبعض الذين أثق في معرفتهم، لتقويم أو تصحيح أو حتى رفض الرؤية التي توصلتُ إليها.
وبينما كنتُ في تلك الحالة من “اللملمة الذهنية”، اندلعت الحرب الحالية، فحدث ما حدث، وأصبحنا في أنفسنا المجروحة، وقريتنا المنكوبة، ووطننا الكبير المغدور…
ألم أقل لكم إن هذه الحرب، بإصرارها غير المرئي، لا تُعدّ ولا تُحصى؟