عام مضى بما تضمن من أفراح وأتراح، بكل ما حمل من تصادمات وحروب، بما أخذ من أحلام تحققت وأخرى تساقطت، بندبات الفقد في أرواح الأحياء ومخابئ الذكرى والحنين في قلوب الأحبة، عام آخر يجيء محملا بأمنيات جديدة وأحلام ورؤى أغلبها يتعلق بالسلام مطلبا عاما لم يعد سهل المنال، السلام الداخلي والمحلي والعالمي، وما ذاك إلا لانتشار العنف وتفشي العداء مهما اختلفت المسوغات وتبدلت الأسباب وتفاوتت القوى، ليس ذلك بغريب إن استشعرنا حاجة الإنسان الماسة لتلك المساحات من السلام سعيا لراحة يطلبها الجسد لتهنأ بها الروح، وحين يجنح إنسان عن السلام المأمول ابتغاء العنف والقسوة والتصادم فذاك شذوذ عن قاعدة المنطق وبعد عمّا تألفه الطبيعة البشرية في نبذها عبثية العنف وتعوّد الأذى، مع وداع عام مضى استقبالا لعام مقبل يخطط كثير من الناس لجعل هذه النقلة بوابة لمرحلة جديدة من الفرح والطموح، من الاستقرار والهدوء، الإنجاز والتحقق كما يخطط بعضهم لعنف لا يخطر على عقل، حين يختار هؤلاء هذه النقلة الزمنية تحديدا لمشاهد دموية لا تنسى بما تتضمن من إزهاق أرواح، وصدمة أسر، ورعب مجتمعات أرادت واقعا آمنا بعيدا عن كل التصادمات فباغتتها خطط شريرة قررت جعلها ميدانا لحروب غير معلنة سواء مع الذات أو مع الآخرين، أو حتى ميدانا لتصفيات وحسابات نفعية لم تر في البشر أي صفة تستحق البقاء، ولا في المكان ما يستدعي الانتماء والأمان.
تحاول هذه المقالة الوقوف على حوادث العنف والإرهاب المسجلة في كثير من مدن العالم ليلة رأس السنة الميلادية، لماذا يميل مرتكبو أعمال العنف دائما إلى مباغتة أوقات الفرح والاحتفاء والتعبد، سواء كانت أوقاتا شخصية أو جماعية؟ أي متعة يجد هؤلاء في مزج الفرح بالحزن، والاحتفاء بالوداع، واللقاء بالصدمة؟ ومتى نتخلص من تمييز الغرب بين حوادث العنف في منحها مسميات سياسية تتوافق وأجندات الحكومات السياسية حين تتشابه حادثتا عنف فنجد صفة الأولى إرهابا بينما الثانية اكتئابا؟
الحديث هنا عمّا أورده مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي حول سائق سيارة تيسلا «سايبرتراك» انتحر قبل انفجار مركبته واحتراقها بالكامل خارج فندق ترامب بمدينة لاس فيجاس يوم رأس السنة، حيث وصف بأنه كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، مشددين على أن لا صلة للحادث الذي أدى إلى جرح سبعة أشخاص بـ«الإرهاب»، وأطلق ماثيو ليفلسبيرغر (37 عاما)، العنصر في القوات الخاصة الأمريكية، النار على نفسه بينما كان داخل الشاحنة المستأجرة من طراز «سايبرتراك» التي تنتجها شركة تسلا، محملة بحاويات وقود صغيرة ومفرقعات، ما لبثت أن انفجرت والتهمت نيرانها المركبة، ليسفر الانفجار عن جرح سبعة أشخاص، ثم حادثة الدهس التي وقعت في مدينة نيو أورلينز في الأول من يناير كذلك، حين قام جندي سابق في الجيش الأمريكي مناصر لتنظيم «داعش»، بدهس حشد من الناس يحيون بداية السنة الجديدة، ما أسفر عن مقتل 14 شخصا على الأقل، قبل أن ترديه الشرطة قتيلا، وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» إن منفذ الهجوم المدعو شمس الدين جبار، قد تصرف بمفرده بعد أن ألهمه تنظيم «داعش».
ورغم إعلان ناطق عسكري عن وزارة الدفاع الأمريكية أن جبار عمل في الجيش كمتخصص في الموارد البشرية وفي تكنولوجيا المعلومات بين عامَي 2007 و2015، ثم في قوات الاحتياط حتى 2020. وعمل في أفغانستان من فبراير 2009 حتى يناير 2010، مضيفا إنه كان يحمل رتبة رقيب أول في نهاية خدمته بشكل نظامي بعد منحه ميدالية «الحرب العالمية على الإرهاب» لخدمته في أفغانستان! بعد نهاية خدمته العسكرية، عمل جبار في مجال العقارات في هيوستن، ومؤخرا كـ«متخصّص كبير في الحلول» مع شركة الاستشارات ديلويت، حيث كان يكسب حوالي 125 ألف دولار سنويا.
رغم تشابه القرائن بين الحادثتين صنفت حادثة ماثيو ليفلسبيرغر باضطراب ما بعد الصدمة، وحادثة شمس الدين جبار بالعمل الإرهابي المتصل بتنظيم داعش، بعد تجاوز التعجب عن التمييز الدائم في حال كان الفاعل مسلما أو عربيا لا بد من الوقوف على دوافع هذه الجرائم الحقيقية إن ما وضعنا بعين الاعتبار أن مرتكبي هذه الجرائم اللاإنسانية ليسوا من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، وليسوا من أصحاب السجلات الجنائية المتمرسين في الإجرام، بل عسكريون أدركوا قيمة التضحيات لأجل الوطن ولأجل الإنسانية، فما الذي ضلل أفكارهم وحاد باعتدالهم إلى العنف والتطرف؟ لا بد من وقفة على الشحن النفسي والصراعات الفكرية، التي قد تحطم معتقدات الأمس الراسخة على صخرة الواقع الإجرامي للأنظمة السياسية الكبرى، واستغلال طاقات البشر لتنفيذ أجندات اقتصادية سياسية لا تعير إنسانية المرء عناية أو اهتماما، سواء كان عسكريا أو مدنيا حين يتكشّف للمرء أنه محض قطعة شطرنج على طاولة المتنافسين والندماء.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إف بي آي يكشف تفاصيل جديدة عن هجوم نيو أورليانز
كشفت السلطات الأميركية أن منفذ هجوم نيو أورليانز في ولاية لويزيانا زرع جهازين متفجرين يمكن التحكم بهما عن بُعد في نقطتين على شارع بوربون الذي وقع فيه الهجوم.
جاء ذلك في بيان أصدره مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات (إيه تي إف)، بحسب ما ذكرته شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية أمس السبت.
وأشار البيان إلى عثور السلطات على جهازين متفجرين يمكن التحكم بهما عن بُعد تركهما منفذ الهجوم شمس الدين جبار في نقطتين على شارع بوربون التاريخي في نيو أورليانز.
وقال "إف بي آي" إنه تم ضبط سلاحين وجهاز تحكم عن بُعد كان يفعّل الجهازين المتفجرين من داخل سيارة جبار.
ولفت البيان إلى أن الجهازين المتفجرين كانا يحتويان على مكون نادر جدا، وأنه لأسباب غير معروفة لم تنفجر المواد التي داخلهما.
ويواصل كل من "إف بي آي" و"إيه تي إف" التحقيقات لتحديد كيفية تصنيع هذا المكون.
FBI literally photographed the ISIS flag from the truck of the New Orleans terrorist, and still tried to tell us this wasn’t a terrorist attack… pic.twitter.com/BCiZcvXntc
— Kevin Dalton (@TheKevinDalton) January 1, 2025
إعلان نشرة تحذيريةوأصدر كل من "إف بي آي" ووزارة الأمن الداخلي والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب أول أمس الجمعة نشرة تحذيرية لوكالات إنفاذ القانون لضرورة الانتباه لخطط هجوم مماثلة بالمركبات.
ودعت النشرة إلى الحذر من حالات مثل التناقض في تبيان سبب استئجار السيارة أو رفض الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بسبب الاستئجار.
كما أكدت النشرة على ضرورة إرسال إشعارات إلى الجهات الأمنية بشأن وقوف سيارات مستأجرة بالقرب من "منشآت حساسة" لفترة طويلة.
ووقع هجوم نيو أوليانز في الساعات الأولى من عام 2025، وأدى إلى مقتل 15 شخصا وإصابة 35 آخرين، ونفذه مواطن أميركي من ولاية تكساس (جنوب) يدعى شمس الدين جبار (42 عاما).
وأعلن مكتب التحقيقات الفدرالي أن جبار نفذ الهجوم بشاحنة صغيرة مستأجرة، وتم العثور على علم تنظيم الدولة الإسلامية في الشاحنة.
وبحسب وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، فقد خدم جبار في الجيش من مارس/آذار 2007 حتى يناير/كانون الثاني 2015، بما في ذلك في أفغانستان بين 2009 و2010، وأنهى خدمته برتبة رقيب أول.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن سجلات الجيش الأميركي أن جبار حصل على "ميدالية الحرب على الإرهاب" خلال خدمته العسكرية.