العدل الإلهي: ملامح الحلال والحرام وأثرهما في حياة المسلم
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق إن الله سبحانه وتعالى قد بيَّن بوضوح ملامح الحلال والحرام، وجعل الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بواحدة، ليُظهر عدله ورحمته اللامتناهية. وأوضح أن الله سبحانه وتعالى وضع المقارنة بين الحسنات والسيئات بطريقة تجعل الحسنات تذهب السيئات، وأتاح للإنسان فرصة التوبة والاستغفار، هذه الرؤية تظهر كيف أن الله عز وجل لا يظلم أحدًا، بل يُسهم في إعادة التوازن بين الخير والشر، ويمنح الإنسان فرصًا عديدة للتوبة وتصحيح أخطائه، مما يعكس سعة رحمة الله وعظيم عدله.
الرحمة الإلهية تتجلى في أن الله فتح باب التوبة للإنسان، وجعل الحسنات تذهب السيئات، مما يُظهر سعة رحمة الله مع عباده. فالله سبحانه وتعالى يجعل التوبة والطاعات مجالاً للمغفرة وإزالة الذنوب، وهو ما يعزز مفهوم الرحمة التي لا حدود لها. فبقدر ما نخطئ، يظل باب التوبة مفتوحًا لمن يراجع نفسه ويسعى للإصلاح. هذه الرحمة تتجاوز المظالم التي قد يقع فيها الإنسان وتفتح له أفقًا جديدًا للعودة إلى الله.
طلب العدل بدلاً من الرحمة: جهل وغرور في فهم الذاتحذر جمعة من القول: "اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك"، مؤكدًا أن هذا يُعد جهلًا بالله وظهورًا للكبر. فهذا القول يحمل في طياته نوعًا من الكبرياء، حيث يظن الشخص أنه لم يقترف خطأً يستحق العقاب، وبالتالي يطلب من الله أن يعامله بالعدل دون أن يعترف بضعفه وحاجته للرحمة. كما أن هذه الفكرة تتناقض مع حقيقة أن الكبرياء لله وحده، كما جاء في الحديث القدسي: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي»، وهو تذكير بأن الله هو المتعال والمستحق للكبرياء والعظمة، بينما الإنسان يجب أن يتحلى بالتواضع والاعتراف بحدوده.
الإنسان بين ضعفه وتكريمه الإلهي: كيف نعي مكانتنا في الكونعلى الرغم من ضعف الإنسان أمام عظمة الكون، إلا أن الله كرَّمه وأسجد له ملائكته، ليُظهر أن التكريم لا يأتي من القوة المادية بل من فضل الله ورحمته. فعلى الإنسان أن يتذكر دائمًا مكانته في الكون ويعلم أنه رغم ضآلته وضعفه في هذا العالم الكبير، إلا أنه مكرَّم عند الله. هذه التكريم ليس ناتجًا عن قوته أو حجمه، بل هو تكريم إلهي فطري، حيث قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. فالتكريم الذي نالته البشرية هو تكريمٌ من الله سبحانه وتعالى، فيجب على الإنسان أن يتحلى بالتواضع أمام هذا الفضل العظيم.
الشك والتكذيب: الغفلة والتعالي على اللهتأملات في حال الذين يقولون: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، وكيف يعكس هذا الكلام شكًا وغفلة عن رحمة الله وعدله. هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في الدنيا غافلين عن ذكر الله أو يتوغلون في لذائذ الدنيا، ينتهي بهم الحال إلى الشك في وعود الله ووعيده.
فهم يُظهرون تكذيبًا بكلماتهم هذه، ويعتقدون أن وعد الله غير محقق، مما يُعد نوعًا من الكفر والتكبر. هذا التصرف ينم عن الغفلة عن حقيقة الحياة والموت وعواقب الأفعال.
التواضع والإيمان: رسالة النبي ﷺ في الاعتماد على الله وحدهالنبي ﷺ كان دائمًا يُظهر تواضعه ويؤكد أن لا قدرة له على شيء إلا ما شاء الله، وهو ما يجب أن يتعلمه كل مسلم.
النبي ﷺ كان يدرك تمامًا أن كل شيء في حياته هو بتقدير الله ومشيئته، لذلك كان يقول دائمًا: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا»، ليعلم الأمة جميعًا أنه لا قدرة لأحد على التأثير في مجريات الأمور إلا الله سبحانه وتعالى. هذه الرسالة تدعو إلى التواضع والاعتراف بأن الإنسان لا يملك من أمره شيئًا، وأنه يجب أن يعتمد على الله في كل خطوة، ويعيش متوكلًا عليه، مؤكداً بذلك أن العظمة الحقيقية هي في التواضع أمام الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النبي رسالة النبي الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى أن الله
إقرأ أيضاً:
انطلاق فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم
عقدت مديرية أوقاف الفيوم برئاسة الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الثقافي بجميع إدارات الأوقاف الفرعية.
جاء ذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور أسامه الأزهري وزير الأوقاف، وبحضور نخبة من كبار العلماء والأئمة المتميزين، وجمع غفير من رواد المساجد.
وخلال اللقاءات أكد العلماء أن محاسبة النفس زاد المتقين، وسبيل النَّجاة يوم الدين، وقد أقسم الحق سبحانه بالنفس الكريمة التي تُكثِر لَوْمَ صاحبِها ومحاسبتَه، يقول سبحانه: “وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ”، ودعانا نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) إلى محاسبة النفس، وأخبرنا أن أذكى المؤمنين هو الذي يضع الموت في حسبانه ويعمل لآخرته، فحينما سئل نبينا (صلى الله عليه وسلم) أي المؤمنين أكيس؟ قال (صلى الله عليه وسلم): “أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا”، ويقول سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن تُوزَنُوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر: “يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ”.
وأشار العلماء وأئمة الأوقاف إلى أنه إذا كان الإنسان سيلقى ربه سبحانه، ويحاسبه ويسأله عن كل شيء؛ فحُقَّ له أن يحاسِب نفسه قبل أن يُحاسَب، حيث يقول الحق سبحانه: “وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ”، ويقول سبحانه: “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”، ويقول تعالى: “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”، ويقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة “.
العلماء: العاقل هو الذي لا يغفل عن دوام محاسبة نفسهكما أوضح العلماء أن العاقل هو الذي لا يغفل عن دوام محاسبة نفسه، ويتزوَّد بالتقوى ليوم القيامة، حيث يقول الحق (سبحانه): “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى”، ويقول سبحانه: “وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”، ويقول تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”، لافتين إلى أنه بالمحاسبة تُزَكَّى النفس وتُرَقَّى إلى معالي الأمور وصالح الأخلاق، حيث يقول الحق سبحانه: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”، ويقول الحسن البصري (رحمه الله): إنَّ العبدَ لا يزالُ بخيرٍ ما كان له واعظٌ مِن نفسه، وكانت المحاسبةُ مِن هِمَّتِه، ولا شك أن محاسبة النفس لا تقف عند حد النظر فيما قدمت لآجلتها، ومحاسبتها على أداء الشعائر من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ ونحو ذلك، بل يمتد مفهومها ليشمل محاسبة النفس على ما قدمت لعمارة الكون ، وماذا قدم الإنسان لأهله ووطنه والإنسانية من علم نافع وعمل جاد ، فالعاقل هو من يعمِّر الدنيا بالدين ، ويلبي نداء وطنه متى دعاه الوطن أو احتاج إليه، فما أحوجنا إلى دوام محاسبة النفس، والمبادرة بتعجيل التوبة الصادقة؛ والعزم الصادق على الإصلاح، حيث يقول نبينا (عليه الصلاة والسلام): “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”.