أنقرة- أثار تصريح وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بشأن استعداد بلاده للتفاوض مع سوريا حول ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، جدلا واسعا وفتح باب التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق من شأنه إعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

وقال أورال أوغلو إن اتفاقا كهذا سيساهم في تعزيز نفوذ البلدين في استكشاف موارد الطاقة، مشددا على أن أي اتفاق مستقبلي سيتم وفقا لأحكام القانون الدولي.

وأكد الوزير التركي أن أنقرة تأمل التوصل إلى تفاهم مع الإدارة السورية الجديدة بشأن ترسيم حدود الصلاحيات البحرية في شرق المتوسط، وبيّن أن الاتفاقية المحتملة ستتيح للبلدين "توسيع وتقاسم مناطق التنقيب عن النفط والهيدروكربونات في إطار قواعد القانون الدولي".

كما أشار إلى أن إبرام هذه الاتفاقية قد يؤدي إلى "تحولات كبيرة في موازين القوى في شرق البحر المتوسط"، لكنه استدرك قائلا إن "المفاوضات بهذا الشأن ليست على جدول أعمال تركيا حاليا"، موضحا أن هناك قضايا أساسية ينبغي معالجتها أولا.

يُذكر أن المسح الجيولوجي الأميركي قدّر في سنة 2010 إجمالي ما تحتويه منطقة حوض الشام من جهة البحر المتوسط، والتي تطل عليها مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وتركيا وإسرائيل بـ3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من النفط.

قلق إقليمي

ورغم تأكيد وزير النقل التركي أن ترسيم الحدود البحرية مع سوريا "مجرد مقترح" مؤجل إلى حين تشكيل حكومة وقيادة سورية معترف بها، وعدم صدور أي رد رسمي من الجانب السوري على التصريحات التركية، فإن تصريحاته أثارت موجة من الاعتراضات والرفض لدى عدد من الدول، التي اعتبرت الخطوة تهديدا للتوازنات الإقليمية القائمة في شرق البحر المتوسط.

إعلان

فقد كشفت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية أن أثينا ونيقوسيا بدأتا تحركات داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة احتمال إبرام اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا، معتبرة أن مثل هذا الاتفاق قد يضر بمصالح قبرص.

وأكد الزعيمان اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والقبرصي نيكوس كريستودوليدس، خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، أن الاتفاق سيمثل "تجاهلا للحقوق السيادية لقبرص"، ووصفا ذلك بأنه "غير مقبول".

من جهتها، أصدرت خارجيتا اليونان وقبرص بيانات حادة وصفت الاتفاق المحتمل بأنه "غير قانوني"، مشيرة إلى أنه ينتهك القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كما وصفت وزارة الدفاع الوطني اليونانية الخطوة بأنها "غير ودية"، محذرة من تداعياتها السلبية على العلاقات بين تركيا واليونان.

في هذا الإطار، أكدت قبرص أنها تراقب التطورات عن كثب، مشددة على استمرار التنسيق مع اليونان لإطلاع قادة الاتحاد الأوروبي على التحركات التركية والحصول على دعمهم، وأوضح المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس أن "أي اتفاق بحري يجب أن يحترم حقوق قبرص السيادية ويلتزم بالقانون الدولي".

سفينة حربية تركية تحرس إحدى سفن التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط (الأناضول) الخطوط الحمراء

من جانبه، قال المحلل السياسي أحمد أوزغور إن التخوفات بشأن مقترح تركيا لترسيم الحدود البحرية مع سوريا تعكس التوتر المتصاعد في شرق المتوسط، نتيجة التنافس الإقليمي على النفوذ والموارد.

وأوضح المحلل في حديثه للجزيرة نت، أن تركيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز حضورها الإقليمي، مستندة إلى مواقفها السابقة التي ترفض الاعتراف بالإدارة القبرصية اليونانية كممثل وحيد للجزيرة، وتؤكد ضرورة إشراك جمهورية شمال قبرص التركية في أي مفاوضات تتعلق بالموارد أو الحدود البحرية.

إعلان

وأضاف أوزغور أن أي اتفاق بحري بين تركيا وسوريا "سيكون مشروعا إن هو تم وفق القانون الدولي"، وأشار إلى أن المخاوف اليونانية والقبرصية بشأن انتهاك حقوقهما السيادية "قد تكون مبنية على افتراضات أكثر من حقائق، خاصة أن تركيا قدمت سابقا مبادرات للتعاون الإقليمي، لكنها قوبلت بالرفض حفاظا على مصالح أحادية".

واستدرك قائلا إن تركيا تسعى لتوسيع نفوذها دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تصعيد مع الاتحاد الأوروبي أو دول المنطقة، مستفيدة من نجاحها في اتفاقها البحري مع ليبيا.

وختم أوزغور حديثه بالتأكيد على أن هذه المخاوف تعكس قلقا مبالغا فيه، حيث تسعى تركيا لتعزيز موقفها القانوني والسياسي، مع ترك الباب مفتوحا للحلول التعاونية التي تفيد جميع الأطراف.

ذاكرة إقليمية

عند الحديث عن مقترح تركيا لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، يعود إلى الأذهان الاتفاقية التي أبرمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج في عام 2019، وهي اتفاقية هدفت إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وأثارت موجة من الجدل على الصعيدين الداخلي الليبي والإقليمي.

فعلى الساحة الليبية، واجهت الاتفاقية اعتراضات واسعة، إذ لم تكن حكومة السراج تمثل الدولة الليبية بأكملها، وقد رأت دول عدة أن الموقعين الليبيين "لا يملكون التفويض الشعبي أو الشرعية القانونية" لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات، كما وُجّهت اتهامات لأنقرة باستغلال علاقتها الوثيقة مع حكومة طرابلس لتمرير اتفاق يمنحها نفوذا إستراتيجيا في مياه المتوسط، مما أثار حفيظة أطراف إقليمية أخرى.

ورغم الاعتراضات، صادق البرلمان التركي على الاتفاقية في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2019، وفي اليوم ذاته أقرها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا.

وفي عام 2020، أضفى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعدا قانونيا دوليا على الاتفاقية بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك، لم تُنهِ هذه المصادقات الجدل حول الاتفاقية التي ظلت محط انتقاد دولي باعتبارها تحركا أحاديا يعيد رسم خارطة النفوذ في شرق المتوسط.

إعلان مكاسب محتملة

يرى الباحث في العلاقات الدولية مصطفى يتيم، أن تحقيق استقرار وسلام دائمين في سوريا، مع ظهور نظام جديد، يفتح الباب أمام بناء شراكة قوية بين تركيا وسوريا، مشابهة لتلك التي أُقيمت مع ليبيا وقطر وأذربيجان.

وقال يتيم في حديث للجزيرة نت، إن هذا التطور قد يؤدي إلى تتويج العملية التي بدأت مع الأحداث في ليبيا، مما يُرسخ دور تركيا كدولة محورية في تقاسم مناطق النفوذ في شرق البحر المتوسط، وتشكيل سوق طاقة عالمي مستقر، وحل قضية قبرص بشكل عادل وسلمي.

وأضاف أنه بالرغم من التحديات القائمة، فإن التعاون بين تركيا وسوريا، والشراكة الحالية مع ليبيا، والمبادرات المحتملة مع لبنان في المراحل المقبلة، ستُسهم في تحقيق توازن واضح في معادلة شرق المتوسط أمام دول مثل إسرائيل ومصر، وبشكل أوسع أمام اليونان وفرنسا.

وأكد أن هذه التحركات تُظهر استحالة فرض الأمر الواقع ضد تركيا، مما يفضي إلى التركيز على التعاون والاستقرار بدلا من الصراع وعدم الاستقرار.

ومن المنظور السوري، يرى يتيم أن سوريا ستستفيد من الوصول المستقر إلى الأسواق الأوروبية، واكتشاف احتياطيات الطاقة في شرق المتوسط دون الانزلاق إلى الصراعات، وتفعيل الموانئ في التجارة ومجالات أخرى من خلال التعاون التكنولوجي. لكنه شدد على أن الشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو تأسيس بيئة من الاستقرار والسلام الدائمين في سوريا.

وبالنسبة لتركيا، أوضح يتيم أن هذا التطور يُمثل فرصة لتعزيز حقوقها وحماية حقوق جمهورية شمال قبرص التركية في مناطق شرق المتوسط، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، وترسيم الحدود البحرية، واحتياطيات الطاقة، وحرية الملاحة، وتثبيت السيادة في المناطق البحرية، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في إطار عملية جدية لحماية المصالح التركية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترسیم الحدود البحریة فی شرق البحر المتوسط الاتحاد الأوروبی بین ترکیا وسوریا القانون الدولی فی شرق المتوسط مع سوریا إلى أن

إقرأ أيضاً:

حقيقة فيديو انتشار قوات عراقية على الحدود بعد الأحداث في سوريا

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تداولت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعية مقطع فيديو منسوب إلى انتشار قوات حرس الحدود العراقية مع سوريا، بعد الاشتباكات الأخيرة بين قوات الأمن السورية ومسلحين موالين للرئيس السابق بشار الأسد.

واندلعت أعمال عنف في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، وهي مناطق حظي فيها الأسد بدعم قوي بين العلويين السوريين، وشهدت اندلاع أعمال عنف طائفية خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وراح ضحية الأحداث مئات الأشخاص، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وحصدت نسخة من الفيديو المنسوب لانتشار قوات حرس الحدود العراقية، على أكثر من مليون مشاهدة في منصة إكس.

لقطة شاشة من الفيديو المتداول بسياق مٌضلل

 وصاحب المقطع تعليق يقول: "استعدادات كبيرة لقوات الحرس الحدود العراقية على الحدود السورية - العراقية .إلى عصبة الجولاني إن كان بينكم رجل ليتقرب إلى الحدود . بطلوا نباح وتعالوا".

عندما تحقق موقع CNN بالعربية من الفيديو، وجد أنه جرى تصويره في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، قبل أيام من سقوط نظام الأسد، ولا يرتبط بالتطورات الأخيرة في سوريا.

لقطة شاشة من الفيديو الأصلي منشورة في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024

وكان الفيديو مأخوذًا في نفس يوم تدريب عقدته قوات حرس الحدود العراقية في المنطقة السادسة على الشريط الحدودي العراقي السوري، حسبما تُظهر مشاهد مشابهة للفيديو المتداول، كانت قوات حرس الحدود العراقية قد نشرتها في صفحتها عبر فيسبوك، في ذلك الوقت. 

 

ومنذ الإطاحة بنظام بالأسد في سوريا، عزّز العراق إجراءاته الأمنية على الحدود بالاستعانة بقوات من وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة قوات الحشد الشعبي شبه العسكرية. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت السلطات اكتمال بناء 400 كيلومتر من جدار فاصل بين البلدين.

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد يعيد تشكيل مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل برئاسة حمدان بن محمد
  • فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا
  • كيف يعيد دونالد ترامب إحياء الأسطورة الأمريكية المتعلقة بـ الحدود؟
  • من الهيبة إلى تحت سابع أرض.. كيف يعيد تيم حسن تشكيل نجوميته؟
  • حقيقة فيديو انتشار قوات عراقية على الحدود بعد الأحداث في سوريا
  • مخاوف حول تنظيم كأس العالم 2026.. ما الصعوبات التي ستواجهها أمريكا؟
  • جدلية الدولة والفكر.. هل تصنع سوريا الجديدة تاريخها أم يعيد التاريخ نفسه؟
  • ترامب يعيد تشكيل وزارة العدل
  • سوريا.. إفشال هجوم على قيادة القوات البحرية في اللاذقية
  • تركيا والسعودية تحذران من تصاعد التوترات بغرب سوريا