لطالما شكلت سوريا عقدة الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، حيث لا تكتمل الخرائط الاستراتيجية من دون أن تتوسطها دمشق التي تحتل موقعا يجعلها نقطة التقاء للمصالح أو صراع على النفوذ ومسرحا دائما للتنافس السياسي والعسكري بين القوى الكبرى.

 

خلال الأسابيع الماضية التي أعقبت سقوط الأسد، تحولت سوريا لمحور اهتمام دولي وإقليمي فسلكت وفود الدول طريق دمشق، ورغم أن الهدف هو جس النبض لقائد الإدارة الجديد أحمد الشرع القادم من خلفية جهادية، وتقييم الواقع على الأرض فإنها تؤسس لمرحلة المفاوضات والمساومات المستقبلية.

 

وفي ظل مطالب الدول وتخوفات البعض منها، يبرز التساؤل عن الكيفية التي ستدير بها القيادة السورية الجديدة لعبة التوازنات الدقيقة والمصالح المتشابكة على الجغرافيا السورية؟

   

الصراع على سوريا

تحت عبارة "من يقود الشرق الأوسط لبد له من السيطرة على سوريا" ركز الكاتب البريطاني الشهير باتريك سيل في كتابه "الصراع على سوريا" على أهميتها في المنطقة، وكيف أصبحت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي مركزا للصراعات.

 

ولأن "سوريا مرآة للمصالح المتنافسة على المستوى الدولي مما يجعلها جديرة بعناية خاصة"، كما يقول سيل، تحولت خلال العقد الماضي، إلى واحدة من أكثر الساحات تعقيدا للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تنافست قوى متعددة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وتوسيع نفوذها.

 

وتوزع اللاعبون، خلال السنوات الماضية، على مختلف الجبهات السورية، فالولايات المتحدة في الشرق، وروسيا وإيران في الوسط والغرب، وتركيا في الشمال، إلى جانب بعض الدول العربية وخاصة الخليجية التي دعمت نظام الأسد لمنع أي تمدد تركي.

 

في شرقي سوريا قادت الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب، تحالفا دوليا لمحاربة تنظيم داعش وضمان عدم عودته إلى الأراضي السورية، واستخدمت واشنطن هذه الحرب ذريعة لتبرير وجودها العسكري ودعم قوات سوريا الديمقراطية كحليف رئيسي على الأرض، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقة مع تركيا الحليف القوي في الناتو.

 

إضافة إلى ذلك، كانت أولويات واشنطن الاستراتيجية تشمل ضمان أمن إسرائيل، والحد من النفوذ الإيراني، وإضعاف روسيا ومنعها من تحقيق سيطرة كاملة في سوريا.

 

على الجانب الآخر، شكلت سوريا بالنسبة لروسيا منصة حيوية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وإظهار قوتها كدولة عظمى على الساحة الدولية، فقدمت دعما مطلقا لنظام الأسد، عسكريا وسياسيا، مقابل الحصول على قاعدة استراتيجية على البحر الأبيض المتوسط، تمثلت في قاعدة حميميم، مما منحها موطئ قدم في المنطقة.

 

أما الدول العربية فتباينت مواقفها تجاه الملف السوري، فركز بعضها على الحد من النفوذ الإيراني، بينما دعم البعض الآخر النظام في مواجهة أي نفوذ لتركيا في سوريا، والتي تعتبر الرابح الأكبر مما يجري بسبب علاقتها الجيدة مع الإدارة الجديدة.

   

تغير المعادلة

مع سقوط الأسد، تغيرت المعادلة وموازين القوى وظهرت شروط ومطالب جديدة، ترافقها مخاوف متزايدة، خاصة من الدول العربية، بشأن احتمالية عودة تيارات التشدد الإسلامي أو تصدير الثورات، مما يضيف مزيدا من التعقيد إلى المشهد السوري.

 

بدورها ربطت الدول الغربية أي تعاون مستقبلي مع الإدارة الجديدة بخروج روسيا من سوريا، معتبرة ذلك شرطا أساسيا للمشاركة في إعادة الإعمار ورفع العقوبات، إلى جانب ضمان حقوق الأقليات، خاصة الأكراد، الذين يحظون بدعم أميركي كبير في الشرق.

 

هذه الشروط جسدتها تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين، إذ قالت رئيسة دائرة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كلاس، إن "أحد شرط حوار الاتحاد الأوروبي مع السلطات السورية الجديدة يجب أن يكون انسحاب القواعد العسكرية الروسية من سوريا"، مشددة على أن إيران وروسيا "يجب ألا تلعبا أي دور في بناء مستقبل سوريا الجديد".

 

من جانبه قال وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، إن رفع العقوبات عن سوريا سيكون مرتبطاً بإطلاق مسار سياسي وضمان حقوق الأقليات، كما أن إغلاق قواعد روسيا بسوريا سيكون ضمن الشروط الأوروبية لدعم دمشق".

 

وخلال زيارتها إلى العاصمة دمشق، الجمعة، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك على ضرورة انسحاب القوات الروسية من سوريا.

 

وقالت عقب لقائها الشرع في دمشق إن "أوروبا ستدعم سوريا الجديدة لكنها لن تقدم أموالا للهياكل الإسلامية"، مشيرة إلى أن "أوروبا حضت على عدم إقامة حكومة إسلامية عقب إسقاط النظام.

 

وشددت الوزيرة الألمانية على أن رفع العقوبات عن سوريا سيعتمد على تقدم العملية السياسية وإشراك كل الطوائف.

 

الرد الروسي لم يتأخر عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن "قائد السلطات الحالية في سوريا أحمد الشرع يتعرض لضغط كبير من الغرب لوقف تعامله مع روسيا". 

 

براغماتية الشرع

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، وخلال تصريحات إعلامية ولقاءات رسمية، حاول الشرع إيصال رسائل إلى الدول كافة بأن سوريا مهمة للغاية من الناحية الجيوستراتيجية، وأن الغاية الأساسية التي يسعى إليها هي التنمية الاقتصادية، التي لن تحصل من دون علاقات استراتيجية ومصالح متبادلة مع الدول الأخرى.

 

"سوريا لديها شخصية مستقلة ولا تخضع للضغوط" بهذه الكلمات حدد الشرع ملامح المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالتعامل مع الدول ومصالحها والضغوط التي قد يتعرض لها، مؤكداً على تجنيب سوريا أي عملية تجاذبات سياسية يمكن أن تؤثر على الدول المجاورة.

 

وشدد الشرع، خلال مقابلته الأولى مع وسيلة إعلامية عربية، أن "سوريا لن تكون ساحة صراع بين روسيا والغرب، ولا تخضع للضغوط ونحن ننظر إلى مصالح شعبنا بالدرجة الأولى ونتعامل مع الدول على هذا الأساس.

 

أمام هذا المشهد والتصريحات، تدخل سوريا مرحلة جديدة ممتلئة بالتحديات ولعبة توازنات معقدة وحادة تتطلب قدرة على المناورة وإدارة المصالح المتضاربة من قبل الشرع الذي وصفته باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، عقب لقائه في دمشق بأنه "براغماتي".

 

ويرى الباحث السياسي محمود علوش أن تشكيل علاقة متوازنة مع مختلف القوى الفاعلة في الملف السوري هي من بين التحديات الكبيرة التي تواجه الإدارة الجديدة.

 

وقال علوش لموقع تلفزيون سوريا إن هناك أولويات للإدارة الجديدة على رأسها إقامة علاقات جيدة مع محيطها العربي والدول الغربية بسبب المزايا التي تحصل عليها وخاصة على المستوى الاقتصادي وإخراج سوريا من دائرة العزلة والعقوبات، وهذه المزايا تتجاوز في أهميتها بالنسبة للإدارة الجديدة أي مزايا يمكن أن تجلبها العلاقة الجيدة مع روسيا على سبيل المثال.

 

ورغم أن العلاقة مع روسيا لن تجلب مزايا كبيرة لسوريا الجديدة، بحسب علوش، لكن يمكن من خلالها أن تحد الإدارة الجديدة من مخاطر أن يتحول الدور الروسي إلى عقبة محتملة تفسد عملية التحول السياسي والاستقرار الأمني.

  

واعتبر علوش أن العلاقة مع روسيا لا تزال استراتيجية بالنسبة لسوريا، ما يفرض على الإدارة الجديدة إعادة تشكيل العلاقات من منظور مختلف، وبالتالي فإن العلاقات مع الغرب والمطالب التي يقدمها فيما يتعلق بمستقبل وجود القواعد الروسية سيضغط بشكل كبير على دمشق لإيجاد نوع من الموازنة في علاقاتها مع كل من موسكو والغرب.

   

إدارة اللعبة

يدير الشرع لعبة توازن دقيقة في إدارته الجديدة، مستهدفا تحقيق الاستقرار بين إرضاء بنيته الداخلية وخاصة القوى المقاتلة الأجنبية والمؤسسات الناشئة، وبين طمأنة دول الإقليم المتوجسة من النفوذ الإسلامي، وبناء علاقات متوازنة مع القوى الدولية الكبرى.

 

يرى مدير الأبحاث في مركز عمران للدراسات، معن طلاع، أن محددات التعاطي السياسي للإدارة السورية الجديدة تنقسم إلى أربعة محددات رئيسية، أولها يرتبط بالصورة العامة التي تسعى الإدارة إلى تقديمها عن نفسها، من خلال التأكيد على قدرتها على التحول من فاعل ما دون الدولة إلى فاعل دولة منسجم مع محيطه الإقليمي والدولي، مع الحرص على عدم إثارة مخاوف الدول المجاورة.

 

المحدد الثاني يركز على البعد السياسي والدبلوماسي، حيث تسعى الإدارة الجديدة إلى تقديم سوريا كبلد استقرار وليس ساحة للصراعات بين الدول، انطلاقا من قناعة بأن استقرار سوريا يمثل مفتاحا لاستقرار المنطقة كلها.

 

والمحدد الثالث، يرتبط بتحديات الإدارة نفسها، إذ اضطرت إلى تبني نموذج إدلب، ليس لأنه النموذج الأمثل أو الأكثر كفاءة، بل لأنه يمثل الخيار الأكثر أمانا في المرحلة الحالية لتحقيق الاستقرار المؤقت.

 

أما المحدد الرابع فيرتبط بالجانب المجتمعي سواء الشق الخدمي وتحديد الأولويات وتقديم حلول ملموسة لقضايا ملحة مثل ملف الطاقة والأمن الغذائي وتأمين الرواتب، أو فيما يتعلق بالسلم الأهلي والتعامل بحس الدولة مع قضايا حساسة مثل الأقليات.

 

وبحسب طلاع تواجه الإدارة الجديدة تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الداخل والخارج، ومن أبرز هذه التحديات كيفية التعامل مع الدول التي تبدي توجسا كبيرا من أي نموذج حركي للإسلام، مثل مصر.

 

ووفقا لمعطيات طلاع، فإن محاولة إرسال رسائل إيجابية للقاهرة لطمأنة مخاوفها تتعارض مع قرار ترفيع شخصية مطلوبة على قوائم الأمن القومي المصري إلى منصب قيادي برتبة عميد.

 

لكن في الوقت نفسه، تواجه الإدارة تحديا داخليا يتمثل في كيفية التعامل مع القوى التي قاتلت إلى جانب الشرع وواكبت جميع التحولات، وإيجاد طريقة لإبلاغها بأن دورها قد انتهى دون أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات داخلية تهدد استقرار الإدارة الجديدة.

 

وأشار طلاع إلى إمكانية اتخاذ الشرع استراتيجية سياسة "DDR" حيث يتم استيعاب هذه القوى مؤقتا قبل إخراجها تدريجيا من المشهد، وهو النهج الذي استخدمه سابقا في إدلب (ضد عناصر القاعدة)، لكن يبقى التساؤل عما إذا كانت دول مثل مصر والإمارات والأردن ستفهم هذه الرسائل وتبني عليها للتصالح مع الإدارة الجديدة.

  

ويرى طلاع أن الدول العربية تعتبر جزءا من معادلة التوازن، فيدرك الشرع أن هذه الدول تعاني من توجس تجاه ما قامت به "تحرير الشام"، حيث يحاول إيصال رسالة واضحة، بشكل مباشر أو غير مباشر، تؤكد على أهمية الدور العربي في تحقيق التوازن مع الدور التركي وخلق مساحة لوجود عربي فاعل يوازي الدور التركي في سوريا.

 

ويتابع أن "لعبة التوازن هنا تعتمد على قدرة الشرع على إدارة هذه المساحة بما يضمن تعزيز الوجود العربي من دون تعريض التوازنات الإقليمية للخطر".

 

من جانبه يرى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي أن الدول العربية وخاصة الإمارات ومصر والأردن متخوفة من التيار الإسلامي، خاصة إذا كان هذا التيار يحمل طابعا متشددا أو يتبنى فكر تصدير الثورة.

 

واعتبر أن هذه الدولة مستعدة للتعامل مع سوريا الجديدة واحتضانها ودعمها، بشرط أن تكون القيادة في سوريا تتسم بالاعتدال والانفتاح، وفي الوقت ذاته، تحرص هذه الدول على تحقيق توازن مع تركيا لضمان أن سوريا الجديدة لا تتحول إلى ولاية تركية أو تقع بالكامل ضمن نفوذ أنقرة.

 

وفيما يتعلق بالتعامل مع دول الاتحاد الأوروبي التي ستلعب دورا مهما في تمويل وإعادة إعمار سوريا، أكد بربندي أن الأوروبيين هدفهم الحقيقي والجوهري في سوريا هو إعادة اللاجئين وبالتالي يحرصون على أن يكون هناك استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي في سوريا.

 

وتسعى الإدارة السورية الجديدة إلى تحقيق توازن في التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي، بحسب طلاع، عبر التركيز على توفير بيئة آمنة تضمن عودة اللاجئين، فالشروط التي وضعها الأوروبيون، خاصة المتعلقة بخروج روسيا من سوريا، تبدو صعبة التنفيذ، لكن من المحتمل أن تواجهها الإدارة بتقديم خطوات ملموسة في ملف اللاجئين وتحقيق الاستقرار الأمني.

 

ويخلص طلاع إلى أن الشرع يدير لعبة توازن دقيقة للغاية وحادة جدا في ظل أوضاع إقليمية حساسة، حيث يكمن جوهر هذا التوازن الذي يعمل عليه أن كل دول الإقليم تسعى لاستقرار سوريا، ورغم أن بعض هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، قد لا تفضل استمرار هذه الإدارة الحالية، لكن الأولوية الإقليمية تتركز على إنهاء النزاع وضمان استقرار سوريا بعيدا عن النفوذ الإيراني.

 

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: السوریة الجدیدة الإدارة الجدیدة سوریا الجدیدة الدول العربیة الشرق الأوسط هذه الدول فی الشرق مع الدول مع روسیا فی سوریا من سوریا

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: منافسة شرسة بين تركيا وإسرائيل للتأثير على سوريا

قالت مجلة "إيكونوميست" إن المسؤولين العسكريين الأتراك كانوا يسافرون إلى سوريا ولعدة أسابيع ويتفقدون قواعد عسكرية سورية ويتباحثون في خطط لتزويد بعضها بأنظمة دفاعات جوية ومسيرات قتالية. وكانت التحضيرات جارية لسيطرة تركية على قاعدة "تي4" الجوية قرب تدمر.

ثم، في وقت متأخر من يوم 2 نيسان/أبريل، هاجمت "إسرائيل" القاعدة "تي4" وقصفت طائراتها الحربية مدرج القاعدة وأنظمة الرادار فيها وضربت قاعدتين ثانيتين على الأقل وأهدافا عسكرية أخرى في سوريا.

ولتبديد أي شك من قلق "إسرائيل" بشأن النشاط التركي في سوريا، أكد مسؤولوها فحوى الرسالة.



وحذر جدعون ساعر، وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، من أن سوريا في خطر أن تصبح محمية تركية.

وحذر يسرائيل كاتس، وزير الجيش، من أن قادة سوريا سيدفعون ثمنا باهظا إذا سمحوا لقوات معادية لـ"إسرائيل" بدخول سوريا وتعريض المصالح الأمنية للدولة اليهودية للخطر.

وقالت المجلة إن "إسرائيل" عبرت عن قلقها  من تنامي الدور التركي في سوريا، بما في ذلك إنشاء قواعد عسكرية وتزويد جيش الحكومة السورية بالأسلحة.

ومن جهتها تخشى تركيا من أن "إسرائيل" تريد تفكيك سوريا وتقسيمها.

ويتهم كل منهما الطرف الآخر بالتحضير لشن حرب بالوكالة ضد الآخر.

وتبدو "إسرائيل" عازمة على إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة.

وأدت الهجمات الإسرائيلية المتتالية على البنى التحتية للجيش السوري السابق إلى تدمير العديد من طائرات نظام الأسد القديمة سوفيتية الصنع.

ويقول ألبر كوسكون، الدبلوماسي التركي السابق الذي يعمل حاليا في وقفية كارنيغي للسلام الدولي: "لقد دمروا كل شبر من القدرات العسكرية التي رأوا أنها تمثل تحد محتمل للمصالح الأمنية الإسرائيلية".

واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حقوق الأقلية الدرزية السورية، وطالب بجعل الجنوب السوري منطقة منزوعة من السلاح.

وعبر المسؤولون الإسرائيليون عن شك في قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الذي وصفه وزير كاتس بأنه "جهادي إرهابي من مدرسة القاعدة".

وقد تعهد الشرع بمنع تحول بلده إلى ملجأ للجهاديين والمتشددين كما في عهد بشار الأسد. إلا أن الإسرائيليين يخشون من فتح الشرع المدعوم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المجال لحركة حماس التي استقبلها في تركيا، للعودة إلى سوريا.

كما يختلف الأتراك والإسرائيليون حول طبيعة الحكم في سوريا، فمن جهة  تدعو "إسرائيل" إلى حكم فدرالي تتمتع فيه الأقليات، بمن فيها الأكراد والعلويون بحكم ذاتي. وما جرى من أحداث في الساحل السوري ضد العلويين يؤكد كما يقولون أن الشرع لا يمكن الثقة به.

 ومن جهة أخرى لدى  الشرع والأتراك رؤية مختلفة، فهم يريدون حكومة مركزية قوية على رأسها رئيس بسلطات تنفيذية واسعة. وفي 13 آذار/ مارس وقع الشرع على إعلان دستوري يقوم على هذا النموذج.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال- شرق سوريا، قد وافقت قبل أيام من الإعلان على الانضمام للحكومة الانتقالية.

واتهم أردوغان، "إسرائيل" بأنها تقوم بإثارة النعرات الدينية والطائفية من أجل زعزعة استقرار البلد الخارج من حرب أهلية قاتلة.

 لكن ما يثير قلقه هي العلاقة بين "إسرائيل" والأكراد.

وتشك تركيا أن "إسرائيل" تستخدم قوات سوريا الديمقراطية لتقويض التأثير التركي في سوريا وتشعل المشاعر الانفصالية في داخل تركيا.

وتعتبر الأخيرة ومعظم الدول الغربية، حزب العمال الكردستاني، جماعة إرهابية.

ولم تبدد "إسرائيل" هذه المخاوف، ففي العام الماضي أشار ساعر إلى قوات سوريا الديمقراطية والأكراد باعتبارهم "حلفاء طبيعيين" لبلاده، ودعا العالم الخارجي إلى حمايتهم من تركيا.

وليس من الواضح ما إن كان يعني في كلامه أن "إسرائيل" قد تساعد في تسليح الأكراد في شمال - شرق سوريا، مع أن العديد من الإسرائيليين سيرحبون بفرصة جر أردوغان، الذي يدعم حماس، لكي يتجرع نفس السم.

ومن المؤكد أن تركيا تتعامل مع هذا الخطر بطريقة جادة. 

فقد كان الخوف من ظهور تحالف بين "إسرائيل" والأكراد عاملا رئيسيا وراء قرار تركيا العام الماضي بدء محادثات سرية مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان.

وقد أثمرت هذه المحادثات في آذار/مارس عندما أعلن حزب العمال الكردستاني وقفا مؤقتا لإطلاق النار.

وتقول دارين خليفة، من مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل: "تعتقد تركيا أن إسرائيل تريد إنشاء دويلة لحزب العمال الكردستاني على حدودها. ويعتقد الإسرائيليون أن تركيا قد تستخدم سوريا ضدهم بالطريقة نفسها".

وتعتقد المجلة أن العلاقات بين تركيا و"إسرائيل"، المتوترة أصلا بسبب حرب غزة، مرشحة للتدهور أكثر.

لكن من غير المرجح أن يندلع صراع مسلح فعلي بين ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحليف الإقليمي الرئيسي لأمريكا. ولا يرغب أي من الطرفين في قتال الآخر.

وتمهد تركيا و"إسرائيل" الطريق للردع لا للحرب.

ويعتبر الرئيس أردوغان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صديقا قديما، ويعتقد أنه مع توليه الرئاسة، قد تشهد علاقات تركيا مع أمريكا تحسنا، بما في ذلك فرصة لإلغاء حظر بيع مقاتلات الشبح إف-35.

كما يأمل في تحسين العلاقات مع أوروبا، التي تريد منه المساعدة في ضمانات الأمن وحفظ السلام في أوكرانيا.

ولا يريد أردوغان والحالة هذه تعريض هذه العلاقة للخطر عبر الدخول في حرب ضد "إسرائيل".

وأشار ترامب إلى العلاقة الخاصة مع أردوغان في لقائه مع نتنياهو يوم الاثنين بالبيت الأبيض، وطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، العودة إليه في أي مشكلة مع تركيا.



وفي ظل هذا الوضع، قد تجد تركيا و"إسرائيل" أرضية مشتركة في سوريا: أي إيران.

فكلاهما يريد منع طهران من إعادة ترسيخ وجودها مرة ثانية في سوريا. وبالمقابل سيخسر كلاهما إذا فشلت سوريا الجديدة.

ويقول مصدر استخباراتي إسرائيلي: "سوريا دولة كبيرة تمر بأزمة عميقة، ولن يكون لدى [أردوغان] الوقت الكافي لتحدي إسرائيل"، و"إذا نجح في تحقيق الاستقرار فيما كان يمكن أن يصبح دولة جهادية فوضوية، فهذا أمر جيد لإسرائيل أيضا".

مقالات مشابهة

  • إيكونوميست: منافسة شرسة بين تركيا وإسرائيل للتأثير على سوريا
  • هل تعمل تركيا وإسرائيل على صياغة “اتفاقية خفض التصعيد” في سوريا؟
  • إزالة الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة التي وضعها النظام البائد أمام “فرع فلسطين” بدمشق وتسهيل حركة الآليات والمركبات أمام السائقين
  • بايرن ميونيخ أمام إنتر ميلان.. «البافاري» في اختبار صعب أمام «عملاق إيطاليا»
  • مصدر مسؤول في الخارجية: قرار بنقل سفيري سوريا في روسيا والسعودية إلى الإدارة المركزية
  • أحمد الشرع يترأس أول اجتماع للحكومة السورية الجديدة
  • الرئيس الشرع يترأس أول اجتماع للحكومة الجديدة
  • الشرع يعين عبد القادر الحصرية حاكما لمصرف سوريا المركزي
  • الدبلوماسية الاقتصادية أمام اختبار سياسات ترامب الحمائية
  • فينيسيوس: شرف عظيم لي معادلة الأهداف التي سجلها رونالدو مع الملكي