دورات مياه محطات الوقود
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
يبدو أنَّ مبدأ إعلاء النفس وعدم الاكتراث لشيء، إنما هو سلوك نخشى أن ينتشر بين أفراد المجتمع الفاعلين، لأنه سلوك مرشح لأن يكون ظاهرة مؤرقة في المجتمع، ولا أعني فردًا بعينه، وليكن حديثي عن هذه الظاهرة موضوعيًا، حتى لا ينسب لفئة أو فرد أو مؤسسة، ومع ذلك؛ فهناك مسؤول عنها إلا أن درجات المسؤولية تختلف بين جهة وأخرى.
نسمع عن مشكلة عدم توفر دورات المياه في محطات تعبئة الوقود مع كثير من مرتادي طريق الباطنة القديم الواصل ما بين مسقط إلى ولاية شناص والعكس صحيح أيضًا، هذا الطريق الحيوي تنقصه لمسات حضرية مهمة، ولكن سنقصُر الحديث على مشكلتنا الحالية التي هي إحدى مشاكل محطات تعبئة الوقود المؤرقة للأسر والباعثة للفتور والتأني عند وجود نية الخروج في فسحة عائلية، وقد تناول العديد من الكتّاب هذه المشكلة منذ سنوات، وهنا تأكيد مهم على التقصير بعد تلك التنبيهات وحتى اليوم؛ إذ لم يحدث جديد يذكر.
تشترط الوزارة المعنية بالترخيص لعمل هذه المنشآت الالتزام بتوفير المرافق العامة الأساسية كدورات المياه وهي مذكورة بالاسم في ضوابط ترخيص محطات الوقود، ومسؤولة عنها مسؤولية أساسية من توفير المياه والنظافة والصيانة وغيرها، إلا أن التساهل في ذلك بلغ مبلغًا كبيرًا، ويبدو الأمر واضحًا من خلال التجارب المختلفة لرواد هذا الطريق وكأنَّ صاحب المشروع (المحطة) يكتفي بتنفيذ شروط الإنشاء كما وردت في مسودة القانون، ثم يستمر في تنفيذ التزاماته لفترة ليست بالطويلة؛ فالمحطة حديثة وتعمل بكافة مرافقها ومن ضمنها دورة المياه، إلا أنها تسقط عند الحاجة إلى الصيانة البسيطة وتتكرر المسألة، وهو أمرٌ مؤسف.
الوقائع تشهد بما لا يدع مجالًا للمساومة أو التبرير، ولأن العائلة العُمانية محبة للتنقل والرحلات المحلية نجد هذه المشكلة ظاهرة بشكل أكبر لديهم، وربما تكون سببًا من أسباب إلغاء رحلة أو تأجيل زيارة، وقد لامست هذا الوضع أغلب الأسر في مُعظم محافظات السلطنة خصوصا الأطفال الذين يشكلون عبئاً لا تكتمل عندهم متعة الرحلة/ الزيارة بشكل بهيج.
لا أريد التجني على العاملين ببعض محطات الوقود؛ حيث تُفتح هذه المرافق أحيانًا عند سماعهم بوجود زيارة رسمية ثم تغلق فور خروج المعنيين، أصبحت هذه الحِيَل معروفة بين العاملين إلّا من بعض ضغوط المُجتمع، ثم تعددت أسباب غلق هذا المرفق الحضاري المهم للهروب من مسائل التنظيف والصيانة، وتَردُّد عبارات لا توجد مياه، ومغلقة للصيانة، والحنفية لا تعمل، والمفتاح مع زبون دخل وحمله معه، أو المفتاح مع رئيس العمال وهو غير متواجد حاليًا، فضلًا عن كون هذه المرافق غير نظيفة في الأساس ولا تعمل بطريقة مزدوجة، فإذا كان المكان المخصص للرجال يعمل؛ فالآخر للنساء مُغلق! والعكس بالعكس في كثير من الأحيان!
الحقيقة أن الأمر لا يخلو من تقصير، والتقصير إداري بحت من وجهة نظري، من خلال إدارة تلك المحطات، ومن خلال الجهة المشرفة عليها أيضاُ، كالشركة صاحبة العلامة التجارية أو الجهة الحكومية، وعلى تلك الجهات مسؤولية التنبيه ثم الغرامة، التنبيه ثم الغرامة، وهكذا سوف لن يكون هناك تقصير يُذكر في المُستقبل.
أما إذا كانت هذه المحطات غير قادرة على القيام بدورها في هذا المجال، وينسحب الأمر على المعنيين في الجهات المشرفة؛ فإن ترك الموضوع للاستثمار من خلال تخصيص مكان لها في كل محطة تعبئة وقود، وفوترة دخول دورات المياه على أن تُدار من قبل شركة فنية تعمل في هذا المجال ويكون الدخول إلكترونيًا هو أمر يبقى متروكًا للجهات المعنية، أو قياس الأمر على مدى نجاح التجربة السابقة ذاتية استخدام دورات المياه في بعض المحطات وتعميمها. هذا هو الحل الجذري لهذه المشكلة.
مع العلم أن محافظة شمال الباطنة من بين أكثر المحافظات في تواجد هذه المحطات، ويعتبر الطريق المقصود في هذه المحافظة وجزءًا من محافظة جنوب الباطنة الممتد من مسقط إلى ولاية شناص، طريقًا حيويًا كبيرًا، يزخر بالزوار من داخل السلطنة وخارجها، ويعكس هذا الطريق ميزان السلطنة الاقتصادي والسياحي، وهذه المحطات ليست في حد ذاتها مشروعًا استثماريًا بالقدر الذي هي فيه مشروع خدمي يُلبي حاجة مجتمع الطريق من مغاسل السيارات وتعبئة وقود، ودورات مياه ومسجد/ مصلى للجنسين، وآلة هواء الإطارات، وآلة سحب الأموال، ومطعم ومقهى وغيرها من الخدمات التي لا غنى عنها.
إنَّ فلسفة إدارة هذه المحطات قائمة على عدم الاكتراث في مسائل قد يكون بها تراخٍ، ولو بسيط، خصوصًا مع عدم تطبيق مواد القانون، والحقيقة أن تطبيق القانون سوف يكون رادعًا للمخالفين، ومُنصفًا للملتزمين، ويُقدِّم قيمة حضارية واقتصادية وسياحية مُهمة لرواد المكان، ورسالة لمن أراد الاستمرار، ولا نبالغ عندما نقول إن الشكوى من جزء في أي منظومة يؤثر سلبيًا على بقية الأجزاء، وهي قاعدة معروفة ويزخر ديننا بالعديد من الحكم والأحاديث التي تتحدث حول ذات المسألة والمضمون.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
36سنة داخل الكابينة .. حكاية قائد قطار يقضي رمضان على القضبان بين المحطات
خصص الإعلامي هاني النحاس، فقرة في برنامجه “ ساعة الفطار ” المذاع على قناة “ صدى البلد”، للحديث عن مصطفى شكري، قائد قطار القاهرة – الإسكندرية، الذي قضى 36 عامًا من عمره، متنقلًا بين المحطات، شاهداً على آلاف الوجوه والقصص التي تحملها عربات السكك الحديدية.
وفي لقاء تلفزيوني خلال برنامج ساعة الفطار مع الإعلامي هاني النحاس على قناة صدى البلد، كشف عن تفاصيل رحلته الطويلة في عالم القطارات، خاصة خلال شهر رمضان.
وأكد شكري أنه بدأ مسيرته عام 1989، ومنذ ذلك الحين أصبحت 'كابينة القيادة' بيته الثاني، بل ربما بيته الأول كما يصف، حيث يقضي ساعات عمل تمتد من 8 إلى 12 ساعة في رحلات الوجه البحري، بينما تصل في الوجه القبلي إلى 16 ساعة متواصلة.
وعن إحساسه خلال القيادة، قال: 'أنا جلست في كابينة القيادة أكثر من منزلي، وأكون في قمة سعادتي وأنا بخدم أهالي مصر، لأننا منظومة خدمية نحافظ على أرواح الركاب الذين معنا'.
وأضاف شكري: أن رمضان بالنسبة لقائد القطار يعني الإفطار والسحور خارج المنزل، أحيانا بين المحطات، وأحيانًا في 'كابينة القيادة'، حيث لا مجال للتوقف من أجل وجبة الإفطار.
وتمنى شكري أن يشارك وزير النقل، الفريق كامل الوزير، الإفطار معهم يومًا في القطار، كما اعتاد أن يكون قريبًا من العاملين.
وفي لحظة مليئة بالمشاعر، وجّه رسالة إلى أسرته قائلاً:'أعذروني أني مقدرتش أفطر معاكم بسبب طبيعة شغلي، لكني بكون معاكم بقلبي حتى لو كنت بين القضبان'.
وتحدث شكري عن التطوير الكبير الذي شهدته السكك الحديدية في مصر، مؤكدًا أن القيادة السياسية ووزارة النقل تبذل جهودًا كبيرة لرفع كفاءة القطاع، حيث يتم تحديث البنية الأساسية ونظم الإشارات لتصبح وفق معايير عالمية، مما يرفع معدلات الأمان.
وأشار أيضًا إلى بعض السلوكيات الخاطئة التي تهدد السلامة، مثل سوء استخدام 'جزرة الخطر'، مؤكدًا أنها تُستخدم فقط في الحالات الضرورية.
رغم العقود التي قضاها في قيادة القطارات، لم يفقد شكري شغفه بالمهنة، ولا يزال يشعر بالسعادة وهو بكابينة القيادة، ينظر إلى الأمام، حيث السكة تمتد بلا نهاية، محملة بآلاف الركاب وأحلامهم التي تتنقل بين المحطات.
واختتم: 'بيتي الحقيقي هو غرفة القيادة.. والقضبان هي طريقي الذي لا ينتهي'.