د. سالم بن عبدالله العامري

ليس بعد الإيمان نعمة أعظم من نعمة الأمن، يمُن بها الله على الأوطان، والبلدان، والإنسان، ولا تستقيم الحياة ولا تنتشر السعادة إلّا بالأمن في الأوطان، ولا تصلح حياة الناس إلّا معها؛ لأنَّ الأمن إذا ما رُفِع- لا قدر الله- رُفعت معه سعادة العباد، ونماء البلاد، وحلَّ مكانه الخوف والجوع، والنهب والسرقة، وانتهاك الأعراض، وضياع الحقوق والأموال، وانتشار الخراب والدمار.

والحديث عن أمن الأوطان هو الحديث عن الحياة ذاتها؛ بل هو النقطة التي تتقاطع عندها كل مقومات النهضة والبقاء؛ فالأوطان ليست مجرد حدود جغرافية تُرسم على الخرائط؛ بل هي كيان حي ينبض بقيمه، وتاريخه، ومُستقبله، وحينما يتهدد أمن الوطن- لا قدر الله- فإنِّه يتهدد معه وجود الأمة واستمرارها.

ولأهمية الأمن في الحياة قرنه الله تعالى بالرزق فقال سبحانه: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" (البقرة: 126). فقد قدَّم خليل الله إبراهيم- عليه السلام- طلب الأمن على طلب الرزق؛ لأنَّ الناس لا يتمكنون من تحصيل الرزق إلا مع توفر الأمن، ولهذا جاء في الحديث: "مَنْ أصبحَ منكم آمنًا في سِربِه مُعافىً في جسدِه عندَه قوتُ يومِه فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها".

وفي ظل ما تشهده المنطقة والإقليم من تحوُّلات عميقة ونزاعات عنيفة وأزمات إنسانية خطيرة في زمن كثرت فيه النزاعات واشتدت الصراعات وتمزقت البلدان وكثر الطامعون في الأوطان، بات من الضروري الاهتمام بالوعي الأمني والمحافظة على أمن الأوطان، خصوصًا في ظل التحولات الدولية المعاصرة والمستقبلية والتطور التقني والتحول إلى مجتمع المعلومات؛ الأمر الذي يزيد من تفاقم المخاطر والتحديات ويهدد السلام والأمن وعدم الاستقرار. ومن هنا تأتي أهمية المسؤولية في المحافظة على أمن الأوطان.

وإذا كان الأمن والأمان، الذي نعيشه اليوم في وطننا، هو نعمة عظيمة، فضلًا عن كونه ضرورة عصرية لتحقيق مزيد من التقدم والرخاء، فإنه من المؤكد أن تحقيق ذلك والحفاظ عليه، ليس مسؤولية جهة بعينها؛ بل هو مسؤولية الجميع الصغير والكبير، ذكورًا وإناثًا، مواطنين ومقيمين، ولا شك أن للأسرة دورًا كبيرًا في ذلك من خلال توجيه أبنائها التوجيه الصحيح، وغرس حب الأوطان في نفوسهم، وكذا المؤسسات التعليمية، والثقافية والإعلامية، كلٌ له دوره المناط به، وفق أسس ومعايير ثابتة وواضحة، تهدف من خلالها إلى حماية وصون أمن الأوطان وعدم تقبل ما تبثه القنوات الإعلامية الموجهة من أكاذيب وخداع تمس الأوطان وقاداتها، ورموزها، ومكتسباتها وعدم الاندفاع وراء الشائعات الكاذبة المغرضة التي تبث هنا وهناك، بهدف زعزعة الأمن وإثارة الفتنة، والمشكلات بين أبناء الأمة، حيث تتكامل كل هذه الجهود المؤسسية بالتعاون مع الجهات الأمنية في البلدان التي تقوم هي الأخرى بدورها الاستراتيجي والوطني في مجابهة المخاطر التي تحدق بالأوطان وتزعزع أمنها واستقرارها.

إنَّ أمن الأوطان يتجاوز المفهوم الضيق الذي يحصُرُه البعض  في الجانب الأمني؛ إذ إنه منظومة شاملة تتداخل فيها جوانب وأبعاد معقدة ومتداخلة، فليست الحروب والصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية هي وحدها المخاطر والتحديات التي تواجه أمن الأوطان؛ بل إن أخطر ما يهدد أمن الأوطان هو الفكر المتطرف الذي يسعى لهدم البنية الاجتماعية وتشويه القيم الوطنية والإنسانية. وتأتي التحديات الاقتصادية مثل التضخم والبطالة وغيرها كأزمات تهدد استقرار الأوطان وتزيد من احتمالية حدوث قلاقل واضطرابات أمنية خطيرة تنعكس بشكل أو بأخر على سلامة واستقرار الأوطان. وفي عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات تُشن الحروب والهجمات السيبرانية بصمت عبر الفضاء الإلكتروني، مُستهدفةً البنى الأساسية والمعلومات الحساسة للدول مما يجعلها في حالة استنزاف دائم ومستمر.                                     
ختامًا.. الأوطان هي البوصلة التي تُحدِّد مكاننا في هذا العالم، والأوطان الآمنة تُنشئ مجتمعات متماسكة، تسود فيها قيم التعاون والاحترام المتبادل؛ مما يُعزِّز اللُحمة الوطنية ويمنع التصدعات الداخلية.. إنها أوطان تُصبح وجهة للاستثمارات، ومكانًا للعيش، ونموذجًا يُحتذى به وتكون أكثر تأثيرًا واحترامًا ولاعبًا قويًا في الساحة الدولية، وتكون قادرة على الاستمرار في التقدم ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بحكمة وحزم. فلنكن جميعًا خط الدفاع الأول عن أوطاننا، وشركاء فاعلين في صون أمن أوطاننا وحماية مكتسباتها ومقدراتها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحكيم يحذر من التدافع الذي يخلف نتائج صفرية تهدر الجهد والوقت

10 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: شدد رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، على ضرورة تجاوز الخلافات والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب العراقي.

وذكر بيان لمكتبه، ان الحكيم زار قضاء بلد اليوم الخميس في ثاني أيام جولته في محافظة صلاح الدين والتقى في مضيف إمارة ربيعة، جمعا من شيوخ ووجهاء القضاء، وأعرب عن سعادته بزيارة بلد حيث تحتضن هذه المدينة جناب السيد محمد (رضوان الله تعالى عليه) إضافة إلى تضحيات هذه المدينة وعلاقتها التاريخية مع مرجعية الإمام الحكيم (قدس سره)، حيث استمرت هذه العلاقة مع أسرة الإمام الحكيم مع شهيد المحراب (قدس سرهما)، وقلنا إن بلد خط الصد الأهم بوجه الإرهاب”.

وأكد الحكيم، ان ” عزيز العراق (قدس سره) كان مهتما ببلد وأهلها وعشائرها، وكان يوصي برعايتهم وتمكينهم مع الاهتمام بالواقع الخدمي والتنموي، كما استذكر سيرة الراحل الحاج أيمن البلداوي (رحمه الله) تلك الشخصية المثابرة والمعطاءة، وإن رحيله كان خسارة للجميع”.

وبين إن “الإرهاب استهدف بلد لكن وقفة أهلها وصمودهم صنعت مجدا وتاريخا في مواجهة الإرهاب، ما جعل صلاح الدين تقدم أكثر من 18 ألف شهيد للعراق، وفي مواجهة الإرهاب، كما دعونا لأخذ العبر من الماضي دون الغرق فيه، مع أهمية أخذ خطوة جديدة على طريق البناء والاستقرار، ومد الجسور مع الآخرين وبناء عراق يعيش فيه العراقيون متحابين ومتعايشين مع بعضهم، مع أهمية القناعة بأن التنوع قدر لا بد أن نعيشه”.

وأكد، أن “الأخطاء لا يتحملها إلا مرتكبيها، ولا يمكن إعمامها على جهة أو طائفة، مبينا أن الثأر للشهداء يكون بإعمار العراق والقضاء على ما تبقى من إرهاب، ودعونا للتأسي بمنهج المرجعية الدينية في التعامل مع الأزمات والتحديات والتعبير عن المواقف”.

وحذر الحكيم “من التدافع وما يخلفه من نتائج صفرية تهدر الجهد والوقت لا يستفيد منها أحد، “لافتا الى إن “رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما دخل إلى مكة فاتحا دخلها بلغة التسامح والمودة، وهذا ما مكّنه من توسيع الدعوة إلى الإسلام إلى امبراطوريات زمانه، وأشرنا أيضا إلى نظرة العالم والمنطقة إلى العراق كخط صاعد”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • لبنان.. أنباء متضاربة حول «نزع السلاح» وتحميل الحكومة مسؤولية وقف الاعتداءات
  • أبوزريبة يوجّه بتعزيز الأمن في بنغازي ويبحث التحديات الميدانية
  • الحكيم يحذر من التدافع الذي يخلف نتائج صفرية تهدر الجهد والوقت
  • أذكار الصباح اليوم الخميس 10 أبريل 2025.. «بِسـمِ اللهِ الذي لا يَضُـرُّ مَعَ اسمِـهِ شَيءٌ»
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • استقالة جماعية لشركة الكرة بنادي النصر
  • كاتبة صحفية تكشف سر نجاح واستمرار العلاقات الزوجية رغم التحديات
  • تحليل أمريكي: ما أبرز التحديات التي ستواجه ترامب بشأن القضاء على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • قمة الطوارئ والأزمات 2025 تبرز دولة الإمارات نموذجاً عالمياً في الجاهزية لمواجهة التحديات
  • من الأمن الوقائي إلى العناية المركزة.. من هو العميد السهيلي الذي اُستهدف بغارة أمريكية في صنعاء؟