نجد مثالاً للدلالة السِّياسية لكلمة «شيخ» فـي المجتمعات العربيَّة لغاية اليوم إذ يكون معناها: رئيس القبيلة أو زعيمها بما فـي ذلك الفخيذة، والتَّميمة، والعشيرة. وهذا المعنى السِّياسي والاجتماعي للمفردة نجده كذلك فـي الأدبيَّات الإنجليزيَّة ذات العلاقة بالشَّأن العربي، حيث نجد فـي تلك المصادر أن «الشَّيخ القَبَليّ يختارُه كبار السِّن فـي العشيرة من المنتمين إلى العائلات النَّافذة»، وعلى الشَّيخ أن يكون «رجلاً ذا حساسيَّة مرهفة، مُتَعَقِّلاً، ومُتَجَمِّلاً، وواطد العزم، وعمليَّاً.

وفوق كل شيء، فإن عليه أن يحوز التميِّيز الصَّائب من أجل تجنُّب استعداء أتباعه الحسَّاسين» (1). وهذا التَّضمين السِّياسي لمعنى مفردة «شيخ» ينطبق، فـي الحقيقة، حتى على وحدات أصغر فـي الحياة الاجتماعيَّة العربيَّة، كما ان المعرفة اللغويَّة (الأكاديميَّة) الغربيَّة بمفردة «شيخ» مبنية، فـي الغالب، على العربيَّة الفصحى، وبالتالي فإنها تجهل الإزاحات الدَّلالية التي حدثت فـي دارجات العربيَّة المعاصرة التي تعني مفردة «الشَّيخ» فـي بعضها «رئيس العصابة»، أو «المحترِف» أو «الأستاذ» فـي من يشتغلون بحرفة معيَّنة أو يديرها فـي التَّبادلات التِّجارية أو الاجتماعيَّة أو غيرها، ومن هم على شاكلته أو فـي موقعه، وتأتي مفردة «شيخ» أيضاً بمعنى بطريرك العائلة، أو عميدها المعروف، أو مرجعها، أو قدوتها الحسنة ومنهجها فـي الحياة.

وفـي الحقيقة، فإن الأمر يتجاوز ما هو موجود فـي مختلف جوانب الحياة العربيَّة إلى غيرها حين يتعلق الأمر بالدَّلالة، وخاصة فـي تعامل العربيَّة والعرب المعاصرين بقاموس المفردات الأجنبيَّة التي تمسُّ حياتهم وعلاقاتهم بصورة مباشرة؛ فعلى سبيل المثل، حين يتعلق الأمر بالكونغرس (congress) فـي الهيئة التشريعيَّة الاتحادية العليا فـي الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فإن مفردة” “Senate” تصير فـي العربيَّة «مجلس الشُّيوخ الأمريكي». واللقب الإنجليزي (Senator)، لدى وروده فـي الوثائق الرَّسمية والأدبيَّات الإعلاميَّة العربيَّة، إما أن يُنَقْحَر هكذا: «سيناتور»، أو يُعَرَّب هكذا: «عضو مجلس الشُّيوخ الأمريكي» أو «عضو فـي مجلس الشُّيوخ الأمريكي».

والحقيقة أن المعاني المختلفة والَّدلالات المتعدِّدة لمفردة «شيخ» العربيَّة قد تدبَّرت أمرها فـي جعل الأمر ملتبساً ومُلغِزاً، بل وأحياناً مثيراً للغيظ الضِّمني، لدى العديد من الكُتَّاب، والإعلاميين، والموظَّفـين الرَّسميين الأجانب العاملين فـي مختلف الدَّوائر فـي المنطقة العربيَّة، والرَّحالة، بل وحتى المستشرقين المحترِفـين والمخضرمين، ها هو ديفِد هولدِن David Holden، على سبيل المثال لا الحصر، وبعد أن يقدَّم ويشرح ألقاباً رسميَّة متداولة فـي الحياة السياسيَّة العربيَّة، وذلك من قبيل «السُّلطان»، و«الشَّريف»، و«الأمير»، و«النّائب» بثقة كبيرة ومعرفة حقيقيَّة، يسقط فـي يده فـيشتكي فجأة من انه «ربما يكون «الشَّيخ» هو «المخلوق» (creature) [هكذا!] الأكثر التباساً فـيهم جميعاً (2). وهو يشرح ذلك بالقول إن «الشَّيخ» قد يكون رجلاً عجوزاً أهَّلته سنوات عمره وحكمته لنيل الاحترام، أو قد يكون شخصاً رفـيع المقام الدِّيني، أو زعيماً قبليَّاً، أو هو مزيج من أولئك الثلاثة جميعاً، وسلطته قد تعادل كل شيء أو لا شيء» (3). أما إلِزَبِث وارنوك فـيرنيا Elizabeth Warnock Fernea وروبرت أي فـيرنيا Robert A. Fernea، اللذان درَّسا لوقت طويل فـي جامعة تكسَسْ فـي أوستن، ونشرا العديد من البحوث والكتب حول جوانب مختلفة من الحياة العربيَّة، فإنهما، فـي الواقع، يعبران عن نفس الحيرة والتَّردد حين يقولان إن الشُّيوخ «مختصُّون بجوانب من الشؤون الدينيَّة والحياتيَّة» (4). وكتَّاب غربيون غيرهما، مثل ساندرا ماكيْ Sandra Macey هذه المرَّة، فإنهم يؤثِرون السَّلامة المفهومة حين يشيرون إلى الشَّيخ على انه «زعيمٌ قبليٌّ» (5). غير أن مفردة «شيخ» قد ظهرت أيضاً فـي بعض من السياقات والكتابات الغربيَّة أخرى بصورة شائقة بلا أدنى شك؛ فها هو إدوَرد جي باينغ Edward J. Byng، على سبيل المثال، يفتح عيوننا على أن «القُضاة فـي «العهد القديم» كانوا، ببساطة، شُيوخ البدو اليهود» (6). أما كتَّاب آخرون، مثل أي كور A. Cour، فـيقولون إن «الشَّيخ» هو «مصطلح مخاطَبَة مُهَذَّب وعلامة على الاحترام» يُمنح، ضمن عدد من المستحقين، «للمُعَلِّمين، والعلماء، ورجال الدِّين بغض النَّظر عن العمر، ولكل الأشخاص الذين يحظون بالاحترام فـي مواقعهم على ضوء أعمارهم وأخلاقهم» (7). وفـي الحقيقة فإن هذا يقارِب ما هو وارد فـي العديد من اللهجات العربيَّة، كالمتداولة فـي بلدان الخليج العربي؛ فمع احتفاظ المفردة بمعناها الرَّسمي ومعاييرها البروتوكوليَّة فـي الدَّوائر المعنيَّة بذلك، إلا ان المناداة بلقب «شيخ»، أو «شيخي»، أو «شيخنا»، يمكن أيضاً أن تكون نوعاً من أنواع الانبساط، والتَّودُّد، وكسر الحواجز، والمجاملة، والتلطُّف غير المبني على استحقاق رسمي للقلب؛ وبالتالي فإن التَّلفظ به من باب الدَّماثة، والكياسة العابرة غير ملزَم وغير ملزِم. وإلى هذا فإن الأدبيَّات الإنجليزيَّة الأكاديميَّة والعامَّة لا تميِّز بين «الشُّيوخ» (وهم فـي عادة العربيَّة المعاصرة الزعماء القبليُّون وأهل الحل والعقد، والأمر والنهي، فـي مُنْجَمَعٍ عربي ما) و«المشايخ» (وهم فـي الغالب رجال الدِّين أو علمائه فـي المُنْجَمَعات العربيَّة/ الإسلاميَّة)، مع أن المفردتين قابلتان للتَّبادل.

--------------------------

(1): Ira Lapidus, A History of Islamic Societies (Cambridge: Cambridge University Press, 1991), 14.

كما هو معلوم فإن المعنى السيَّاسي الذي يذهب إليه المؤلف أعلاه قد أصبح وراثيَّاً فـي وقت لاحق.

(2): فـي الإنجليزيَّة المعاصرة تعني كلمة “creature” «مخلوق» غير آدمي فـي الغالب.

(3): David Holden, Farewell to Arabia (London: Farber and Farber, 1966), 31.

(4): Elizabeth Warnock Fernea and Robert A. Fernea, The Arab World: Personal Encounters (New York: Anchor, 1985), 82.

للاستزادة فـي هذا الشَّأن، انظر أيضاً للمؤلِّفة الأولى:

Elizabeth Warnock Fernea, Guests of the Sheik: An Anthography of an Iraqi Village (New York: Knopf Doubleday Publishing Group, 1995).

(5): Sandra Mackey, The Saudis: Inside the Desert Kingdom (New York: Meridian, 1987), 112.

(6): Edward J. Byng, The World of the Arabs (Boston: Little, Brown and Co., 1944), 45.

(7): A. Cour, “Shaikh,” in Shorter Encyclopedia of Islam, ed., H. R. Gibb and J. H. Kramers (Ithaca: Cornell University Press, 1953), 519.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة العربی

إقرأ أيضاً:

تجهيل وتشويه 

 

 

 

رياض الزواحي

 

الإعلام الإذاعي في رمضان هذا العام لا يختلف عن العام الماضي .تهريج بلا هدف ولا مضمون ولا رسالة . لا يقتصر الأمر على إذاعة بحد ذاتها ،بل إن معظم الإذاعات الخاصة تفتقر برامجها ومسابقاتها إلى الحد الأدنى من المهنية أو التثقيف للمجتمع ،ولا تمتلك حتى أبسط مقومات التميز والإبداع في رسالة الإذاعة .السؤال المهم الذي يتبادر إلى الذهن هو : إلى من توكل مهمة الإعداد لهذه البرامج الرمضانية الإذاعية ؟! ومن يعد الحلقات والبرامج ؟! هل هم أناس أسوياء أم شخصيات تفتقر إلى الكفاءة والقدرة والإبداع في إعداد البرامج . شيء مؤسف بكل تفاصيل الكلمة أن يتعرض مجتمع بأكمله إلى هذا التجهيل والسطحية من قبل الإذاعات المحلية الخاصة وحتى الإذاعات العامة وضعها لايسر أحداّ

والغريب أن الإمكانيات متوفرة ،لكن الأغرب أن لا يتم استغلالها لاستقطاب كوادر مؤهلة لديها القدرة على تطوير الرسالة الإذاعية وتسخيرها لخدمة المجتمع و قضاياه .

 

نفس الأمر ينطبق على التلفزيون والبرامج والمسلسلات الرمضانية ، فكل القنوات التلفزيونية اليمنية أنتجت مسلسلات هزيلة

لاتحمل فكرة أو هدفاً ولا تعالج قضية معينة ولا تساهم في تثقيف أو تعزيز تقافة المجتمع .كل مسلسلات رمضان تشترك بدون استثناء في تشويه صورة الإنسان اليمني وتشويه طبيعته وتتعمد إظهار اليمنيين للعالم العربي والعالمي كأنهم مهرجون جهلة(ملذوعين) متخلفون عقلياً أو مجرمون وقطاع طرق وزعماء عصابات للتهريب والإجرام في حالة عجيبة وغريبة ومؤسفة تؤكد أن الإعلام يشوه أصالة الإنسان والمجتمع اليمني بتعمد غبي دون وجود أي تقييم لهذه الأعمال والمسلسلات الدرامية الهابطة ، خلال كل الأعمال التي تابعتها ، لم أجد عملاً درامياً يعمل على إبراز الطبيعة الأصيلة للمجتمع اليمني ولا القيم الدينية والأخلاقية النبيلة التي يحملها أبناء الشعب اليمني الذين يضرب بهم المثل في الجود والكرم والطيبة والحمية والشهامة والأخلاق والاستقامة والانتصار للضعفاء والمظلومين.

أتمنى أن يستوعب البعض أن هذه الأمة اليمنية كان فيها ولايزال الكثير من العلماء الأجلاء والمفكرين والقادة التاريخيين والفاتحين وعلماء الدين الأفاضل .من أوصلوا رسالة الإسلام والعلم إلى أصقاع الدنيا وصنعوا علامات مضيئة في التاريخ الإنساني عموماً.

 

 

 

… لكن من يتابع هذه البرامج والمسلسلات الرمضانية يتساءل من كتب هذه المسلسلات ولماذا يصرون على تشويه صورة الإنسان اليمني من خلال أعمال لا تحمل أي هدف سوى التهريج وتشويه طبيعة الإنسان اليمني . أيضاً في كل هذا المسلسلات لا يتم حتى استغلال الطبيعة السياحية الفريدة لليمن أو التسويق للمنتجات اليمنية أو الترويج للمقومات الفريدة لحضارة هذا البلد الضاربة جذوره في التاريخ من أجل تعريف الجيل بتاريخ وطنهم وشعبهم .

 

لاشيء ..فقط شخصيات مهربين نصابين قطاع طرق ووووووإلخ ،وبالتالي لابد من وقفة ومناقشة جادة لهذه الأمور لأن التغافل عنها يساهم في الاستمرار في تجهيل الجيل وتشويه صورة المجتمع بتعمد وغباء منقطع النظير .شيء مؤلم بالفعل ..

أيضاً بعد موقف الشعب اليمني المشرف انتصارا للأشقاء في فلسطين

صار الكثير من الأشقاء العرب وأحرار العالم يباهون بالشعب اليمني ويقولون بأنهم يتمنون أن يكونوا يمنيين ،ليفاجئهم هؤلاء (المداليز ) في رمضان ببرامج تشوه صورة هذا المجتمع النقي والطيب صاحب الأخلاق العظيمة والقيم النبيلة .

 

هذا أمر ليس فقط مخزٍ ومحزن ،بل أمر خطير يحتاج إلى تقييم ومعالجة ونظرة ثاقبة لحماية قيم المجتمع .

وللحديث بقية …

مقالات مشابهة

  • لتعزيز الحماية الاجتماعية| هكذا تضع الدولة المواطن في مقدمة أولوياتها.. تفاصيل
  • مها متبولي: محمد رمضان ملوش بصمة في السينما ومنجحش برا محمد سامي
  • بتهمة الإرهاب.. اعتقال شاب سوري لنشره صورة أبو وطن في كربلاء
  • وزير العمل: لجنة قانونية لدراسة ملامح قانون جديد لتنظيم العمالة المنزلية
  • الحريري: من حق المرأة اللبنانية أن تكون في مقدمة الاهتمامات
  • وزير الصناعة: تشكيل لجنة لدراسة تصميم وتسعير مرافق الكهرباء في المنطقة الصناعية بأكتوبر الجديدة
  • نقيب الصحفيين العراقيين رئيس اتحاد الصحفيين العرب الاستاذ مؤيد اللامي : غيًرنا صورة العراق في الإعلام العربي من ” بلد القتل والطائفية” إلى “بلد السلام والأمان”
  • تجهيل وتشويه 
  • أكاديمية الفنون تستعد لانطلاق الدورة الأولى لمهرجان دول البريكس لأفلام مدارس السينما
  • لغز بلا أدلة - السقوط الأخير.. لغز مقتل دلوعة السينما ميمى شكيب