عندما نجحت «هيئة تحرير الشام» بقيادة "أبو محمد الجولاني" في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، والاستيلاء على جميع أرجاء الدولة في نحو 12 يومًا فقط، تساءل الكثيرون عن مستقبل سوريا في ضوء حكم جماعة إرهابية احتكرت السلطة لنفسها، ورفضت إشراك أيٍّ من الفصائل الأخرى التي كان لها دورها في المظاهرات، والاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ منتصف مارس 2011م، وعندما تحدث «الجولاني» الذي عاد إلى اسمه القديم "أحمد الشرع"، تحدث بلسان مختلف، ورؤية جديدة، وبدا لمَن لا يعرفون حقيقة أطروحاته، وكأنه رجل دولة يعرف طبيعة المهام الملقاة على عاتقه، ويحمل برنامجًا مختلفًا عن أطروحاته السابقة.
إن المتابع لتصريحات "الجولاني" منذ التحاقه بتنيظم القاعدة، في عام 2003م، تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم تحت قيادة أبي بكر البغدادي، ثم تحت قيادة أيمن الظواهري مباشرةً، يدرك ثوابت هذا الخطاب العقدي، الذي أكد أنه سيبقى متمسكًا به أبد الدهر.
من هنا كانت أهمية العودة إلى بعض من تصريحاته، وحواراته خلال الفترة التي سبقت وصوله إلى السلطة في سوريا في الثامن من ديسمبر 2024م.. وهذه بعض من أطروحاته التي تضمنتها أحاديثه المختلفة.
تغيير الخطاب السياسي:عندما سُئل أبو محمد الجولاني في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ديسمبر 2015م، من الصحفي موسى العمر في إدلب عما إذا كان مستعدًا أن يغير خطابه السياسي، أو الجهادي مستقبلاً، أم أن هذه ثوابت لن تتغير مهما امتدت الأيام والسنون؟ قال: لدينا ثوابت شرعية، نحن نفهم شيئًا اسمه سياسة شرعية، هي سياسة منضبطة بضوابط الشرع، ليس سياسة على التصور الغربي، والأمريكي، فالثوابت الشرعية لا تتغير، ولا تتبدل كالذي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فهل يأتي يوم، ويتغير هذا الخطاب؟. وأضاف: نحن ندعو إلى القتال حتى نحكِّم شرع الله في الأرض، هذا لن يتغير، ولن يتبدل ما دمنا أحياء، هذا من الثوابت، أما هناك مسائل تكتيكية، ومسائل تتعلق بالمعركة، وتتعلق بأشياء أخرى، فهذه قابلة للتغير حسب الاجتهاد، وحسب الواقع، والزمان الذي نعيش فيه، وحسب الحادثة التي تلم بنا، فهذا أمر يعتبر من المتغيرات.. التغيير حسب واقع الأرض التي نعيش فيها، أما الثوابت فاسمها ثوابت هي غير قابلة للتغيير، أو التبديل.
الولاء لتنظيم القاعدة:وعندما سُئل من أدهم أبو الحسام قائلاً: في سياق الحديث عن تنظيم القاعدة، باعتبار أن جبهة النصرة هي فرع للقاعدة في سوريا، ألا يُعد ذلك تدويلاً للصراع؟ أليس هذا عبئًا على الشعب السوري؟ هل هذا يعني تنفيذ عمليات خارج سوريا؟
- أجاب الجولاني قائلًا: تدويل الصراع هو مدول في سوريا، هناك تدخل إيراني، وروسي، وأمريكي، وفرنسي، وحزب الله، فأنا لا أعلم لماذا دائمًا يعاب على جبهة النصرة أن لها ارتباطًا في تنظيم له شأن دولي، ولا يعاب على كل هذه الجهات التي تتدخل بشكل واضح، وصريح، (لاحظ أنه لم ينف ارتباطه بتنظيم القاعدة).
وأضاف الجولاني: نحن كمسلمين من حقنا أن نعتمد على امتدادنا الإسلامي، من حقنا أن نخاطب خطاب المسلمين العام- ليس هناك في دين الله- عز وجل- أن هناك أرضًا يحكمها قطر يفصلها جبل، أو يفصلها نهر عن الأفكار المسلمة الأخرى، هذا ظلم جرى على الأمة الإسلامية في مرحلة ضعف قبل مائة سنة، نحن لا نعترف إلا بأمة إسلامية موحدة في كل أقطارها (لاحظ هنا أنه لا يعترف بالعروبة أو الأمة العربية- ولذلك كان علم «هيئة تحرير الشام» جنبًا إلى جنب مع العلم السوري خلف رئيس وزراء الحكومة الانتقالية "محمد البشير")!!
وحدة الفصائل وأهدافها:في 17/6/2016م، أذاعت قناة "الجزيرة" حوارًا أجراه أحد مراسليها في سوريا، حيث وجّه إليه العديد من التساؤلات الهامة حول رؤيته للقضايا المثيرة للجدل، وأفكاره، ومواقفه.
سأله: بعد إعلانكم عن فك الارتباط بتنظيم القاعدة بدأ الحديث عن اندماج، أو مشروع توحد بين كبرى الفصائل في الشمال السوري، ما هي الدوافع لهذا التوحد؟ وأين وصل؟.. رد بالقول: على الصعيد العسكري، وعلى مستوى تنسيق جهود عسكرية، ودمج بعض الفصائل في آلية عسكرية موحدة ظهرت لنا نتائج كبيرة على الساحة، فثمار التوحد كثيرة جدًّا، واليوم الساحة لديها طاقة عسكرية كبيرة جدًّا، وطاقة بشرية، وطاقة من الأسلحة، وما إلى ذلك. هذا يحتاج إلى تنظيم، وترتيب، وجمع لكل هذه الطاقات في بوتقة واحدة، فإذا حدث هذا، فبإذن الله تعالى فإن القوة التي تمتلكها الساحة بمجملها تفوق بمرات عديدة ما يمتلكه النظام، وهي بإذن الله قادرة على أن تحل كل المشكلات العسكرية من حصار مناطق، وما إلى ذلك، ومحاولة التقدم على مناطق النظام المستعصاة. وقال: نحن أهل السنة في حالة ضياع، ودفاع عن البقاء، نحن لم نعد ندافع عن قرى، ومدن، نحن اليوم أصبحنا في مرحلة دفاع عن وجود، وهكذا أهل السنة في الشام، وإذا نجح المشروع الرافضي في سوريا، هذا سيتعدى على أهل السنة في المنطقة كلها.
وعندما سُئل- ما هي دوافع هذا التوحد؟ قال: إنشاء كيان لأهل السنة قوى يجمع شمل أهل السنة، ويدافع عن حقوقهم، وهو الذي يمثلهم، وتكون لديه القدرة على التحرك العسكري.
أعلنت النصرة تجديد بيعتها للظواهري في أبريل 2013م، رافضة ما أعلنه البغدادي، ودخلت في قتال مع داعش.. تحدث في حديثه الأول لقناة "الجزيرة" أن خلط بين النظام، والنصيرية، والعلويين، وزعم أنهم ارتكبوا مجازر كبيرة بحق أهل السنة في حماة، اغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال، وشردوا ملايين البشر، وقتلوا ما يقرب من مليون شخص من أهل السنة.
وقال في حديثه: العلويون طائفة خرجت عن دين الله بكلام أهل العلم، والفقهاء، فهم لا يحسبون طائفة من أهل الإسلام، بل هم خارجون عن دين الله، وعن الإسلام.
وأكد في حديثه بالنسبة للدروز هم محل دعوتنا أرسلنا لهم كثيرًا من الدعاة، وأبلغوهم بالأخطاء العقدية التي هم كانوا قد وقعوا فيها، وأظهروا لنا تراجعهم عن الأخطاء العقدية التي كانوا عليها.
- زيارة الدروز للقبور شرك للإسلام وشرك بالله- عز وجل- وبالنسبة لنا، هي طائفة خرجت عن دين الله- عز وجل- والإسلام بكلام أهل العلم والفقهاء.
رأيه في العلويين:
- عندما سأله أحمد منصور: هل ترسل برسالة واضحة إلى العلويين؟
قال الجولاني: بالطبع الآن، إذا العلويون يتخذون قرارًا ليس على المجمل.. كل قرية تقول أنا بريئة من بشار الأسد.
وعندما سأله: كل قرية على حدة؟! رد عليه الجولاني بالقول: نعم، وتتبرأ مما فعله بشار الأسد في أهل السنة، وتمنع رجالها من الذهاب للقتال في صف بشار الأسد، وتتراجع عن الأشياء العقدية التي أخرجتهم من دينهم، وتعود إلى حضن الإسلام، فبهذا يصبحون إخوانًا لنا.
رأيه في الجزية على المسيحيين:
- يسأله أحمد منصور عن وضع النصارى فقال: إذا أقمنا حكمًا إسلاميًّا في المنطقة، فسيخضعون إلى نظام الحكم الإسلامي المتواجد لدينا، فهمُ قضية دفع الجزية هو للقادر، والمتمكن على دفعها.
عندما سأله أحمد منصور: هل تعتبرون جماعة الإخوان المسلمين انحرفوا؟ قال الجولاني في الجزء الثاني من حديث لقناة "الجزيرة" في 3 من يونيو 2015م، "الإخوان المسلمون بالتأكيد انحرفوا، والإسلام لا يقبل بأن ندخل في البرلمان، ونقسم على احترام هذا الدستور، نحن لدينا حكم الله- عز وجل-، وهو الذي يحترم، ودونه من أقوال البشر هذا لا يحترم".
وقال الجولاني: "الإخوان المسلمون عندما دخلوا إلى هذه المسالك فهم بالتأكيد انحرفوا عن الجادة التي تكلمنا عليها، ثم نحن نرى الخلاص هو بالجهاد في سبيل الله- عز وجل- وفي القتال، ولا نرى الأمر في خوض المعارك الانتخابية والسياسية".. كما أنه أقر في حديثه بأن الإخوان المسلمين، والقاعدة منهجها واحد مستمد من حسن البنا، وسيد قطب.
وعندما سأله الإعلامي أحمد منصور عن نسبة الغرباء العرب، والأجانب المنضمين لتنظيم النصرة قال: ما يقارب من 30% من كل دول العالم، ومنهم أمريكان، وآسيويون، وروس، ومن الشيشان، وهؤلاء جاءوا ليناصروا أهل الإسلام، وهم يتقدمون الصفوف الأولى، ويقاتلون، ويدفعون الدماء، وكل الساحة تشهد ببسالة المهاجرين في القتال.
وعندما سأله أحمد منصور عما إذا كانت جماعة تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان منضويًا تحت رايتها في فترة من الفترات هل يتبع نفس فكر تنظيم القاعدة؟
- قال الجولاني في بدايات الإعلان عن تنظيم الدولة الإسلامية نعم كان هناك التزام في هذا الأمر، لكن كان يوجد هناك عدم التزام في بعض الأوامر التي يعطيها لهم الدكتور أيمن الظواهري، كالتفجير في الأسواق مثلاً، أو كالتفجير في الحسينيات، أو قتل المرتدين في المساجد، أو ما شابه ذلك من الأشياء، فلم يكن عندهم التزام بها نوعًا ما، وقال: لقد قتل تنظيم الدولة الإسلامية منا الكثير، قتلوا منا قيادات، بل قتلوا أطفالاً ونساءً، لقد قتلوا أطفالاً ونساء وعائلة لأحد القادة هو أخونا محمد الفتاح كان أمير النصرة في إدلب، قتلوا أطفاله ونساءه، ثم قتلوه هو أيضًا، وهو كان مريضًا، لقد دخلوا إلى منزله وقتلوا أطفاله ونساءه ثم قاموا بقتله، وهناك حالات كثيرة من قطع رؤوس، وصلب إلى غير ذلك ثم قاموا بعرضهم على الناس في دير الزور، لقد تسبب القتال بيننا، وبينهم في مقتل 700 شخص منا، ومنهم أيضًا.
لقد تحدث الجولاني أيضًا في الحديث عن ضرورة حل الجيوش العربية، وإعادة تأسيس جيش خاص بكل بلد، ومنها الجيش المصري وهذا هو ما حدث في سوريا بمجرد استيلائه على السلطة في البلاد (1).
*
هذه هي بعض من ثوابت الرؤية العقدية، والفكرية «لأبي محمد الجولاني» التي عاش عليها عقودًا من الزمن، قاتل فيها خرّب، دمّر، ذبح، قطع الرؤوس، ودخل في صراعات قوية مع قوى أخرى من بينها تنظيم الدولة الإسلامية، وبعض الفصائل المسلحة الأخرى على أرض الشام.. فهل يمكن لهذه اليد الملوثة بالدماء أن تبنى دولة، وهو يرفض الاعتراف بالدستور، والقانون، وحقوق الطوائف، والأقليات، ولا يرضى إلا بما يسميه «الشريعة الإسلامية» وفقًا لمفهومه، ومفهوم تنظيمه الإرهابي؟
صحيح أنه يحاول أن يبدو مختلفًا، وأن يظهر في أحاديثه كرجل دولة بعد أن تحول من قائد إسلامي متطرف يرتدي العباءة التقليدية إلى قائد يرتدي ملابس غربية محتفظًا بذقنه كما هي، ليؤكد أن التغيير الذي طال خطابه هو تغيير مؤقت لزوم المرحلة، إلا أن الوقائع التي بدأت تظهر، ومقولاته السابقة هي خير دليل على أن كل ما يجري ليس أكثر من خديعة هدفها تثبيت أركان السيطرة، والتغلغل في مفاصل الدولة والاستيلاء عليها
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: سوريا مصطفى بكري بكري تنظيم القاعدة بالعقل الوضع في سوريا الجولاني هيئة تحرير الشام تنظیم الدولة الإسلامیة تنظیم القاعدة قال الجولانی أهل السنة فی بشار الأسد فی حدیثه دین الله فی سوریا محمد ا عز وجل
إقرأ أيضاً:
كان حريصاً أكثر من نصرالله.. من هو الشبح الذي تراقبه إسرائيل؟
نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية تقريراً تحدثت عن قوة الحوثيين في اليمن ومسعاهم لإثبات أنهم ليسوا ضعفاء أمام إسرائيل، كما قالت. ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنّ الإسرائيليين اضطروا لـ8 مرات خلال الأسبوعين الماضيين، للبحث عن ملجأ بسبب هجمات الصواريخ الباليستية التي تُطلق من اليمن لاسيما خلال الليل". وأضاف: "تقف وراء هذه الهجمات جماعة تعرف باسم الحوثيين، والتي على الرغم من وجودها على بعد نحو 2000 كيلومتر (1200 ميل)، تمكنت من مضايقة الدولة اليهودية من بعيد، وخنق التجارة العالمية، في حين أثبتت مقاومتها العنيدة لمحاولات الغرب لقمعها". وأردف: "مع تدهور القدرات العسكرية لحماس بشكل خطير، وقبول حزب الله بوقف إطلاق النار في لبنان، وإسقاط النظام السوري، وقرار الجماعات العراقية، على حد قول التقارير، بوقف الهجمات، بدا الأمر في أوائل كانون الأول أن إسرائيل قد تكون أخيراً خالية من صفارات الإنذار من الغارات الجوية، والاعتراضات المدوية والتأثيرات المميتة التي أصبحت عذاباً مستمراً منذ السابع من تشرين الأول 2023". وأكمل: "في ظلّ هذا الفراغ، تدخل الحوثيون وهم الأعضاء النشطون الوحيدون في محور المقاومة الإيراني الذين ما زالوا يشاركون في أعمال عدائية مباشرة ضد إسرائيل. ففي الأسابيع الأخيرة، صعدت الجماعة المتمردة هجماتها الصاروخية بعيدة المدى عالية القوة لتتناسب مع شدة واتساع التهديد الذي كان يشكله شركاؤها المدعومون من إيران في أوقاتٍ سابقة". واعتبر التقرير أنَّ الحوثيين استمدوا الإلهام من "حزب الله" في لبنان والذي كان يُعتبر في السابق أقوى وكلاء إيران في حين أنهُ كان يحظى بعلاقات متينة معها. وفي السياق، قال مايك نايتس، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وخبير مخضرم في الجماعات المدعومة من إيران: "كان هدف الحوثيين دائما أن يكونوا حزب الله المقبل". كذلك، رأى التقرير أنَّ التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي يتفاقم بسبب بُعدها عن الدولة اليهودية، مما يقيد الضربات الجوية، والمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية المحدودة عن الأهداف المحتملة. ويتابع: "إن جماعة أنصار الله، المعروفة رسمياً باسم الحوثيين، والتي نشأت في المناطق الجبلية شمال غرب اليمن، هي جماعة عرقية دينية وأفرادها هم ينتمون إلى الطائفة الزيدية، فرع من الإسلام الشيعي انشق في القرن الثامن بسبب نزاع ديني. ولطالما تبنت المجموعة التطرف، وتعمل تحت شعار الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وأكمل: "باعتبارها قوة سياسية، ظهرت الجماعة لأول مرة في الاضطرابات التي أعقبت الوحدة في أوائل تسعينيات القرن العشرين تحت قيادة حسين الحوثي، الزعيم القبلي البارز ومعارض الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وبإلهام من الثورة الإسلامية في إيران وصعود حزب الله في لبنان، أرسل الحوثيون مقربين منهم للتدريب العسكري والديني". وأضاف: "لقد تعزز تحالف الحوثيين مع الإيرانيين تحت قيادة قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي قاد محور المقاومة الإيراني بدءاً من أواخر التسعينيات". وقال: "رغم عدم اعتبارهم من الشيعة السائدين، فقد أكد الحوثيون في السنوات الأخيرة على علاقاتهم بالإسلام الشيعي الذي يمارس في إيران، وتحالفوا مع النظام الديني في طهران". هُنا، يشير نايتس إلى أنَّ "الإيرانيين أدركوا أن لديهم شريكاً عنيداً للغاية وقوياً للغاية في الحوثيين، فدفعوهم إلى مقدمة الصف بين قوات شركائهم في المنطقة". وبحسب التقرير، فإن الحوثيين يُسيطرون على شمال غرب اليمن، موطن ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 34 مليون نسمة، رغم أنهم لا يسيطرون على أي من موارد النفط والغاز في اليمن. في المقابل، تحكم الحكومة المعترف بها دوليا الجنوب والشرق من خلال إدارات محلية مختلفة. وتابع: "لقد حولت الحرب الأهلية، التي مضى عليها الآن أكثر من عقد من الزمان، البلاد إلى حالة إنسانية حرجة، حيث أفادت الأمم المتحدة بأن 18 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات عاجلة، بما في ذلك ما يقرب من 10 ملايين طفل، في ظروف أشبه بالمجاعة. كذلك، فإنه لدى البلاد أحد أعلى معدلات الخصوبة في العالم بمعدل 6.2 طفل لكل امرأة، وفقا لبيانات الأمم المتحدة ، وذلك بسبب الزواج المبكر، والتعليم المحدود للفتيات، وانخفاض استخدام وسائل منع الحمل". وأكمل: "لقد ساعدت هذه الظروف في تعزيز قبضة الحوثيين على السلطة"، ويقول نايتس إنَّ "الأسر ستبيع أطفالها حرفياً لحركة الحوثيين لأنهم كجنود سيحصلون على طعام على الأقل". وتابع: "لقد استغلت بعض الجهات الأجنبية الوضع المزري من خلال تجنيد مقاتلين يمنيين للقتال لصالحها، بما في ذلك روسيا في حربها في أوكرانيا. وفي حين يمكنهم الاعتماد على إمدادات لا نهاية لها على ما يبدو من المقاتلين، فإن التهديد الحقيقي لإسرائيل وغيرها من الدول في المنطقة ينبع من القوة الجوية الحوثية، والتي تطورت بشكل كبير". وأكمل: "في عام 2013، اعتمد الحوثيون على صواريخ كاتيوشا الأساسية؛ وبحلول عام 2015، وبدعم من إيران، أطلقوا صواريخ سكود الباليستية متوسطة المدى على المملكة العربية السعودية. وفي السنوات اللاحقة، استهدفوا مراراً وتكراراً مصافي النفط السعودية بطائرات من دون طيار هجومية وقذائف أخرى". وتابع: "تضم ترسانة الحوثيين الآن صواريخ قصيرة المدى، مما يمكنهم من تعطيل التجارة البحرية في البحر الأحمر، فضلاً عن الطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية بعيدة المدى (فلسطين)، والتي تعهدوا بمواصلة إطلاقها على إسرائيل حتى انتهاء الحرب في غزة". وقال: "كذلك يزعم الحوثيون أن صاروخ فلسطين، بما في ذلك نسخة تفوق سرعتها سرعة الصوت، يتم تصنيعه محلياً، لكن السلاح يحمل العلامات المميزة للصواريخ التي يستخدمها الحرس الثوري الإيراني. وفي حين تزعم إيران أنها لا تسلح الحوثيين، فإن السفن المتجهة إلى اليمن التي احتجزتها الولايات المتحدة وحلفاؤها عثرت على أسلحة إيرانية ووقود صواريخ ومكونات على متنها". وأردف: "رغم أن إسرائيل تمكنت من اعتراض العديد من الصواريخ والطائرات بدون طيار التي أطلقها الحوثيون، فإن العديد منها تمكنت من اختراق الدفاعات الجوية، كما أن سقوط الشظايا يعني أن حتى تلك التي أسقطتها إسرائيل لا تزال تشكل تهديداً". ويضيف: "ولمواجهة هذه الجماعة، نفذت إسرائيل حتى الآن أربع جولات من الغارات الجوية المتصاعدة في اليمن. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع إسرائيل كاتس إن إسرائيل ستبدأ في تصعيد الضغوط على الحوثيين من خلال استهداف قادتهم، مكررة بذلك الاستراتيجية التي استخدمتها ضد حماس وحزب الله. لكن الحوثيين يمثلون تحدياً مختلفاً تماماً عن الجماعات الإرهابية الأخرى التي تمكنت إسرائيل من إخضاعها، وقد يكون من الصعب القضاء على قياداتهم". ويكشف التقرير أنّ زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي يتمتع بمهارة إخفاء مكان وجوده، كما أنه تمكن على مدى أكثر من عقدٍ من الزمان من الإفلات من الإغتيال، وأضاف: "إن الحوثي يسجل خطبه مسبقاً مثلما كان يفعل الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله". هنا، يقول نايتس: "في الواقع، فإن الحوثي أكثر حرصاً من نصرالله الذي اختبأ من إسرائيل لسنوات قبل مقتله في أيلول الماضي". وذكر نايتس "إن الحوثي يشبه الشبح، ولا يعرف مكانه إلا عددا قليلا من الناس في أي وقت، كما أنه لا يحمل أي أجهزة إلكترونية على الإطلاق، ولا يظهر في العلن إلا نادراً". كذلك، يقول التقرير إنه "بما أن الحوثيين أصبحوا مؤخرا قضية رئيسية بالنسبة للقدس، فمن المعتقد أن إسرائيل لديها معلومات استخباراتية محدودة ليس فقط عن قادة المجموعة ولكن أيضاً عن مخازن الأسلحة، مما يحد من بنك الأهداف المحتملة في الغارات الجوية". وتابع: "حتى الآن، استهدفت ضربات الجيش الإسرائيلي البنية التحتية الاقتصادية والمدنية في اليمن - ميناء الحديدة في تموز، والذي يستخدمه الحوثيون لاستيراد الوقود والأسلحة من إيران، بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي والبنية التحتية البحرية الأخرى في سلسلة من الضربات الأسبوع الماضي. لكن يبدو أن الجماعة اليمنية، التي تتبنى أيديولوجية قاتلة، لا تتراجع حتى الآن أمام محاولات ممارسة ضغوط عسكرية أو اقتصادية عليها". وأشار نايتس إلى أن الطريقة الأكثر وضوحا بالنسبة لإسرائيل لوقف هجمات الحوثيين هي التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، على افتراض أن الجماعة ستلتزم بوعدها بوقف إطلاق النار بمجرد التوصل إلى هدنة، وتابع: "هناك خيار آخر يتمثل في فرض حصار أكثر صرامة على اليمن بالتعاون مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك وقف جميع التجارة البحرية الواردة وطرق التهريب البرية من سلطنة عمان المجاورة لقطع إمدادات الأسلحة من إيران تماماً". وتابع: "أما الخيار الثالث، وربما الأكثر فعالية، هو أن يقدم حلفاء إسرائيل الإقليميون الدعم العسكري للقوات البرية المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا والتي تقاتل الحوثيين منذ سنوات. هنا، فإنّ إسرائيل قد تلعب بهدوء دوراً غير مباشر في دعم مثل هذا الهجوم المنسق". وتوقع الخبير أن "يجد المتمردون الحوثيون قواتهم منهكة بسرعة بسبب الضغط عليهم من الشمال والجنوب والشرق، مما يضطرهم إلى الانسحاب من المدن الرئيسية". المصدر: ترجمة "لبنان 24"