سقف الدَين الأميركي.. قانون سنه الكونغرس لتحديد سقف الإنفاق الحكومي
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
قانون سنه الكونغرس الأميركي عام 1917 للحد من مقدار الأموال التي يمكن للحكومة الفدرالية اقتراضها لتغطية التزاماتها المالية. وعلى مر السنوات، استخدم القانون أداة سياسية بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، إذ ارتبطت قرارات رفعه بمفاوضات حول الإنفاق الحكومي وتخفيض العجز.
ما سقف الدين الأميركي؟
ويعرف أيضا بـ"حد الدين"، وهو "قانون يحد من المبلغ الإجمالي للأموال التي يمكن للحكومة اقتراضها لدفع فواتيرها".
وسقف الدين الأميركي يحدده الكونغرس الذي يصوت على رفع أو تعليق حد السقف لمقدار الأموال التي تستطيع الحكومة الفدرالية اقتراضها لتغطية التزاماتها المالية، عندما تكون الإيرادات غير كافية لتغطية نفقاتها.
وإذا اقتربت مستويات الدَين للحكومة الأميركية من سقف الدين، تلجأ وزارة الخزانة الأميركية إلى تدابير استثنائية لسداد الالتزامات والنفقات حتى يُرفع السقف مرة أخرى تجنبا لسيناريو تخلف الحكومة عن السداد.
وقد خضع هذا السقف للتعديل مرات عدة على مدار السنوات بهدف التكيف مع المتطلبات المالية المتزايدة.
أهميتهيُسهم قانون سقف الدين الأميركي في عملية ضبط المال العام للبلاد، إذ يعتبر إجراء تنظيميا يهدف إلى تحقيق التوازن بين مرونة الحكومة في تمويل نفقاتها وإحكام السيطرة على الميزانية العامة.
ويسهّل القانون عمل وزارة الخزانة الأميركية، إذ يتيح لها إصدار السندات وجمع الأموال اللازمة لتغطية النفقات الحكومية دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس في كل مرة.
وبتحديد الكونغرس للحد الأقصى للدَين، يسمح ذلك للحكومة بالعمل ضمن إطار محدد دون تأخير أو تعقيدات إضافية، كما يتيح رفع السقف للحكومة الاستمرار في تمويل أنشطتها وعملياتها اليومية دون انقطاع.
إعلانويعني رفع سقف الدين توفير التمويل اللازم لمواصلة البرامج الاجتماعية المهمة التي يعتمد عليها ملايين المواطنين الأميركيين، بما في ذلك الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
لكن عملية رفع سقف الدين أثارت تساؤلات في الأوساط الأميركية عن مدى فعاليته أداة لضمان المسؤولية المالية، إذ وصل مستواه مع مرور الوقت إلى حدود قياسية.
وأصبح سقف الدين يستخدم أداة سياسية، فقد ربط كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي رفع حده بمواضيع أخرى مثل الإنفاق الحكومي، وذلك عبر الضغط على الرئيس لتحقيق تخفيضات في الإنفاق أو إجباره على اتخاذ قرارات معينة.
محطاتلم يكن للدين العام في الولايات المتحدة سقف محدد، حتى أُقر لأول مرة في عام 1917، كجزء من قانون "السندات الثانية للحرية"، وحدد بمبلغ 11.5 مليار دولار، وذلك عندما منح الكونغرس السلطة التنفيذية مرونة أكبر في الاقتراض مع دخول البلاد الحرب العالمية الأولى.
وأتاح القانون لوزارة الخزانة الاقتراض دون الحاجة إلى تصديق من الكونغرس على كل إصدار دين جديد في تشريع منفصل طالما أن إجمالي الدين لم يتجاوز حده.
وفي عام 1939، أقر الكونغرس الأميركي أول رفع لسقف الدين وشمل كافة ديون الحكومة، وحدده بمبلغ 46 مليار دولار.
وبعد مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية عام 1939، ارتفعت ديون البلاد من 51 مليار دولار إلى 260 مليار دولار، وذلك بسبب تقديمها قروضا لبريطانيا ودول أخرى لمساعدتها في دفع التكاليف العسكرية.
وشهدت الولايات المتحدة بعد ذلك نموا اقتصاديا، لكن عمليات تقليص الديون لم تستمر، فقد أدت حرب فيتنام عام 1945 وبرامج مساعدة الفقراء وتمويل التعليم وغيرها إلى زيادة الدين بشكل أكبر.
وتضاعف الدين في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان أكثر من 3 مرات، ورفع الرئيس سقف الدين 18 مرة، حتى بلغت الديون في نهاية رئاسته للبلاد إلى 2.7 تريليون دولار.
إعلانوفي رئاسة بيل كلينتون (1993 إلى مطلع عام 2001)، زادت الضرائب وانخفض الإنفاق الدفاعي، وانتعش الاقتصاد مما ساعد في تقليص معدل نمو الدين، في ظل رفض الجمهوريين في الكونغرس إجراءات زيادة سقف الدين إذا لم يتم تقليص الإنفاق الحكومي. وبحلول عام 2000 وصل الدين إلى 5.5 تريليونات دولار.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، تباطأ الاقتصاد الأميركي وزادت عمليات الإنفاق على الأمن الوطني مع قرار الرئيس جورج بوش الابن تخفيض الضرائب واسترداد الأموال المدانة، بيد أن العجز والدين العام ظلا في حالة نمو.
وفي ولايتي الرئيس باراك أوباما، طالب الجمهوريون عام 2011 بتقليص العجز المالي الفدرالي كشرط للموافقة على زيادة سقف الدين. وانخفض تصنيف ديون الخزانة الأميركية في التحليل المالي لوكالة "ستاندرد آند بورز"، بعد أن حافظت على مكانتها لأكثر من 70 عاما.
وفي عام 2013، أُغلقت الحكومة الفدرالية مؤقتا بعد محاولة الجمهوريين استخدام سقف الدين أداة ضغط لوقف تمويل قانون الرعاية الصحية الميسرة -المعروف بـ"أوباما كير"- وتوقفت كثير من الخدمات الحكومية وعُطلت البرامج الفدرالية التي تعتمد على التمويل الحكومي. وعُلق قانون سقف الدين الأميركي مؤقتا مما سمح للحكومة بالاستمرار في الاقتراض لتسديد التزاماتها المالية.
ورُفع سقف الدين مرة أخرى عام 2014 و2015، وتجاوز مقدار الدين الأميركي عام 2017 حد الـ20 تريليون دولار، حتى وقع الرئيس دونالد ترامب مشروع قانون يمدد تعليق سقف الدين حتى الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2017، مما أعطى الحكومة مهلة مؤقتة لتجنب أزمة مالية.
وفي فبراير/شباط 2018، عُلق قانون سقف الدين الأميركي مدة 13 شهرا بموجب قانون جديد مرره الكونغرس ووقعه الرئيس ترامب، وتم تفعيله ورفعه مرة أخرى في مارس/آذار 2019 بعد تجاوز الدين الأميركي 22 تريليون دولار.
إعلانووقع الرئيس ترامب قانون الميزانية الثنائية لعام 2019، الذي علق سقف الدين حتى 31 يوليو/تموز 2021، ورفع القيود على ميزانيات الوكالات الفدرالية، مما وفر مرونة مالية لها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، رُفع سقف الدين مرة أخرى إلى 31.4 تريليون دولار.
وفي أواخر عام 2022، وصلت البلاد إلى سقف الدين وتجاوزته، ثم تعدته مرة أخرى في 17 يناير/كانون الثاني 2023 حتى تمكنت الخزانة الأميركية من الوفاء بالتزاماتها عبر إجراءات استثنائية.
وحُلت الأزمة في نهاية المطاف عبر توصل الكونغرس إلى اتفاق يقضي بتعليق قانون سقف الدين حتى مطلع عام 2025، مع وضع قيود على الإنفاق الحكومي.
ودعا الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى إلغاء قانون سقف الدين، واصفا إياه بأنه "مفهوم لا معنى له"، وصرح بأن إلغاءه سيكون خطوة ذكية وسيدعمها كاملة.
وقد تبنى مجلس النواب الأميركي أثناء جلسة له في 20 ديسمبر/كانون الأول مشروع قانون يهدف إلى تجنب شلل الحكومة الفدرالية، ويقضي بتمويل الحكومة حتى منتصف مارس/آذار 2025، بعد فشل ترامب تمرير مشروع رفع سقف الدين العام.
وواجه رئيس مجلس النواب مايك جونسون ضغوطا لتلبية مطالب ترامب والحفاظ على منصبه رئيسا للنواب، فأسهم في تقليص مشروع القانون بحذف بنود عدة، بيد أن التعديل لم ينجح في كسب الدعم، وأثار انتقادات واسعة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين عارضوا إضافة تعليق سقف الدين إلى المشروع.
وفي الثاني من يناير/كانون الثاني 2025، أعيد العمل بقانون سقف الدين الأميركي بعد تعليقه عام 2023، وبلغ الحد 36.1 تريليون دولار، بعد أن كان 31.4 تريليونا قبل التعليق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دیسمبر کانون الأول الخزانة الأمیرکیة الإنفاق الحکومی تریلیون دولار ملیار دولار مرة أخرى
إقرأ أيضاً:
الجارديان البريطانية: الرئيس الأمريكي يختبر حدود السلطة التنفيذية ويهمش الكونجرس.. ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي.. استيلاء «ترامب» على السلطة انقلاب محجوب بالفوضى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رأت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترمب، يثير أزمة دستورية فى الولايات المتحدة، بزعم امتلاكه سلطات واسعة النطاق لتجاوز سيطرة الكونجرس على الإنفاق فى محاولة لمركزية السلطة المالية فى يد السلطة التنفيذية. وإذا نجح فى ذلك، كما يحذر الحائز على جائزة نوبل "بول كروجمان"؛ فسوف يكون ذلك بمثابة انقلاب فى القرن الحادى والعشرين؛ حيث تنزلق السلطة من أيدى المسئولين المنتخبين. ويقول "إن القصة الحقيقية المخفية وراء الحرب التجارية التى يشنها الرئيس هى اختطاف الحكومة"؛ و"كروجمان" محق.
وأضافت "الجارديان" فى افتتاحيتها يوم الثلاثاء الماضي، أنه من خلال اغتصاب السلطة لإغلاق البرامج الحكومية حسب الرغبة - حتى تلك التى يمولها الكونجرس - يمكن لترامب خفض الإنفاق الفيدرالى والضرائب بينما يتظاهر بموازنة الحسابات. فى الواقع، يسرق الفقراء لإثراء الأثرياء.
وتابعت: "فى عالم حيث تم تحريف المصطلحات الاقتصادية لتصوير الاستغلال على أنه "خلق الثروة"؛ فإن جرأة ترامب - وأتباعه - على الاستفادة الشخصية مذهلة. فلسفة ترامب بسيطة: دع الأثرياء يفعلون ما يريدون، مع القليل من الإشراف أو بدونه. ستكون النتيجة ثروة هائلة لقلة مختارة بينما تصبح الحياة أكثر سوءًا وأقصر بالنسبة للكثيرين".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن خطة "ترامب" قد بدأت تتبلور فى نهاية الأسبوع الماضى عندما أقال مسئولا رفيع المستوى فى وزارة الخزانة كان يمنع صديقه الملياردير إيلون ماسك من الوصول إلى نظام الدفع الفيدرالي؛ ما أدى إلى كشف البيانات الشخصية الحساسة لملايين الأمريكيين، بالإضافة إلى تفاصيل المقاولين العموميين الذين يتنافسون مباشرة مع أعمال "ماسك".
ويصرف النظام أكثر من ٥ تريليونات دولار سنويا، ويهدف "ماسك" وحلفاؤه، كما كتب المحلل ناثان تانكوس، "بشكل واضح إلى إعادة تصميمه" لخدمة أجندة "ترامب"؛ ما يفتح الباب أمام الرئيس الأمريكى للسعى إلى الانتقام من خصومه السياسيين.
وقال المحلل "تانكوس": "كى نرى التأثير، يكفى أن ننظر إلى إحدى الخطوات الأولى التى اتخذها ترامب:
- تجميد تريليونات الدولارات من الإنفاق الفيدرالى وخاصة على المساعدات الخارجية، والمنظمات غير الحكومية.
- مبادرات التنوع والإنصاف والإدماج، وأيديولوجية النوع الاجتماعي.
- الصفقة الخضراء الجديدة.
وقد منعت المحاكم هذا الإجراء باعتباره غير دستورى ولكن ليس قبل أن يخلف دمارًا هائلًا فى الوكالات الحكومية والمنظمات غير الربحية، وخاصة تلك التى تساعد الفئات الضعيفة مثل المحاربين القدامى المشردين.
ويزعم "ماسك" أنه سيغلق الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية ــ ولكن هذا لا يزال محل جدال؛ لأن هيئة فيدرالية ملزمة قانونًا بإدارة المساعدات.
وكما هو الحال مع حربه التجارية؛ فإن ادعاء "ترامب" بامتلاكه سلطة "الحجز" ــ الحق المفترض فى وقف الإنفاق من جانب واحد ــ يكشف عن التناقض الجوهرى فى استيلائه على السلطة؛ فهو يتصرف مثل الملك لأنه أضعف من أن يحكم كرئيس.
وهو يمارس الرسوم الجمركية متى شاء، متجاوزًا الكونجرس بمزاعم "الأمن القومي" ــ ومع ذلك فقد أبرم صفقة مع المكسيك اعتبرها الجانبان انتصارًا.
ولاية ترامب الأولى
وفى ولايته الأولى، تم تسويق حملة الحماية التى شنها "ترامب" - الرسوم الجمركية على الصين، وتعديل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ومهاجمة سياسات التجارة للحلفاء - على أنها ثورة. بدلًا من ذلك، كانت جرحًا ذاتيًا.
وفرضت إدارته ٨٠ مليار دولار فى "ضرائب" جديدة على الأمريكيين من خلال الرسوم الجمركية، فقط لرؤية سلاسل التوريد تعيد توجيهها إلى فيتنام وإندونيسيا بدلًا من إعادة الوظائف إلى الوطن. التكلفة الحقيقية؟ ضربة بنسبة ٠.٢٪ للناتج المحلى الإجمالى و١٤٢٠٠٠ وظيفة مفقودة، وفقًا لمؤسسة الضرائب.
واختتمت "الجارديان" بالتأكيد على أنه بدون استثمار جاد فى الصناعة المحلية، لن تنجح استراتيجية التجارة "أمريكا أولاً" فى إعادة بناء التصنيع الأمريكي؛ بل أدت فقط إلى ارتفاع التكاليف.
وفوضى "ترامب" ليست ثقة - إنها يأس، إنه يحاول استحضار القوة التى لا يمتلكها بالفعل، إنه يصنع تصورًا للهيمنة على أمل أن يقبلها الأمريكيون ببساطة، الخطر الحقيقى هو السماح لوهمه بالقوة أن يصبح حقيقة.