زنجبار: حتمًا هذه الفاكهة من الجنة
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
تشكِّل زنجبار لي حالة خاصة، فلطالما همتُ بها كثيرًا وما برحتُ أتخيلها كلما أرخى الليل سدوله وأزورها منامًا، ثم همسًا وجدانيًّا كلما أشرقت شمس يوم جديد. هكذا كانت عندي على مدى عقود من الزمن، منذ أن كنتُ صغيرًا وأسمعُ عن مذبحة العُمانيين هناك يوم الأحد الثاني عشر من يناير 1964، عندما كان بعض الطلبة الأفارقة يهددوننا بأنهم سيذبحوننا مثلما ذبحوا عرب زنجبار.
عرفتُها من خلال والدي الذي شدّ إليها الرحال مهاجرًا - مثل كلِّ العُمانيين المهاجرين -، فصارت منذ ذلك الوقت مرافقة لي وملازمة لتفكيري، وكانت تدور في ذهني أسئلة كثيرة؛ من قبيل: لماذا ذُبح العُمانيون؟ ولماذا التهديد بذبحنا ونحن نرى أنّ آباءَنا يعامِلون الناس بالحسنى؟
كانت هناك شخصية تشدّني شدّا إلى زنجبار، هي شخصية السيد سعيد بن سلطان الذي حوّل عاصمة ملكه من مسقط إلى زنجبار، وكما شدتني هذه الشخصية فقد أثار إعجابي أيضًا حفيدُه السيد خالد بن برغش لرفضه السيطرة الإنجليزية على مقدرات البلاد؛ فما كان من البوارج الإنجليزية إلا أن دكت "بيت الحكم" وحوّلته إلى تراب، في أكذوبة سموها "أقصر حرب في التاريخ" راح ضحيتها في أربعين دقيقة أكثر من خمسمائة نفس، وفرضت بريطانيا السلطان الذي تريده، فيما ذهب خالد إلى المنفى حتى توفاه الله.
إذن؛ كانت تلك القوى العجيبة تسوقني إلى زنجبار التي عرفتُ معالمَها قبل أن تراها عيني، وعشتُ تفاصيلها بروحي عن بُعد قبل أن أزورها واقعًا حيًّا. إنّ حنيني لها جعلني أرسم عنها صورة زاهية في مخيلتي لدرجة أنني زرتُها منامًا مرارًا وتكرارًا كما أشرتُ، وكنتُ في كلِّ مرة أراها جنة من جنان الله على الأرض لها معنى ومغزى ومدلول، تنتابني - كما يخيل إليّ في لياليّ ومن بعيد - إيقاعات طبول أفريقية تلامس طبلة أذني كأنها تناديني وتذكرّني بأنّ في هذه الأرض وطئت قدَمَا والدك أوَّل هجرته إلى الشرق الأفريقي، وأنّ عليّ الإسراع بالحضور، فلربما كان لنا هناك خلف تلك البحار المتلاطمة شجرة غرسها أبي، كما كان يفعل، إذ ترك شجرة في روي كان يرعاها ويسقيها أثناء ذهابه وعودته لدكانه، مثلما ترك شجرة أخرى في أحد مطاعم إزكي، ظلَّ يرعاها كلما ذهب إلى أدم أو نزوى، وما من شك أنه إذا كان قد ترك تلك الشجرة في زنجبار، فإنها الآن ضخمة لها ظلّ ظليل وثمارٌ قطوفها دانية. وقد أخذني الخيال إلى ظلِّ تلك الشجرة أتصفح صحف "الفلق" و"النهضة" و"النجاح"، أحضر المجالس التي يعقدها السلاطين يوميًّا مع الرعية، وكم مرة استمعتُ إلى قصائد أبي مسلم البهلاني الاستنهاضية، وصليتُ خلف أبي نبهان ناصر بن جاعد الخروصي في مسجده المجاور لبيت المتوني، ووقفت مشدوهًا أمام مسجد المحسن السيد حمود بن أحمد البوسعيدي، الذي صليت فيه أيضًا، كما كنتُ أرى خميس ذلك الزنجباري الشهير والخبير في تسلق أشجار النارجيل يناديني بالاسم، على ذلك سكنتني زنجبار قبل أن آوي إليها في هذا المقصد البديع.
كانت زنجبار الرئة الثانية التي تتنفس عبرها عُمان في تلك السنين الخوالي، إذ تعود علاقاتُ أهل عُمان بتلك المنطقة إلى قرون عديدة خلت قبل ظهور الإسلام وبعده، حتى اتخذها السيد سعيد بن سلطان عاصمةً لملكه، وهي الفترة التي شهدت هجرات عُمانية واسعة لتلك الديار، بتشجيع من ذلك الرجل بعيد النظر.
ردّدتُ لبعض الأصدقاء من الكتّاب أنّ قصة زنجبار يمكن أن ينتج عنها روايات وقصص ومسرحيات وكتب وأفلام، فهي لا تزال بكرًا إزاء التناول الأدبي والتاريخي والفني والتراثي العريق والفريد لمجاهل تلك الجزيرة التي كانت تقود الأحداث في القارة الإفريقية كلها ولقرون، وكانت مركز الإشعاع الحضاري والفكري والعلمي والثقافي في عموم القارة، وكنتُ وما زلت أرى أنّ على المشتغلين بالمسرح والسينما والفنون والأدب والشعر وكتّاب السيناريو شد الرحال لزنجبار، فكلّ شخص هناك هو مشروع قصة ورواية ومسرحية وفيلم، وكلّ هذه الأجناس الأدبية لها هناك إرث لا ينفد ومنهل لا ينضب؛ فصعوبة الحياة في عُمان في تلك الفترات كانت السبب الرئيسي لهجرة الناس؛ ولكي أوضح أكثر أروي قصة معاناة ابن عمي عبد الله بن محمد المحروقي، الذي اضطرته ظروف اليتم والفقر أن يهاجر إلى الشرق الأفريقي وهو طفل صغير تاركًا والدته ثريا بنت حمد بن سالم وأخته الطفلة جوخة في ولاية أدم ليلتحق بعمه (أبي). يقول: "بعد رحلة صعبة ومضنية من أدم عبر قوافل الجِمال إلى محوت في المنطقة الوسطى من عُمان ركبنا البحر وتزوّدنا بالماء في عدن، ثم واصلنا رحلتنا حتى تانجا في تنجانيكا، ومن هناك إلى زنجبار". خطُّ الرحلة هذا هو خط اعتيادي، ولكن ماذا يقول عن وصوله إلى زنجبار؟ يقول: "قُدِّم لنا الفطور الصباحي، وكنتُ أرى لأول مرة في حياتي أطايب المآكل والمشارب بهذه الكمية والنوعية، فقلت في نفسي: ربما هذه هي الوجبة الرئيسية فليس هناك غداء أو عشاء، ولكني فوجئت في الظهر بأنّ وجبة الغداء كأنها المائدة التي وُصفت في القرآن الكريم، وهو ما تكرر أيضًا في العشاء"، تعكس دهشة ابن عمي هذه وضع عُمان الصعب للغاية في ذلك الوقت ممّا حدا بالناس أن يهاجروا إلى الشرق الأفريقي. ولا أنسى عندما حكى لي كيف تذوّق طعم البرتقال لأول مرة، فقال في نفسه "حتمًا هذه الفاكهة من الجنة".
وإذا كانت زيارتي لزنجبار تأخرَت عقودًا، فلا يعني ذلك أني كنتُ بعيدًا عنها أو أنها كانت بعيدة عني، فكما سبق وأن أشرتُ؛ فقد عشتُ هناك بروحي وقلبي، وذلك في الثمانينيات من القرم الماضي عندما قرأتُ كتابين صادرين من "وزارة التراث القومي والثقافة" هما "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار" للشيخ سعيد بن علي المغيري، و"مذكرات أميرة عربية" للسيدة سالمة بنت سعيد بن سلطان الذي حققه عبد المجيد حسيب القيسي، وعدتُ إلى المذكرات من جديد في شهر أكتوبر 2024، وهذه المرة بترجمة زاهر الهنائي من اللغة الألمانية مباشرة ممّا أعادني إلى أجواء تلك الفترة، وأيقظ فيّ الحماس من جديد لزيارة زنجبار. وكثيرًا ما راودتني تلك الفكرة، لكن ظروف الحياة حالت دون تحقيق ذلك الحلم القديم المتجدد. وعندما عرض عليًّ الأخ والصديق العزيز سيف بن سعود المحروقي فكرة الزيارة ولمدة أسبوع تردّدتُ في البداية لاعتقادي أنّ مدة الأسبوع قد لا تكفي لزيارة كلِّ المعالم التاريخية التي سمعنا وقرأنا عنها، مثل بيت العجائب وبيت الساحل وبيت الحُكم وبيت المتوني والمقبرة السلطانية وغيرها من الآثار العُمانية من مساجد ومدارس وبيوت ومزارع وقصور، وهناك ما هو أهمّ من الحجر هم البشر بطبيعة الحال، فهذه فرصة سانحة للالتقاء بهم. لكني قلت في نفسي في النهاية فلأبدأ بهذه الزيارة القصيرة الآن، فمن يدري لعلها تكون فاتحة لزيارات أخرى أطول. كان اقتراح سيف أن نذهب مع فوج سياحي لكني لم أفضّل ذلك لأسباب منها أني قرأتُ كثيرًا عن زنجبار وعلى دراية مسبقة بما أود زيارته ومشاهدته، ثم إنّ الالتزام مع فوج سياحي يفرض علينا قيودًا ويلزمنا بنظام معيّن يحرمنا من حرية الحركة والتنقل كما نرغب؛ لذا كان القرار أن نذهب بمفردنا بعد أن انضم إلينا الأخ سليمان بن سالم بن سيف المحروقي، الذي أعطى الرحلة طابعًا خاصًا بعقله اللماح وبما تميّز به من فكاهة وتعليقات.
وأستطيع أن أقول إنّ مذكرات السيدة سالمة أفادتني كثيرًا في هذه الرحلة، خاصة عند زيارتي لبيت المتوني، فقد وجدتُ نفسي أحد ساكني القصر وملمًا بتفاصيله ونمط الحياة الملكية، وألممتُ بأسلوب حياة السيد سعيد بن سلطان. كما أنّ كتاب "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار" فتح لي آفاق التفكر في تاريخ العُمانيين ومآثرهم في الشرق الأفريقي وكذلك أخطائهم، إذ لدى الشيخ سعيد أسلوب فريد يجمع بين المدح والقدح والنقد، ويؤرخ للأشخاص مثلما يؤرخ للأحجار، ويُعدّ الكتاب الآن مرجعًا مهمًا لمعرفة تاريخ عُمان وزنجبار، ويستطيع القارئ أن يقف بسهولة على الجهد الذي بذله الشيخ سعيد في تتبع الروايات واستقصاء المعلومات.
إذن وبتوفيق من الله، عزمنا السفر إلى زنجبار، يوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر 2024، عبر الناقل الوطني (الطيران العُماني)، وكانت رحلة طويلة نسبيًّا، استغرقت خمس ساعات من الطيران المتواصل، في تلك الساعات الخمس كنتُ شاردًا بأفكاري بين ما ينتظرني في قارة الأسرار والعجائب والغموض، وشريط الذكريات الطويل عن زنجبار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرق الأفریقی سعید بن سلطان إلى زنجبار
إقرأ أيضاً:
أسعار الفاكهة اليوم الاثنين 6-1-2024 في قنا
شهدت أسعار الفاكهة في أسواق محافظة قنا، ثباتا في الأسعار، اليوم الاثنين، بجميع أسواق مراكز المحافظة.
وتنشر بوابة الفجر أسعار الفاكهة اليوم، في مراكز محافظة قنا.
أسعار الفاكهة جاءت كما يلي:
موز بلدى 20 جنيه
برتقال بلدى عصير 20 جنيه
برتقال سكرى. جنيهًا
يوسفي بلدى. 20 جنيه
يوسفي بلدى فاخر. 30 جنيه
كيلو فراوله 90 جنيه
طبق توت إسباني 35 جنيه
يوسفي كلامنتينا 25 جنيه
تفاح اصفر لبنانى 70جنيهًا
تفاح احمر لبنانى. 70 جنيهًا
شهد عراقي. 25 جنيهًا
بلح اسود تلاجات 25 جنيه
كاكا بناتى. 50 جنيه
قشطة عبدالرازق فاخر 200جنيه
رمان سكرى 40 جنيه
جوافه بناتى 30 جنيه
كمترى افريقي جنيه
برقوق اسود. 120 جنيه
بلح سيوه 100 جنيه
مانجو كيت اسمعلاوى 65 جنيه
كيلو دراجون فروت(التنين). 200 جنيها
تين برشومى. 30 جنيه
برتقال بصرة اصفر 20 جنيه
برتقال بلدى عصير 20 جنيهًا
عنب كرمسون احمر. 70 جنيه
تفاح اصفر ايطالى. 90 جنيه
تفاح سكرى ايطالى. 90 جنيه
كنتالوب عريشى. 25 جنيه
واحده اناناس سكرى 150 جنيه
كيلو كيوى ايرانى 150 جنيه
أفوكادو مستورد. 200 جنيه