يأتي العام الجديد بتحديات وفرص جديدة..بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، فإن إدارة ترامب الجديدة، التي ستتولى السلطة في 20 ينايرالجاري، ستشكل نهج البلاد تجاه العالم.

وكما هي الحال مع جميع الرؤساء، سيكون لدى دونالد ترامب سلطة كبيرة لتحديد السياسة الخارجية ولكن سيتعين عليه أيضا تحديد كيفية الاستجابة للأحداث غير المتوقعة أو الخارجة عن سيطرة الولايات المتحدة.

عندما يصبح ترامب رئيسا مرة أخرى، سيواجه هو وكبار مستشاريه حربين رئيسيتين - في أوكرانيا وغزة - والتي أزعجت الإدارة المنتهية ولايتها.

قال ترامب مرارا وتكرارا أنه يمكنه إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا بسرعة كبيرة والآن ستكون لديه الفرصة لمحاولة القيام بذلك، أعرب ترامب وبعض كبار مستشاريه عن تشككهم أو معارضتهم لإمدادات أمريكا بالأسلحة والمساعدات لأوكرانيا،  ومن المرجح جدا أن تواجه أوكرانيا خفضا كبيرا في المساعدات الأمريكية بمجرد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

إن التحدي المرتبط بذلك سيكون إدارة العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين.

إن افتقار ترامب إلى الالتزام بحلف شمال الأطلسي، كما عبر عنه خلال فترة ولايته الأولى، سيشكل تحديا للمنظمة، التي اكتسبت القوة من الأعضاء الجدد خلال فترة بايدن، ولكنها تواجه أيضا تهديدات متعددة من التوترات الداخلية وروسيا، ويأمل المدافعون عن التعاون الأوروبي الأكبر في مجال الأمن والاستقلال عن الولايات المتحدة في المسائل الدفاعية أن تكتسب جهودهم زخما خلال رئاسة ترامب الثانية.

من المرجح أن تستمر الحرب في غزة عندما يتم تنصيب ترامب، وسوف يتميز نهج إدارة ترامب بدعم متحمس لإسرائيل، إن اختيارات ترامب لمستشاري السياسة الخارجية كلها مؤيدة لإسرائيل إلى حد كبير.

*"على سبيل المثال، كتب مرشحه لمنصب وزير الخارجية، ماركو روبيو، مؤخرا أن "الإسرائيليين الذين يعيشون بحق في وطنهم التاريخي ليسوا عائقا أمام السلام؛ بل الفلسطينيون هم العائق"*

وستواجه إدارة ترامب خطرا مستمرا يتمثل في أن تساعد الحرب في غزة في دفع الصراعات الإقليمية الأخرى، وحتى إذا صمد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حتى تنصيب ترامب، فإن خطر تجدد القتال مرتفع، كما كافحت الإدارة المنتهية ولايتها للرد على المخاطر المتطورة التي يفرضها الحوثيون في اليمن، وسوف يرث ترامب هذا التحدي.

وسوف تطبق الإدارة الجديدة منظورها المؤيد لإسرائيل على التحدي المتمثل في التعامل مع إيران، بما في ذلك تخفيف الضغوط على إسرائيل لكبح جماح أفعالها المحتملة، ويتبنى العديد من كبار مستشاري ترامب في السياسة الخارجية نهجا متشددا تجاه إيران؛ ومع ذلك، لا يسعى ترامب إلى حرب مطولة أخرى في الشرق الأوسط قد تنطوي على مشاركة قوات أمريكية.

وربما تعمل رغبته في تجنب التورط المباشر في حرب قد تكون مكلفة من حيث الأرواح والأموال الأميركية على تقييد بعض الاتجاهات الأكثر تشددا لدى مستشاريه.

ومن المجالات القليلة التي يتفق عليها الحزبان في واشنطن أن الصين تشكل التهديد الأعظم للولايات المتحدة في الأمد البعيد، وعلى مر السنين، تحدث ترامب سلباً وإيجاباً عن الصين والرئيس الصيني شي جين بينج، لكن مستشاريه متشددون في الغالب تجاه بكين.

وترى المؤسسة الدفاعية الأمريكية أن الصين تشكل "تهديدا متسارعا" وأكبر منافس محتمل للقوة والمصالح الأمريكية، ومن المرجح للغاية أن تنظر إدارة ترامب إلى الصين باعتبارها منافسا وتهديدا رئيسيا، وأن تسعى إلى تحويل الموارد بعيدا عن الشرق الأوسط نحو شرق آسيا ــ على الرغم من أن الأمر نفسه كان صحيحا بالنسبة للعديد من الرؤساء الأميركيين السابقين، مع نجاح محدود.

وسوف يكون من المهم أن نراقب كيف ستشكل إدارة ترامب تفاصيل نهجها تجاه الصين؟

إن المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب عدم اليقين بشأن سياسة واشنطن المستقبلية، تخلق تحديا لحلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان، ولدى كوريا الجنوبية سبب خاص للقلق بشأن عمق التزام الولايات المتحدة بتحالفها، نظرا لتصريحات ترامب التي تشير إلى أنه يريد علاقة أكثر معاملاتية.

وتشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى أن ترامب يرغب في تجديد المحادثات مع كوريا الشمالية، وسوف يعتمد الأمن في شرق آسيا بشكل كبير على كيفية تعامل ترامب مع الصين وكوريا الشمالية، فضلا عن كيفية استجابة بكين وبيونج يانج.

لقد ركزت إدارة بايدن بشكل كبير على التعاون لمعالجة المخاوف العالمية، مثل تغير المناخ، لكن ترامب والعديد من مستشاريه يعبرون عن ازدرائهم للمؤسسات الدولية، فقد "وصف ترامب تغير المناخ بأنه "خدعة" ومن المرجح أن ينسحب من اتفاقية باريس، كما فعل خلال ولايته الأولى".

مع تحديد إدارة ترامب لكيفية الاستجابة للتحديات الجديدة التي قد تنشأ في عام 2025، فإنها ستفعل ذلك على أساس أحادي الجانب أو من خلال العمل مع دول محددة، وليس من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف.

العالم أكثر استعدادًا لولاية ترامب الثانية مقارنة بالأولى، والتي كانت بمثابة مفاجأة للعديد من الجهات الفاعلة العالمية، ومع ذلك، فإن رئاسة ترامب الثانية ستكون مختلفة عن الأولى في نواح كثيرة، كما يتضح بالفعل من اختياره للمستشارين بناءً على انحيازهم القوي معه وأقل على خبرتهم داخل المؤسسات السياسية أو الأمنية الوطنية.

إن نهج واشنطن في التعامل مع تحديات السياسة الخارجية في عام 2025 سوف ينحرف بشكل كبير عن نهجها في عام 2024 - وربما عن ولاية ترامب الأولى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب دونالد ترامب الولايات المتحدة المزيد السیاسة الخارجیة الولایات المتحدة إدارة ترامب ترامب إلى من المرجح

إقرأ أيضاً:

د. محمد بشاري يكتب: الإمام أحمد الطيب .. خمس سنوات من ترسيخ الأخوة الإنسانية والتسامح

تحل الذكرى الخامسة لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، التي شكلت علامة فارقة في مسيرة الحوار بين الأديان، وساهمت في إرساء مبادئ التفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.

 في هذا السياق، يبرز دور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كأحد الشخصيات الدينية العالمية التي كرست جهودها لتعزيز قيم التسامح والسلام، ليس فقط من خلال المبادئ والخطابات، بل عبر مبادرات عملية تعكس التزامًا حقيقيًا بترسيخ هذه القيم على أرض الواقع.

منذ توليه مشيخة الأزهر، أدرك الإمام الطيب أن العالم الإسلامي والعالم أجمع في حاجة ماسة إلى بناء جسور التفاهم بين الأديان والثقافات، وأن الحوار بين الحضارات هو السبيل الأمثل لتعزيز التعايش السلمي.

 جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وُقّعت في 4 فبراير 2019 برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كتتويج لهذه الجهود، حيث وقعها الإمام الطيب إلى جانب قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في خطوة أكدت على أن الإنسانية بمختلف أديانها ومذاهبها يمكن أن تتوحد حول قيم السلام والتعاون، بدلًا من الصراع والانقسام.

لم تكن الوثيقة مجرد بيان نظري، بل أصبحت خارطة طريق عالمية تدعو إلى نشر ثقافة الاحترام المتبادل، ونبذ العنف، ومواجهة التعصب والتطرف، والعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر. ومنذ توقيعها، استمرت جهود الإمام الطيب في دعم هذه المبادئ، من خلال لقاءاته الدولية، وحضوره الفاعل في المؤتمرات العالمية التي تسعى إلى إرساء قيم التفاهم المشترك.

على المستوى الوطني، لم تتوقف جهود شيخ الأزهر عند حدود تعزيز الحوار بين الأديان على الصعيد الدولي، بل تجسدت أيضًا في مبادرات داخل المجتمع المصري لتعزيز روح المواطنة والتسامح. ولعل أبرز هذه المبادرات هو مشروع “بيت العائلة المصرية”، الذي أسسه الإمام الطيب بالتعاون مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، والتصدي لمحاولات بث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. يعتمد بيت العائلة المصرية على حوار مؤسسي بين ممثلي الديانتين، ويعمل على نشر ثقافة التعايش السلمي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تؤدي إلى التوترات المجتمعية.

في السياق ذاته، تبنّى الإمام الطيب عددًا من المبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، مثل مبادرة “بداية”، التي تسعى إلى دعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين مستوى المعيشة، وإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استقرار المجتمعات. هذه الجهود تعكس رؤية الأزهر للتسامح بوصفه مفهومًا عمليًا، يتجاوز الأطر الدينية إلى الممارسات اليومية التي تعزز قيم التعاون والمساواة بين الأفراد.

على الصعيد الإسلامي، كان الإمام الطيب من أبرز الداعمين لفكرة تجديد الخطاب الديني، من خلال دعوته إلى قراءة النصوص الدينية برؤية معاصرة منفتحة، تحافظ على ثوابت الدين، لكنها تواكب التحولات التي يشهدها العالم. من خلال رئاسته لمجلس حكماء المسلمين، الذي تأسس عام 2014، قاد العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي، ومعالجة التحديات الفكرية التي تواجه المجتمعات الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالتطرف والعنف باسم الدين. في هذا الإطار، قاد الإمام الطيب عدة جولات حوارية بين الشرق والغرب، التقى خلالها بزعماء دينيين ومفكرين عالميين، بهدف مد جسور التفاهم، والتأكيد على أن الإسلام دين سلام وتسامح، لا صراع وعداء.

رؤية الإمام الطيب للأخوة الإنسانية تتجاوز كونها مفهومًا نظريًا أو خطابًا دينيًا، بل هي مشروع مجتمعي يهدف إلى بناء مستقبل يقوم على الشراكة بين الأديان والثقافات، ويُكرس قيم العدالة والاحترام، ويُحقق التوازن بين الانتماء الديني والوطني. وهو يؤكد دائمًا أن التنوع الديني والثقافي ليس تهديدًا، بل هو عنصر إثراء يجب استثماره في بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وانفتاحًا. 

هذه الرؤية تجسدت عمليًا في الدور الذي لعبه الأزهر في مواجهة خطاب الكراهية والتطرف، من خلال منصاته الإعلامية والتعليمية، وبرامج التدريب الديني التي تهدف إلى نشر الفكر الوسطي، وتعزيز الفهم الصحيح لقيم الإسلام.

مع مرور خمس سنوات على توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، يتضح أن هذا المشروع لم يكن مجرد مبادرة رمزية، بل أصبح إطارًا مرجعيًا عالميًا لتعزيز الحوار والتسامح. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر لا يزال يتمثل في كيفية ترجمة هذه المبادئ إلى واقع عملي، ينعكس في سياسات الدول، وأنظمة التعليم، ومناهج التفكير الديني والثقافي. هنا، تتجلى أهمية مواصلة الجهود التي يقودها الإمام الطيب، لضمان استدامة هذا النهج، ونقله إلى الأجيال القادمة باعتباره ضرورة مجتمعية، وليس مجرد خيار فكري.

إن العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج إلى شخصيات دينية وفكرية تمتلك الشجاعة الأخلاقية والإرادة الحقيقية لتعزيز قيم التعايش والاحترام المتبادل.

الإمام الطيب قدم نموذجًا رائدًا في هذا السياق، ليس فقط من خلال مواقفه وكلماته، بل من خلال المبادرات التي تركت أثرًا حقيقيًا في المجتمعات.

 إن استمرار هذه الجهود يتطلب دعمًا مشتركًا من الحكومات، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني، لضمان أن تبقى الأخوة الإنسانية نهجًا مستدامًا، وليس مجرد لحظة تاريخية عابرة.

إذا كان الماضي قد شهد صراعات دينية وثقافية تسببت في أزمات متتالية، فإن المستقبل يمكن أن يكون مختلفًا إذا ما التزم الجميع بمبادئ الحوار والتفاهم، وهي المبادئ التي دافع عنها الإمام الطيب، وجعلها جزءًا أساسيًا من مشروعه الفكري والديني. إننا أمام مسؤولية تاريخية لترسيخ هذه القيم ونقلها إلى الأجيال القادمة، لضمان أن يكون التسامح والتعايش ثقافة سائدة، لا مجرد شعارات تُطرح عند الأزمات.

المضي قدمًا في تعزيز الأخوة الإنسانية لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة تفرضها متغيرات العصر، وحتمية لبناء عالم أكثر استقرارًا وعدلًا. إن خمس سنوات من الجهود التي بذلها الإمام الطيب في هذا المجال تؤكد أن التسامح ليس مجرد قيمة دينية، بل هو أساس لمجتمع عالمي أكثر تكاملًا، حيث يجد كل إنسان مكانه، ويحظى بفرصة العيش بكرامة وسلام.
 

مقالات مشابهة

  • الصين تأمل في اتفاق يجنبها حربا تجارية مع الولايات المتحدة
  • ترامب :الولايات المتحدة تسعى لاستعادة السيطرة على قناة بنما
  • الولايات المتحدة تضع خططاً لسحب قواتها من سوريا خلال 90 يوماً
  • عاجل | وزير الخارجية الأميركي: الولايات المتحدة مستعدة لقيادة غزة وجعلها جميلة مرة أخرى كما أشار ترامب
  • د. محمد بشاري يكتب: الإمام أحمد الطيب .. خمس سنوات من ترسيخ الأخوة الإنسانية والتسامح
  • روبيو: الولايات المتحدة تدرس فرض إجراءات إضافية ضد الصين
  • فخري الفقي: ترامب يحكم الولايات المتحدة بعقلية رجل أعمال يدير صفقات
  • أحمد ياسر يكتب: تطبيق DeepSeek  تهديد أم فرصة !
  • الصين تحذر من عواقب الحروب التجارية وتدعو واشنطن لإيجاد حلول لمشكلاتها الداخلية
  • الصين تتحدّى ترامب.. هل تنفجر مواجهة تجارية قريبة مع الولايات المتحدة؟