لم تعد العاصمة السورية دمشق أو كما يطلق عليها السوريون مدينة الياسمين كما كانت، فمن زار المدينة قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 ، كان يشاهد زهرة الياسمين متدلية من على جدران بيوتها القديمة في مشهد مليء بالحياة تفوح منها رائحة عطرة كانت تأسر نفوس من يزور عاصمة الأمويين.

لكن وخلال جولة فريق الجزيرة نت في العاصمة السورية اليوم الأحد لفت انتباهنا كثرة الملصقات والمنشورات لأسماء المفقودين، إذ احتلت كل جدار أو عمود في شوارع دمشق وأرجائها بدلا من زهرة الياسمين.

فبعد هروب الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي وسقوط نظامه، ودخول الثوار إلى العاصمة السورية هرع الناس إلى السجون والمعتقلات والأفرع الأمنية للبحث عن أبنائهم وأقاربهم الذين اعتقلهم نظام الأسد.

وبالفعل هناك من خرج وذهب إلى أهله، وهناك من خرج فاقدا للذاكرة وتاه في وسط زحمة الأحداث، وهناك من لم يجد أهله له أي أثر لا في السجون ولا بالمعتقلات ولا حتى في بعض الكشوفات القليلة التي وجدت في هذه الأماكن.

ليبدأ الأهالي بعدها مهمة جديدة في البحث عن أبنائهم وأقاربهم وأصدقائهم، فلجؤوا إلى جدران ومعالم مدينة الياسمين وحولوها إلى جداريات لملصقات وضع عليها أسماء المعتقلين المفقودين في عهد النظام الأسد.

معالم دمشق

كان من أبرز الأماكن والمعالم التي لجأ إليها الأهالي ساحة المرجة وخاصة النصب الموجود في وسطها والمعروف بعمود المرجة، هذا النصب حوله ذوو المعتقلين إلى ملتقى للبحث عن المفقودين.

إعلان

وعلقوا على جدرانه صورا ومعلومات لمئات المعتقلين المفقودين، والتي تحتوي على اسمه الثلاثي ومكان وتاريخ ولادته واسمه والدته وتاريخ اعتقاله أو اختفائه مع رقم للتواصل، فلا يوجد زاوية ولا رقعة في هذا العمود إلا ووضع عليها ملصق لصورة مفقود.

كما أن بعض الملصقات كانت لمعتقلين خرجوا من السجون وهم فاقدون للذاكرة، لم يستطع ذووهم من الوصول إليهم بسرعة لعدة أسباب منها أن بعض المعتقلين من محافظات أخرى بعيدة عن دمشق ولم يستطع أهله الوصول إليه بسرعة، وهناك سبب آخر -بحسب كلام بعض الأهالي- أنهم كانوا فاقدي الأمل بوجود أبنائهم على قيد الحياة لأن أخبارهم انقطعت عنهم منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم.

مدخل سوق الحميدية العريق هو الآخر يحتوي على مئات الملصقات لمفقودين لم يتعرف عليهم أحد.

وهناك معالم أخرى استخدمها الأهالي لوضع الملصقات عليها مثل أعمدة جسر الساروت أو الحرية، الذي كان يعرف سابقا بجسر الرئيس، هذا الجسر أكثر الأماكن ازدحاما في دمشق، فهو يربط بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، وأيضا يقطع الجسر الشارع المتجه من ساحة الأمويين إلى جسر فكتوريا.

هذه الملصقات تجدها أين ما تجولت في دمشق لصورة مفقود أو معتقل خرج فاقد الذاكرة، ولم يستطع أهله الوصول إليه.

وكان رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أفاد بأن عدد المعتقلين والمخفيين قسرا في سوريا بعد إفراغ سجون ومعتقلات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد يبلغ 112 ألفا و414.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

دمشق.. من قيود النظام إلى آفاق التحرر الاقتصادي

شهدت دمشق، مدينة التجار العريقة، تحولا اقتصاديا جذريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. فحيثما تلفَّتَّ تجد سوقا وحركة تجارية، في مشهد لا يعد غريبا على تلك المدينة التي غلبت عليها طبائع التجارة منذ الزمن الروماني إلى يومنا هذا.

بَيد أن هذه التجارة مرت بأطوار كثيرة، وأسوأ أطوارها على الإطلاق هي ما كان في ظل نظام حكم الأسد الأب والابن، والأشد سوءا كان ذلك الذي مرت به التجارة في دمشق منذ 14 عاما إلى لحظة سقوط النظام.

عمل النظام على تشكيل لوبيات عائلية تشارك التجار تجارتهم في كل شيء، وتتدخل في حركة التجارة والسوق، وترسم الدورة التجارية بما يحقق مصالحها. لذا خلال السنوات الأخيرة، شهدت السوق التجارية ضعفا هائلا.

ولأن "رأس المال جبان" فكثير من رؤوس الأموال غادر البلاد لأن البيئة الاقتصادية طاردة للمال ولأصحابه، فلا تُتخذ قرارات الاستثمار في مكان تظهر به مؤشرات القلق أو الاضطراب.

علاوة على ذلك، عرفت فترة حكم آل الأسد حالة من احتكار التعامل بالدولار، فقد اعتبر حينها وجود العملة الأميركية في جيوب التجار بمثابة جريمة تستحق الإخفاء.

وقبل شهر واحد من سقوط النظام تم إخفاء العديد من التجار بتهمة التعامل بالدولار، وفُقدت البضائع والسلع من الأسواق.

إعلان

وكان الوقود مثل الزئبق الأحمر، نادرا للغاية وصعبًا الحصولُ عليه، في حين لا يملك السوريون أي مقوم من مقومات التدفئة أو الحركة إلا بالحد الأدنى الذي لا يكاد يكفيهم من المازوت (السولار) والبنزين والغاز، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، واحتكار السلع الغذائية الرئيسية.

فور سقوط نظام بشار الأسد، أصبح سعر الدولار اليوم 13 ألف ليرة في تحسن ملحوظ ومشهود للعملة السورية (الأناضول)

 

الدولار ومفاجآت تجارية أخرى

وبعد الإطاحة بنظام بشار، كانت المفاجآت الأولى تجارية صرفة، فبعد يوم واحد من سقوط النظام أصبح التعامل بالدولار علنيا وفي الشارع.

وبات الأطفال يسيرون في شوارع دمشق يحملون رزم الليرات السورية وهم ينادون بأعلى صوت: "صراف…صراف"، في مشهد يمثل حالة الانعتاق الاقتصادي من نظام اقتصادي سابق إلى نظام اقتصادي جديد.

هذا الدولار الذي طالما تعامل به الناس بسرية تامة، كما لو أنهم يتبادلون شيئا من المخدرات الممنوعة. تلك المخدرات التي اشتهر النظام بتصنيعها وتصديرها للعالم. الأمر الذي أكدته تقارير عده، بعد العثور على كميات كبيرة من أقراص "الكبتاغون" المكدّسة في مستودعات وقواعد عسكرية.

لم يكن الدولار هو السلعة الأولى أو المادة الأولى التي تتحرر بعد تحرر الشعب من قيود النظام، بل تحررت أيضا بقية السلع، فأصبحتَ تسير في الشارع فتجد عبوات المازوت (السولار) والبنزين مرصوفة على جانبي الشارع يبيعها الناس. وأصبح الغاز يباع في الشوارع  في مشهد لم يألفه الناس منذ 14 عاما، وهم ينظرون إليه ولا يصدقونه.

كانت سوريا ربما هي الدولة الاستثناء في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بعد سقوط نظام بشار الأسد. فكل الدول التي تسقط فيها الأنظمة تتهاوى العملة، بينما كان الأمر هنالك مختلفا.

فقبل بدء عملية ردع العدوان بأشهر عديدة، كان سعر الدولار يساوي 18 ألف ليرة. بينما ساءت حالته خلال عملية ردع العدوان، وتهاوت الليرة السورية حتى بلغت 28 ألف ليرة للدولار الواحد. وفور سقوط نظام بشار الأسد، أصبح سعر الدولار اليوم 13 ألف ليرة في تحسن ملحوظ ومشهود للعملة السورية.

إعلان

رافق ذلك التحسن انخفاض ملحوظ في أسعار السلع شعر به الجميع، فالموز، السلعة التي يتندر السوريون اليوم بأنها كانت "عزيزة، فذلّت"، كان قد وصل سعر الكيلو منه قبل سقوط النظام بيوم واحد إلى 50 ألف ليرة، أما اليوم فتراه ينتشر على العربات في الطرقات وقد أصبح الكيلو منه بـ10 آلاف فقط.

بالإضافة إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية كـ"السكر والأرز والشاي" بشكل ملحوظ وبنسب واضحة، وهذا كله جرى في الأسبوع الأول فقط من سقوط بشار الأسد، مما عدّه السوريون إنجازا اقتصاديا عاجلا.

أما في سوق الإلكترونيات، فقد أعلن عن إلغاء ما يسمى "جمركة الهاتف"، وهي ضريبة كان يفرضها النظام السابق على الهواتف المستوردة تجعل سعر الهاتف ضعفي أو 3 أضعاف ثمنه.

وقد أدى الإجراء الجديد إلى انخفاض أسعار الهواتف، وشجع الشباب على شرائها بشكل ملحوظ جدا، وأتاح الفرصة أمام الجميع للحصول على الهاتف الذي يريد.

وعلى صعيد أسواق السيارات، أشتهر ارتفاع أسعار المركبات في مناطق النظام، حتى إن بعض السيارات القديمة المتهالكة كانت تبلغ 20 ألف دولار. ومع سقوط النظام، ازدهر هذا السوق بشكل مختلف، ودخلت سيارات كثيرة أكثر حداثة من شمال سوريا، من المناطق المحررة، بينما بلغ سعر السيارة الحديثة بين 3 آلاف دولار و5 آلاف دولار، علاوة على الحرية الكبيرة في الحركة قبل الترسيم لـ3 أشهر.

رفع الرواتب ووعود اقتصادية

كل هذا التحسن جرى في أسبوع واحد، مع وعود اقتصادية يصدقها المواطنون اليوم بأن رفع الرواتب سيكون مع بداية الشهر القادم، أي بعد أيام يسيرة، بنسبة 400%.

فالحكومة الجديدة تسعى إلى سن سياسات اقتصادية جديدة، تعمل على تحرير السلع، ورفع الدعم، وخفض الضرائب، وخفض الرسوم الجمركية بالتوازي مع رفع الرواتب.

كل هذا يسير وفقا لمنظور اقتصادي جديد يهدف لجعل السوق سوق منافسة، لإنعاش هذا الاقتصاد مرة أخرى.

إعلان

وعلى الرغم من ذلك، يظل هناك تخوف يؤرق أصحاب المصانع في سوريا، خشية تدفق البضائع الأجنبية إذا ألغيت الضرائب بنسبة كبيرة، مما سيكون له بالغ التأثير على حماية المنتج الوطني، غير القادر على المنافسة، لا سيما في ظل بلد خارج من حرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس.

وما زالت إلى اليوم، الحكومة الجديدة تناقش تلك القضية في لقاءاتها مع الصناعيين ومع غرف التجارة.

وأمام كل ذلك، تظل هناك فرصة ذهبية بين يدي القيادة الجديدة لإبراز الإنجازات الاقتصادية التي عملت عليها وما زالت، في حين أنها تسلمت بلدا متهالكا متهاويا.

فأي شيء يمكنها أن تضعه في هذا البلد من المال أو الإصلاحات الصغيرة، سيبرز على أنه إنجاز اقتصادي، مما سيعزز من شرعيتها والحاضنة الشعبية لها والتفاف الجماهير حولها.

وجدير بالذكر أن القيادة الجديدة حين قدومها وضعت في خطتها أن يكون تطوير دمشق على نهج ما فعلت في إدلب اقتصاديا.

ويترقب الناس المستقبل الجديد لسوريا، ويأملون الأفضل في ظل القيادة الجديدة، فهم يرون أن لا قادم أسوأ مما عاشوه من حضيض، وأن أي فعل أيا كان سيكون في صالحهم.

مقالات مشابهة

  • مقرب من الأسد يصف محاولاته اليائسة وساعاته الأخيرة قبل هروبه لروسيا (شاهد)
  • دمشق.. من قيود النظام إلى آفاق التحرر الاقتصادي
  • مظاهرة في لبنان تطالب بالإفراج عن الإسلاميين المعتقلين خلال الحرب في سوريا  
  • وسائل إعلام: انفجارات عنيفة تهز محيط العاصمة السورية دمشق
  • سماع دوي انفجارات في دمشق
  • رئيسة الصليب الأحمر: معرفة مصير المفقودين في سوريا تحد هائل
  • مدير مكتب الرئاسة السورية السابق يكشف لحظات الأسد الأخيرة في القصر الجمهوري
  • السلطات السورية تضبط مستودعا للذخيرة في حملة تمشيط «حمص»
  • مسؤولة في قسد تشكو الإدارة السورية الجديدة لإسرائيل.. اتصلت بـساعر