بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، تبرز بشكل متزايد ظاهرة الشيطنة والأنسنة، اللتين تُستخدمان بطرق معقدة لتوجيه الرأي العام وخلق واقع اجتماعي جديد. رغم أن الفارق بين المصطلحين يبدو واضحًا، إلا أن تداخلهما في فضاء الإنترنت قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، مما يجعل التمييز بينهما أمرًا بالغ الأهمية لفهم تأثير هذه الظواهر في المجتمعات المعاصرة.

الشيطنة هي عملية تفريغ الأفراد أو الجماعات من إنسانيتهم وتحويلهم إلى تهديدات أو أعداء. في السياق الرقمي، تصبح الشيطنة أداة فعالة للسيطرة والتحكم في وعي الجماهير. تُستخدم هذه الظاهرة بشكل أساسي في النزاعات السياسية والاجتماعية لتبرير العنف أو القمع ضد الفئات المستهدفة. إن تلاعب وسائل الإعلام الاجتماعية بمحتويات تُحرف وتحور الواقع يُساهم في إنتاج صورة سلبية عن الآخر، إذ تُعرض الأفراد والجماعات كخصوم أو تهديدات.

أظهرت الدراسات أن آليات الشيطنة في السوشيال ميديا تعتمد بشكل كبير على الاستهداف العاطفي والتلاعب بالمعلومات. على سبيل المثال، يتم نشر صور وفيديوهات مشوهة أو يتم إخراج التصريحات من سياقها لخلق انطباع زائف يساهم في تعميق الخوف. يمكن لهذه الحملات أن تساهم في نشر الاستقطاب الاجتماعي، مما يعزز مشاعر الكراهية ويُسهل قبول سياسات قمعية.

على النقيض، تسعى الأنسنة إلى تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية للفرد، وتعزيز قيم العدالة والمساواة. في السوشيال ميديا، تُستخدم الأنسنة كأداة لمناصرة حقوق الإنسان والتضامن مع الفئات المظلومة. إن السعي لاستعادة الكرامة الإنسانية يتطلب من المستخدمين التركيز على القصص الإنسانية التي تسلط الضوء على معاناة الأفراد وتواجه التحديات اليومية التي يواجهونها. هذا الأسلوب يهدف إلى تحفيز التعاطف والمشاركة المجتمعية، مما يعزز التفاهم بين الأفراد والجماعات.

ومن خلال نشر قصص الضحايا والشهادات الحية، تُعزز الأنسنة الوعي الجماعي وتدعو إلى التعاون والتضامن. حملات مثل #MeToo أو دعم اللاجئين على مواقع التواصل الاجتماعي تعد مثالًا على الأنسنة الفعّالة، حيث تُقدّم معاناة الأفراد بشكل مباشر وصادق، مما يساعد في تشكيل رأي عام يدعم قضاياهم.

رغم التمايز النظري بين الشيطنة والأنسنة، يظل الحد بينهما غامضًا في العديد من الحالات. على مواقع التواصل الاجتماعي، يُمكن بسهولة أن تتحول حملات الأنسنة إلى حملات تشهير، والعكس صحيح. يتم ذلك عندما تُستخدم القصص الإنسانية بشكل استراتيجي لتحقيق أجندات سياسية أو اجتماعية، مما يعكس تحولًا في مفهوم الأنسنة إلى سلاح دعائي.
كذلك يتم أحيانًا تضخيم إنجازات شخصيات معينة لتصويرهم كأبطال قوميين، مما يعزز ظاهرة “عبادة الشخصية” ويُعيد تشكيل الواقع الاجتماعي لصالح أجندات معينة. في المقابل، تُعرض الضحايا الحقيقيون بشكل مشوه أو يتم تجاهلهم تمامًا، مما يحرمهم من العدالة الاجتماعية ويسهم في تعميق معاناتهم. هذا التلاعب في تصوير الأبطال والضحايا يُعقّد الصورة الواقعية ويؤثر بشكل كبير على الرأي العام.

لذلك تُظهر هذه الظواهر بوضوح كيف يمكن للأدوات الرقمية أن تُعيد تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي. في بعض الأحيان، قد تُظهر الحملة المعنية الفرد أو الجماعة على أنهم أبطال أو ضحايا حقيقيين، بينما في أوقات أخرى تُستخدم هذه الحملات لتدمير السمعة وتحويلهم إلى أعداء. يشير الباحثون إلى أن هذه الظواهر تتطلب الوعي الكامل بالأدوات المستخدمة في نقل هذه الرسائل والقدرة على التحليل النقدي للمحتوى المقدم.

الحملات التي تروج لرسائل مشوهة قد تساهم في خلق بيئة من الخوف وعدم الثقة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية تؤثر سلبًا على استقرار المجتمعات. لذا، من الضروري تطوير مهارات التحقق من المعلومات والشفافية في تقديمها لضمان الحد من تأثير هذه الظواهر.
في النهاية، يتضح أن مواقع التواصل الاجتماعي تمثل ساحة معقدة للتفاعل بين الشيطنة والأنسنة. بينما قد تسهم الأنسنة في تعزيز العدالة والكرامة الإنسانية، فإن الشيطنة تُستخدم كأداة لتوجيه الرأي العام وتبرير السياسات القمعية. إن الحدود الفاصلة بينهما غالبًا ما تكون غير واضحة، ما يستدعي ضرورة التحليل النقدي للمحتوى الرقمي واتخاذ خطوات فعالة للتأكد من مصداقية المعلومات المتداولة.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات مواقع التواصل الاجتماعی هذه الظواهر ت ستخدم

إقرأ أيضاً:

ابتهال أبو سعد توجه أول رسالة بعد فصلها.. دعت لمقاطعة مايكروسوفت

دعت المهندسة المغربية، ابتهال أبو سعد، إلى مقاطعة جميع منتجات شركة "مايكروسوفت" العالمية، وذلك في أول خروج لها، عقب الإعلان عن فصلها من العمل، جرّاء احتجاجها على تواطؤ الشركة في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، في جرائمها المتواصلة على كامل قطاع غزة المحاصر.

وجاءت دعوة أبو سعد، عبر مقطع فيديو قصير، نشرته على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "انستغرام"، حثّت فيه كل مناصر لغزة، للامتناع عن استخدام منتجات "مايكروسوفت"، بهدف إيصال رسالة واضحة للشركة مفادها: "رفض الدعم المادي لأي كيان يتورط في انتهاكات حقوق الإنسان".

كذلك، عبرت أبو السعد عن خالص شكرها لكل من نشر رسالتها عبر العالم، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة أنّ: "العديد من الناس سألوها كيف يمكن مساندتها خلال هاته الفترة".

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎No Azure for Apartheid‎‏ (@‏‎noazureforapartheid‎‏)‎‏
وأكدت أبو سعد، خلال المقطع نفسه الذي انتشر كالنار في الهشيم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، منذ اللحظات الأولى من نشره، أنّ: "المقاطعة يجب أن تستمر حتى تتبنى الشركة مبادئ الإنسانية بشكل فعلي".

وفي السياق نفسه، وجّهت أبو سعد، نداء خاصا، للعاملين في مختلف الشركات الكبرى الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، داعية إياهم إلى: "رفع أصواتهم" وعدم الصمت تجاه أي انتهاكات أخلاقية، بالقول: "على من يعملون في شركات تنتهك القيم الإنسانية أن يتحلوا بالشجاعة ويتحدثوا".


فصل بعد احتجاج صاخب
تعود خلفية القضية فصل شركة "مايكروسوفت" لابتهال أبو سعد وزميلتها فانيا أغراوال، بعدما احتجا علنا، خلال احتفال الشركة بالذكرى الخمسين لتأسيسها، حيث اتهمتا الشركة بتزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في عمليات عسكرية ضد كامل قطاع غزة المحاصر.

إلى ذلك، انتشر على نطاق واسع مقطع مصور يظهر أبو سعد وهي تقاطع كلمة مسؤول في "مايكروسوفت" بحضور بيل غيتس، حيث ندّدت بما وصفته بـ"تواطؤ في إبادة الفلسطينيين". فيما زعمت الشركة أن الفصل بسبب: "سوء السلوك"؛ بينما رأى نشطاء أن القرار يمس حرية التعبير.

ردود فعل متباينة
أثارت الحادثة نقاشا حادّا ومتسارعا على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، حول دور الشركات التكنولوجية في الصراعات المسلحة، وحدود حرية التعبير في بيئات العمل. فيما تضامن آلاف المستخدمين مع أبو سعد تحت وسم #مقاطعة_مايكروسوفت، معربين في الوقت نفسه عن استعدادهم لتبني بدائل أخرى.

مقالات مشابهة

  • طالب خلف القضبان.. عقوبة نشر الشائعات على مواقع التواصل بزعم المزاح
  • شاهد بالفيديو.. “نشال” يسرق هاتف “دعامي” بطريقة إحترافية داخل حفل غنائي ويفجر ثورة من الضحك على مواقع التواصل الاجتماعي
  • أميركا تقرر مراقبة صفحات المهاجرين على منصات التواصل الاجتماعي
  • ندوات توعوية جديدة من الأوقاف والمركز القومي للبحوث حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي
  • ابتهال أبو سعد توجه أول رسالة بعد فصلها.. دعت لمقاطعة مايكروسوفت
  • عريس يرقص فرحًا بعد رؤية عروسه بفستان الزفاف .. فيديو
  • قسنطينة: توقيف شخص متورط في النصب والاحتيال على مواقع التواصل الاجتماعي
  • حرب منصات التواصل الاجتماعي.. هل بيكسل فيد قادرة على منافسة إنستغرام؟
  • عمرو أديب: لازم نسمع نصيحة ماكرون ونبعد عن مواقع التواصل الاجتماعي
  • ضبط 4 أشخاص لقيامهم بالترويج لبيع الأسلحة البيضاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي