سامح قاسم يكتب: بين بحيرتين.. صراع الهوية والاغتراب في رواية أماني القصاص
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الأدب هو الجسر الذي نعبر به من حاضرنا المثقل بالقيود إلى عوالم الحلم والانعتاق، هكذا تبدو رواية "فتاة وبحيرتان" للكاتبة أماني القصاص، نصا بديعا يجسد هذا الجسر بكل تفاصيله. تُلقي الرواية الضوء على أشواق الإنسان وأحلامه وتطلعاته، وتغوص في أعماقه لتكشف عن تناقضاته وصراعاته والبحث في الماضي لينجو من الحاضر، وعن الحرية للتخلص من القيود.
من خلال الرواية، تصحبنا الكاتبة في رحلة نتعرف فيها على ذواتنا وما يحيط بها من ظلال وأغلال. تقول البطلة: "بحيرتنا كانت تغمرها الظلال، بينما بحيرة جنيف تسبح في النور". بهذا التباين، ترسم الرواية صورة لعالمين متناقضين يعكسان حالة الاغتراب والتشتت التي تعيشها البطلة.
رواية "فتاة وبحيرتان" ليست مجرد نص أدبي، بل هي شهادة على التحولات الثقافية والاجتماعية التي يعيشها إنسان هذا العصر. بلغة رائقة وناصعة وسرد متقن، تقدم الكاتبة أماني القصاص عملًا يلامس أوجاع القارئ وتساؤلاته حول الهوية، الاغتراب. تقول البطلة: "هل أنا حقًا هنا؟ أم أنني مجرد امتداد لذاكرتي التي لا ترحل؟". هذا التساؤل يختزل روح النص، مما يجعله جديرا بالقراءة.
تتمحور الرواية حول حياة البطلة التي نشأت في قرية تحكمها القيود المجتمعية والتقاليد الصارمة. على الرغم من انتقالها إلى جنيف، حيث تعيش حياة تبدو أكثر حرية، يبقى الماضي حاضرًا في أحلامها وكوابيسها. تقول البطلة: "لا أعلم لماذا اعتدت الصحو في نفس الموعد وفي أذني نفس الهمسات والخطوات". هذه الكلمات تعبر عن الصراع الذي تعيشه بين أغلالها الإجتماعية وتوقها للحرية.
تستخدم الكاتبة ضمير المتكلم الذي يسمح للقارئ بالغوص في أعماق الشخصيات والوقوف على أبعادهاالمختلفة والمتعددة. كما تعتمد الرواية على المونولوج الداخلي بكثرة، مما يضفي أبعادًا عميقة على النص. الزمن في الرواية يتنقل بين الماضي والحاضر، مما يعكس طبيعة الصراع الذي تعيشه البطلة.
تنقسم الرواية إلى مراحل متباينة، حيث تُبرز كل مرحلة تحولًا في شخصية البطلة أو صراعًا داخليًا. تبدأ الرواية بوصف مرحلة الطفولة كإطار يمثل القيود الاجتماعية، ثم تنتقل إلى المرحلة الثانية في جنيف، والتي تعكس وعود الحرية والانفتاح. هذا البناء يجعل الرواية أشبه بسيرة ذاتية مشحونة بالتوتر والحنين.
البطلة هي المحور الرئيسي للرواية، شخصية تعيش حالة من الاغتراب الدائم. تقول البطلة عن نفسها: "رغم الجمال والسحر الذي يحيطني في جنيف، إلا أنني أرى بحيرتي القديمة في كل مكان". هذه الكلمات تعكس تمزقها بين ماضيها وحاضرها.
يمثل الزوج نموذجًا للرجل الذي يعيش في حالة من الفوضى والفشل رغم محاولاته للسيطرة على محيطه. يظهر ذلك بوضوح في مشاهد الخلاف بينه وبين البطلة، حيث تقول له: "من يرتضي بالزواج من ساقطة يكون أحط إنسان في الدنيا". هذا الحوار يعكس الصراع بينهما كرمز لصراع أكبر بين السلطة الذكورية والبحث عن الحرية.
الأب في الرواية هو شخصية مضيئة، يقدم الحنان والدعم الذي تفتقده البطلة في علاقاتها الأخرى. في ذكرياتها عنه، تقول: "كان أبي يأخذنا إلى البحر، وكان يحمل لنا الشوكولاتة من سفراته البعيدة". يمثل الأب الحلم الجميل، البعيد عن القيود.
تمثل الشخصيات الثانوية في الرواية أدوات سردية تعزز من فهم القارئ للصراع الذي تعيشه البطلة. الأصدقاء والزملاء في جنيف يقدمون وجهات نظر مغايرة للحياة، لكنهم لا ينجحون في سد فجوة الحنين لدى البطلة.
تمثل البحيرتان رمزًا للصراع في الرواية. البحيرة الأولى، المرتبطة بالقرية، تعكس القيود والتقاليد، بينما تمثل البحيرة الثانية، بحيرة جنيف، الحرية والانفتاح. تقول البطلة: "لا تطغى مياه بحيرتنا المالحة والحلوة على الأخرى، ولا تتجانس رغم الاتصال". هذه العبارة تختزل جوهر التوتر الذي تعيشه البطلة.
يمثل الحنين ثيمة أساسية في الرواية. تعيش البطلة حالة من الانفصال عن حاضرها بسبب ذكرياتها القوية. تقول: "أمر يوميًا بجوار بحيرة جنيف، لكنني أبحث عن بحيرتي القديمة في عيون الناس". هذه الثنائية تبرز استحالة الهروب من الماضي.
تناقش الرواية مفهوم الحرية بشكل معقد، حيث تظهر أن الحرية ليست غيابًا للقيود فقط، بل هي عراك مستمر مع الذات والمجتمع. في جنيف، تشعر البطلة بأنها محاصرة بغربتها، حيث تقول: "جمال الطبيعة هنا يحاصرني أكثر مما يحررني".
تُبرز الرواية سؤال الهوية من خلال شخصية البطلة التي تجد نفسها ممزقة بين جذورها وحياتها في أوروبا. تقول البطلة: "لدي حب وبساطة انتماء النشأة، ولدي حب النور والرقى والحرية". وهو ما يجعل من البحث عن الذات موضوعًا مركزيًا.
تعتمد الرواية على السرد غير الخطي، حيث يتنقل الزمن بين الماضي والحاضر بشكل متكرر. كما تستخدم الكاتبة تقنيات الحلم والتداعي الحر للأفكار كأدوات تُبرز من خلالها تداخل الوعي واللاوعي.
اللغة في الرواية ثرية وتزخر بالصور البديعة. تصف البطلة بحيرة جنيف قائلة: "مساحات زرقاء مفتوحة تحتضن الأفق، لكنها لا تملك دفء بحيرتي الصغيرة المغلقة". هذه العبارة تعكس مهارة الكاتبة في تحويل الطبيعة إلى استعارات تعبر عن مشاعر البطلة
تتنوع الحوارات في الرواية بين الداخلي، الذي يكشف عن أعماق البطلة وأزماتها، والخارجي، الذي يبرز الصراعات مع الشخصيات الأخرى. تقول البطلة: "هل أنا حقًا هنا؟ أم أنني مجرد امتداد لذاكرتي التي لا ترحل؟".
تشير الرواية إلى أن الحرية ليست مجرد غياب القيود، بل هي عملية معقدة تتطلب التوازن بين الطموحات والواقع. تقول البطلة: "حتى الحرية المطلقة تحتاج إلى سياج من القبول".
تقدم الرواية نقدًا حادًا للمجتمع الشرقي وتقاليده التي تُثقل كاهل المرأة. تقول البطلة عن قريتها: "العيب كان يملأ الهواء، حتى أننا كنا نتنفسه دون أن ندري".
بأسلوب فني مميز. تُبرز الرواية أهمية تناول موضوع الهوية والبحث عن الجذور في سياق العولمة، مما يجعلها وثيقة تعكس التحولات الثقافية والاجتماعية التي يمر بها الإنسان في لادنا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الذی تعیشه فی الروایة فی جنیف التی ت
إقرأ أيضاً:
المسيحيون في سوريا.. ما وراء رواية نظام الأسد
مع بدء "قمة الحرية الدينية الدولية" في واشنطن العاصمة، يضغط المدافعون عن حقوق الإنسان، مطالبين بحماية الأقليات الدينية والعرقية في المشهد السياسي المتطور في سوريا.
محنة المسيحيين في سوريا لا ترتبط فقط بحكم الأسد أو المتمردين
ومن بين الحاضرين البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، مما يشير إلى أهمية حماية المجتمعات المسيحية في سوريا، حسبما أفاد رئيس ومؤسس المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ADFA في مقاله بموقع مجلة الأمريكية. المسيحيون بعد الأسدقبل شهرين، احتفلت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسها في السويد، لكن المناسبة طغت عليها الأخبار المحزنة من سوريا. فمع رحيل بشار الأسد، سيطر المتمردون على مناطق معينة، مما أجبر العديد من المسيحيين على الاختباء.
كان الخوف نابعاً من تجارب سابقة مع الفصائل الجهادية مثل "هيئة تحرير الشام" وارتباطاتها التاريخية بتنظيم "داعش" و"القاعدة".
A delegation of Syrian Christians from across #Syria met with the new Damascus government. It is wonderful to see Bishop Hanna Jallouf the catholic bishop of Aleppo and a friend of @syrianetf for over a decade alongside Christian leaders from Damascus finally able to practice… pic.twitter.com/AXShiRdKZP
— Mouaz Moustafa (@SoccerMouaz) December 31, 2024وعلى الرغم من أن المتمردين أعلنوا لاحقاً التزامهم بتطبيق "المساواة في الحقوق"، ظلت الشكوك قائمة. عاد بعض المسيحيين بحذر إلى ديارهم للاحتفال بعيد الميلاد، لكن عدم اليقين كان يلوح في الأفق بشأن مستقبلهم في سوريا التي مزقتها الحرب والتي تحكمها الآن مجموعات معارضة موزعة.
الاضطهاد من جبهات متعددةوقال الكاتب إن محنة المسيحيين في سوريا لا ترتبط فقط بحكم الأسد أو المتمردين الذين خلفوه، مشيراً إلى معاناة العديد من المسيحيين على أيدي النظام والفصائل المتطرفة.
وسلط الكاتب الضوء على إحدى الحالات المروعة، وهي حالة رزوق، اللاجئ السوري الذي فر بعد أن واجه الاضطهاد من قبل قوات الأمن التابعة للأسد والمتشددين الأصوليين. ومن المؤسف أن زوجته وبناته غرقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان عبر طرق التهريب.
وتؤكد مثل هذه القصص على التهديدات المزدوجة التي يواجهها المسيحيون في سوريا: القمع في ظل حكم الأسد والوحشية على أيدي الفصائل المتطرفة.
هناك اعتقاد خاطئ شائع بأن المسيحيين في سوريا كانوا يدعمون حكومة الأسد بشكل موحد. ويدحض الكاتب هذا الاعتقاد، مؤكداً أن العديد من المسيحيين قاوموا النظام بنشاط.
وعارضت "المنظمة الديمقراطية الآشورية" الأسد منذ بداية انتفاضة عام 2011، وانضمت إلى "الائتلاف السوري المعارض".
ولعبت شخصيات مسيحية بارزة مثل جورج صبرا أدواراً قيادية في حركة المعارضة.
While the warmongers cheer Assad being overthrown, Christians will now be persecuted under sharia law which has now been declared in Syria.
Damascus is one of the earliest places where Christianity began.
I’m praying for them. ????
pic.twitter.com/ughE9YrMnj
بالإضافة إلى ذلك، تحالف "حزب الاتحاد السرياني" مع "قوات سوريا الديمقراطية" - وهو تحالف عرقي مدعوم من الولايات المتحدة - ضد الأسد وتنظيم "داعش". وفي عام 2012، اقتحم نشطاء "حزب الاتحاد السرياني" السفارة السورية في ستوكهولم للاحتجاج على وحشية النظام.
وتم القبض على أحد قادتهم الرئيسيين، سعيد ملكي كوثر، في القامشلي في عام 2013 وما يزال مفقوداً.
ولم يسلم رجال الدين المسيحيون البارزون. اختُطف رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس بولس يازجي ورئيس أساقفة السريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم في حلب، وما يزال مصيرهما مجهولاً. ويتساءل الكاتب عما إذا كان نظام الأسد قد لعب دوراً في اختفائهما، حيث انتقد كلاهما حكمه.
المقاتلون المسيحيون في الثورةوعلى عكس الادعاءات بأن المعارضة كانت يهيمن عليها السُنّة حصرياً، يشير الكاتب إلى أن المسيحيين قاتلوا أيضاً من أجل سوريا الديمقراطية. وانضم العديد منهم إلى "الجيش السوري الحر"، وهو تحالف علماني في البداية ضم السنة والأكراد والدروز. وواصل ناشطون مسيحيون مثل عبد الأحد أستيفو وسنحاريب ميرزا الدعوة إلى سوريا التعددية.
التأثير المدمر للحرب في المجتمعات المسيحيةقبل عام 2011، كانت سوريا موطناً لحوالي 1.5 مليون مسيحي. واليوم، بقي أقل من 300 ألف مسيحي. فقد دمرت الحرب المجتمعات المسيحية المزدهرة.
وانخرط تنظيم "داعش" والفصائل التابعة له في التطهير العرقي، وأجبر الآشوريين على الخروج من منطقة الخابور، والأرمن من كسب، والسريان من حمص. حتى المسيحيين الأرثوذكس اليونانيين، أكبر طائفة مسيحية في سوريا، عانوا تحت حكم المتمردين.
المناصرة الدولية لحقوق المسيحيين وأكد الكاتب على الحاجة إلى مزيد من الاهتمام الدولي بمحنة المسيحيين في سوريا. ودعت ورقة بحثية قدمتها الجهات المعنية في "قمة الحرية الدولية الدينية" إلى إدارة ترامب، إلى ضمان المساواة في الحقوق للمسيحيين والدروز والعلويين والأقليات الأخرى، مؤكدةً أهمية حقوق المرأة في استقرار سوريا في المستقبل.وتأمل المنظمة العالمية لحقوق الإنسان وحلفاؤها في تأمين الحماية للمسيحيين والأقليات الأخرى من خلال الجهود التشريعية، من أجل الاعتراف بوضعهم الأصلي في سوريا وضمان حقهم في التعايش مع المجتمعات الدينية والإثنية المتنوعة في البلاد. لحظة حاسمة لمسيحيي سوريا وقال الكاتب: لا يمكن تجاهل مصير المسيحيين في سوريا. لم تبدأ معاناتهم باستيلاء المتمردين، ولم يكن الأسد حامياً لهم ولحقوقهم. لقد ناضل المسيحيون السوريون لفترة طويلة من أجل دولة تعددية وديمقراطية.
وأضاف أن المسيحيين في سوريا هم أمة ديمقراطية. والآن، بينما تخضع سوريا لتحول سياسي آخر، يتعين على العالم أن يضمن عدم نسيانهم. وفي "قمة الحريات الدينية الدولية"، يأمل المدافعون عن حقوق الإنسان أن يتخذ المشرعون الأمريكيون خطوات ملموسة لدعم الأقلية المسيحية، وضمان بقائهم وحقهم في المواطنة المتساوية في مستقبل سوريا.