عربي21:
2025-05-02@12:00:18 GMT

العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

أكبر تحد يواجه الدول في المراحل الانتقالية هو تحقيق العدالة في ظروف سياسية واقتصادية متقلبة، ولم تُبنَ عدالة انتقالية ناجحة إلا في ظل أنظمة راسخة ولها قدر كبير من السيطرة. فالفكرة ليست في المحاكم ولا في القانون، ولكن في القوة التي تحمي تطبيق هذا القانون والتراضي المجتمعي عن هذه المحاكم وآلياتها. واليوم في سوريا يبدو التحدي كبيرا وغير مسبوق محليا ولا حتى دوليا.



وتحتمل فكرة العدالة الانتقالية ذاتها تأويلات عديدة؛ تبدأ من خطورة تحولها لأداة انتقامية وانتهاء بتفريغها من مضمونها وإفلات الجناة من العقاب ومن ثم إمكانية تكرار الجرائم بطرق آخر، والتاريخ القريب شاهد على هذا وذاك.

ينبغي التنويه بداية إلى أنه لا مشاحة في الاصطلاح، ومفهوم العدالة الانتقالية هو مرادف لرد الحقوق لأصحابها وتنظيم معاقبة الجناة أو حتى العفو عنهم طبقا لقواعد موضوعية وليس شخصية، وتعويض المضارين. وهو أمر في غاية الصعوبة في بلد أُخرج منه الملايين من بيوتهم وتشردوا، بخلاف مئات الآلاف من المعتقلين. أي أننا أمام ملايين المظالم، فأين البداية؟ وكيف تعوض كل هؤلاء المضارين؟ ورغم صعوبة السؤال فإن ثمن إهماله أفدح من البدء به والسير قدما رغم العوائق.

لقد كانت السنوات الأربع عشرة الماضية كافية لإنشاء جيل من السوريين في المهجر لديهم وعي كبير بالحقوق والحريات وآليات التوثيق بسبب الظروف التي مروا بها واضطروا للتعامل معها في دول مختلفة، وفي الوقت نفسه يمتلك المجتمع السوري المحلي آليات اجتماعية لفض المنازعات في سياقات قبلية وعشائرية ومناطقية.

وتشير كافة تجارب العدالة الانتقالية الناجزة في العالم بعد الصراعات الممتدة ومذابح الإبادة الجماعية التي مرت بها دول مثل سوريا؛ إلى أن المجتمع المحلي له دور كبير في تطبيق هذه العدالة الانتقالية. وهذا الدور يختلف باختلاف الدولة وثقافتها وظروفها، مثل المشاركة في جمع الأدلة أو تحقيق التراضي العام لنتائج هذه المحاكمات وآليات وطرق التعويض.

يمكن القول إن العدالة الانتقالية قد بدأت بالفعل في سوريا ولو بشكل غير رسمي. ويمكن تتبع ذلك في ثنايا الأخبار خلال الأسابيع الماضية، ومنها فكرة أن كل من يسلم سلاحه من عسكريي النظام السابق فهو آمن، ومنها فكرة إرجاع كثير من العقارات التي صودرت من ملاكها الأصليين لأصحابها. ولا يمكن إغفال مثل هذه الآليات البسيطة، فهي نواة هامة ومؤثرة تشير إلى أن هذا الملف لا يحتمل التأجيل ولا يحتمل أيضا القيام به بشكل صوري أو غير فعال.

من خلال قراءاتي عن كثير من تجارب العدالة الانتقالية الناجحة حول العالم، لفت نظري أمر هام وهو أن العدالة الانتقالية لم تضمن رفاهية كبيرة للبلد لكنها ضمنت الحد الأدنى لعدم تكرار المآسي الإنسانية نفسها مرة أخرى. ولذلك فإن تجارب العشرية الحمراء في الجزائر لم تتكرر بعد قانون الوئام المدني ولم تتكرر تجارب التعذيب الرهيبة في المغرب بعد قانون الإنصاف والمصالحة، كما لم تتكرر تجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بعد أعمال لجنة الحقيقة والمصالحة. ولهذا فإن السقف الأدنى لأي عدالة انتقالية هي عدم تكرار ما جرى مهما كانت العوائق، وهذا سقف هام لا ينبغي التنازل عنه والتوعية به كي يكون واضحا ما أهداف كل هذه العملية.

مما لفت نظري أيضا إبداع كل مجتمع في صناعة الآليات الخاصة به. ففي أوزبكستان مثلا، وهي من الدول غير المشهورة في هذا الملف، قامت بتركيب كاميرات في بدلات الضباط وفي غرف التحقيق في أقسام الشرطة بداية من عام 2018. تسجل هذه الكاميرات كل صغيرة وكبيرة يقوم بها أفراد الأمن، وبالتالي عند ورود أية شكوى أو حدوث أي انتهاك لا تستغرق التحقيقات أوقاتا وموارد عديدة، فكل شيء مسجل. وبذلك تغلبت أوزبكستان على مشكلة انتهاكات حقوق الإنسان في أقسام الشرطة التي ظلت لسنوات عديدة مضرب المثل في الرعب في دول آسيا الوسطى. وأتصور أن السوريين لديهم القدرة على ابتكار طرق ووسائل جديدة لتحقيق هذه العدالة بشكل ناجز.

x.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدالة المجتمعي الحقوق سورية مجتمع حقوق عدالة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الانتقالیة

إقرأ أيضاً:

وزارة العدل تفوز بجائزة مسار المبدعين

فازت وزارة العدل بجائزة مسار المبدعين الحكوميين ضمن النسخة الثامنة من هاكاثون الإمارات 2025، ما يرسخ ريادتها في مجال الابتكار الحكومي، وصدارتها للجهات الرائدة في تقديم أفكار ابتكارية تسهل الوصول إلى العدالة، بالاعتماد على التقنيات الناشئة والتكنولوجيا الحديثة.
وجاء الإعلان عن الجائزة خلال حفل رسمي نظمته هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (تدرا)، على هامش فعاليات منتدى تمكين المجتمعات الرقمية الذي أقيم في دبي تحت شعار «تسخير الذكاء الاصطناعي والابتكار من أجل مستقبل رقمي شامل».
وأكد عبدالله سلطان بن عواد النعيمي، وزير العدل، أن هذا الإنجاز يأتي تتويجاً لجهود متواصلة؛ لترسيخ ثقافة الابتكار في العمل القضائي، وتطوير الخدمات بما يواكب تطلعات الحكومة وثقة المتعاملين، ويعزز مكانة الإمارات عالمياً في مجالات العدالة وسيادة القانون.
وأضاف أن الابتكار أصبح اليوم ضرورة حتمية لتطوير الخدمات القضائية.

مقالات مشابهة

  • تجارب دولية تستعرض أثر جهود معهد السلطان قابوس في نشر اللغة العربية للناطقين بغيرها
  • “سيتي ووك” تعود لزوّار موسم جدة بنسخة متجددة من الفعاليات
  • وزارة العدل تفوز بجائزة مسار المبدعين
  • الاتحاد الإفريقي يرفع العقوبات عن الغابون بعد انتهاء المرحلة الانتقالية
  • الاتحاد الإفريقي يعلن رفع العقوبات عن الغابون بعد انتهاء المرحلة الانتقالية
  • مستقبل الإيجار القديم| هل تحقق التعديلات الجديدة العدالة للملاك والمستأجرين؟.. خبير قانوني يوضح
  • منتدى الأمن العالمي بالدوحة يبحث مستقبل سوريا والعدالة الانتقالية
  • فريق صيني يزرع أول شريحة دماغية متخصصة في جمع بيانات المرضى
  • طالبة بالفيوم تحصد الثالث جمهوري ومشاركة ضمن تجارب منتخب مصر للمصارعة في بطولة إفريقيا
  • "عُمران" تبرم شراكة استراتيجية مع "محسن حيدر درويش" لتطوير منتجع "آلي نيفاس" في مسندم