هل ثمة أمل يلوح في العام الجديد؟
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
فيصل محمد صالح
ينظر الناس في البلاد التي تمزقها الحروب والنزاعات للعام الجديد بأمل وترقب أن يحمل لهم أخباراً سعيدة، تبشر بقرب الفرج وانتهاء المشكلات وحلول السلام. لا تنطلق الآمال، بالضرورة، من الواقع، ولا تستند إلى مؤشرات، وليس من واجب الملايين من الناس المتعبين والمشردين أن يربطوا آمالهم وأحلامهم بأي مؤشرات أو توقعات، لهم أن يحلموا ويأملوا ويلقوا حمولهم على الله، ومن واجب مَن حملوا المسؤوليات في تلك البلاد أن ينظروا كيف يمكن تحقيق تلكم الآمال والتطلعات.
وربما ينظر الناس بعين الأمل لما حدث في سوريا، ويرون كيف عانى السوريون لعقود طويلة تحت وطأة نظام قمعي ودموي، ثم كيف جرت الأمور بسلاسة وانهار النظام في أيام قلائل. والحقيقة أن من يفعل ذلك ليس مخطئاً، فما حدث ويحدث في سوريا يحمل مؤشرات تغيير في أوضاع الإقليم والعالم، وطريقة تعاملهم مع الأحداث والوقائع.
فقد تضافرت عوامل داخلية وخارجية لتكتب نهاية نظام الأسد في سوريا، فقد تآكل النظام من الداخل بعد أن تحول من نظام حزب واحد لنظام تملكه عائلة وشلة واحدة، واستنفد أسباب بقائه كلها، ولم تعد هناك قوة أو مؤسسة في الدولة قادرة أو راغبة في الدفاع عنه. وتَوافَق ذلك مع مخطط دولي وإقليمي لإضعاف نفوذ الميليشيات في المنطقة.
من المؤكد أن هناك خطة لإعادة هندسة الأوضاع في المنطقة بصورة جديدة، قد تختلف تصوراتها من دولة لأخرى، لكنها ترتكز على إيجاد حلول للنزاعات، ومعالجة التوترات والانقسامات التي تزعج الدول الكبرى، لتتفرغ بعدها هذه القوى الكبرى لرسم صورة المرحلة الجديدة. لكن لا يعني هذا أن الأمور ستجري وفق ما تهوى وترغب الدول الكبرى بغض النظر عن رغبة شعوب الدول التي تعيش حالة الحروب والنزاعات، واستعداد قواها وفصائلها المتنازعة.
تجربة الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، خصوصاً بعد تجربتَي الصومال وأفغانستان، أنها لا تلقي بثقلها وراء مجهودات وقف الحرب والنزاع إلا إذا أحست باستنفاد القوى المتصارعة لكل قوتها، وأنها صارت في مرحلة قبول الحلول المقترحة، فإنْ لم يتوفر الاستعداد المحلي وتنضج الظروف، فستتركها مثلما تركت الصومال لسنوات طويلة، ومثلما تركت أفغانستان قبل سنوات قليلة.
لذلك من المتوقع أن تتجه الأنظار الآن، ومع تولي ترمب لسدة الرئاسة، إلى ليبيا واليمن، وقد تبدأ العملية بجس النبض أولاً لمعرفة مدى استعداد الأطراف المحلية والإقليمية للانخراط في عملية مصالحة شاملة. ليبيا يكثر فيها الحديث عن البدء بالانتخابات العامة كمدخل لمسألة تنازع الاختصاصات والسلطات بين بنغازي وطرابلس. وما يشجع على البداية بليبيا أن حالة العنف قد توارت، كما أن الصراعات المناطقية والجهوية قد تناقصت، وصار الطابع السياسي للصراع هو الغالب، وبالتالي فإن الأجواء مناسبة للحل السياسي.
بالنسبة لليمن تنتظر القوى الدولية ظهور نتائج عملية إضعاف الحوثيين عبر الضربات المتتالية، على أمل أن يصل الحوثيون لمرحلة يتأكدون فيها أن مسألة انفرادهم بالحكم ليست فقط غير مقبولة محلياً وإقليمياً ودولياً، لكنها أيضاً غير عملية وغير قابلة للاستمرار. دون الوصول لهذه النقطة سيبدو الحل السياسي بعيداً، فالأطراف الأخرى توصلت لقناعة باستحالة الحل العسكري، وبقيت قناعة الحوثيين هي التي ستفتح الأبواب للحل السياسي.
في حالة السودان تبدو الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة، فالحرب ما زالت تدور في جبهات وولايات متعددة. ورغم مرور عشرين شهراً على الحرب دون أن يتمكن أي طرف من حسمها، فإن قناعة طرفَي الحرب لم تتغير بعد، وما زالت أوهام النصر الشامل تراود الطرفين. وقد يسمع الناس حديثاً مختلفاً قليلاً من قائد «الدعم السريع»، الذي يبدي رغبته في السلام ووقف الحرب، لكن ممارسات قواته على الأرض تُناقض ذلك، وتدفع الطرف الآخر للرغبة في الانتقام بالاستمرار في الحرب.
تجربة المبعوث الأميركي للسودان توم بيريللو لم تكن موفقة، لذلك من المتوقع أن يكون هناك مدخل أميركي مختلف، يبدأ بتجفيف مصادر التسليح والإمداد، وتحييد بعض القوى الإقليمية، مع ازدياد ضغوط فرض العقوبات، على أمل أن يؤدي ذلك لاستنفاد قوة الطرفين ودفعهما للبحث عن حل سلمي عبر التفاوض. هكذا يبدو طريق السودان طويلاً ومعقداً، لكن لا يفقد السودانيون الأمل، ففي تاريخهم دروس وعبر كثيرة يستمدون منها هذا الأمل.
نقلا عن “الشرق الأوسط”
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عادل الباز: الحل السياسي أولاً!
1 تشير التحركات السياسية الحالية إلى محاولات تأسيس مسارات جديدة يتم تهيئتها بعيدًا عن المسارات والمبادرات القديمة التي ظلت تتصدر الساحة منذ اندلاع الحرب. وتمثل هذه المسارات الجديدة نقلة نوعية في الصراع بغرض الوصول إلى حل لمعضلة الحرب في السودان.
2
يمكن إحصاء أربعة مسارات تشكل آفاق تلك التحركات. أولها، التحركات الأممية التي يقودها العمامرة في الأمم المتحدة وثانيها، التحرك الذي تقوده تركيا، وفي نفس السياق الداعي للحوار مع الإمارات، دخلت مصر بمبادرة أعلن عنها السيد وزير المالية جبريل إبراهيم مما يمثل مسارا ثالثا. وفي الوقت ذاته، تسعى مصر إلى انعقاد المؤتمر الثاني للقوى السودانية بعد انعقاد نسخته الأولى في العام الماضي. أما المسار الرابع، فتقوده منظمة (إيقاد)، التي يُتوقع أن يعيد السودان عضويته فيها، ومن ثم تستأنف وساطتها، وإن كانت تواجه تعقيدات كثيرة لم تُحل بعد.
3
هذه المسارات لا تتعامل مع الحرب بشكل مباشر أو تطالب بوقفها فورًا، بل تُطرح كمبادرات تسعى لتأسيس حوار سياسي، سواء بين السودانيين أنفسهم أو بين السودان والإمارات أو بين الحكومة والمليشيا. يبدو أن فشل مؤتمر جنيف العام الماضى، الذي كان آخر محاولات المجتمع الدولي لفرض حل للحرب في السودان، هو ما قاد للبحث عن هذه المسارات الجديدة.
4.
البحث عن حل للحرب عبر مسار سياسي فكرة قديمة؛ طرحها ثلاثة مستشارين كانوا ضمن الوفد الأمريكي في الأيام الأولى لانعقاد مؤتمر جدة، بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب. كان رأي المستشارين أن المشكلة سياسية، تتعلق بالصراع على السلطة، وأن التوصل إلى معادلة سياسية ترضي الأطراف المتصارعة سيجعل إيقاف الحرب ممكنًا وسريعًا. استشهد المستشارون بحرب البوسنة والهرسك (1992-1995)، التي انتهت باتفاقية دايتون، حيث تم التوصل إلى الحل السياسي أولاً مما أدى إلى توقف الحرب بشكل رسمي.لكن، لسبب ما، تم رفض فكرة الحل السياسي أولاً، واتجه التفاوض نحو وقف الحرب عبر التزام الطرفين بتعهدات، وهو ما لم يحدث؛ إذ نسفت الميليشيات وداعموها الاتفاق بوهم قدرتهم على تحقيق النصر والسيطرة على السلطة في أيام معدودة.
5.
الآن، ومع اقتراب صعود ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا، تعود فكرة “الحل السياسي أولاً” مجددًا بمداخل جديدة. لا حديث الآن عن منصة او إعلان جدة ضمن المسارات التي ذكرناها أعلاه. الموضوع المطروح هو بدء حوار سياسي مع الإمارات وآخر مع الميليشيا.
تكمن خطورة القبول بحوار سياسي أولاً مع الميليشيات وداعميها في أنه ينسف كل ما تم التوصل إليه في منصة جدة، مما يتيح للميليشيات التحرر من أي التزامات ذات شهود دوليين.
6
الجانب الآخر يتعلق بتحقيق هدف أساسي للميليشيات وداعميها، وهو إعادة تموضعها مرة أخرى في قلب الساحة السياسيةو العسكرية، وأخيرًا الاقتصادية. وعلى الرغم من أن هذا الطرح قد يبدو مغريًا في ظل غياب طرح بديل، يبدو لي أن محاولة ابتدار مسار سياسي أولاً دفعت الرئيس البرهان إلى إعلان رفضه لأي مسار يعيد الميليشيات إلى الأوضاع التي كانت قبل 15 أبريل. إذ أكد في خطابه بمناسبة الاستقلال قبل يومين: “طريقنا واضح وهو طريق الشعب، لا يمكن أن تعود الأوضاع كما كانت عليه قبل 15 أبريل 2023م، ولا يمكن القبول بوجود هؤلاء القتلة والمجرمين وداعميهم وسط الشعب السوداني مرة أخرى.”
7
إن أخطر ما يمكن أن ينتج عن أي حوار سياسي بين الحكومة والمليشيا الآن هو تفكك الجبهة الداخلية المتماسكة حاليًا، حيث لا تزال تلك الجبهة معبأة ضد أي محاولة للحوار مع الميليشيات وداعميها قبل تنفيذ إعلان جدة. لذا، من الأفضل أن تتمسك الحكومة بموقفها الرافض لأي حوار قبل استيفاء متطلبات إعلان جدة. وفي ذات الوقت تترك الساحة السياسية حرة للتفاعل مع المنابر المختلفة، ومراقبة الحوارات بين القوى السياسية من بعيد دون تدخل، لتستفيد مما تتمخض عنه تلك الحوارات مستقبلاً، دون أن تلزم نفسها بشيء أو تضعف جبهتها المتماسكة الآن.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب