عامٌ واحد مرَّ على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري بضاحية بيروت الجنوبية، يوم 3 كانون الثاني 2024. حينها، كان ذاك الاغتيال هو الأول من نوعه في الضاحية، كما أنه كان بداية "سُبحة" الاغتيالات الإسرائيلية التي كرَّت تدريجياً إبان الحرب التي شهدها لبنان خلال شهر تشرين الأول عام 2023.
اغتيال العاروري لم يكن حدثاً عادياً، بل كان "بداية الثغرة" التي غيّرت الكثير من التفاصيل المتعلقة بعمل "حماس" في لبنان، كما أنه كان الإشارة الخطيرة باتجاه "حزب الله" ونحو قادته بشكلٍ خاص وتحديداً أولئك الذين اغتالتهم إسرائيل تباعاً وصولاً إلى أمين عام "حزب الله" الشهيد السيد حسن نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي في "الحزب" السيد هاشم صفي الدين. السؤال الأبرز بعد عامٍ من الاغتيال هو التالي: كيف أثر رحيل العاروري على "حزب الله"؟ ماذا كشف اغتياله وكيف انعكس سلباً على أمن الضاحية؟ عملياً، كان استهداف إسرائيل للعاروري بمثابة "الثغرة" الأولى التي أوجدتها إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبية، ومن هناك كان على "حزب الله" أن يتيقّن لوجود خرقٍ ما يطال منطقته. حينها، تم الاعتقاد أنَّ إسرائيل وصلت إلى العاروري عبر المحيطين به. هذا الأمر قد يكون وارداً، لكن السؤال الذي طُرح ذلك الحين وأثير مُجدداً الآن هو "لماذا بدأت الاغتيالات بالعاروري وليس بقادة حزب الله؟". ما يمكن قوله هنا هو أن إسرائيل أرادت أن توجه ضربتين لـ"حزب الله" من خلال شخصية من خارج نسيجه وبعيدة عن "جهازه الأمني". ضمنياً، كان العاروري يحظى بـ"مواكبة أمنية" من "حماس" بالتنسيق مع "حزب الله"، ما يعني أن الأمن الفعلي كان فلسطينياً وليس لبنانياً من جهة الحزب. آنذاك، طُرحت فرضية أن يكون الخرق فلسطينياً وبالتالي تم إيجاد أن "حزب الله" غير معنيّ أمنياً بما حصل كونه ليس المسؤول عن أمن قيادي "حماس". بمعنى آخر، فإنَّ تصفية العاروري حصلت لأنه المتانة الأمنية المحيطة به قد لا تكون شديدة مثل تلك التي كان يحظى بها قادة "حزب الله" ولهذا السبب كان اغتياله سهلاً وفق الفكرة السائدة آنذاك. لكن ما تبين لاحقاً هو أن من الخرق الذي طال العاروري كان موزعاً أيضاً على صعيد قادة الحزب الآخرين، ومن هناك بدأت التصفيات تباعاً. استراتيجياً، فإنَّ مقتل العاروري في بيروت كان بمثابة إشارة أولى لـ"تصفية كوادر أساسية" كان يعتمد عليها "حزب الله" لإدارة العمل الفلسطيني "الحمساوي" في لبنان. وإذا عُدنا بالذاكرة قليلاً لوجدنا أن نصرالله كان يهتم بأمر العاروري كثيراً لدرجة أنه أطلق تهديداً سابقاً بالرد على أيّ عملية تستهدف القيادي الفلسطينيّ الذي كان يتواجد في لبنان قبل الحرب الأخيرة. كان العاروري بمثابة الشخصية التي كانت تفهم إستراتيجية "حزب الله" ونصرالله بالتحديد، وفق ما يقول مصدرٌ مُطلع على أجواء "الحزب" لـ"لبنان24"، ويضيف: "العقل الاستراتيجي والاستخباراتي للعاروري كان أساسياً لدى حزب الله، وبالتالي كان الاعتماد على القيادي الفلسطيني كبيراً لتكامل وحدة ساحات محور المقاومة التي ترأسها نصرالله". وعليه، يمكن القول إن اغتيال العاروري كان بمثابة الضربة الأولى لقادة المحور في المنطقة، في حين أنَّ الخروقات التي أدت إلى اغتياله بالإضافة إلى قادة آخرين قضوا من بعده، شكلت عوامل ضغط كبيرة على حركة "حماس" في لبنان وعلى دورها المستقبلي. اليوم، تقفُ "حماس" أمام مُفترق طرق وسط المساعي الهادفة لإنتاج صفقة وقف إطلاق النار في غزة. بالنسبة للحركة الفلسطينية، فإن ثبات ساحتها في لبنان أمرٌ لا بدّ منه في ظل اهتزاز الحُكم في غزة، وما يتبين هو أنَّ "حماس" لم توقف عمليات التجنيد في صفوفها داخل المخيمات الفلسطينية، ما يشير إلى تمسك يُمكن أن يؤرق حزب
الله نوعاً ويجعله يتنبه لما يُمكن أن يفعله السلاح الفلسطيني داخل لبنان في حال انكفأ الحزب إلى السياسة تماماً. في خلاصة القول، أنَّ العاروري كان الخسارة الأكثر تأثيراً على صعيد شراكة نصرالله في المحور وفي ما خصّ وحدة الساحات، في حين أنّ دوره الذي كان مرتبطاً به لم يتم تعويضه حتى الآن، ما يعني أن الفراغ كبير جداً..
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية:
فی لبنان
حزب الله
إقرأ أيضاً:
عسكرياً.. أين حزب الله من أحداث الساحل السوري؟
متوقع كان البيان الذي أصدره "حزب الله"، أمس السبت، وأعلن فيه عدم علاقته بالأحداث التي يشهدها الساحل السوري خلال الآونة الأخيرة. بشكل حاسم، نفى "حزب الله" ارتباطه بما يجري هناك، معتمداً مبدأ "النأي بالنفس" عن الأحداث وعدم الغوص في تفاصيلها. فعلياً، لا يمكن لأحداث الساحل السوري القائمة بين فلول نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد وقوات الإدارة السورية الجديدة إلا أنَّ تفتح الباب أمام تأثيرات قد تطالُ لبنان وبيئة "حزب الله" بشكل خاص. في الواقع، فإن الأحداث الدائرة هناك ترافقت مع "خطاب طائفي" تمَّ اعتماده خلال اليومين الماضيين وحمل رسائل مفادها إنَّ الضحايا الذين سقطوا إثر عمليات الإدارة السورية الجديدة في الساحل السوري هم من العلويين ومن الطائفة الشيعية. ما يجري هناك بدأ يستنفر بيئة "حزب الله" التي تعتبرُ أن الهجمة الحالية في
سوريا جرى التحذير منها سابقاً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: كيف سيتصرف "حزب الله" إزاء كل ما يجري في سوريا؟ وهل يعنيه الأمر حالياً مقارنة بالمراحل السابقة؟ وهل بإمكانه الدفاع عن العلويين والشيعة في سوريا؟ لا يُخفي لبنانيون مخاوفهم من الحملة التي تحصل في سوريا، إذ صنفوا ما يجري هناك ضمن خانة "التطهير العرقي" الذي يطال العلويين والشيعة، وهو الأمر الذي يتبنى ترويجه جمهور "حزب الله".
"حزب الله" انكفأ نحو لبنان حالياً، فإن التطورات الحالية في سوريا لا تعني "حزب الله" من الناحية الإستراتيجية والعسكرية، وفق ما تقول مصادر معنية بالشأن العسكريّ لـ
"لبنان24"، مشيرة إلى أنَّ الحزب "انكفأ نحو الداخل اللبناني وخطته الأساسية اليوم السعي لترميم جبهته الداخلية". تلفت المصادر إلى أن الحديث عن "تدخل لحزب
الله في سوريا لدعم فلول النظام لا يعتبر منطقياً على الإطلاق حتى وإن كانت لديه القدرة على ذلك"، وقالت: "من سيدعم الحزب وعلى ماذا يُراهن إن فعل ذلك؟ لا نعتقد أن هذا السيناريو سيتكرر لأسباب عديدة أساسها أن الإسناد الذي قدّمه الحزب لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد قبل سقوطه، كان مبرراً من ناحية الحفاظ على النظام المرتبط بمحور المقاومة. أما الآن، فعمن سيدافع الحزب؟ عن أفراد وجماعات شعبية؟ أين تكمن مصلحته في ذلك؟ من هم حلفاؤه في الميدان هناك؟.. لهذا السبب، كان حزب الله دقيقاً في بيانه الأخير ونأى بنفسه عن الأحداث بشكلٍ واضح". تعتبر المصادر أنَّ "حزب الله سيرى ويسمع كل التطورات من دون أن يتفاعل عسكرياً مع الأحداث"، موضحة أنَّ "الخسائر التي مُني بها والضربات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت مخازن أسلحة في جنوب لبنان، كلها عوامل ضغط على الحزب لعدم الإنجرار نحو سوريا على الإطلاق من أجل إعادة إحياء فلول النظام، ذلك باعتبار أن المعركة في هذا الإطار خاسرة تماماً". على الصعيد الآخر، فإن التوتر الذي تشهده منطقة الساحل السوري قد لا يخدمُ "حزب الله" على الإطلاق أيضاً، فالحملة التي تطالُ "فلول النظام" تعني أنها تشملُ من كان يؤيد الحزب أو من كان يعمل معه وإلى جانبه في عهد الأسد. هنا، تلفت المصادر السورية إلى أنَّ كبار التجار الذين تعاطوا مع "حزب الله" في جبلة والساحل السوري، ما زالوا هناك وكانت لديهم أنشطة مختلفة، لافتة إلى أنّ "جماعات فلول النظام يمكن أن تفيد حزب الله بعمليات التهريب أو حتى بتشكيل فصيل مؤيد للحزب داخل سوريا يكون مناوئاً للنظام الجديد وبالتالي إحداث توترات مستمرة في ظل عدم ضبط الحدود بين لبنان وسوريا ووجود إمكانية لتكريس التهريب المُنظّم". أمام كل ذلك، فإنَّ "حزب الله" يقف اليوم أمام مشهدٍ جديد يطال شيعة سوريا.. فكيف سيتصرف إن لم يتحرك عسكرياً؟ هل سيكون الشارع والتظاهرات هي "آخر خرطوشة" تضامنية بعدما كانت الدفة تميل إلى السلاح؟ فلننتظر... المصدر: خاص "لبنان 24"