بعد أقل من ساعة من وضعه منشورا على صفحته بفيسبوك، حذف الشاب خالد محمد كلماته التي أثنى بها على المقاومة بمخيم جنين، واضطر لاستبداله بمنشور آخر يبعث فيه "تحية إجلال وإكبار" للأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويترحم على "شهدائها حماة المشروع الوطني، وذخر الوطن"، حسب وصفه، مع ذمّ "المتآمرين والخارجين عن القانون".

ما حصل مع خالد محمد، وهو من منطقة جنين شمال الضفة الغربية، ومع عديدين غيره أصبح يشير إلى تصاعد القبضة الأمنية على التعبير عن الرأي في الضفة بالآونة الأخيرة، وتصاعد مع اشتداد حملة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على مخيم جنين منذ 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي لملاحقة واعتقال من تصفهم "بالخارجين عن القانون".

وتزامن ذلك كله مع حملة تحريض ممنهجة تقودها جهات رسمية وأمنية ومقربة منها ضد من يؤيد -قولا أو فعلا- المقاومة الفلسطينية وكتيبة جنين على وجه التحديد ومن سار في ركبها من كتائب المقاومة بالضفة الغربية. وحسب جهات سياسية فلسطينية، تهدف هذه السياسة لتكميم الأفواه وتضييق الحريات العامة وتعزيز القبضة الأمنية على الفلسطينيين عبر سلوك قمعي.

اعتذار إجباري

هناك آخرون من أمثال الشاب خالد ممن أجبروا، وباتصال مباشر من جهات أمنية على إزالة منشوراتهم وتغيير أقوالهم وما تحدثوا به ظنا منهم أنهم في فضاء حر وإن كان افتراضيا، ونسوا أن سقف حريتهم في الواقع لم يتجاوز حدود الزمان والمكان لما قال وكتب.

إعلان

ومنهم أمين صادق، الذي اضطر لتقديم اعتذار مكتوب عبر صفحاته بمواقع التواصل للأجهزة الأمنية عن نفسه وعن زوجته لما "اقترفاه" بحق أبناء الأجهزة الأمنية عندما أثنيا على من وصفهم "بالتكفيريين من أذناب إيران".

وثالث قدَّم اعتذاره عن انتقاده للأجهزة الأمنية عبر مقاطع مصورة، وآخرون ممن يقطنون خارج البلاد وانتقدوا سلوك الأجهزة الأمنية في قمع المقاومة تعرضوا لتهديدات بإلحاق الأذى بأقاربهم من الأبناء والآباء بالضفة الغربية.

وأظهرت مقاطع فيديو مصورة انتهاكات من أفراد من أجهزة الأمن لمواطنين فلسطينيين وإظهارهم بوضع غير إنساني، سواء وهم يتعرضون للتعذيب أو يعتذرون عن آرائهم، مما أثار حفيظة المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية.

ولا يحتاج من يغير رأيه المعارض للسلطة الفلسطينية أو أجهزتها الأمنية لاتصال أو تهديد مباشر بالضرب أو الاعتقال، ويكفي أن يرى بعينه ما يلاقيه غيره ليعرف مصيره، خاصة بظل حملات تتبع لمنشورات المواطنين من خلال جهات تابعة لقوى الأمن وبتسميات مختلفة، خصصت لرصد المواقف المعارضة.

انتهاك يهدد السلم الأهلي

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) أكدت خطورة ممارسات الأجهزة الأمنية وإجبار المواطنين على الاعتذار عن آرائهم المناهضة لها، وإظهار تأييدهم لسياسات السلطة الفلسطينية.

وعدَّت الهيئة ذلك انتهاكا واضحًا للقانون وحقوق الإنسان، وطالبت وزارة الداخلية بفتح تحقيق جاد وشفاف بشأنها، ومحاسبة المتورطين قانونيا.

وبموازاة إدانة الهيئة لإساءة معاملة المواطنين وامتهان كرامتهم، نددت أيضا بما قالت إنه "خطاب الكراهية والتحريض المنتشر على وسائل التواصل ضد أفراد الأمن وعائلاتهم".

واعتبرت نقابة المحامين الفلسطينيين ما نُشر من مقاطع مصورة لتعرض مواطنين للضرب على أيدي أجهزة الأمن تعديا على أحكام القانون، وأكدت خطورة المرحلة الحالية الفلسطينية بظل ما يمارسه الاحتلال، ودعت من سمتها بـ"الجهات الخاصة" للتحقيق الفوري بتلك الاعتداءات.

إعلان

وفي حملة السلطة الأمنية المستمرة التي حملت عنوان "حماية وطن" منذ نحو 30 يوما، قُتل حتى الآن 14 فلسطينيا بينهم 6 رجال أمن إضافة لصحفية وأطفال وأحد قادة كتيبة مخيم جنين، وجرح واعتقل العشرات.

ورافق الحملة الأمنية بجنين قرارات إدارية لبعض المحافظين بالضفة الغربية حظروا فيها تناقل أي أفعال أو أقوال عبر مواقع التواصل وما شابهها من المنابر "تثير الفتن وتخل بالأمن العام"، ووقف كافة أشكال التحريض ضد السلطة وأجهزتها المدنية والأمنية.

#الجزيرة تحصل على بيان لقيادي في كتيبة جنين يتهم فيه أمن السلطة الفلسطينية بـ "قتل المواطنين بدم بارد".. فما أبرز ما جاء فيه؟#الأخبار pic.twitter.com/W7nGpyLVeL

— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 3, 2025

تحذيرات

وأمام ذلك كله، حذَّرت شخصيات فلسطينية وفصائل وطنية وإسلامية من استمرار السلطة الفلسطينية بسياسة "تكميم الأفواه" والتضييق على المواطنين وحرياتهم العامة، وأكدت أن ذلك سيزيد من التشرذم في الحالة الفلسطينية وفقدان بوصلة النضال الأساسية الموجهة ضد الاحتلال.

ودعت تلك الجهات، ومنها المبادرة الوطنية الفلسطينية، للحفاظ على السلم المجتمعي وسيادة القانون والاحتكام إلى الحوار الوطني.

وحذَّر الأمين العام للمبادرة الوطنية الدكتور مصطفى البرغوثي -في تصريح صحفي- من خطورة ما يجري. وقال إن هناك حالة استقطاب داخلي عنوانها الفتنة والتحريض، "وتكريس عقلية من ليس معي بالكامل فهو ضدي"، وهو ما يحدث "مزيدا من الشروخ والانقسامات في الساحة الفلسطينية".

تهديد للمواطن ورأيه

أما رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين الدولية إحسان عادل، فقال إن الحالة الراهنة في فلسطين تشهد تصعيدا بالاتجاه الخاطئ وانتهاكا واضحا للقانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية، مما يشكل برأيه "تهديدا للسلم الأهلي الفلسطيني".

وقال في اتصال مع الجزيرة نت، إن ممارسات السلطة الفلسطينية كقرارات المحافظين أو وقف عمل قناة الجزيرة، وفرض بعض الوزارات على موظفيها المشاركة بوقفات داعمة للموقف الرسمي الفلسطيني، أو إجبار موقوفين على الاعتذار عن آرائهم وتعذيب بعضهم يعد انتهاكا لحق الفلسطيني في حرية الرأي والتعبير.

إعلان

"كما أن العديد من الصيغ الواردة في تلك القرارات تحمل تهديدا غير مشروع للمواطنين بسبب تعبيرهم عن آرائهم، وهي مشوبة بعدم الدستورية نظرا لصدورها عن جهات غير مختصة" بحسب عادل.

ولفت الحقوقي إلى أن توجيه النقد لأداء السلطة لا يشكل فقط حقا للمواطن الفلسطيني، بل هو ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطي ولتطوير أداء السلطة نفسها.

ومع ذلك، يقول عادل، فإن القرارات الأخيرة وما رافقها من أجواء تهديد وتخوين من قبل العديد من الأطراف، تسهم في تعميق الانقسام الداخلي وتهدد السلم الأهلي، في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون للحوار الوطني المسؤول وإلى التزام مؤسسات الدولة بسيادة القانون وحيادها كجهات تمثلهم كلهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات السلطة الفلسطینیة الأجهزة الأمنیة عن آرائهم

إقرأ أيضاً:

قطر تعلن دعم الإجراءات الأمنية في الساحل السوري

دانت دولة قطر "الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا مؤكدة دعم كل ما تتخذه الحكومة السورية لتوطيد السلم الأهلي وحفظ الأمن والاستقرار".

اقرأ ايضاًالساحل السوري يشتعل..مشاهد جنونية من معارك الساحل الدامية (فيديوهات)


وقالت الخارجية القطرية في بيان : “تدين دولة قطر بأشد العبارات الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة”.
وأضافت: نؤكد تضامن دولة قطر ووقوفها مع الحكومة السورية ودعمها في كل ما تتخذه من إجراءات لتوطيد السلم الأهلي وحفظ الأمن والاستقرار في البلاد .
وجددت الوزارة دعم قطر الكامل لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق تطلعات شعبها في الحرية والتنمية والازدهار.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند قطر تعلن دعم الإجراءات الأمنية في الساحل السوري القسام تنشر مشاهد جديدة لعسكري إسرائيلي أسر في 7 أكتوبر عثمان الخميس يعتذر ويستغفر عن " تدمير حماس"..(فيديو) الساحل السوري يشتعل..مشاهد جنونية من معارك الساحل الدامية (فيديوهات) قصيدة عن المرأة بمناسبة يومها العالمي Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اقرأ ايضاًتعرف على قائمة أفضل 10 رجال في عالم الموضة لعام 2020.. ونجم كوري يتصدر

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • دبابات الاحتلال تقتحم بلدة غرب جنين ومستوطنون يحاصرون مسجدا قرب نابلس
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • منظمة التحرير وروسيا تبحثان مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية
  • تفاصيل لقاء حسين الشيخ مع ممثل روسيا لدى السلطة الفلسطينية
  • «الأونروا»: مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس غير قابلة للسكن
  • مرشح لخلافة محمود عباس.. من هو ماجد فرج رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية؟
  • اعتقالات وإصابات برام الله وأنوروا تعلن مخيمات جنين وطولكرم غير صالحة للسكن
  • قطر تعلن دعم الإجراءات الأمنية في الساحل السوري
  • مصر: نشدد على أهمية تمكين السلطة الفلسطينية في قطاع غزة
  • الاحتلال يهدم 17 مبنى في نور شمس ويرسل تعزيزات عسكرية إلى جنين