بعد الهجوم على نيو أورليانز..إدارة ترامب أمام تحدي "خطر الإرهاب العادي"
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب المدمرة التي أطلقتها إسرائيل ضد قطاع غزة الفلسطيني بعد الهجوم، قال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي إف.بي.آي، كريستوفر راي، إنه يخشى أن يدفع العنف في الشرق الأوسط، مسلحين، أو تنظيمات لشن هجمات انتقامية داخل الولايات المتحدة.
وبعد شهور، وبعد هجوم جماعة موالية لداعش الإرهابي على مسرح روسي أسفر عن أكثر من 140 قتيلاً، جدد راي تحذيره من تزايد احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجوم منسق مماثل.
وعقب شهور من التحذيرات نفذ جندي سابق في الجيش الأمريكي يعتنق أفكار داعش دهساً بشاحنة خفيفة لحشود من المحتفلين ببداية العام الجديد في مدينة نيو أورليانز الأمريكية.
ولم يكن منفذ الهجوم الدامي الذي أسفر عن 14 قتيلاً على الأقل مرتبطاً بأي تنظيم إرهابي دولي، ولم ينسق هجومه مع أي أطراف خارجية. لكنه كان تجسيداً لمصدر قلق ممتد في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ولم يتلاش قط، وهو التهديد الذي يشكله المتطرفون المحليون الذين يتحولون إلى متطرفين قبل ارتكاب أعمال عنف جماعية باسم جماعات أجنبية لا يرتبطون بها بشكل فعلي.
ويقول كريستوفر كوستا ضابط المخابرات السابق وكبير مديري إدارة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن في الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "لم يسبق أن رأيت تهديداً مثيراً للقلق إلى هذا الحد، ليس فقط من منظور مكافحة الإرهاب وإنما أيضاً من التهديدات التي ترعاها دول".
حقيقة المظالموأضاف كوستا، أن "حقيبة المظالم" التي ربما دفعت المواطن الأمريكي شمس الدين جبار لهذا العمل، مثل طلاقه عدة مرات، ومعاناته من الضغوط المالية، كانت متفقة تماماً مع سمات غيره من الذين نفذوا هجمات مماثلة. كما تزامن هجوم نيو أورليانز مع الاضطراب العالمي الذي يعطي حافزاً إضافياً للمضطربين لاستلهام أعمال العنف من هجمات حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والحرب الإسرائيلية على غزة، والإطاحة الدرامية بالرئيس السوري بشار الأسد في الشهر الماضي.
وقال كوستا: "المرء يختار المظلمة، ثم يجد الأيديولوجيا التي يتصرف بها بناء عليها.. الآن يشمل ذلك هجوم 7 أكتوبر ويشمل تنظيم داعش، والسبب وراء أهمية تنظيم داعش في الوقت الحالي أنه يستعيد نشاطه نتيجة لما يمكن أن يعتبره التنظيم انتصاراً في سوريا".
ويعتبر هجوم نيو أورليانز أعنف هجوم مستوحى من تنظيم داعش، تشهده الولايات المتحدة منذ المذبحة التي تعرض لها ملهى ليلي في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا في 2016، التي أسفرت عن 49 قتيلاً. ونفذ تلك المذبحة شاب أعلن ولاءه لزعيم داعش الإرهابي في ذلك الوقت أبو بكر البغدادي، في الوقت الذي كان فيه مكتب التحقيقات الاتحادي يسابق الزمن لكبح المؤامرات التي تنفذها "الذئاب المنفردة" التي اجتذبتها دعاية تنظيم داعش أو حتى السفر إلى ما يسمى بدولة "الخلافة"في سوريا والعراق.
وهذا الخطر لم يتراجع أبداً، كما يتضح من اعتقال مكتب التحقيقات الاتحادي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لأفغاني في أوكلاهوما بتهمة التخطيط لهجوم مسلح يوم انتخابات الرئاسة الأمريكية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني).
ولكن التهديدات الأكبر والأشد تنسيقاً المرتبطة بجهات خارجية جذبت الانتباه العام بشكل أكبر في الآونة الأخيرة، مثل مؤامرات الاغتيال الإيرانية التي تستهدف مسؤولين أمريكيين بينهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب. أضف إلى هذا المزيج، الاضطرابات في الشرق الأوسط، التي دفعت إلى تنظيم مظاهرات كبيرة في الولايات المتحدة، وانهيار الحكومة الأفغانية في 2021 الذي أدى إلى عودة حركة طالبان لحكم أفغانستان، والمخاوف من المرتبطين بتنظيم داعش الذين يمكن أن يدخلوا إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية.
دوامة مخاوفهذه الدوامة من المخاوف دفعت راي إلى القول في تصريح لوكالة أسوشيتد برس في أغسطس (آب): "يصعب علي أن يتذكر أي مرحلة في حياتي المهنية تجمعت فيها أنواع التهديدات المختلفة في وقت واحد كما هو الحال الآن".
فهجوم نيو أورليانز المميت الذي كان دون توجيه ولا دعم مباشر من الخارج، يؤكد طبيعة التهديد الإرهابي المتقلبة والتي يصعب التنبؤ بها، بالإضافة إلى صعوبة وقف عنف مثل هؤلاء.
ويقول نيوكلاس راسموسين منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن الخطر الإرهابي الذي يمثله عاديون في الولايات المتحدة "تحد صعب للغاية لقوات إنفاذ القانون، وهو أصعب بكثير من التعامل مع شخص ربما كانت له اتصالات نشطة مع جهات فاعلة في الخارج، على سبيل المثال، أو لديه ملف مميز على الإنترنت يظهر انخراطه أو متابعته لأنشطة متطرفة في الفضاء الإلكتروني".
وأضاف "إذا لم يكن لديك مثل هذه المؤشرات، فإنك تعتمد على ما تسمى بظاهرة المتفرج" حيث تنتظر المصادفة لاكتشاف مثل هذا الإرهابي قبل أن ينفذ هجومه.
ففي حالة شمس الدين جبار منفذ الهجوم في نيو أورليانز الذي لقي حتفه في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة لم يكن يوجد ما يشير إلى وجوده على رادار أجهزة إنفاذ القانون قبل الهجوم. ومع ذلك، قال مكتب التحقيقات الاتحادي في بيان يوم الجمعة الماضي، إن محققي المكتب اكتشفوا دلائل مهمة على التخطيط للهجوم، بما في ذلك مواد يشتبه في أنها تستخدم في صنع القنابل في المسكن الذي استأجره لفترة قصيرة في نيو أورليانز، ومنزله في هيوستن.
ويأتي ذلك في حين ستنتقل مهمة مواجهة خطر الإرهاب في الولايات المتحدة بعد أقل من أسبوعين إلى الرئيس المنتخب ترامب والقيادة الجديدة المنتظرة لمكتب التحقيقات الاتحادي الذي رشح ترامب لرئاسته كاش باتيل. ويشكك باتيل منذ وقت طويل في استخدام مكتب التحقيقات لصلاحياته في الأمن القومي وتحدث عن فصل "أنشطة الاستخبارات" في المكتب عن بقية أنشطته في مكافحة الجريمة. ومن غير الواضح كيف سيؤثر هجوم نيو أورليانز على أي خطط لباتيل إذا عين في المنصب الجديد.
ومما لا شك فيه أن الفوضى في سوريا، وما يمكن أن تتيحه لتنظيم داعش من فرصة لإعادة تشكيل نفسه وجذب مؤيدين له في الغرب، أصبحت تهديداً رئيسياً للأمن القومي الأمريكي.
لقد قوبلت الإطاحة بالأسد ووصول هيئة تحرير الشام المتشددة إلى السلطة الرئيسية في سوريا بقدر من الارتياح ولكن أيضاً بالقلق. وبصرف النظر عن انتماء هيئة تحرير الشام السابق إلى تنظيم القاعدة، فإن انهيار جيش الأسد أثار مخاوف من فراغ السلطة الذي يعتقد كثيرون أن تنظيم داعش سيسعى إلى استغلاله.
كما فتح رحيل الأسد نافذة أمام تركيا لتوسيع عملياتها ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين في شمال سوريا. وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية قسد الكردية حليفاً أساسياً للولايات المتحدة في محاربة داعش، وتدير مراكز اعتقال تضم آلاف المقاتلين الأجانب المعتقلين.
ويشعر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بالقلق من احتمال أن يؤدي تصاعد الهجمات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية إلى تنامي خطر داعش مجددا.
من ناحيتها تقول ناتانا ديلونغ باس أستاذ علم الأديان والدراسات الإسلامية في كلية بوسطن، إن أياً من هذه الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط لم يجعل الهجوم الذي نفذه أمريكي على الأرض الأمريكية في الساعات الأولى من العام الجديد مستلهماً أفكاره من تنظيم داعش أمراً متوقعاً، خاصة أن مثل هذا العنف في الولايات المتحدة يعتبر أمراً نادراً للغاية مقارنة مع الشرق الأوسط أو أوروبا.
وأضافت أنه رغم ذلك يمكن "لأي أحمق" استئجار سيارة ودهس الناس بها "فالوسائل التي استخدمها كانت بسيطة ومباشرة للغاية ويمكن لأي واحد الحصول عليها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية داعش الإرهابي دونالد ترامب الولايات المتحدة سوريا الولايات المتحدة ترامب داعش سوريا مکتب التحقیقات الاتحادی فی الولایات المتحدة هجوم نیو أورلیانز الشرق الأوسط تنظیم داعش فی سوریا
إقرأ أيضاً:
كيف استخدم داعش عملة مونيرو المشفرة لتمويل عملياته الإرهابية؟
في العاشر من يناير 2017، وبينما كانت القوى الدولية تسعى لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، لجأ تنظيم داعش الإرهابي إلى العملات المشفرة للتحايل على الرقابة المالية العالمية. إلا أن التنظيم لم يجد أي عملة مشفرة تحقق له مستوى السرية المطلوب سوى مونيرو Monero ) ) التي كانت توفر درجة غير مسبوقة من إخفاء الهوية، مما جعلها الخيار الأمثل لعملياته. لكن كيف استطاع داعش استغلال هذه العملة في تمويل أنشطته؟ وما الإجراءات التي اتخذتها الحكومات والمنظمات الدولية لمواجهة هذا التهديد؟ وهل يمكن بالفعل منع استخدام العملات المشفرة في تمويل الإرهاب؟
أُطلقت عملة مونيرو Monero) ) في الثامن عشر من أبريل 2014، وسرعان ما عُرفت بكونها إحدى "عملات الخصوصية" التي تتيح إجراء معاملات غير قابلة للتتبع عبر تقنيات تشفير متقدمة، وتستخدم تقنيات مثل "التوقيعات الحلقية" و"العناوين السرية"، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تحديد هوية المرسل أو المستلم. على عكس البيتكوين، التي تعتمد على سجل عام يمكن تتبعه.
هذه الخصائص جعلت "مونيرو" خيارًا مثاليًا لتنظيم داعش في سنواته الأولى لتمويل أنشطته، إذ مكنته من نقل الأموال بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية. واستخدم التنظيم هذه العملة في شراء الأسلحة عبر الأسواق السوداء الإلكترونية، وتجنيد عناصر جديدة، ودفع رواتب مقاتليه.
وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في العاشر من أغسطس 2020، لجأ داعش إلى "مونيرو" لتمويل هجمات إرهابية في سوريا من خلال تحويلات غير قابلة للتتبع. كما كشفت تحقيقات صحفية، في الخامس عشر من مايو 2021، عن استخدام التنظيم لهذه العملة لدفع رواتب عناصره في العراق عبر قنوات سرية على تطبيق "تيليجرام".
لم يقتصر استخدام مونيرو على التمويل المباشر فحسب، بل استُخدمت أيضًا في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية عبر منصات إلكترونية في شبكة الإنترنت المظلم. ففي الثالث من نوفمبر 2020، أحبطت أجهزة أمنية عملية لشراء أسلحة بقيمة 500، 000 دولار عبر منصة "Silk Road 3.0" باستخدام "مونيرو"، مما كشف عن خطورة هذه العملة في تسهيل الأنشطة الإرهابية.
أدركت الحكومات والمنظمات الدولية خطورة العملات المشفرة في تمويل الإرهاب، فسارعت إلى اتخاذ إجراءات للحد من استخدامها في الأنشطة غير المشروعة. ففي الحادي والعشرين من يونيو 2019، أصدر الفريق المالي العالمي FATF) ) توصيات تُلزم منصات تداول العملات المشفرة بجمع بيانات المستخدمين في إطار مكافحة غسل الأموال.
وفي الثامن من فبراير 2021، كشف تقرير للأمم المتحدة عن تحويلات بقيمة 2 مليون دولار عبر "مونيرو" إلى حسابات مجهولة يُعتقد أنها مرتبطة بداعش في أفغانستان، مما سلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومات في تعقب هذه الأموال.
وفي الحادي والعشرين من سبتمبر 2021، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على منصة "SUEX" بسبب تورطها في تمويل عمليات داعش عبر العملات المشفرة. كما تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI))، في الثاني عشر من مارس 2022، من مصادرة محافظ رقمية تحتوي على 1.2 مليون دولار من "مونيرو"، يُعتقد أنها كانت موجهة لداعش.
إضافة إلى ذلك، نجحت عملية أمنية مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أُطلق عليها "الدرع السيبراني"، في الخامس عشر من مارس 2022، في اختراق خوادم إلكترونية تابعة لداعش، حيث تم العثور على سبع محافظ رقمية تعتمد على "مونيرو"، مما يؤكد استمرار التنظيم في استغلال هذه العملة رغم القيود المتزايدة.
في الثلاثين من يونيو 2022، أقر الاتحاد الأوروبي تشريعًا جديدًا يقيد تداول "عملات الخصوصية"، ودخل هذا التشريع حيز التنفيذ في 2024. أما اليابان، فقد حظرت بشكل كامل تداول "مونيرو" في الأول من أبريل 2021، في خطوة تهدف إلى تقليل مخاطر استخدامها في الجرائم الإلكترونية وتمويل الإرهاب.
في ظل هذه التطورات، تتزايد الدعوات لفرض مزيد من الرقابة على العملات المشفرة، مع التركيز على تعزيز الشفافية في التعاملات الرقمية. بعض الخبراء يدعون إلى إجبار مطوري "عملات الخصوصية" على إدخال آليات تتيح للجهات الأمنية تتبع المعاملات عند الحاجة، بينما يرى آخرون أن التعاون الدولي هو الحل الأمثل لرصد أي أنشطة مالية مشبوهة عبر استراتيجيات متجددة.
لا شك أن العملات المشفرة مثل "مونيرو" تفرض تحديات هائلة على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، حيث توفر للتنظيمات المتطرفة وسيلة فعالة للتمويل دون أن تترك أثرًا رقميًا يمكن تعقبه. ورغم التحركات القوية من قبل الحكومات والهيئات التنظيمية، لا يزال داعش وأمثاله يجدون في هذه التقنيات ملاذًا آمنًا.
ومع دخول تشريعات جديدة حيز التنفيذ وازدياد التنسيق الدولي، كان من المتوقع أن يصبح استخدام التنظيمات الإرهابية للعملات المشفرة أكثر صعوبة، لكن المعركة لم تُحسم بعد.فهل تستطيع الحكومات ملاحقة تمويل الإرهاب في العالم الرقمي كما فعلت في العالم التقليدي؟ أم أن التنظيمات الإرهابية ستجد دائمًا طرقًا جديدة لتجاوز الرقابة؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مستقبل الحرب على الإرهاب في العصر الرقمي، وربما مستقبل الأمن العالمي بأسره.