"نصف الشعب السوري خارج البلاد وبنية الاقتصاد التحتية مدمّرة" بهذه الجملة، وصف القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، واقع البلاد خلال مؤتمر صحفي في دمشق، مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان. 

كلمات الشرع، فتحت الأعين، أكثر، لواقع اقتصادي واجتماعي، يقبع فيه السوريون، منذ سنوات طِوال من حكم نظام بشار الأسد المخلوع؛ وما تلاه من حرب، نتج عنها اقتصاد غارق في السّواد أو الظل.



خلال هذا التقرير، تبرز "عربي21" كيف لجأ السوريون، لسنوات طويلة، للبحث عن أي فرصة تُمكّنهم من تحقيق دخل يكفي متطلبات الحياة. حيث برز "اقتصاد الظل" ونما في خضمّ الأزمات الاقتصادية المُتفاقمة.


أي اقتصاد بسوريا؟ 
في ظلّ الخراب الذي أرخى بثقله على سوريا، لعقدٍ من الزمن، نهض اقتصاد آخر، لا يعرف الحدود ولا القوانين، انتعش بين أيدي المدنيين الباحثين عن الحياة ولو بثمنٍ باهظ. فبات يشكّل شريان حياة لكافة السوريين على حد سواء، ومصدر قلق للمستقبل الاقتصادي للبلاد.

"اقتصاد الظل" أو "الاقتصاد الخفي" أو "اقتصاد تحت الأرض" أو "الاقتصاد الأسود".. هي أوصاف، لمعنى واحد، وهو كل نشاط يدرّ المال بطريقة غير منظّمة أو غير مشروعة، وذلك بحثا عن: "النّجاة الفردية"؛ خاصة في مناطق سيطرة النظام السابق المخلوع.

وفي حديثهم لـ"عربي21" أوضح عدد من السوريين، مباشرة عقب سقوط نظام الأسد، أنّه: "من أجل دمج اقتصاد الظل بالاقتصاد الرّسمي، لا بدّ للقادة الجدد لسوريا، من العمل على إلغاء سياسة المنع واستبدالها بسياسة الضبط".

وبحسب السوريين أنفسهم، فإنّ: "كافة أسباب تنامي اقتصاد الظل، قد تجمّعت في سوريا. بما فيها: هجرة العمالة، وقلة القدرة الشرائية للمستهلكين مع غلاء مستلزمات الإنتاج وارتفاع الضرائب، ناهيك عن تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل، مع عدم مرونة التشريعات الاقتصادية".

إثر ذلك، رصدت "عربي21" خلال هذا التقرير أنّ تنظيم "الاقتصاد" في سوريا، لا بد أن ينطلق من رفع مستوى الدّخل الفردي، ومعرفة احتياجات المواطنين من خلال فتح حوار مع كافة العاملين بـ"اقتصاد الظل" على مختلف فئاتهم، وذلك بالتّزامن مع ضمان تحسين جودة التعليم ومكافحة الفساد الإداري.

"اقتصاد مشوّه"
الاقتصاد السوري، بحسب عدد من المحلّلين، طالما وُصف بكونه "مشوّها"؛ جرّاء تحوّل معامل القطاع العام إلى "خُردة"، فيما تم بالمُقابل تفكيك القطاع الخاص ونقل مُجمله نحو: تركيا ومصر والأردن.

وبحسب ما توصّلت إليه "عربي21" فإنّ الحرب في سوريا، وطريقة النظام السابق في تدبير البلاد؛ منذ عام 2005 نقل سوريا من نموذج التخطيط المركزي نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يعتمد سياسة الانفتاح وإعطاء مرونة للقطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار. وجعل البلاد تغرق في "اقتصاد الظل".

ووفقا لجمعية العلوم الاقتصادية السورية، فإنّ "اقتصاد الظل" ينقسم إلى نوعين؛ الأول: نشاط قانوني لكنه غير مرخص، ويُعرف باسم "الاقتصاد غير الرسمي"، حيث لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته بحسابات الدولة.

أما النوع الثاني، فهو بحسب المصدر نفسه، يُعرف بـ"اقتصاد الجريمة أو الأسود" وتندرج فيه: كافة الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار وأيضا المتاجرة بالبشر.

اقتصاد الظل في سوريا، لم يعمل على خلق فرص عمل جديدة فقط، بل أعاد تشكيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. إذ برزت ما يوصف بـ"النخب الجديدة" المُتحكّمة في طرق التهريب والأسواق السوداء، وهو ما خلق تفاوتا جديدا بين الطبقات الاجتماعية. وفي الوقت ذاته تآكلت القيم الاجتماعية. وذلك بحسب السوريين أنفسهم في حديثهم لـ"عربي21".


كيف تغيّرت ملامح سوريا الاقتصادية؟ 
بحسب عدد من التحليلات الإقتصادية، فإنّه قبل 2011 كان الاقتصاد السوري، مُتنوّعا، تساهم فيه جل القطاعات، بنسب جيدة. الخدمات هي الأعلى بنسبة 54 في المئة، والزراعة هي الأقل بنسبة 17 في المئة، فيما كانت نسبة الصناعة تمثّل 28 في المئة.

الأرقام الرسمية، أيضا، كانت تؤكد أن معدل البطالة هو 8 في المئة، وهو أقل من المتوسط العالمي. وعلى الرغم من كون سوريا دولة غير نفطية، إلا أن إنتاجها كان يبلغ حوالي 385 ألف برميل. وكان لديها اكتفاء ذاتي في مجمل المنتجات.



أتت الحرب، فغيّرت الملامح الاقتصادية لسوريا، وشوّهتها، حيث أتت على  كامل القطاعات. وبحسب البنك الدولي فإن التقديرات تشير إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل "جنوني" عام 2013 حتّى وصل لـ90 في المئة. ما أدى لانخفاض حاد في القوّة الشرائية لليرة السورية أمام الدولار.

وفي آذار/ مارس 2016 ارتفعت من 50 إلى أكثر من 400  ليرة لكل دولار، وفقا للمصدر نفسه. وبحسب وزير النفط، آنذاك، تجاوزت خسائر قطاع النفط 50 مليار دولار. وبعدها، بلغت أضرار قطاع الصحة 6 مليارات ليرة، فيما تدمّرت عدّة مستشفيات حكومية؛ مع خروج مصانع أدوية عن العمل. 

وفيما لا تتوفّر أي إحصاءات دقيقة ترصد واقع "الاقتصاد السوري" خلال السنوات القليلة الماضية، من حكم نظام الأسد المخلوع؛ فإن عدد من المتحدّثين لـ"عربي21" أبرزوا أن السوق في سوريا، مُجمله يعيش في "الظل"، وجل السلع المباعة فيه، إما مُستعملة أو آتية من منشآت لا تخضع لأي رقابة من أجهزة الدولة.

في المقابل، قال عدد من السوريين في حديثهم لـ"عربي21" إنّ: "اقتصاد الحرب قد انتعش، إذ مسّ كافة القطاعات، في خضمّ ارتفاع حدّة الصراع؛ وبات اقتصاد الظل أوسع لتجد على الأرصفة، مواد جديدة لم يكن المستهلك السوري يحتاجها قبل الحرب، مع انتشار بيع المشتقات النفطية بالسوق السوداء، أو القيام بعدّة أنشطة ممنوعة مثل تحويل العملة".


جرّاء انهيار الاقتصاد الرسمي للبلاد، وتوالي سنوات الحرب، ومع تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية، وجد السوريون أنفسهم في مواجهة خيارين: إما الهجرة أو التكيّف مع اقتصاد ينتعش في الخفاء؛ حيث رضخوا لأمر الواقع، وعاشوا في واقع اختلطت فيه أصوات الباعة المتجولين برائحة الوقود المهرب.


إلى ذلك، كل مرحلة جديدة، كانت تشهدها سوريا، كان معها الاقتصاد يتهاوى، حتى بلغ "العجز" مبلغا، لا تشفى بعده البلاد، إلا بسنوات طويلة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه سوريا، حاليا، الخروج من أزمتها الطويلة، يظل "اقتصاد الظل" تحديا بارزا، لا يزال يهدد مستقبل البلاد. إذ أن "المال الأسود" الذي غذّى الحرب قد يصبح حجر عثرة أمام إعادة الإعمار، ما لم تتخذ القيادة السورية الجديدة، خطوات حاسمة لتحويله إلى نقطة انطلاق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية اقتصاد الظل سوريا الاقتصاد السوري سوريا الاقتصاد السوري اقتصاد الظل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المئة فی سوریا عدد من

إقرأ أيضاً:

بمشاركة ممثلين عن 48 دولة.. انطلاق منتدى الحوار المفتوح في موسكو لرسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد

روسيا – انطلق مساء الاثنين في مركز “روسيا” الوطني بموسكو منتدى الحوار المفتوح تحت عنوان “مستقبل العالم. منصة جديدة للنمو العالمي”، لمناقشة التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم.

ومن 28 وإلى 30 أبريل 2025، سيناقش المشاركون آفاق تطور الاقتصاد العالمي وتأثير التغيرات الراهنة على حياة ورفاهية البشر، استنادا إلى قرابة 700 مقال قدمها خبراء وعلماء من مختلف أنحاء العالم.

ويهدف مركز “روسيا” من خلال هذا الحدث تأسيس منصة لمناقشة وبحث آفاق نمو الاقتصاد العالمي حيث يشارك في المنتدى ممثلون من 48 دولة، بينهم خبراء من مراكز بحثية رائدة، ومؤسسات تنموية، وجامعات، ومنظمات شبابية، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين ورجال أعمال.

وبمناسبة إطلاق منتدى الحوار المفتوح، قال نائب رئيس الإدارة الرئاسية الروسية مكسيم أوريشكين: “ننظم لأول مرة حدثا دوليا مفتوحا بهذا الشكل. سنناقش معا أفكارا جديدة، ونصمم مشاريع مبتكرة، ثم ننفذها لصالح بلداننا وخير البشرية جمعاء. أهلا بكم في موسكو!”.

مشاركون في منتدى “الحوار المفتوح” في موسكو

وفي إطار التحضيرات للفعالية، دعا المنظمون المشاركين لتقديم أفكارهم حول استدامة نمو الاقتصاد العالمي على شكل مقالات على أن تركز المقالات على أحد المحاور الأربعة: “الاستثمار في الإنسان”، “الاستثمار في التكنولوجيا”، “الاستثمار في البيئة”، أو “الاستثمار في الترابط”. ويمكن تقديم المقالات بأي لغة.

والهدف الرئيسي للمقالات هو توضيح كيف يمكن للتغيرات العالمية طويلة الأمد أن تؤثر على حياة الأفراد ورفاهيتهم في العالم.

وقال أوريشكين بهذا الصدد: “تلقينا حوالي 700 مقالة من أكثر من 100 دولة. قدم أشخاص من مختلف القارات أفكارهم حول المشاريع المبتكرة التي يجب تنفيذها لدفع العالم نحو الأمام”.

واللافت أن مقالات لمشاركين من المكسيك وسلطنة عمان والصين وإيطاليا تصدرت قائمة المشاركين الأجانب، فيما سجلت المقالات من روسيا أعلى عدد، بحسب ما أوضحته المديرة العامة لمركز “روسيا” الوطني ناتاليا فيرتووزوفا.

وعن مواضيع المقالات، ذكرت فيرتووزوفا أن “غالبية المقالات ركزت على الاستثمار في الإنسان مثل إمكانية الحصول على التعليم والحفاظ على الهوية الوطنية، أما فيما يخص التكنولوجيا، فقد كان الذكاء الاصطناعي المحور الرئيسي. وفي موضوع العلاقات الدولية، تناولت معظم المقالات التجارة الدولية، بينما كتب المشاركون من الدول الصغيرة عن أهمية الوصول إلى المعلومات الموثوقة. أما مقالات الاستثمار في البيئة، فقد ناقشت مستقبل المدن”.

مشاركون في منتدى “الحوار المفتوح” في موسكو

يذكر أن المشاركين كتبوا مقالاتهم بـ 18 لغة مختلفة، بما فيها البشتوية والملغاشية والصربية واليونانية. وتمت دعوة أكثر من 100 كاتب لحضور الحوار بشكل شخصي في موسكو بعد عملية الفرز.

وأكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة “تانسسي” من البرازيل روديجر تياجو أن “الحوار المفتوح منصة مهمة، خاصة لدول “بريكس” لمناقشة آفاق التعاون والمبادرات التكنولوجية. إنها فرصة للتواصل مع خبراء جدد وتبادل الخبرات وإيجاد سبل للتنمية المشتركة”.

وأعرب مؤسس منظمة “Tools for the Commons” البرازيلية هوغو ماتيكوفيتش، عن رأي مماثل، وقال إن “الفعالية تتيح للمشاركين “التعلم من بعضهم البعض وبناء تعاون مشترك”.

وأضاف ماتيكوفيتش: “نحن سعداء جدا بحضور ممثلين من دول مختلفة لتبادل الخبرات والآراء.. أنا منبهر بمستوى التكنولوجيا والمعرفة التقنية في روسيا، وأعتقد أنها ستلعب دورا مهما في المستقبل”.

يمكن متابعة سير الفعالية من خلال زيارة الموقع الرسمي: russia.ru، واللافت أن الحوار متاح باللغات الروسية والإنجليزية والصينية والعربية والبرتغالية.

وعن برنامج المنتدى فقد خصص اليوم الأول لعروض تقديمية للمشاركين، بينما يشمل اليوم الثاني (29 أبريل 2025) جلسات نقاش مع خبراء عالميين.

وأكد المنظمون أن “هذا الحوار المفتوح فريد من نوعه. في ظل بناء واقع اقتصادي جديد، دعونا الخبراء والاقتصاديين والصحفيين ورواد الأعمال والطلاب لتقديم فرضياتهم وأفكارهم وأبحاثهم العلمية. كل من يهتم بالازدهار والتعاون المبني على المساواة والاحترام المتبادل لصالح البشرية”.

وسيتم تلخيص وجمع نتائج الحوار في تقرير ختامي يشمل جميع الأفكار والفرضيات المطروحة، بالإضافة إلى آراء الخبراء.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ عربي21.. هذه بدايتي
  • لأول مرة منذ ثلاث سنوات.. اقتصاد أميركا ينكمش بالربع الأول
  • نمو اقتصاد منطقة اليورو.. فماذا عن أكبر الاقتصادات الأوروبية؟
  • بمشاركة ممثلين عن 48 دولة.. انطلاق منتدى الحوار المفتوح في موسكو لرسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد
  • اقتصاد منطقة اليورو ينمو بنسبة 0.4% في الربع الأول من 2025
  • ترامب يحتفل بـ100 يوم: "استعدنا أعظم اقتصاد في التاريخ"
  • اقتصاد الحرب
  • الأردن: الداخلية تصدر قرارات جديدة بشأن دخول ومغادرة السوريين.. ما هي؟
  • قرارات أردنية عاجلة بشأن السوريين| تفاصيل
  • الأردن يسمح لفئات جديدة من السوريين بدخول المملكة ومغادرتها