الكيان الإسرائيلي في مواجهة جغرافية المتاهة الأمنية في اليمن
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
يمانيون../
تدور خيارات الكيان الإسرائيلي مع اليمن في أتون حلقة مفرغة، ما دفع رئيس المخابرات الإسرائيلية الخارجية الموساد، ديفيد برنياع، إلى تقديم مقترح قصف إيران للضغط على اليمن لوقف هجماتها التي تكثّفت خلال الشهر الأخير من عام 2024 مستهدفة التجمّع الإسرائيلي الأكبر في “تل أبيب” ومحيطها في منطقة “غوش دان”، وهو ما تطلق عليه القوات المسلحة اليمنية اسم يافا تيمّناً بالمسمّى الفلسطيني الأصلي والتاريخي، في خطوة مبدئية لإعادة الصراع نحو مربّعه الأساس.
لماذا يعجز الإسرائيلي عن إخضاع اليمن، ذلك البلد الفقير البعيد المقسّم؟ وكيف استطاع اليمني الخارج لتوّه من حرب طويلة مع الجارة السعودية، أن يؤسّس قوّة عسكرية أطبقت على ميناء “إيلات” الإسرائيلي، وانتصرت على البوارج الحربية الأميركية البريطانية في صراع دمويّ متصاعد منذ أكثر من عام، نجحت خلاله في الأيام الماضية في إسقاط طائرة حربية أميركية من طراز F18؟
معادلة اليمن البسيطة، المتكئة على الجغرافيا وحرية الإرادة مع وضوح الرؤية والعناد الاستراتيجيّ، أفرغت بنك الأهداف الإسرائيلي من غايته، ولكن هل هناك بنك أهداف إسرائيلي في اليمن؟ وهل دار في خلد الإسرائيلي أنّ حركة أنصار الله التي أطلقها الشهيد المفكّر والقائد القرآني حسين بدر الدين الحوثي قبل عدة عقود، قد تحوّلت إلى خصم إسلامي كبير في مواجهة التوحّش الإسرائيلي؟
انشغل الإسرائيلي طوال العقدين الماضيين، في تعزيز رصيد بنك أهدافه ضدّ حزب الله، لما يمثّله حزب الله من خطر استراتيجي دائم وحاسم ضدّ “إسرائيل”، ودخل الحرب مع غزة وظلّ يتمهّل مع لبنان وهو يعدّ كامل عدّته ضدّ حزب الله، وكان ما كان، فإذا بـ “إسرائيل” تجد نفسها فجأة في مواجهة قوة صاعدة، معزّزة بمجاهيل الجغرافية الأمنية ما يكبح جماح التغوّل الإسرائيلي الذي لم يجد في اليمن إلّا الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء.
يعلم بقيّة عقلاء “تل أبيب” أنّ قوّة اليمن تعزّزت بعيداً عن هذه البنى التحتية التي ربما تنفع للضغط على دولة عصرية نفطية مثل إيران، أو بلد محدود الجغرافيا والاقتصاد مقسّم طائفياً مثل لبنان، لكنّ حكومة صنعاء بطبيعة تكوينها والحرب التي تجاوزتها وما زالت تخوضها، وإن بطريقة مختلفة عن السابق، قد تجاوزت أثر هذه المكوّنات وعملت لسنوات من دون مفاعيلها، فالشعب اليمني عبر حياته البسيطة لن يمثّل استهداف الكهرباء عنده عامل ضغط حاسماً بحال، كحال الإسرائيلي في بلد صناعي يعيش على الرفاهية، لذا بادر اليمن بالإعلان عن قاعدة كهرباء مقابل كهرباء، وقد استهدف محطة للكهرباء جنوب القدس.
عمل قادة حكومة صنعاء طوال عقد مضى من الزمن، في ظلّ تحدّيات أمنيّة جعلتهم يصنعون دولتهم في ضوء هذه التحدّيات، خاصة أنّ رئيس حكومة صنعاء السابق، الشهيد صالح الصمّاد، قضى بغارة سعودية مدعومة لوجستياً من جبروت الفضاء الأميركي، وهذا الأميركي لم ينجح طوال السنوات السابقة بما فيها سنة كاملة من المواجهة المحدودة، في أن يجمع معلومات أمنية أو يحبك حيلاً وألاعيب دموية ضدّ قادة أنصار الله، وبالتأكيد هو حاول ويحاول، وليس ثمّة فرق في النهاية بينه وبين الإسرائيلي الذي يظنّ أنّ منجزاته الأمنية في هذه الحرب، حقّقت النصر على محور المقاومة، ولكنّه يجد نفسه في حرج كبير أمام اليمن واستعصائه وديمومة فعله الاستراتيجي.
نجح اليمنيون في إسقاط 13 طائرة تجسّس أميركية من طراز ثقيل MQ9 خلال عام 2024، ما يشير إلى تصاعد محاولات التجسّس الأميركية ضدّ اليمن، وفي الوقت ذاته إلى قدرات اليمن المتنامية في التصدّي لعمليات التجسّس، خاصة أنّ حكومة صنعاء اعتقلت عشرات الخلايا من العملاء اليمنيين، الذي عملوا لصالح المخابرات الأميركية والإسرائيلية، بهدف جمع المعلومات وتنفيذ عمليات تخريب وقتل في اليمن.
كثر الجدل في دوائر صنع القرار الإسرائيلي حول أزمة التصدّي لليمن، وهو ما انعكس على وسائل الإعلام والرأي العامّ الإسرائيلي، وتردّدت قوائم اغتيالات إسرائيلية بحقّ قادة في أنصار الله بحسب صحيفة يديعوت أحرنوت، وسبق لوزير الحرب السابق والزعيم المعارض ليبرمان، أن طالب منذ بداية الحرب باغتيال السيد عبد الملك الحوثي، ما يشبه المزايدة السياسية مع نتنياهو وكلاهما يعي العجز حالياً عن القدرة على تنفيذ هكذا اغتيالات في عمق اليمن المزنّر بالجبال الشاهقة والوديان البعيدة والصحاري الواسعة.
أطلق اليمنيون نحو 400 صاروخ باليستي وطائرة مسيّرة، ضدّ الكيان الإسرائيلي منذ بدء الإسناد اليمنيّ لغزة في مواجهة حرب الإبادة، وخلال الشهر الأخير من عام 2024 تصاعدت هذه الهجمات، رغم وقف إطلاق النار الهشّ مع لبنان، وتراجع القصف العراقي لـ “إسرائيل”، وغياب التصعيد بين إيران و”إسرائيل”، على الأقلّ خلال الأسابيع الماضية، حتى أصبح القصف اليمني لـ “تل أبيب” شبه يومي، ما تجاوز العشرين صاروخاً باليستياً وطائرة مسيّرة، وقد تسبّب هذا القصف بعشرات الإصابات من الإسرائيليين بعضهم أصيب بجراح مباشرة من الشظايا، وكثير منهم بسبب التدافع هلعاً مع انطلاق صفّارات الإنذار، حيث اندفع ملايين الإسرائيليون إلى الملاجئ على مدار عدة ليالٍ متقطّعة.
دفعت أجواء الهلع والمكوث في الملاجئ التي تسبّبت بها الصواريخ اليمنية، للبحث عن حلول إسرائيلية رادعة مع عدو تخرج جماهيره المليونية كلّ جمعة، منذ بدء الحرب لتحتشد بالساحات العامة في العاصمة وكلّ مناطق سيطرة أنصار الله، من دون ملل أو كلل، بل يدفعهم القصف الإسرائيلي لحماسة الردّ وكثافة القصف، ولعلّ ذلك يساهم مع عوامل أخرى ضاغطة للنزول الإسرائيلي عن شجرة الحرب ضدّ غزة، والدخول في صفقة حقيقية لاحتواء موجة الحرب المجنونة ضدّ الشعب الفلسطيني المظلوم.
الميادين محمد جرادات
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حکومة صنعاء أنصار الله فی مواجهة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
تقرير أمريكي يكشف: كيف تُدار الغارات على اليمن من غرفة عمليات في الرياض
يمانيون../
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن تفاصيل صادمة حول إدارة الحرب على اليمن، مؤكدةً أن العمليات الجوية تُدار بالكامل من غرفة عمليات في الرياض يشرف عليها ضباط أمريكيون وبريطانيون.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها، أنها دخلت إلى ما وصفته بـ”المركز العصبي للحرب”، حيث وجدت قسماً كاملاً داخل غرفة العمليات يحمل أعلام الولايات المتحدة وبريطانيا، ويشرف عليه ضباط من البلدين فقط. وأشارت إلى أن الجدران كانت مليئة بشاشات البث المباشر التي تعرض كل نقطة في أجواء اليمن، حيث يُتابع الضباط تحركات الأفراد والمركبات بشكل لحظي.
ونقل التقرير عن أحد ضباط الاستطلاع قوله أثناء مراقبته إحدى الشاشات: “انظر إلى هذه السيارة التي تتحرك الآن، لقد خرجت من موقع تتمركز فيه قوات الحوثيين”.
كما أشار التقرير إلى أن الطائرات الأمريكية المسيّرة ترسل صوراً حية مباشرة إلى غرفة العمليات في الرياض لدعم التحالف، وإلى ولاية فلوريدا لمتابعة العمليات الأمريكية الأخرى ضد ما يُسمى بتنظيم القاعدة في اليمن.
وتفاخر الضباط الأمريكيون والبريطانيون، بحسب التقرير، بأن التحالف نفّذ 145,000 طلعة جوية خلال ثلاث سنوات، غير مدركين أن هذا الرقم قد يُفسَّر كدليل على الفشل والنزيف المالي في حرب لا تبدو لها نهاية.
وفي السياق ذاته، وثّقت منظمات حقوق الإنسان 16,000 غارة جوية شنها التحالف الخليجي، تسببت في وقوع إصابات بين المدنيين في اليمن.
ووفقاً للتقرير، قال أحد ضباط الاستطلاع: “انظر إلى هذه الشاشة، إنها تُظهر كل طائرة سعودية أو إماراتية تتزود بالوقود فوق اليمن، وهذه الطائرات التي تعمل كمحطات وقود جوية هي أمريكية بالكامل، ما يعني أن هذه الحرب لم تكن لتستمر لحظة واحدة دون دعم أمريكي”.
وأضاف أن شاشة أخرى تُظهر مسار الطائرات السعودية والإماراتية منذ لحظة إقلاعها من قواعدها، مروراً بتنفيذ الغارات، وحتى عودتها إلى قواعدها، مما يؤكد أن الولايات المتحدة وبريطانيا هما المشرفان الفعليان على هذه الحرب، وأن استمرارها يعتمد بشكل أساسي على دعمهما العسكري والسياسي في مجلس الأمن.
???? مشاهد وتفاصيل من داخل المركز العصبي للحرب على اليمن#البصمة_الأمريكية#الشهيد_الرئيس pic.twitter.com/J6JWp4cyQN
— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) February 4, 2025