يمانيون../
تدور خيارات الكيان الإسرائيلي مع اليمن في أتون حلقة مفرغة، ما دفع رئيس المخابرات الإسرائيلية الخارجية الموساد، ديفيد برنياع، إلى تقديم مقترح قصف إيران للضغط على اليمن لوقف هجماتها التي تكثّفت خلال الشهر الأخير من عام 2024 مستهدفة التجمّع الإسرائيلي الأكبر في “تل أبيب” ومحيطها في منطقة “غوش دان”، وهو ما تطلق عليه القوات المسلحة اليمنية اسم يافا تيمّناً بالمسمّى الفلسطيني الأصلي والتاريخي، في خطوة مبدئية لإعادة الصراع نحو مربّعه الأساس.

لماذا يعجز الإسرائيلي عن إخضاع اليمن، ذلك البلد الفقير البعيد المقسّم؟ وكيف استطاع اليمني الخارج لتوّه من حرب طويلة مع الجارة السعودية، أن يؤسّس قوّة عسكرية أطبقت على ميناء “إيلات” الإسرائيلي، وانتصرت على البوارج الحربية الأميركية البريطانية في صراع دمويّ متصاعد منذ أكثر من عام، نجحت خلاله في الأيام الماضية في إسقاط طائرة حربية أميركية من طراز F18؟

معادلة اليمن البسيطة، المتكئة على الجغرافيا وحرية الإرادة مع وضوح الرؤية والعناد الاستراتيجيّ، أفرغت بنك الأهداف الإسرائيلي من غايته، ولكن هل هناك بنك أهداف إسرائيلي في اليمن؟ وهل دار في خلد الإسرائيلي أنّ حركة أنصار الله التي أطلقها الشهيد المفكّر والقائد القرآني حسين بدر الدين الحوثي قبل عدة عقود، قد تحوّلت إلى خصم إسلامي كبير في مواجهة التوحّش الإسرائيلي؟

انشغل الإسرائيلي طوال العقدين الماضيين، في تعزيز رصيد بنك أهدافه ضدّ حزب الله، لما يمثّله حزب الله من خطر استراتيجي دائم وحاسم ضدّ “إسرائيل”، ودخل الحرب مع غزة وظلّ يتمهّل مع لبنان وهو يعدّ كامل عدّته ضدّ حزب الله، وكان ما كان، فإذا بـ “إسرائيل” تجد نفسها فجأة في مواجهة قوة صاعدة، معزّزة بمجاهيل الجغرافية الأمنية ما يكبح جماح التغوّل الإسرائيلي الذي لم يجد في اليمن إلّا الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء.

يعلم بقيّة عقلاء “تل أبيب” أنّ قوّة اليمن تعزّزت بعيداً عن هذه البنى التحتية التي ربما تنفع للضغط على دولة عصرية نفطية مثل إيران، أو بلد محدود الجغرافيا والاقتصاد مقسّم طائفياً مثل لبنان، لكنّ حكومة صنعاء بطبيعة تكوينها والحرب التي تجاوزتها وما زالت تخوضها، وإن بطريقة مختلفة عن السابق، قد تجاوزت أثر هذه المكوّنات وعملت لسنوات من دون مفاعيلها، فالشعب اليمني عبر حياته البسيطة لن يمثّل استهداف الكهرباء عنده عامل ضغط حاسماً بحال، كحال الإسرائيلي في بلد صناعي يعيش على الرفاهية، لذا بادر اليمن بالإعلان عن قاعدة كهرباء مقابل كهرباء، وقد استهدف محطة للكهرباء جنوب القدس.

عمل قادة حكومة صنعاء طوال عقد مضى من الزمن، في ظلّ تحدّيات أمنيّة جعلتهم يصنعون دولتهم في ضوء هذه التحدّيات، خاصة أنّ رئيس حكومة صنعاء السابق، الشهيد صالح الصمّاد، قضى بغارة سعودية مدعومة لوجستياً من جبروت الفضاء الأميركي، وهذا الأميركي لم ينجح طوال السنوات السابقة بما فيها سنة كاملة من المواجهة المحدودة، في أن يجمع معلومات أمنية أو يحبك حيلاً وألاعيب دموية ضدّ قادة أنصار الله، وبالتأكيد هو حاول ويحاول، وليس ثمّة فرق في النهاية بينه وبين الإسرائيلي الذي يظنّ أنّ منجزاته الأمنية في هذه الحرب، حقّقت النصر على محور المقاومة، ولكنّه يجد نفسه في حرج كبير أمام اليمن واستعصائه وديمومة فعله الاستراتيجي.

نجح اليمنيون في إسقاط 13 طائرة تجسّس أميركية من طراز ثقيل MQ9 خلال عام 2024، ما يشير إلى تصاعد محاولات التجسّس الأميركية ضدّ اليمن، وفي الوقت ذاته إلى قدرات اليمن المتنامية في التصدّي لعمليات التجسّس، خاصة أنّ حكومة صنعاء اعتقلت عشرات الخلايا من العملاء اليمنيين، الذي عملوا لصالح المخابرات الأميركية والإسرائيلية، بهدف جمع المعلومات وتنفيذ عمليات تخريب وقتل في اليمن.

كثر الجدل في دوائر صنع القرار الإسرائيلي حول أزمة التصدّي لليمن، وهو ما انعكس على وسائل الإعلام والرأي العامّ الإسرائيلي، وتردّدت قوائم اغتيالات إسرائيلية بحقّ قادة في أنصار الله بحسب صحيفة يديعوت أحرنوت، وسبق لوزير الحرب السابق والزعيم المعارض ليبرمان، أن طالب منذ بداية الحرب باغتيال السيد عبد الملك الحوثي، ما يشبه المزايدة السياسية مع نتنياهو وكلاهما يعي العجز حالياً عن القدرة على تنفيذ هكذا اغتيالات في عمق اليمن المزنّر بالجبال الشاهقة والوديان البعيدة والصحاري الواسعة.

أطلق اليمنيون نحو 400 صاروخ باليستي وطائرة مسيّرة، ضدّ الكيان الإسرائيلي منذ بدء الإسناد اليمنيّ لغزة في مواجهة حرب الإبادة، وخلال الشهر الأخير من عام 2024 تصاعدت هذه الهجمات، رغم وقف إطلاق النار الهشّ مع لبنان، وتراجع القصف العراقي لـ “إسرائيل”، وغياب التصعيد بين إيران و”إسرائيل”، على الأقلّ خلال الأسابيع الماضية، حتى أصبح القصف اليمني لـ “تل أبيب” شبه يومي، ما تجاوز العشرين صاروخاً باليستياً وطائرة مسيّرة، وقد تسبّب هذا القصف بعشرات الإصابات من الإسرائيليين بعضهم أصيب بجراح مباشرة من الشظايا، وكثير منهم بسبب التدافع هلعاً مع انطلاق صفّارات الإنذار، حيث اندفع ملايين الإسرائيليون إلى الملاجئ على مدار عدة ليالٍ متقطّعة.

دفعت أجواء الهلع والمكوث في الملاجئ التي تسبّبت بها الصواريخ اليمنية، للبحث عن حلول إسرائيلية رادعة مع عدو تخرج جماهيره المليونية كلّ جمعة، منذ بدء الحرب لتحتشد بالساحات العامة في العاصمة وكلّ مناطق سيطرة أنصار الله، من دون ملل أو كلل، بل يدفعهم القصف الإسرائيلي لحماسة الردّ وكثافة القصف، ولعلّ ذلك يساهم مع عوامل أخرى ضاغطة للنزول الإسرائيلي عن شجرة الحرب ضدّ غزة، والدخول في صفقة حقيقية لاحتواء موجة الحرب المجنونة ضدّ الشعب الفلسطيني المظلوم.

الميادين محمد جرادات

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: حکومة صنعاء أنصار الله فی مواجهة فی الیمن

إقرأ أيضاً:

تهافت السلفية الأمنية في مصر والخليج

الفيديو المنشور للدكتور ياسر برهامي، أحد أبرز علماء الدعوة السلفية في مصر، عن المقاومة في فلسطين والدعوة إلى الجهاد التي أطلقها اتحاد علماء المسلمين قبل أيام، أثار ولا يزال يثير جدلا وسخطا كبيرا في الأوساط العربية والإسلامية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية بشكل عام ومع أهلنا في غزة بشكل خاص.

لم يكن برهامي متفردا في موقفه من الحرب العدوانية على غزة ولم يختلف موقفه كثيرا عن أقرانه فيما يعرف بالتيار السلفي في دول الخليج، وربما تأخر برهامي في رأيه الذي منع أو عطل بمقتضاه فريضة الجهاد بزعم أن بين مصر والكيان الصهيوني معاهدة تجعل من المستحيل نصرة أهلنا في غزة، مستشهدا بقول الله تعالى "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق"، ونسي برهامي أن بني إسرائيل قد خانوا الاتفاقيات وخرقوها غير مرة، وأنهم احتلوا ممر صلاح الدين المعروف بممر فيلادلفيا، وهذا في حد ذاته خرق للاتفاق المعدل بين مصر والكيان الصهيوني، ونسي برهامي أن الخيانة التي حذر منها القرآن قد وقعت، فهؤلاء لا عهد لهم ولا أيمان لهم، "فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"، وقد بدت الخيانة واتضحت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

عموما هذه ليست قصتنا، فالموضوع الذي تتنظر الشعوب الفتوى فيه ليس مشاركة الجيوش العربية في الجهاد في فلسطين، فهذه الجيوش أجبن وأضعف من أن تقاتل عدوا، فما جُعلت هذه الجيوش إلا لمحاربة الشعوب والتضييق عليها إن هي خرجت عن الصراط الذي رسمه الغرب لها، وهذا يجعلني أسأل برهامي وغيره" لماذا لم تتحدث عن وجوب نصرة المظلومين؟ وعن رفع الحصار عن المحاصرين؟ ولماذا لم تفتي بوجوب فتح المعابر لكي يغاث أهل فلسطين؟ لماذا لم يأمر أو يفتي برهامي وغيره بضرورة الدعوة للتبرع من أجل إغاثة أهل فلسطين أو علاج المصابين والجرحى؟ أو الدعوة لإرسال مستشفيات جاهزة ومتنقلة وإرسال وفود طبية للمشاركة في علاج المرضى وخصوصا الأطفال والنساء وكبار السن؛ في ما تبقى من مستشفيات غزة التي أتى عليها العدوان؟ أو حتى الدعوة لترميم المساجد التي قصفت والمآذن التي دمرت؟

لا شيء من كل هذا دعا إليه أو طالب به مفتي الدعوة السلفية في مصر، ولكنه ركز على القول بأن بين مصر والكيان معاهدة وأن مصر لا تستطيع نقضها، ونسي أن مصر ليست السلطة فحسب بل هي دولة عريقة وعظيمة، ونسي أن السلطة التي تحاصر الدين وتحارب المسلمين وتقتلهم في داخلها لا ترحم من هم خارجها هي سلطة لا بيعة لها ولا طاعة لها في معصية الله، وهل هناك أكبر إثما وذنبا من قتل النفس البشرية أو المشاركة في حصارها وتجويعها حتى الموت؟

لقد حمل برهامي ذنب كل ما يجري للمقاومة ولم يأت على ذكر المعتدي ولم يتهمه بشيء، وفرغ كل طاقته لإدانة المقاومة تماما كما فعل سلفي آخر من السعودية هو الشيخ صالح السحيمي؛ الذي ادعى أن حماس قد جنت على نفسها وأن ما يجري هو بما كسبت أيديهم، وأن حماس فقدت أهم شرط للنصرة وهو التوحيد، وأن الهتافات التي ترفعها حماس وأنصارها مثل أين أنت يا صلاح الدين؟ هي نوع من الشرك بالله، فكيف ينصرهم الله؟

هذا التهافت الكبير من التيار السلفي المصري الذي أراه تيارا أمنيا بامتياز بعد سقوطه في عدة محطات مفصلية في تاريخ الأمة المسلمة عموما وفي تاريخ مصر تحديدا خصوصا، بعد أن اصطف إلى جانب الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنعقدة بيعته الشرعية والواجبة النفاذ الشهيد مرسي عليه رحمة الله، واليوم يخرج قادة هذا التيار عن إجماع العلماء بوجوب النصرة لإخوتنا في فلسطين وهي البقعة المحتلة من أرض المسلمين.

تعالوا أحكي لكم قصة قصيرة عن موقف ياسر برهامي من المقاومة في عام 2004، يقول برهامي نسخة عام 2004 حين سئل عن نصرة غزة وأهلها: "نقول أولا إن نصرة المسلمين في غزة وفي فلسطين كلها وفي كل مكان يُستضعف فيه المسلمون واجب على كل مسلم، بحسب قدرته واستطاعته بالنفس والمال والجاه والدعاء وإصلاح النفس وإعداد لبِنات صالحة لأمة الاسلام للدفاع عن الدين ونصرته في كل مكان، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، إن نصرة اليهودي على المسلمين ومعاونتهم على قتالهم الظالم ضد المسلمين ممن ينتسبوا إلى الإسلام هو النفاق الأكبر بل هو الردة عن الإسلام، خاصة بعدما أبدوا أو أظهروا العداوة الصريحة لهذا الدين وهذه الأمة، وأولياؤهم في الغرب يستهزئون بالإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم أئمة الكفر (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) ويقول الله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)".

ويواصل برهامي في فتواه المنشورة على المواقع الاجتماعية ويوتيوب بالصوت والصورة: "لا يجوز لمسلم أن يقول ماذا أفعل وأنا عبد المأمور، فلا توجد اتفاقيات ولا معاهدات تقول لك اقتل الجائع العاري المسكين، لا توجد اتفاقيات تسمح بقتل المسلمين وأنت ساكت".

كان هذا كلام ياسر برهامي ممثلا للدعوة السلفية في مصر قبل عقدين من الزمان، فما الذي تغير أيتها الدعوة السلفية الكريمة؟

هل تغير في الواقع شيء؟ وهل جد جديد على الساحة؟ أوَ ليست هذه هي اتفاقيات كامب ديفيد نفسها أم تم تعديلها لتتضمن فقرات عن ضرورة محاربة المقاومة والتنازل عن الجهاد أو الدفاع عن فسلطين؟

هل تطورت الحركة السلفية وأصبح شعارها "السلفية في خدمة النظام"، مثلما جرى في السعودية وبعض دول الخليج العربي، بعد أن كانت تزعم أنها الحارس الأمين على العقيدة وفي خدمة الدين؟

لا شيء تغير، والذي حدث هو أن البعض كان مخدوعا بهذا التيار الذي لم يخدعني يوما في حياتي منذ أن تفتح وعيي على الحركة الإسلامية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أقول إن هناك مستودعا في أجهزة الأمن لبعض منتسبي التيار الإسلامي يتم إعداد من فيه لمواجهة الإسلاميين الحقيقيين، وهذا المستودع يضم كل الخبث والإفرازات السيئة للحركة الإسلامية ويعاد تصنيعها وتغليفها لكي تدخل السوق من جديد بعد "الصنفرة والدهان" تحت راية الإسلام. وقد كان هذا الإفراز الأمني الذي يرى أوامر الحاكم فوق أوامر الله، وتعليمات المسئول فوق أحاديث الرسول، وأن الجهاد في فلسطين لا يجوز إلا بإذن ولي أمر الحاكم في السعودية أو قائد الانقلاب في مصر.

الحقيقة المؤلمة ذكرتها لبعض الشباب المتحمس في لقاء معهم في صيف عام 2006، حين شن العدو حربه على جنوب لبنان وثارت فتاوى ترتدي ثوب السلفية بعدم جواز الدعاء لحزب الله لأنه خارج عن الملة لأنه شيعي، وأذكر ساعتها أنني قلت: لا تدعُ للحزب بالنصر وادعُ على الكيان بالهزيمة.. وأدركت ساعتها أن السلفية التي تدّعون الانتساب إليها هي سلفية أمنية عابرة للحدود، جاءت من السعودية لموقفها السياسي من إيران وليست مبنية على موقف شرعي حقيقي، وأنه لو خاضت المقاومة السنية يوما ما حربا مع الكيان فلن تقف هذه السلفية مع المقاومين السنّة ولن ينصروها. وللأسف فقد تحقق ما توقعته.

مقالات مشابهة

  • تهافت السلفية الأمنية في مصر والخليج
  • بين الحرب على غزة وضربات اليمن.. الاقتصاد الإسرائيلي يفقد جاذبيته للمستثمرين
  • 50.810 شهيدا حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع
  • غزة تحت القصف.. آخر التطورات في اليوم الـ22 من الحرب بعد استئنافها
  • أحرقه القصف الإسرائيلي حيّا.. استشهاد الصحفي أحمد منصور بغزة (فيديو)
  • أحرقه القصف الإسرائيلي حيّا.. استشهاد الصحفي أحمد منصور في غزة
  • التجمع يؤيد الإضراب العالمي للتضامن مع غزة.. ويدعو لمواصلة الضغط على الكيان الصهيوني
  • إضراب عام في الضفة الغربية احتجاجًا على القصف الإسرائيلي على غزة
  • عاجل | مراسل الجزيرة: 46 شهيدا في القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة خلال 24 ساعة
  • إسرائيل تدك غزة.. وسكان حي الشجاعية يستغيثون إنقاذهم